العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

مفهوم مدرسة الفقهاء والمتكلمين

إنضم
20 أبريل 2008
المشاركات
122
التخصص
الشريعة..
المدينة
أم القرى
المذهب الفقهي
............
مفهوم مدرسة الفقهاء والمتكلمين
بقلم/ محمد بن حسين الأنصاري

كنت قد كتبت ورقة في هذا الموضوع نحو سنة، خاصة ما يتعلق بمدرسة الفقهاء وسمتها: بـ"منهج المدارس الأصولية في استنباط القاعدة الأصولية" وكنت أعاود النظر فيها بين الفينة والأخرى مع بعض الأحبة إلى أن أتت مناسبة لطرحها؛ فاستخلصت منها ما يلي رجاء النفع والفائدة من مشاركات الأعضاء، ونقدهم البناء.

وبعد: فإن هذه المشاركة تتلخص في عدة نقاط:
النقطة الأولى: وجود منهجين في أصول الفقه.

أثبتت النصوص والتطبيقات الأصولية أن ثمة منهجين في دراسة القواعد الأصولية، وهذا القدر من البحث لا خلاف فيه فيما أحسب، وإنما حصل النزاع عند فئة من المتأخرين في حقيقة المنهجين، والمراد بهما، ومعناهما، وفي توجيه كلام ابن خلدون خاصة.

ولظهور هذه المسألة أكتفي بالإحالة عليها فقط، انظر على سبيل المثال ما يثبت وجود هاتين المدرستين:
- [التقريب والإرشاد (3/66و76و146)]
- و[أصول السرخسي (1/295)]
- و[إحكام الأحكام للآمدي (3/144)]
- و[التلخيص في أصول الفقه لإمام الحرمين (2/230)]
- و[المحصول (4/147)]

النقطة الثانية: حقيقة المنهجين:
(أي: مَن هم الفقهاء؟ ومن هم المتكلمون؟)

أولاً: من هم المتكلمون؟


أشير هنا فقط إلى ما لا بد منه حول هذه المدرسة، وأدع التفصيل لباحث آخر كتب فيها كتابة قيمة كما سيأتي.
هذه المدرسة ينتمي إليها كل من ألف في علم الأصول، وأسس بنيانه على علم الكلام، والأدلة على ذلك كثيرة منها:
- نصوص العلماء في بيان مرادهم بالمتكلمين.
قال الباقلاني: (..وبه قال كثير من المتكلمين منهم الجبائي وابنه..)
[التقريب والإرشاد (3/66)]
وقال الجويني: (القول في منع القياس في الأسماء اللغوية: ما صار إليه معظم المحققين من الفقهاء والمتكلمين أن الأسماء في اللغات لا تثبت قياسا، ولا مجال للأقيسة في إثباتها، وإنما تثبت اللغات نقلا وتوقيفا، وذهب بعض الفقهاء، والمنتمين إلى الكلام إلى أن الأسماء قد تثبت قياسا). [التلخيص في أصول الفقه (1/194)]
قال الآمدي: (فذهب أكثر الفقهاء وجماعة من المتكلمين، كالقاضي أبي بكر والقاضي عبد الجبار وأبي الحسين البصري وغيرهم، إلى أن ذلك يدل على نفي الحكم فيما بعد الغاية وخالف في ذلك أصحاب أبي حنيفة وجماعة من الفقهاء والمتكلمين وهو المختار).
[إحكام الأحكام للآمدي (3/92)] النصوص كثيرة جدا، أكتفي بهذا القدر فقط.

فهذه النصوص بينة في أن المراد بطريقة المتكلمين: هم المنتسبون إلى علم الكلام واتخذوه صناعة، وجعلوا أصوله طريقا للتأصيل والبناء.

وفي قول الجويني: (وذهب بعض الفقهاء، والمنتمين إلى الكلام) ما يدل على أنه قصد بذلك أصحاب علم الكلام، بدليل المقابلة.
ولعل هؤلاء هم الذين عناهم السمعاني بقوله: (وأما الذين يتكلمون في الجواهر والأعراض، وعرفوا بمحض الكلام، ولا يعرفون دلائل الفقه، فلا عبرة بقولهم في الإجماع، وهم بمنزلة العوام.
وأما المتفردون بأصول الفقه، فإن وافقوا الفقهاء في ترتيب الأصول، وطرق الأدلة، كان خلافهم مؤثرا يمنع من انعقاد الإجماع، وإن خالفوهم فيما يقتضيه استنباط المعاني، وعلل الأحكام، وغلبة الأشباه لم يؤثر خلافهم، وانعقد الإجماع بدونهم، والله أعلم).
[قواطع الأدلة في الأصول (1/480) ط: دار الكتب العلمية]
وقال أيضا في مقدمة القواطع في نقد طريقتهم: (ورأيت بعضهم قد أوغل، وحلل، وداخل. غير أنه حاد عن محجّة الفقهاء في كثير من المسائل، وسلك طريق المتكلمين الذين هم أجانب عن الفقه ومعانيه، بل لا قبيل لهم فيه ولا دبير، ولا نقير ولا قطمير، ومن تشبع بما لم يعط فقد لبس ثوبي زور).

بهذا يتضح معنى مدرسة المتكلمين، وهي لا تختص بمذهب دون غيره، فقد انتسب إلى طريقتهم ثلة من أصحاب أئمة المذاهب، كما تبين من خلال التطبيق والمقارنة، فمن وافقهم في طريقتهم فهو منهم وإن كان فقيها حنفيًّا، كما هو الحال في مجمل كتب الأصول المتأخرة.


[أشير هنا للفائدة: إلى بحث يتعلق بهذه المدرسة بعنوان: "أثر الأصول الكلامية في بناء القواعد الأصولية" للباحث/ سلطان العميري.
فقد خصص جزء منه لمفهوم هذه المدرسة، وضابط من ينتسب إليها، ومعالمها، ثم ختم البحث بأثر علم الكلام على الأصول].

ثانيًا: من هم الفقهاء؟
مَنْ هم أعيان تلك المدرسة؟ وما هي مناهجهم؟ وما هي مميزات وخصائص هذه المدرسة؟

وحرف مسألتنا هل الأحناف لهم اختصاص بمدرسة الفقهاء أم لا؟ وإن لم يكن، فهل يتميزون على من سواهم؟
أزعم هنا بأن ما شاع حول هذه المدرسة وتسميتها بمدرسة الأحناف فقط هو قول عارٍ عن الصحة والبرهان، ففقهاء الأحناف كغيرهم من فقهاء المذاهب ليس لهم اختصاص بهذه المدرسة دون من سواهم.

