العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

وقفتان مع (مختصر الطحاوي) في الفقه الحنفي ... هاااام جدا

إنضم
12 أبريل 2014
المشاركات
102
الجنس
ذكر
الكنية
أبو ياسر
التخصص
فقه شافعي
الدولة
مصر
المدينة
دمياط
المذهب الفقهي
شافعي
وقفتان
مع مختصر الطحاوي

إن الذي يطالع ترجمة الطحاوي وخاصة عند ذكرهم كتابه «المختصر» في الفقه يجد نفسه أمام أمرين يستدعي المَقامُ الوقوفَ عندهما وتحريرَ القول فيهما؛ فكان منَّا أن أفردناهما بالذكر لأهميتهما.

الوقفة الأولى
هل مختصر الطحاوي واحد أم اثنان أم ثلاثة ؟

من المسائل التي أثارها الأفغاني في مقدمة طبعته للمختصر أن قال (ص5): «وله مختصران غير هذا المختصر كبير وصغير كما مر عن «كشف الظنون»، وفي «الجواهر المضية»: والمختصر في الفقه ولع الناس بشرحه وعليه عدة شروح- إلى أن قال: والمختصر الكبير والمختصر الصغير؛ فعلم من نص القرشي أنهما غير الذي ولع الناس بشرحه، وهذا هو المختصر الوسيط الذي نحن بصدده ونشره، والله أعلم؛ فلعله ï*¬ صنَّف أولًا مختصرًا ثم اختصره ثم اختصره ثانيًا، واختار الأئمة للشروح الأوسط؛ لأن خير الأمور أوسطها، ولم أر مَن نصَّ على هذا» !!
وسار على استنتاجه هذا الدكتور عبدُ الله نذير في مقدمة تحقيقه لكتاب «مختصر اختلاف العلماء» (1/50،51)، وأيضًا في كتابه «أبو جعفر الطحاوي الإمام المحدث الفقيه» ص (204، 207).

وبالرجوع إلى كلام الأفغاني والتأمل فيه قليلًا يظهر لنا خطأ ما توصل إليه، وذلك يظهر فيما يأتي:

1- أن عبارة القرشي في «الجواهر المضية» (1/276-277) والتي اعتمدها الأفغاني نصًّا في التصريح بأن للطحاوي ثلاثة مختصرات بأنها وإن أوحت بهذا إلا أني أكاد أجزم أن القرشي لم يقصد ذلك، بل المستقر عنده أنه مختصر فقهي واحد لا غير، ويظهر هذا من كلامه؛ فإنه وصف المختصر الذي ولع الناس بشرحه وعليه عدة شروح بأنه «المختصر في الفقه»، ثم ذكر بعده: و«شرح الجامع الكبير»، و«شرح الجامع الصغير»، وله «الشروط الكبير» و«الشروط الصغير» و«الشروط الأوسط»، ثم عدَّ بعضَ كُتبه، ثم قال: و«المختصر الكبير» و«المختصر الصغير»[SUP]([1])[/SUP]... ولم يصفهما بأنهما مختصران في الفقه، ولم يصف المذكور أولًا بأنه المختصر الأوسط في الفقه، ولو كان كما ادعى الأفغاني بأنها مختصرات في الفقه لذَكَرَها على التوالي مميزًا إياها كما فعل مع كتابه «الشروط» حيث قال: الكبير، والصغير، والأوسط.
والحامل للقرشي على ذكرهما متأخرَيْن بعد أن ذكر الكتب المشهور نسبتها للطحاوي –فيما يبدو لي- متابعة منه لما ورد في «الفهرست» للنديم حيث قال الأخير (ص257): وله من الكتب «المختصر الصغير» «المختصر الكبير» ... وعبارته لا تفيد أنهما في الفقه؛ فأراد القرشي المتوفى سنة (775هـ) في كتابه «الجواهر» الجمعَ والتقميش دون التحرير والتفتيش، وخاصة إذا علمتَ أنه أول مؤلَّف في طبقات الحنفية كما قال الدكتور عبد الفتاح الحلو في مقدمة تحقيقه (ص58)، بل صرح بذلك القرشي نفسه في مقدمة كتابه حيث قال (1/5): وأرباب المذاهب المتبوعة كل منهم أفرد أصحاب إمام مذهبه، ولم أَرَ أحدًا جمع طبقات أصحابنا، وهم أمم لا يحصون.

