العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

هل يشترط في الغرر المؤثر أن توجد فيه جهالة تفضي إلى النزاع؟

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
  • هل يشترط في الغرر المؤثر أن توجد فيه جهالة تفضي إلى النزاع؟
فيه اتجاهان لأهل العلم:
الاتجاه الأ
ول: لا يشترط ذلك، ويكفي فيه حصول الجهالة، وهذا مذهب الجمهور وزفر من الحنفية.
مستند الجمهور:
1- عموم أدلة النهي عن الغرر.
2- أنه قياس الباب لوجود الجهالة.
3- أن علة إفضاء الغرر إلى المنازعة، هي علة مستنبطة تعود على عموم النص بالإبطال، وهو ممنوع عند الأصوليين.

الاتجاه الثاني: يشترط في الغرر المؤثر أن تكون فيه جهالة مفضية إلى النزاع، وهذا مذهب الحنفية.
مستند الحنفية:
1-
أن الجهالة إذا كانت مفضية إلى المنازعة كانت مانعة من التسليم والتسلم، فلا يحصول مقصود البيع، فإن لم تكن الجهالة مفضية إلى النزاع لم يضر.
2- أنه في معنى ما ورد فيه الشرع وهو خيار الشرط فجاز إلحاقا به إذ الجواز ثمة للحاجة إلى التأمل ليختار الأرفق والأوفق مع أنه مخالف لمقتضى العقد فلذا يحتاج هنا إلى اختيار من يثق به أو من يشتريه له فجوز البيع على هذا الوجه دفعا للحاجة والجهالة إنما توجب الفساد إذا كانت مفضية إلى النزاع، وإذا شرط الخيار للمشتري فهي لا تفضي إلى النزاع؛ لأن الأمر صار مفوضا إليه فيختار أيا شاء ويرد الآخر، فالمبيع في الحقيقة أحدهما والآخر أمانة، والحاجة تندفع بالثلاث لاشتمالها على الجيد والرديء والوسط[2].
3- التسليم بأن القياس الفساد، وجاز استحسانا.
مثال ما لا يفضي إلى المنازعة: جهالة كيل الصبرة، أن يكون محل العقد أحد الشاتين أو أحد الثوبين إلى ثلاثة ثياب، وللمشتري تعيين ذلك بعد العقد، ويسمونه خيار التعيين، واعتبروا أنه لما شرط الخيار لنفسه استبد بالتعيين فلم يبق له منازع[3].
علما: أنهم اختلفوا هل لا بد من خيار الشرط، أو أن خيار الشرط ليس بلازم في صحة هذا العقد[4].

إضافات وتنبيهات:
1- كما أن شرط الجهالة المفضية إلى النزاع قيد في الغرر المؤثر، فإن عكسه قيد في البيع الصحيح عند الحنفية، فيشترط في المعقود عليه أن يكون معلوما علما يمنع المنازعة، بخلاف الجمهور وزفر، فإنهم يقتصرون على وصف العلم، ولا يعتبرون "المنازعة" في ظاهر كلامهم.

2- ليس معنى قول الحنفية أن الغرر لا يمنع إلا إذا كان يفضي إلى نزاع، وإن كان اعتبره بعض المعاصرين كذلك، حتى أدرجه بعضهم كمعيار في النهي عن بيع الغرر، فمن خلال الصور التي أوردها الحنفية على الغرر الذي لا يفضي إلى النزاع، فإن مرادهم ما كان مثل التردد في العين المبيعة بين شيئين إلى ثلاثة، وأن هذا عادة لا يفضي إلى النزاع، وإنما يحصل التردد بسبب رغبة الوكيل في جعل التعيين لموكله، أو تساهلا لأنه لا فرق بينها.
ولذا: فالحنفية يتفقون مع الجمهور في غالب الصور من المنع من الغرر، وإنما جوزوا مثل هذه الصور في هذا النطاق المحدود استحسانا لا قياسا.
وبه يتبين: أن هذه المسألة وإن كانت خلافية بين الجمهور والحنفية، إلا أن الخلاف فيها ليس بذلك الاتساع، فلا خلاف بين الجميع في المنع من الغرر المؤثر ولو تراضى المتعاقدان عليه.
ومن هنا: فيمكن إدراجها في مسألة الغرر اليسير، وأن الخلاف في تحقيقه فحسب، فالحنفية اعتبروه من اليسير خلافا للجمهور، وقد ينازع في ذلك فالجهالة هنا في أصل المبيع؛ فكيف يكون يسيرا؟
أما مع اعتبار بعض الحنفية خيار الشرط فالأمر قريب عند كل من اعتبر صحة خيار الشرط، وإن كان قد ينازع أيضا بأن من يصحح خيار الشرط إنما يصححه في العقد الصحيح لا في الفاسد.
عموما: هذا هو نطاق الخلاف، فالحنفية كالجمهور يفسدون العقود المشتملة على غرر مؤثر، وتوسع الحنفية قليلا في تجويز الغرر الذي لا يفضي إلى نزاع، وهو مثل ما كان مترددا بين عينين أو ثلاثة لا أكثر، ونحو ذلك.