مدرسة الفقهاء: تشمل كل من استنبط القاعدة الأصولية من النص الشرعي، أو الفرع الفقهي، أو من نص إمام المذهب.


وقلة الفروع وكثرتها لا تصلح أن تكون معياراً لهذه المدرسة، لأنها لا تنضبط وتختلف من عالم لآخر، ومن مسألة إلى أخرى، وعليه فإن من قال: بأن مدرسة الفقهاء هم الأحناف فقط، أو قال: بأن لهم مزيد عناية، أو اختصاص، بناء على كثرة الفروع = نقول: الزيادة في ذكر الفروع غير مؤثرة هنا تماما، بل ينظر إلى الغرض الذي سيقت لأجله فحسب، فمن ذكر فرعا واحدا لاستنباط القاعدة، أو نصا واحدا لإمامه في ذلك لا فرق بينه وبين من سواه، إذا انطلقا من أصل واحد: استنباط القاعدة الكلية من النص الشرعي، أو من فروع المذهب، أو من نص إمامه.
إذا كان ذلك كذلك علم بأن مدرسة الفقهاء لا تختص بالأحناف ألبتة، وهذا ما أثبته لك من طريقين:

الأول: من جهة النص:

أي من جهة نصوص الأئمة، ومرادهم بهذا المصطلح.
والاعتماد على هذه الطريقة قليل جدا، بل قد لا يوجد، وذلك لخفاء النصوص، وقلة وجودها في غير مظانها، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى الاكتفاء بالسائد، وعدم البحث عن غيره، أو تقليب النظر فيه.
فقد نص عدد غير قليل من الأصوليين بأن الفقهاء هم كل من غاير طريقة المتكلمين في التأليف من أصحاب أئمة المذاهب.
وهذه المغايرة تتبين بأمرين:
  • بالمقابلة، وهذا في غاية الكثرة، أي: ذكر الفقهاء مقابل المتكلمين، والمتكلمين مقابل الفقهاء.
  • الأمر الثاني: بالتطبيق، وبيان الفروق بين المدرستين والطريقتين.
وفي هذه العجالة أقتصر على بعض النصوص دون بعض.
قال ابن أمير الحاج: (واعلم أن نقل الحنفية عن الفقهاء والمتكلمين في الأصل..).
[التقرير والتحبير (2/208)]
فإذا كان الحنفية هم الفقهاء دون غيرهم، فكيف ينقلون عن أنفسهم؟!
قال ابن أمير الحاج: (وهو قول أكثر الفقهاء من أصحاب الأئمة الأربعة، وكثير من المتكلمين). [التقرير والتحبير (3/409)]
تنبه: إلى قوله: "أكثر الفقهاء من أصحاب الأئمة الأربعة"، وليس الأحناف فقط، وقوله: "وكثير من المتكلمين" يزيد الأمر جلاء.
وقال أيضا: (أكثر الفقهاء ومنهم الحنفية و المحدثين لا يقبل الجرح إلا مبينا).
[التقرير والتحبير (2/344)]
وقال البخاري: (وأشار بقوله: ((على هذا أجمع الفقهاء)) إلى الدليل، وإلى خلاف غير الفقهاء، فإنه أراد بالفقهاء: مثل أبي حنيفة، والشافعي، ومالك، والأوزاعي، وأمثالهم من فقهاء الأمصار). [كشف الأسرار (3/178)]
فإذا كان أئمة الأحناف أنفسهم ينصون عند ذكر المدارس الأصولية على أن مصطلح الفقهاء لا يختص بهم دون غيرهم، من أين أتى اختصاصهم به؟!
وقد نص على ذلك أيضا عدد كثير من الأصوليين غير الأحناف، انظر على سبيل المثال:
قول الباقلاني: (وبه قال كثير من المتكلمين منهم الجبائي وابنه، وقاله كثير من الفقهاء من أصحاب مالك، والشافعي، وأبي حنيفة وإليه ذهب عيسى بن أبان).
[التقريب والإرشاد (3/66)]
وقال أيضا: (اختلف الناس في هذا الباب: فقال الجمهور من أصحاب مالك، والشافعي، وأبي حنيفة منهم الكرخي، وعيسى بن أبان، وجميع أهل الظاهر، وقوم من المتكلمين..)
[التقريب والإرشاد (2/339)]
فالباقلاني ينص بعد ذكر المتكلمين، بأن الفقهاء هم أتباع أئمة المذاهب الأربعة من الأصوليين، ليس للأحناف اختصاص بذلك، وهذه العبارة كثيرة جدا في كلام الباقلاني.
قال الجويني: (ومن عجيب المذاهب ما صار إليه بعض الفقهاء المنتمين إلى الأصول). [التلخيص في أصول الفقه (1/384-385]
وقال أيضًا: (فأما القائلون بالعموم، فقد افترقوا في ذلك، فذهب كثير من الفقهاء من أصحاب الشافعي، ومالك، وأبي حنيفة رحمهم الله، وطائفة من المتكلمين منهم الجبائي وابنه إلى أن الصيغة الموضوعة للعموم إذا خصصت صارت مجملة، لا يجوز الاستدلال بها في بقية المسميات، وإليه مال عيسى بن أبان، وذهب طائفة من الفقهاء منهم الكرخي وغيره...) [التلخيص في أصول الفقه (2/39-40)]
وقال أيضًا: (اعلم - وفقك الله - أن هذا مما اختلف فيه الفقهاء، والمتكلمون، فما ذهب إليه الجمهور من أصحاب الشافعي، ومالك، وأبي حنيفة، وأهل الظاهر، وطائفة من المتكلمين أن النهي عن الشيء يدل على فساده).
[التلخيص في أصول الفقه (1/480-481)]
قوله: "بعض الفقهاء المنتمين إلى الأصول" يبيّنه قوله: "فذهب كثير من الفقهاء من أصحاب الشافعي، ومالك، وأبي حنيفة رحمهم الله"
فالأحناف ليس لهم اختصاص بهذا اللقب دون غيرهم لا في الأصول ولا في الفروع.
وقال السمعاني: (اعلم أن الانعكاس ليس بشرط لصحة العلة في قول أكثر الأصحاب،
وهو قول جمهور من انتمى إلى الأصول من الفقهاء، وهو أيضا قول بعض المتكلمين).
[قواطع الأدلة في الأصول (2/162)]
هل الأحناف هم فقط جمهور من انتمى إلى الأصول؟!
فالسمعاني وغيره من أعيان علماء الأصول من أئمة المذاهب – المالكية، والشافعية، والحنابلة – ينتمون إلى هذه المدرسة، وهم ليسوا بأحناف.
قال السمعاني في مقدمة القواطع: (فاستخرت الله تعالى عند ذلك، وعمدت إلى مجموع مختصر في أصول الفقه، أسلك فيه محض طريقة الفقهاء من غير زيغ عنه ولا حيد، ولا ميل).
فكيف يُصنف السمعاني بعد هذا الكلام إلى مدرسة المتكلمين؟! ولا سيما بعدما شدد في النكير عليهم، وبالغ في لوم من تأثر بهم من الفقهاء، ثم صرح بعد ذلك بمخالفتهم فقال عن كتابه: "أسلك فيه محض طريقة الفقهاء من غير زيغ عنه ولا حيد، ولا ميل" فبعد كل هذا يقال: السمعاني كتب على طريقة المتكلمين!