2- ما نقله الأفغاني عن صاحب «كشف الظنون» (2/1627) وعبارته: «مختصر الطحاوي في فروع الحنفية ألفه كبيرًا وصغيرًا»[SUP]([2])[/SUP]؛ فكأنه في هذا تابع النديم في «الفهرست» على سبيل التقميش، كما أن عبارته خلت من أن ثَمَّ مختصرًا أوسط للطحاوي، وأنهما مختصران لا ثلاثة، بل تجد في عبارته بعد ذلك اضطرابًا حيث قال: «ورتَّبه»، و«أوَّلُه»، و«وقد أُولع الناس بشرحه» بضمير الإفراد، دون تحديدٍ لمقصوده، وهذا يفيد بأنه مختصر واحد لا غير، وإلا لمَّيز بينهم ولذَكَر مقدمات كل مختصر كما هو المعروف من عادته، وإذا انضم إلى ذلك ما لا يخفى على أهل الاختصاص والتحقيق ما في كتاب «كشف الظنون» من التخليط والأوهام، إما منه أو متابعة لغيره دون تنقيح؛ لاطمأنت النفسُ إلى القول بأنه مختصر واحد.

3- أما ما قاله الأفغاني «وهذا هو المختصر الأوسط، واختار الأئمة للشروح أوسطها؛ لأن خير الأمور أوسطها» فكلام مرسل بلا برهان، وادِّعاء بلا دليل، ومجازفة بلا مناقشة، وترجيح منه بلا مرجح، لم يسبقه إلى ذلك أحد، ولقد أحسن حين قال: «ولم أَرَ مَن نصَّ على هذا»؛ لأن الأمر على خلاف ما قال.

4- أيضًا ذكر الأفغاني في خاتمة ترجمته للطحاوي (ص14) أن هذا صفوة ما كتبه الشيخ محمد زاهد في ترجمة الطحاوي، ومن شاء زيادة الاطلاع فعليه بـ«الحاوي في سيرة الإمام الطحاوي» له... وبالرجوع إلى «الحاوي» ص(38) لا تجد ذكرًا للمختصرات الفقهية الثلاثة بل كان حديثه عن مختصر فقهي واحد حيث قال: «ومختصر الطحاوي في الفقه في المذهب على شاكلة مختصر المزنِي في مذهب الشافعي»، ثم أخذ في ذكر أماكن وجود نُسَخِه الخَطِّيَّة، وأعقبها بذكر شروح المختصر.