4- يبدو والله أعلم وجاهة قول الحنفية في الترخيص في الجهالة في المبيع إذا كانت مترددة بين أعيان محددة محصورة، فإنها جهالة آيلة إلى العلم، بل العلم فيها متحقق سلفا، ولا سبيل إلى أن تفضي إلى نزاع، فمثلها مثل الجهالة التي تؤول إلى العلم كعدم اشتراط تسمية الأجرة، وأنه يعطى بالمثل، وكذا استئجاره بطعامه وكسوته، والدابة بعلفها، واستئجار الأجير لحمل الصبرة كل قفيز منها بدرهم ونحو ذلك.
وبه ندرك: بُعد إدراجها في بيوع الغرر، فإن الصور التي نهى عنها الشارع، الغرر فيها سببٌ للنزاع والندم والفوات، وليس في مثل هذه الصور شيء من ذلك، والأصل التوسعة على الناس في معاملاتهم ما دام لم يتحقق فيها ما نهى عنه الشارع من الأوصاف.
نعم: لو كان المراد تخصيص النهي عن الغرر بما كان يفضي إلى النزاع، فهنا، فيكون من باب تخصيص العلة المستنبطة بما يعود إلى عموم النص بالإبطال، خصوص أن للنهي عن الغرر علل أخرى، من الفوات والندم وأكل المال بالباطل بلا مقابل، وقد يقال هذه العلل كلها إنما تثبت في الغرر الذي يفضي إلى نزاع، وهذا صحيح، وهو يؤكد أن الخلاف في المسألة محدود في نطاق معين.

5- ليس معنى أنه يفضي إلى النزاع، أنه يجب وقوع النزاع بين الطرفين، بل يكفي أن يكون سببا إلى أن يفضي إلى النزاع، فوقوع النزاع جائز وليس واجبا، بمعنى أن من باع جملا شاردا بنصف قيمته، فهنا قد يندم أحدهما، وقد ينازع إذا لم يدركه، فيكون اجتمع عليه فوات المبيع والندم والنزاع، وقد يرضى بعقده ولا ينازع، وقد يندم ولا ينازع.
وبالتالي: فليس ترتب النزاع هو السبب الوحيد في النهي عن الغرر، وإنما هو من أسبابه، وفي ذلك يقول الكمال ابن الهمام: (الحاصل أن كل جهالة مفضية إلى المنازعة مبطلة فليس يلزم أن مالم يفض إليها يصح معها بل لا بد مع عدم المفضية إلى المنازعة فى الصحة من كون البيع على حدود الشرع ألا يرى أن المتبايعين قد يتراضيان على شرط لا يقتضيه العقد وعلى البيع بأجل مجهول كقدوم الحاج ونحوه ولا يعتبر ذلك مصححا)[6].

6- استفاد الحنفية من هذا المعنى وهو اعتبار الجهالة المفضية إلى النزاع في كثير من المسائل الخلافية بينهم وبين غيرهم، كمسألة جواز بيع العين الغائبة مع خيار الرؤية، فإنه إذا رأى كان له الخيار، فلا نزاع بين الطرفين حينئذ، فلا غرر إذن[7].

7) هذا ما تيسر جمعه ومقاربته، وقد يشكل عليك بعض ما سبق، كطريقة الحنفية في تقييدهم نطاق الجهالة المفضية إلى نزاع في موضع، ثم تراهم يتكئون عليها اتكاء المستريح في نقاشهم مع المخالفين، وهذا يدعوك إلى البحث والنظر، وما هذه الكتابة إلا مقدمة بين يديك.



[1]) بدائع الصنائع (4/ 179، 180)، البناية شرح الهداية (8/ 75).
[2]) درر الحكام(2/ 154، 155).
[3]) تبيين الحقائق (4/ 43).
4]) تحفة الفقهاء (2/ 11)، بدائع الصنائع (4/ 179، 180، 5/ 156)، البحر الرائق (5/ 281)، البناية شرح الهداية (8/ 74)، درر الحكام (2/ 154) 155).
([5]) «التأمين» للأستاذ علي الخفيف بحث مطبوع على الآلة الكاتبة ص8-9 بواسطة: «الغرر وأثره في العقود» ص656.
[6]) شرح فتح القدير (6/ 293)، ونقله عنه الشلبي في حاشيته على تبيين الحقائق (4/ 12، 13).
[7]) البناية شرح الهداية (8/ 83)، شرح فتح القدير (6/ 411)،
 
التعديل الأخير:
أعلى