الطريق الثاني: من جهة التطبيق:
وهذا بيّن لكل من نظر فيه بعين الاعتبار، فكتب الأصول المتقدمة ترد على كل من خصّ الأحناف دون غيرهم بمدرسة الفقهاء، وحتى لا أطيل عليك أضع بين يديك بعض النصوص من كتب الأصول لتتأمل فيها.
اقرأ على سبيل المثال في كتاب "العدة" لأبي يعلى، قوله رحمه الله:
(مسألة: الأمر المطلق يقتضي الوجوب، إذا ورد لفظ الأمر متعرياً عن القرائن اقتضى وجوب المأمور به.
وهذا ظاهر كلام أحمد رحمه الله في مواضع:
فقال في رواية أبي الحارث: إذا ثبت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب وقال أيضاً رحمه في رواية مهنا – وقد ذكر قول مالك في الكلب يلغ في الإناء لا بأس به- فقال: ((ما أقبح هذا من قولة! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يغسل سؤر الكلب سبع مرات).
وكذلك نقل صالح عن رضي الله عنه فيمن صلى خلف الصف وحده: يعيد الصلاة، أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً صلى خلف الصف أن يعيد).
[العدة في أصول الفقه للقاضي أبو يعلى (1/224-226)].
وهذا النمط كثير جدا في كلام أبي يعلى، وهو مخالف تماما لطريقة المتكلمين، فكيف يكون منهم؟!
وعلى هذه الطريقة ألف بعض الأصوليين نسبوا إلى طريقة المتكلمين، وهم ليسوا كذلك، منهم على سبيل المثال:
  • إمام هذا العلم: الشافعي – رحمه الله-.
  • أبو الخطاب صاحب كتاب "التمهيد".
  • الخطيب البغدادي صاحب كتاب "الفقيه والمتفقه".
  • الشيرازي صاحب "التبصرة" و"اللمع" وشرحه.
  • السمعاني صاحب كتاب "قواطع الأدلة".
  • ابن القصار صاحب المقدمة الأصولية.
  • ابن حزم الظاهري صاحب كتاب "الإحكام في أصول الأحكام" و"النبذ" .
الجامع المشترك بين هؤلاء جميعا هو أنهم ليسوا من مدرسة المتكلمين، ونقلهم عن المتكلمين ليس له أثر، كما أن نقل المتكلمين عن الفقهاء كذلك.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن طريقة الفقهاء ليست على وجه واحد، بل لها أنماط متعددة، فالشافعي له طريقة مستقلة في هذا الباب، فهو يعتمد كلياًّ على النص الشرعي، ولغة العرب مع ذكر الفروع كأمثلة، وقريب منه ابن حزم في اعتماد النص، كما أن الشيرازي والسمعاني طريقتهما في الاستدلال للقاعدة تختلف عن طريقة ابن القصار وأبي يعلى وأبي الخطاب.
[سأفصّل ذلك لا حقا بحول الله]

مثال آخر:
قال الشيرازي: (فأما فحوى الخطاب فهو التنبيه، ويجوز التخصيص به، كقوله تعالى: {فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما} لأن هذا في قول الشافعي - رحمة الله عليه - يدل على الحكم بمعناه، إلا أنه معنى جلي، وعلى قوله يدل على الحكم بلفظه، فهو كالنص)
[اللمع (ص:84)]
قارن هذا المثال والذي قبله وهما يمثلان مدرسة الفقهاء بالمثال الآتي، وهو خاص بمدرسة المتكلمين لترى الفرق بين النصّين الأوليين والاستدلال عليهما، والنص التالي:
قال أبو الحسين البصري:
(باب في أن لفظة ((افعل)) تقتضي الوجوب.
اختلف الناس في ذلك. فذهب الفقهاء وجماعة من المتكلمين وأحد قوليّ أبي علي إلي أنها حقيقة في الوجوب.
وقال قوم: إنها حقيقة في النّدب.
وقال آخرون: إنها حقيقة في الإباحة.
وقال أبو هاشم: إنها تقتضي الإرادة. فإذا قال القائل لغيره: ((افعلْ))، أفاد ذلك أنه مريد منه الفعل. فإن كان القائل لغيره ((افعل)) حكيماً، وجب كون الفعل على صفة زائدة على حُسنه يستحق لأجلها المدح، إذا كان المقول له في دار التكليف. وجاز أن يكون واجباً، وجاز أن لا يكون واجباً، بل يكون ندباً. فإذا لم يدل الدلالة على وجوب الفعل، وجب نفيه والاقتصار على المحقق وهو كون الفعل ندباً يستحق فاعله المدح.
والدليل على أن لفظة ((افعل)) حقيقة في الوجوب أنها تقتضي أن يفعل المأمورُ الفعل لا محالة. وهذا هو معنى الوجوب. فإن قيل: لم زعمتم أولا أن قول القائل ((افعل)) يقتضي أن يفعل؟ وما أنكرتم أنه يقتضي الإرادة. قيل ليس يخلو من قال: ((إن يفيد الإرادة)) إمّا أن يريد بذلك أن يفعل المأمور الفعل، ومن حيث كان طلباً له وبعثاً عليه، يدلّ على الإرادة من حيث كان الحكيم لا يبعث على ما لا يريده بل يكرهه؛ وإما أن يريد أنه موضوع للإرادة، كما أن قول القائل لغيره: ((أريد منك أن تفعل)) موضوع للإرادة ابتداء. فإن قال بالأول، فهو قولنا. لأنه قد سلّم أنه موضوع لأن يفعل المأمور الفعل. وقال إنه يقتضي الإرادة تبعاً لذلك. وهذا مذهبنا).
[المعتمد في أصول الفقه لأبي الحسين البصري، (1/57-58)]