إضافة إلى ما ذُكر ما أطلقه أئمة الحنفية ممن جاءوا بعد القرشي[SUP]([3])[/SUP] وعُرف عنهم التحقيق والتحرير من عبارات صريحة في كتب التراجم بأن للطحاوي مختصرًا في الفقه، دون تقييد؛ فمن أقوالهم في ذلك:
يقول ابن قطلوبغا (ت 879هـ) في «تاج التراجم» ص(101): وله المختصر في الفقه.
ويقول ابن الحنَّائي (ت 979هـ) في «طبقات الحنفية» (2/26): وله المختصر في الفقه.
ويقول الملا علي القاري (ت 1014هـ) في «الأثمار الجَنِيَّة» (1/335): وله «المختصر في الفقه» ووَلع الناسُ بشرحه؛ فعليه عدة شروح.
ويقول اللكنوي (ت 1304هـ) وهو من مُحرري الحنفية المتأخرين في «الفوائد البهية في تراجم الحنفية» في ترجمة الطحاوي رقم (48): وله تصانيف جليلة معتبرة؛ منها: المختصر.
أضف إلى ما سبق عبارات شُرَّاح المختصر وعلى رأسهم أبو بكر الجصاص (ت370هـ) وهو قريب العهد بزمن الطحاوي من إطلاق لفظ «المختصر» دون تمييز حيث قال (1/195): سألني بعض إخواني – ممن أُجلّه وأُعظّمه- عملَ شرح لـ«مختصر أبي جعفر» الطحاوي الأزدي $؛ فرأيتُ إجابته إلى ذلك، ورجوتُ فيه القُربة إلى الله تعالى.
فقد تحرَّر بعد هذا كله بما لا يدع مجالًا للشك أن للطحاوي مختصرًا في الفقه أشاد به مترجمو الطحاوي وولع به الشُّرَّاح من بعده.
كما تحرر أيضًا –ما تتطلبه قواعد التحقيق- صحة نسبة هذا المختصر الفقهي لمؤلفه الإمام الطحاوي.
أما عن تسمية الكتاب فصاحبه الإمام الطحاوي لم يضع له اسمًا كما هو واضح في مقدمة الكتاب على عادة بعض المؤلفين بل اشتهر في كتب التراجم بـ«المختصر»؛ وقد سبق ذكر النقولات التي تؤيد هذا.
% % %
الوقفة الثانية
ترتيبه على مختصر المزني

المزنِيُّ خالُ الطحاويِّ، وهو من كبار أصحاب الشافعي، الذين تلقوا عنه مذهبه الجديد بمصر، وحملوا علمه ونشروا فقهه، واشتُهر عن الشافعي قوله «المزنِي ناصر مذهبي»، وقد وضع المزنِيُّ كتابه «المختصر» في المذهب قال في مقدمته: «اختصرت هذا الكتاب من علم محمد بن إدريس الشافعي $، ومن معنى قوله...إلخ»، وقد طبع هذا المختصر عدة طبعات[SUP]([4])[/SUP].
ولقد تلقى الطحاويُّ الفقهَ ابتداءً على خاله، وكذا أُمِّه أختِ المزنِي الفقيهة العَالِمة، ثم تحوَّل عن مذهب أسرته وبلده إلى مذهب أبي حنيفة، وقد مضى ذكر سبب تحوِّله.
وإنه مما ذُكر عن مختصر الطحاوي أنه لما صنَّفه وضعه على ترتيب مختصر المزنِي، وهذا التصريح بعد البحث لم نقف عليه من كلام الطحاوي لا في مقدمة «مختصره» ولا في أيٍّ من كتبه المطبوعة التي وصلت إلينا، بل وجدنا ذلك في بعض الكتب التي ترجمت له كما في «أخبار أبي حنيفة وأصحابه» ص(168) للصيمري (ت436هـ)، و«مرآة الزمان في تواريخ الأعيان» (17/45) لسبط ابن الجوزي (ت654هـ)، و«كشف الظنون» (2/1627) لحاجي خليفة (ت1067هـ).

