د. نعمان مبارك جغيم
:: أستاذ أصول الفقه المشارك ::
- إنضم
- 4 سبتمبر 2010
- المشاركات
- 197
- الجنس
- ذكر
- التخصص
- أصول الفقه
- الدولة
- الجزائر
- المدينة
- -
- المذهب الفقهي
- من بلد يتبع عادة المذهب المالكي
دعوى وجود آيتين من القرآن لم تكتبا في المصحف !!
هذه الرواية ضعيفة سندا؛ لأنها عن عبد الله بن لهيعة بن عقبة الحضرمى الأعدولي، وهو مدلِّس وصاحب مناكير، وقد روى هذا الأثر بالعنعنة. قال عنه ابن حجر: "اختلط في آخر عمره، وكثر عنه المناكير في روايته، وقال ابن حبان كان صالحا، ولكنه كان يدلس عن الضعفاء."[2] وجاء في كتاب: سير أعلام النبلاء: "كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ لاَ يَرَاهُ شَيْئاً. قَالَهُ: عَليُّ بنُ المدِينِيِّ. ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ قِيْلَ لَهُ: تَحْمِلُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ يَزِيْدَ القَصِيْرِ عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ؟ فَقَالَ: لاَ أَحْمِلُ عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ قَلِيْلاً وَلاَ كَثِيْراً. ثُمَّ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: كَتَبَ إِلَيَّ ابْنُ لَهِيْعَةَ كِتَاباً فِيْهِ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ. فَقَرَأْتُهُ عَلَى ابْنِ الـمُبَارَكِ، فَأَخْرَجَ إِلَيَّ ابْنُ الـمُبَارَكِ مِنْ كِتَابِهِ عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ: قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْحَاقُ بنُ أَبِي فَرْوَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ. وَقَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: مَا أَعتَدُّ بِشَيْءٍ سَمِعْتُ مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ لَهِيعَةَ، إِلاَّ سَمَاعَ ابْنِ المبَارَكِ، وَنَحْوِهُ."[3]
وقد لخص الذهبي الكلام في ابن لهيعة في قوله: "لاَ رَيْبَ أَنَّ ابْنَ لَهِيْعَةَ كَانَ عَالِمَ الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ ... وَلَكِنَّ ابْنَ لَهِيْعَةَ تَهَاوَنَ بِالإِتْقَانِ، وَرَوَى مَنَاكِيْرَ، فَانْحَطَّ عَنْ رُتْبَةِ الاحْتِجَاجِ بِهِ عِنْدَهُم. وَبَعْضُ الحفَّاظِ يَرْوِي حَدِيْثَهُ، وَيَذكُرُهُ فِي الشَّوَاهِدِ وَالاعْتِبَارَاتِ، وَالزُّهْدِ، وَالـمَلاَحمِ، لاَ فِي الأُصُولِ. وَبَعْضُهُم يُبَالِغُ فِي وَهْنِهِ، وَلاَ يَنْبَغِي إِهدَارُهُ، وَتُتَجَنَّبُ تِلْكَ المـَنَاكِيْر، فَإِنَّهُ عَدْلٌ فِي نَفْسِهِ."[4]
ويؤيد سقوطَها ما في متنها من نكارة، حيث إن الرواية لا تنص على أن الآيتين المزعومتين قد نُسختا تلاوة، بل ظاهرها كونهما من القرآن، ولكنهما لم تكتبا في المصحف! وهذا اتهام للصحابة بالخطأ والتفريط في جمع القرآن الكريم.
قد يقول قائل: إن تأويل هذه الرواية أنهما لم تكتبا في المصحف لأنهما نسختا تلاوة. فنقول: هذا تأويل يخالف ظاهر الرواية! والتأويل ضرورة نلجأ إليها حتى يستقيم معنى ما هو ثابت، أما المنكر الساقط من أصله، فما الداعي إلى محاولة إقامته وتثبيت ما فيه من نكارة بالتأويل؟ أليس الأولى تركه يتهاوى فيستريح ويريح؟
[1]أبو عبيد القاسم بن سلام، فضائل القرآن، ص301.
[2]أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني، تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس، تحقيق عاصم بن عبدالله القريوتي (عمان: مكتبة المنار، 1403ه – 1983م) ج1، ص54.
[3]شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، سير أعلام النبلاء، تحقيق مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط (بيروت: ط3، 1405هـ / 1985م) ج8، ص15.
[4]الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج8، ص14.