أعتقد أن الفرق بيِّنٌ وظاهر بين هذه النصوص، ولا سيما بين النصّين الأوليين، والنص الأخير، وجميع من ذكر – أعني: صاحب "العدة" وصاحب "اللمع" وصاحب "المعتمد" – عند المتأخرين من مدرسة واحدة: هي مدرسة المتكلمين، وقد رأيت البون الشاسع في إثبات القاعدة بين القاضي أبي يعلى والشيرازي معاً، وبين أبو الحسين البصري، ولا تنسى أن البصري حنفي، فالأولى به على طريقتهم أن يكون على منهج الفقهاء، وهو أبعد ما يكون عن ذلك.. والله أعلم.

وبعد: فهذا ما سمح به الوقت، وجاد به الخاطر.. وقد بقي في البحث عناصر أخرى مهمة، لا سيما ما يتعلق بكلام ابن خلدون، ونقول متفرقة هنا وهناك، سنؤلف بينهما فيما بعد، بالإضافة إلى هذه الخلاصة في بحث موثق بحول الله.
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: مفهوم مدرسة الفقهاء والمتكلمين

أجدتم يا شيخ محمد بارك الله فيكم
ربما نستطيع أن نقسم المناهج إلى أكثر من منهجين:
فهناك منهج المتكلمين، ومن سماته بروز المباحث الكلامية والإفاضة فيها، وكثرة التنظير مع قلة التمثيل، وعدم بروز النزعة المذهبية الفقهية، ويمثل هؤلاء القاضيان الباقلاني وعبد الجبار ثم أبو الحسين والرازي والآمدي
وهناك منهج الفقهاء، وسماته عكس السمات السابقة: أي عد بروز المباحث الكلامية، وكثرة التمثيل، وظهور النزعة المذهبية لا سيما في تحديد قول الإمام وتخريجه في المسائل محل البحث، ويمثل هؤلاء الشيرازي وابن السمعاني ومن الحنفية الدبوسي والبزدوي والسرخسي
وهناك منهج مختلط، فيه شيء من الكلام مع تبحر في الفقه، ويمثل هؤلاء في نظري إمام الحرمين والغزالي وربما الجصاص والكرخي من الحنفية.
ثم لا بد لنا أن نحدد أولا ما مقصودنا بالمنهج. فإن كان يقصد بذلك أعيان المسائل المبحوثة وترتيب طرحها وطريقة عرضها
فهنا لدينا ثلاثة مناهج: الحنفية والجمهور، ثم المتأخرون لا سيما من الحنفية الذين مزجوا بين مسائل الفريقين، وهذا التقسيم يختلف عن التقسيم الأول من حيث الاعتبار
والله أعلم
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: مفهوم مدرسة الفقهاء والمتكلمين

بارك الله في الجميع، تقريرات قوية، ولفتات جديرة بالتأمل والنظر...

لكن وجهة نظري: سلامة التقسيم بأنهما منهجان فقط:
1- منهج المتكلمين (الشافعية ومن وافقهم).
2- منهج الفقهاء (الحنفية).

وذلك لما يلي:-
- أن هذا تقسيم باعتبار الدائرة الكبرى للمناهج الأصولية، والواقع أن هذين المنهجين هما الخطان الرئيسان في صياغة أصول الفقه.
- أن محاولات المتأخرين في دمج المنهجين عبر الجمع بين الطريقتين لم تشكل ذلك الحضور؛ إذ إنها مشت على الطريقة الكلامية مع محاولة إشباعها بالأمثلة وربطها بالفروع، وأفضل وصف لها أنها تطوير للمدرسة الكلامية كمرحلة ثانية.
- أن منهج الحنفية في أصول الفقه والمسمى بمنهج الفقهاء، هو منهج خاص بالحنفية ولا يُشكِل عليه وصفه بأنه منهج الفقهاء، وذلك لأن هذه الوصف كان بمقابل منهج المتكلمين في الأصول، والذين غلب عليهم المادة الكلامية، فكان من المناسب وصف منهج الحنفية بمنهج الفقهاء لأنه يغلب عليه المادة الفقهية، ولا مانع أن يكون خاصاً بفقهاء الحنفية لأن الواقع أن الحنفية هم الذين انفردوا بهذه الطريقة، ولم يقع هذا لغيرهم بحسب علمي، فكتب الحنفية في أصول الفقه هو "علم مستقل" يشتمل على توليد القواعد الأصولية من خلال "الفروع الفقهية"، وهو بذلك أشد إحكاما، وأكثر ترابطاً، وعلم بهذا العمق وبهذا الترابط ليس من السهل الجمع بينه وبين "منهج المتكلمين" عبر إثراء قواعد المتكلمين بجملة من الأمثلة، أو بإشارة إلى بعض الخلافات.
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: مفهوم مدرسة الفقهاء والمتكلمين

فكتب الحنفية في أصول الفقه هو "علم مستقل" يشتمل على توليد القواعد الأصولية من خلال "الفروع الفقهية"، وهو بذلك أشد إحكاما، وأكثر ترابطاً،
أخالفك في هذا يا شيخ فؤاد بارك الله فيك
والسبب هو أن توليدهم الأصول من الفروع إنما كان من الفروع الاجتهادية التي رويت عن أبي حنيفة، ودافعهم إلى ذلك كان غالبا الذب عن التهم التي وجهت للإمام، ولذلك اتسم مذهبهم بعدم الموضوعية وكثرة الاستثناء من القواعد وتعارضها لمجرد تصحيح مذهب الإمام. وحق الأصولي ـ كما قال إمام الحرمين ـ أن لا يلتفت إلى أصحاب الفروع، أي عند تأصيل القواعد.
استقراء الأصول من الفروع منهج رصين في بناء القواعد الأصولية لكنه ينبغي أن يكون من الفروع التي نص عليها الشارع، كما ترى ذلك في استقراء الشاطبي
 
إنضم
20 أبريل 2008
المشاركات
122
التخصص
الشريعة..
المدينة
أم القرى
المذهب الفقهي
............
رد: مفهوم مدرسة الفقهاء والمتكلمين

أشكر الشيخين العزيزين على مرورهما وإضافتهما.. كما لا أنسى كل من سجل شكره وإعجابه.. دمت جميعا..
لا أخفي اتفاقي للدكتور فيما ذكره ما عدا قوله في المنهج الثالث.. لكنني أتحفظ على ما قاله الشيخ فؤاد.. وهو لم يجب على ما ذكر من النصوص، ومثل هذا الموضوع يتحدد أكثر بذكر الأمثلة..