والذي يستعرض أبواب «مختصر الطحاوي» ويقارنها بأبواب «مختصر المزنِي» -مع استبعاد الترتيب الداخلي للمسائل- يجد عدم دقة هذا التوصيف، وربما يسلم له في بعض الأبواب ولا يسلم له في البعض الآخر.
فالترتيب الذي سار عليه المزنِي في مختصره هو البدء بالعبادات، ثم يليها أبواب البيوع والمعاملات وما يتعلق بها، ثم يتبع ذلك الكلام على أحكام الأسرة من نكاح وصداق وخلع وطلاق وظهار ولعان وعدد ورضاع ونفقة، ثم يتناول أحكام القصاص والحدود، ثم أحكام الجهاد وما يتعلق به، ثم يشرع في ذكر أحكام الصيد والذبائح والضحايا، ثم السبق والرمي، والأيمان، ويلي ذلك كتاب أدب القاضي وأحكام الشهادات والدعاوى والبينات، ثم يختم مختصره بالأحكام المتعلقة بالعبيد والإماء وأمهات الأولاد.
في حين نجد تداخلًا بين الأبواب وعدم المناسبة بينها في الترتيب في «مختصر الطحاوي»[SUP]([5])[/SUP]؛ فتجد مثلًا باب الاستبراء بين بابي السلم والرهن، وكتاب الوديعة بعد كتاب الوصايا وهما بعد كتاب الفرائض وقبل كتاب قسمة الغنائم والفيء، وكذا كتابَي المفقود والإكراه ذكرهما بعد كتاب الولاء وقبل كتاب المأذون له في التجارة، ثم ختم مختصره بكتاب الكراهية وهو مشتمل على مسائل شتى من أبواب فقهية متعددة.
ولعل لهذا السبب –وهو عدم المطابقة التامة بين الترتيبين- لم يُعبِّر صاحب «الحاوي في سيرة الطحاوي» بلفظ «الترتيب»، واستعاض عنه بلفظ «المشاكلة»؛ فقال في ص(38): و«مختصر الطحاوي» في الفقه في المذهب على شاكلة «مختصر المزنِي» في مذهب الشافعي ... وعنه الشيخ شعيب الأرناؤوط في مقدمة تحقيق «شرح مشكل الآثار» (1/83) ... والمشاكلة هي الموافقة والمشابهة في الطريقة؛ فهي أعم من الترتيب.
فكأنِّي بالطحاوي أراد أن يضع مختصرًا لأصحابه من الحنفية، يضم فيه أقوال مؤسسي المذهب، ويظهر فيه اختياراته الفقهية والتي استقل في بعضها عن المذهب ملتزمًا بأصول شيخه في الاستنباط؛ كمجتهد أُوتِي أدوات الاجتهاد؛ كما صنع خاله المزنِي فوضع مختصره في المذهب الشافعي اختصره من علم الشافعي ومعنى كلامه، كما أظهر فيه اختياراته الفقهية والتي استقل بها عن المذهب مع التزامه بأصول شيخه في الاستنباط؛ كمجتهد أُوتِي أدوات الاجتهاد، والله تعالى أعلم.


([1]) ومثله قال التميمي في «الطبقات السنية» (2/52)، رياض زاده في «أسماء الكتب المتمم لكشف الظنون» (ص74)؛ متابعة منهما لما جاء في «الجواهر المضية».

([2]) وعبارته في «سلم الوصول» (1/214) أوضح حيث قال: وله «المختصر الصغير» و«المختصر الكبير».

([3]) ومن الأوائل المتقدمين الذين أطلقوا ذكر المختصر في ترجمة الطحاويِّ الإمامُ الصيمري (ت436هـ) في «أخبار أبي حنيفة وأصحابه» حيث قال في ص(168): فأوَّل ما صنَّف من كتبه «مختصره» الذي هو على ترتيب المزني... إلخ.

([4]) وقد طار هذا المختصر كل مطار، واعتنى به الشافعية عناية فائقة، وكثرت شروحه، ولعل أشهر شروحه «الحاوي الكبير» للماوردي (ت450هـ)، «نهاية المطلب» للجويني (ت 478هـ)، راجع مقدمة «نهاية المطلب» للدكتور/ عبد العظيم الديب.

([5]) وهذه تعتبر سمة عامة في كتب الحنفية ابتداءً من كتب ظاهر الرواية التي وصلت إلينا إلى سائر كتب الأصحاب، ولهذه اللحظة لم أقف على منهجية واضحة لوضع الأبواب وترتيبها لديهم، وهذا يجعل الباحث دائم الترداد على فهرس الكتاب للوصول لما يريد.
 
إنضم
12 أبريل 2014
المشاركات
102
الجنس
ذكر
الكنية
أبو ياسر
التخصص
فقه شافعي
الدولة
مصر
المدينة
دمياط
المذهب الفقهي
شافعي
رد: وقفتان مع (مختصر الطحاوي) في الفقه الحنفي ... هاااام جدا

هذا الرابط يختص بالكتاب أيضا

https://feqhweb.com/vb/threads/.24851
 
أعلى