عموما أنا أرحب بالخلاف كثيرا في أي موضوع لا سيما كهذا.. لأن ذلك يساعد على ضبطه وإحكامه..

أشكركم بعمق
 
إنضم
20 أبريل 2008
المشاركات
122
التخصص
الشريعة..
المدينة
أم القرى
المذهب الفقهي
............
رد: مفهوم مدرسة الفقهاء والمتكلمين

أشكر أرباب الملتقى على ترشيحهم لما كتبته..
أسأل الله لي ولكم التسديد..
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: مفهوم مدرسة الفقهاء والمتكلمين

ثانيًا: من هم الفقهاء؟
مَنْ هم أعيان تلك المدرسة؟ وما هي مناهجهم؟ وما هي مميزات وخصائص هذه المدرسة؟

وحرف مسألتنا هل الأحناف لهم اختصاص بمدرسة الفقهاء أم لا؟ وإن لم يكن، فهل يتميزون على من سواهم؟
أزعم هنا بأن ما شاع حول هذه المدرسة وتسميتها بمدرسة الأحناف فقط هو قول عارٍ عن الصحة والبرهان، ففقهاء الأحناف كغيرهم من فقهاء المذاهب ليس لهم اختصاص بهذه المدرسة دون من سواهم.

مدرسة الفقهاء: تشمل كل من استنبط القاعدة الأصولية من النص الشرعي، أو الفرع الفقهي، أو من نص إمام المذهب.


.

أخي الكريم المبدع دوما: الأستاذ محمد الأنصاري:
هناك مدرسة أصولية كبيرة هي مدرسة الحنفية الأصولية، والتي تسمى بمدرسة الفقهاء، وهي مدرسة لها جذورها القديمة وتسلسلها التدويني، وكتبها الخاصة، ولها قواعدها الأصولية الخاصة، وأمثلتها الخاصة، وقد أسسها وبناها "شيوخ الحنفية".
إن أدنى نظرة في كتبهم المتقدمة والمتأخرة تستيقن منها أنهم مستقلون تماماً في بناء منتظم.
وقد سميت مدرسة "الفقهاء" في مقابل المدرسة الأصولية الأخرى المسماة بمدرسة "المتكلمين" والتي صاغها أئمة المتكلمين.
فهل يصح "إذابة" هذه المدرسة؛ ومزجها بغيرها من المذاهب، وذلك لأن هناك فقهاء أصوليين من المذاهب الأخرى؟
أما قضية التمايز بين المتكلمين والفقهاء فهذا أمر بدهي، فالمتكلم الشافعي ليس هو الفقيه الشافعي، ولا يعني هذا عدم اختصاص الحنفية بمدرسة الفقهاء، قد يكون لك اعتراض على "دقة الاصطلاح"، لكن هذا لا يعني أن ندفع أمراً يقينيا وهو "استقلال مدرسة الحنفية الأصولية.
فخطأ الاصطلاح على التسليم بذلك جدلا لا يعني بحال ترتيب إلغاء اختصاص مدرسة الحنفية الأصولية.
أما كون هناك فقهاء أصوليون من المذاهب الأخرى وليسوا هم من المتكلمين، فهذا صحيح، ولكن هؤلاء الفقهاء كانت لهم مشاركات محدودة، ولم تخرج في الجملة عن الدائرة الكبرى من "الصياغة الأصولية الكلامية"، ومن هؤلاء ابن قدامة في روضة الناظر، وأبو المظفر السمعاني" في القواطع، والطوفي في البلبل وشرحه، وابن تيمية في المسودة.
إن تميز مذهب الحنفية الأصولي ظاهر جداً عن "المدرسة الكلامية"، وهو يشبه تميزهم الفقهي عن بقية المذاهب الفقهية، فيكثر الخلاف الفرعي بين الحنفية والجمهور، وهذا في الأصول على مقاسه.

الخلاصة: هناك مدرسة أصولية كبيرة متميزة لها مصنفاتها الخاصة وقواعدها الخاصة وأسلوبها الخاص تسمى بمدرسة "الفقهاء"، وأصحابها عن بكرة أبيهم: حنفيون، وسميت بالفقهاء في مقابل المدرسة الأصولية الكبرى: "مدرسة المتكلمين"، أما مساهمات الفقهاء الأصوليون من المذاهب الأخرى فلم تخرج في الجملة عن "الصياغة الكلامية" للأصول، وإن كانت لها مساهمات محدودة في الربط بين "الفقه وأصوله" بما يلتقي من بعض الوجوه مع طريقة الحنفية في الأصول وإن كانت بشكل معكوس، والله أعلم.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: مفهوم مدرسة الفقهاء والمتكلمين

!
أخالفك في هذا يا شيخ فؤاد بارك الله فيك
والسبب هو أن توليدهم الأصول من الفروع إنما كان من الفروع الاجتهادية التي رويت عن أبي حنيفة، ودافعهم إلى ذلك كان غالبا الذب عن التهم التي وجهت للإمام، ولذلك اتسم مذهبهم بعدم الموضوعية وكثرة الاستثناء من القواعد وتعارضها لمجرد تصحيح مذهب الإمام. وحق الأصولي ـ كما قال إمام الحرمين ـ أن لا يلتفت إلى أصحاب الفروع، أي عند تأصيل القواعد.
استقراء الأصول من الفروع منهج رصين في بناء القواعد الأصولية لكنه ينبغي أن يكون من الفروع التي نص عليها الشارع، كما ترى ذلك في استقراء الشاطبي
أستاذي الدكتور أيمن:
هذا صحيح، فالقاعدة الأصولية عند الحنفية "خادمة" للفرع الفقهي
لكن في المقابل:
القاعدة الأصولية عند المتكلمين، وإن كانت موضوعية، وعزيزة لا تخدم أحداً!
لكنها تبقى أنها: "فقيرة جداً إلى حد الإفلاس".
فالأمثلة محدودة، ومكرره، فتجد مثالاً يذكرونه في دلالة الألفاظ، ثم يكررونه في الأقيسة بما ينقض المثال الأول.
كما أن علاقة القاعدة الأصولية الكلامية بالفقه فيه تفكك كبير، فقد تجد قاعدة، ويشتبك الأستاذ مع التلميذ في البحث عن فروع فقهية لها.

بينما الحنفية بالعكس تماماً:
فالأصول عندهم مشتبكة بالفقه اشتباك روحي، فتجد لديهم عشرات الأمثلة، وهذا بدوره أثرى الكتب الفرعية نفسها، فتجدهم في كتب الفروع يذكرون قواعد أصولية دقيقة ونادرة، وهذا بسبب التلاحم بين القاعدة الأصولية والفرعية.

والملاحظ:
أن أكثر عمليات الإصلاح الأصولي تنطلق من المدرسة الكلامية، وكثير من أصحابها تكاد تكون خلفيتهم عن أصول فقه الحنفية معدومة، وفي نظري أن انطلاقها من الفقه الحنفي ضرورة حتمية بسبب "الحضور الحنفي الكبير" في ثلاثة أمور:
- في جانب الفرع الفقهي، فهم أكبر المذاهب الفقهية، وأكثرهم تفريعاً.
- وفي جانب الثراء الفرعي في كتب الأصول.
- وفي جانب ثراء القاعدة الأصولية في كتب الفروع.
ويبقى أن معالجة قضية "الموضوعية"، و"الخدمة" في كتب الحنفية هو أيسر من محاولة محو "الفقر الأصولي" في كتب المتكلمين.
ومهما كان فإنه لا يمكن تجاوز هاتين المدرستين في أي عملية إصلاح إلا أن تكون عملية إصلاح محدودة، وتجاوزهما يعني هدراً في طاقات بذلتها الأمة.
وكل ما سبق: يدل على أننا أحوج إلى "استيعاب" "الجهد القديم" حتى تكون عملية "الإصلاح" بأقل كلفة وبأتقن صنعة.
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: مفهوم مدرسة الفقهاء والمتكلمين

شيخنا الفاضل أبا فراس شكر الله لكم تعقيبكم
أوافقكم بأن أصول الحنفية أكثر صلة بالفقه من أصول المتكلمين، لكثرة الفروع تأصيلا وتمثيلا
ومع هذا فقواعدهم ليست أكثر إحكاما، لأن الفروع الفقهية ليست هي المصدر الأساس لاستنباط القواعد الأصولية لا سيما ما تعلق منها بالدليل، بل الأمر يعتمد على استقراء النصوص الشرعية وأساليب العرب في الفهم والإفهام ومناهج الصحابة على الخصوص في الاستبباط والفهم والتنزيل، وهذا كله لا تغني فيه فروع أبي حنيفة، رحمه الله تعالى، شيئا.
ثم إن مسائل أبي حنيفة رحمه الله تعالى المروية عنه في جلها مجردة عن الدليل مما يتعذر معه معرفة وجه استنباطه للحكم فيها وطريقة ذلك، ولذلك تجد الحنفية مختبطين في كثير من القواعد، فما أن يؤصلوا أصلا إلا وقد ناقضته بعض المسائل عن الإمام. ثم لا ننسى أن المدرسة السمرقندية الحنفية في الأصول تباين على نحو كبير المدرسة العراقية وما هذا التجافي إلا بسبب الاعتماد على الفروع مجردة في استباط القواعد والله أعلم.
نعم لمنهج المتكلمين آفاته كذلك فلا بد لأي منهج إصلاحي من أن يأخذ بحسنات المنهجين ويتجنب سلبياتهما.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: مفهوم مدرسة الفقهاء والمتكلمين

[FONT=&quot]قال النووي في المجموع:
لكن المتكلمين لا يعتد بهم في الإجماع والخلاف، على المذهب الصحيح الذي عليه جمهور أهل الأصول من أصحابنا وغيرهم لاسيما في المسائل الفقهيات[/FONT].
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: مفهوم مدرسة الفقهاء والمتكلمين

قال النووي في المجموع:
لكن المتكلمين لا يعتد بهم في الإجماع والخلاف، على المذهب الصحيح الذي عليه جمهور أهل الأصول من أصحابنا وغيرهم لاسيما في المسائل الفقهيات
.
هذا في المتكلم الصرف الذي لا شأن له بالفقه والأصول، وأما من كان مبرزا في أحدهما أو كلاهما فكيف لا يعتد به؟! ولو كان ذلك صحيحا لما اعتد بالغزالي والجويني، والنووي يعتبرهما من أصحاب الوجوه في المذهب الشافعي
 
إنضم
20 أبريل 2008
المشاركات
122
التخصص
الشريعة..
المدينة
أم القرى
المذهب الفقهي
............
رد: مفهوم مدرسة الفقهاء والمتكلمين

http://www.tabsera.com/Pages/Articles/Details.aspx?ID=171

تحرير رأي ابن خلدون في مدارس أصول الفقه
الكاتب : سلطان العميري



اشتهر لدى كثير من المعاصرين أن ابن خلدون يقسم مدراس أصول الفقه إلى اتجاهين : الأول :مدرسة الفقهاء , ويمثلهم أتباع المذهب الحنفي , ويقوم منهجهم على تخريج الأصول من الفروع , والثاني : مدرسة المتكلمين , وهم كل من عدا الحنفية , ويعد الإمام الشافعي – عندهم - رائد هذه المدرسة , ويقوم منهجهم على تجريد الأصل من الفروع والاستناد في بنائها على المسندات العقلية([1]) .

وأكدوا على أن ابن خلدون هو أول من ذهب إلى هذا التقسيم([2]) , واستندوا في ذلك على مقالته الشهيرة التي أرخ فيها لنشأة أصول الفقه وتطوراته حيث يقول :" كان أول من كتب فيه الشافعي رضي الله تعالى عنه. أملى فيه رسالته المشهورة، تكلم فيها في الأوامر والنواهي والبيان والخبر والنسخ وحكم العلة المنصوصة من القياس. ثم كتب فقهاء الحنفية فيه وحققوا تلك القواعد وأوسعوا القول فيها. وكتب المتكلمون أيضاً كذلك، إلا أن كتابة الفقهاء فيها أمس بالفقه وأليق بالفروع، لكثرة الأمثلة منها والشواهد، وبناء المسائل فيها على النكت الفقهية. والمتكلمون يجردون صور تلك المسائل عن الفقه، ويميلون إلى الاستدلال العقلي ما أمكن، لأنه غالب فنونهم ومقتضى طريقتهم، فكان لفقهاء الحنفية فيها اليد الطولى من الغوص على النكت الفقهية، والتقاط هذه القوانين من مسائل الفقه ما أمكن..."([3]) .

وقبل أن نقوم بمناقشة هذه النسبة والتحقق من صحتها لا بد من التنبيه على أن تقسيم مدارس أصول الفقه إلى طريقة الفقهاء والمتكلمين كان مشهورا جدا قبل ابن خلدون , فقد توارد العلماء على ذكر هذا التقسيم , وتناقلوا التنبيه عليه , ومن أول من ذكر ذلك الباقلاني وأبو الحسين البصري وكذلك أبو يعلى في العدة والسمعاني وإمام الحرمين وابن تيمية والغزالي وغيرهم كثير .

وبينوا مقصودهم بهاتين المدرستين , أما الفقهاء فيقصدون بهم كل من بنى أقواله في أصول الفقه على أقوال إمامه أو على مقتضى النص الشرعي, سواء كان من الحنفية أو الشافعية أو المالكية أو الحنابلة , وأما المتكلمون فيقصدون بهم كل من بنى أقواله في أصول الفقه بناء على مقدماته الكلامية ومبادئه العقلية سواء الأشعرية منها أو الاعتزالية , ولا فرق في ذلك بين أتباع المذاهب الفرعية .

ومن أظهر التقريرات الدالة على ذلك : قول الباقلاني حيث يقول:"وقد صار المقصود من إطلاق المتكلم أنه المتكلم في أصول الديانات وأبواب النظر والمجادلة فيها .. وقد غلب استعمال الفقيه في العالم بأحكام أفعال المكلفين الشرعية دون العقلية دون غيرها من العلوم "([4]) .

ويؤكد هذا أنه حين يمثل للمتكلمين يذكر أئمة علم الكلام وحين يمثل للفقهاء يذكر أتباع المذاهب الفقهية , ومن ذلك : قوله في مسألة العموم إذا خص هل يصير مجازا :"وبه قال كثير من المتكلمين , منهم الجبائي وابنه , وقاله كثير من الفقهاء , من أصحاب مالك والشافعي وأبي حنفية"([5]) , وهذا يدل على أنه لا يخص الفقهاء باسم الحنفية ولا يقصد بالمتكلمين كل من عداهم ([6]).



ونحن إذا تأملنا كلام ابن خلدون نجده لا يخرج عما هو معروف لدى العلماء قبله , ولكن البحث في تحرير مذهب ابن خلدون في انقسام مدارس أصول الفقه يتطلب أولا ترتيب أفكاره في الفصل الذي تحدث فيه عن نشأة أصول الفقه , فقد تحدث عن تاريخ التأليف في أصول الفقه , فبين أولا أن المتقدمين من السلف كانوا في غنية عن التأليف في أصول الفقه , فلما انقرض الصدر الأول , وانقلبت العلوم كلها إلى صناعة , احتاج الفقهاء المجتهدون إلى تحصيل القواعد والأصول التي تعينهم على استفادة الأحكام الشرعية من الأدلة , فكتبوا فيها فنا مستقلا سموه أصول الفقه .

وذكر أن أول من ألف فيه الإمام الشافعي في رسالته , ثم كتب فقهاء الحنفية ووسعوا القول فيما ذكره الشافعي , وشاركهم المتكلمون في التأليف في أصول الفقه , ثم عقد مقارنة بين طريقة الفقهاء وطريقة المتكلمين , ثم عرج على طريقة فقهاء الحنفية ونبه على ما فيها من الغوص في النكت الفقهية , وأكد بعد ذلك على أن الناس اعتنوا بطريقة المتكلمين , ثم قام بالتعريف بأصول الكتب التي ألفها المتكلمون في أصول الفقه .

وإذا رجعنا إلى كلام ابن خلدون وتأملنا سياقه وتركيب ألفاظه وترتيب أفكاره فإنا لا نجد فيه ما يدل على ما نُسب إليه من حصر مدارس أصول الفقه في اتجاهين أو حصر مدرسة الفقهاء في الحنفية وجعل الشافعي داخلا في نطاق مدرسة المتكلمين , بل نجد كلامه متوافقا مع من سبقه من العلماء في التفريق بين طريقة الفقهاء وطريقة المتكلمين , ولا نجده يخص الحنفية باسم الفقهاء , وإنما يقصد كان يقصد بالفقهاء المشتغلون بالفقه من سائر المذاهب , ويقصد بالمتكلمين كل من اشتغل بعلم الكلام وغلب عليه اعتماد مبادئه ومنطلقاته في تأصيل أصول الفقه .

ويتبين ذلك بالأمور التالية :

الأمر الأول : ما يدل عليه سياق كلامه من أنه يقصد بالفقهاء من كان مشتغلا بالفقه ومجتهدا فيه , والشافعي بلا شك من هؤلاء , فإنه ذكر أن الفقهاء المجتهدين احتاجوا إلى تحصيل قواعد أصول الفقه، لاستفادة الأحكام من الأدلة" فكتبوها فناً قائماً برأسه سموه أصول الفقه. وكان أول من كتب فيه الشافعي رضي الله تعالى عنه" , وهذا يدل بوضوح على أنه يرى أن الشافعي من أول الفقهاء الذي اعتنوا ببيان أصول الفقه , فكيف يقال بعد ذلك إنه يرى أنه خارج عن مدرسة الفقهاء ؟!

الأمر الثاني : أن ابن خلدون لم ينص على أن طريقة الشافعي مختلفة عن طريقة فقهاء الحنفية , بل ذكر أن الحنفية تحدثوا فيما ذكره الشافعي من أصول ووسعوا القول فيها , ولم يتعرض لقضية مخالفة الحنفية لمنهج الشافعي , فإنه قال عن رسالة الشافعي :" تكلم فيها في الأوامر والنواهي والبيان والخبر والنسخ وحكم العلة المنصوصة من القياس. ثم كتب فقهاء الحنفية فيه وحققوا تلك القواعد وأوسعوا القول فيها" , وهذا لا يدل على أنه يرى أن منهج الحنفية مختلف عن منهج الشافعي , وغاية ما يدل عليه أن الحنفية اشتركوا مع الشافعي في بحث قواعد أصول الفقه متأخرين عنه في الزمن , وأن بحوثهم فيها كانت أوسع وأكثر .

الأمر الثالث : المتأمل في كلام ابن خلدون يجد أنه لم يخص الحنفية باسم الفقهاء , فإنه حين ذكرهم في سياق كلامه قيد قوله بفقهاء الحنفية , ولم يطلق القول بالفقهاء عليهم , ولما عقد المقارنة بين طريقة الفقهاء وطريقة المتكلمين , أطلق لفظة الفقهاء ولم يقيدها بالحنفية , وهذا يدل على أنه يقصد بهم كل من اشتغل بالفقه سواء كان من الحنفية أو من غيرهم كما يدل عليه سياق كلامه في أوله .

الأمر الرابع : أن ابن خلدون حين شرح طريقة المتكلمين قال :" يجردون صور تلك المسائل عن الفقه، ويميلون إلى الاستدلال العقلي ما أمكن، لأنه غالب فنونهم ومقتضى طريقتهم" , وهذا يدل على أنه يقصد بهم طائفة معينة اتخذوا علم الكلام صناعة , وقد عرف علم الكلام فقال في تعريفه:" وهو علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية، بالأدلة العقلية"([7]) , وهذا الوصف غير منطبق على منهج الشافعي , فإنه لم يجرد قواعده من المسائل الفقهية , وليست غالب طريقة الشافعي الميل إلى الاستدلال العقلي والبعد عن المستند النقلي , وكذلك هو غير منطبق على غيره من الفقهاء الذين انطلقوا من أصول أئمتهم في بناء القواعد الأصولية , كالقاضي عبدالوهاب وغيره من المالكية والسمعاني والبغدادي من الشافعية وابن حزم من الظاهرية , وأبي يعلى من الحنابلة , فضلا عما عداهم من أتباع المذاهب الأخرى .

ومما يؤكد هذا أنه حين مثّل على طريقة المتكلمين ذكر إمام الحرمين والغزالي والقاضي عبدالجبار وأبا الحسين والبصري , وهؤلاء من أئمة علم الكلام والمبرزين فيه , ولو كان يرى أن الشافعي من المتكلمين لذكره من بينهم ؛ لأنه أشهر منهم .

الأمر الخامس : أنه حين مثّل لطريقة المتكلمين ذكر إمام الحرمين والغزالي , وقال هما من الأشعرية , وذكر القاضي عبدالجبار وأبا الحسين البصري وقال هما من المعتزلة , فلو كان يقصد إلى التفريق بين المتكلمين والحنفية , لقال وهم من غير الحنفية , وهذا يدل على أن المتكلمين عنده ليسوا هم كل من عدا الحنفية كما نُسب إليه , وأن المعتبر عنده في مدرسة المتكلمين هو الاشتغال بعلم الكلام واعتماده في بناء القواعد الأصولية .

الأمر السادس : مما يدل على أنه لا يقصد بالمتكلمين كل من عدا الحنفية أنه جعل أبا الحسين البصري من المتكلمين , وهو من أتباع مذهب أبي حنفية كما ذكر بعض المؤرخين([8]), ولو كان يقصد بالمتكلمين كل من عدا الحنفية لما ذكر أبا الحسين في طائفة المتكلمين .

فهذه الأمور تؤكد خطأ ما نُسب إلى ابن خلدون من أنه يخص الحنفية باسم الفقهاء , ويقابل بينهم وبين سائر المذاهب الأخرى ويخصهم باسم المتكلمين .

وفي ختام البحث لا بد من التنبيه على أن ابن خلدون في رصده لتطوراته علم أصول الفقه وفرزه لمدارسه وقع في عدة أخطاء :

ومنها : أنه أغفل ذكر مؤلفات لا تقل أهمية وخطورة عما ذكره من كتب المتكلمين , كمؤلفات الباقلاني , فإن كتابه " التقريب والإرشاد" يعد من أهم مؤلفات أصول الفقه , ومن عمدها الكبار , التي عول الناس عليها كثيرا .

ومنها: أنه ذكر أن المعتمد لأبي الحسين شرح للعهد للقاضي عبدالجبار , وهو ليس كذلك , فإن المعتمد كتاب مستقل ألفه أبو الحسين البصري بعد شرحه لكتاب شيخه .

========================
([1]) انظر : الفكر الأصولي , عبدالوهاب أبو سليمان (445) , وعلم أصول الفقه عبود العبود(31) , ومدرسة المتكلمين , مسعود فلوس (89) , وأصول الفقه , أبو زهرة (18) , وأصول الفقه , وهبة الزحيلي (55) .
([2]) انظر : مدرسة المتكلمين , مسعود فلوس (108) .
([3]) مقدمة ابن خلدون (455) .
([4]) التقريب والإرشاد , الباقلاني (1/ 368)
([5]) المرجع السابق (3/66) .
([6]) انظر أقوال من نص على تقسيم مدارس أصول الفقه بالاعتبار السابق : قواطع الأدلة , السمعاني (1/6 ,7) , والعدة , أبو يعلى (374 , 385 , 405 , 786 , 789) , وإحكام الأحكام , الآمدي (3/153) و(2/92) , والتقرير والتحبير , ابن أمير الحاج (3/409) , ومجموع الفتاوى , ابن تيمية (29/281) .
([7]) مقدمة ابن خلدون (458) .
([8]) انظر : الجواهر المضيئة , القرشي (3/261) .
 
إنضم
20 أبريل 2008
المشاركات
122
التخصص
الشريعة..
المدينة
أم القرى
المذهب الفقهي
............
رد: مفهوم مدرسة الفقهاء والمتكلمين

بحث للزميل العزيز يدعم ذات الفكرة.. وهو جزء من بحث له آخر سيطبع لاحقا.. وفقه الله
 

أسماء جعفر

:: مطـًـلع ::
إنضم
18 أكتوبر 2011
المشاركات
102
التخصص
فقه و أصوله
المدينة
>>>
المذهب الفقهي
مالكية
رد: مفهوم مدرسة الفقهاء والمتكلمين

السلام عليكم ورحمة الله تعالى و بركاته

جزاكم الله خيرا

من فضلكم شيخنا الفاضل لدينا بحث حول هذا الموضوع و أرجو إفادتي بكتب تناولت هذه الآراء و التحليلات
لنتخذها كمراجع

بارك الله فيكم و نفعنا بعلمكم
 

فاتن حداد

:: متخصص ::
إنضم
14 يوليو 2009
المشاركات
553
الجنس
أنثى
الكنية
أصولية حنفية
التخصص
الفقه وأصوله
الدولة
الأردن
المدينة
إربد
المذهب الفقهي
المذهب الحنفي
رد: مفهوم مدرسة الفقهاء والمتكلمين

نقاش جميل مفيد.. كالعادة
 
أعلى