العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الأصول المعنوية والتعبدية في الأحكام

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
الأصول المعنوية والتعبدية في الأحكام


يقول الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله:
الحكم إذا علق بشيء معين على أقسام:
§ منها ما لا يعقل معناه في أصله وتفصيله.
§ ومنها ما يعقل فيهما.
§ ومنها ما يعقل معناه في أصله، ويتعلق الأمر بشيء من تفصيله لم تتحقق فيه التعبدية ولا عدمها.
فأما ما عقل فيه المعنى مطلقا:
فيتبع ويقاس على المنصوص عليه ما هو في معناه عند القائلين بالقياس إلا لمعارض.
وهذا مثل: تعيين الأحجار في الاستجمار؛ فإنه فهم منه أن المقصود إزالة النجاسة جزما
فلم يقتصروا فيه على الأحجار، وعدوه إلى ما في معناها بالنسبة إلى الإزالة من الخزف
والخرق.
وأما ما لم يعقل فيه المعنى أصلا وتفصيلا:
فيمثل بالحكم المعلق بالأحجار في رمي الجمار على ما هو المشهور من أن ذلك تعبد
لا يعقل معناه ، فلم يعدوه إلى غيره([1])، واقتصروا على ما يسمى حجرا؛ لأن شرط القياس معقولية المعنى وتعيين العلة لتعدي الحكم بسببها إلى ما وجدت فيه.
وأما ما عقل أصل معناه وورد أمر في تفصيله:
فيمثل بإزالة النجاسة بالماء فإنه عين الماء فيها على مقتضى ما رووه من الحديث، وأصل المعنى معقول جزما، وهو طلب إزالة النجاسة، لكن تعلق الأمر بالماء فهل يقال: الأصل اتباع اللفظ وما علق به الحكم إلى أن يتبين أن التعيين لما عيِّن غير مراد، أو يقال: لما فهمنا أصل المعنى لم يخرج عنه حتى يتبين التعبد؟
هذا محل نظر، والذي نحن فيه من هذا القبيل، فإن السبع([2]) إن لم يظهر فيها بعينها معنى، فقد ظهر عند القائلين بالتنجيس أصل المعنى، وهو إزالة النجاسة، فإذا قالوا بالتعبد في هذا التفصيل؛ أعني: في السبع، لم يلزم منه اطراح أصل المعنى الذي ثبت عندهم.
وأصل هذا: أن القول بالتعبد على خلاف الغالب، فيكون على خلاف الأصل، فيقتصر فيه على محل النص، لأن ما كان على خلاف الأصل يتقيد بقدر الضرورة.([3])

دلالة العدد على التعبد طردا وعكساً:
يقول الإمام ابن دقيق العيد:
للمالكية طريق في الاستدلال بالعدد على التعبد حيث يكون أصل الفعل محصلا للمقصود على تقدير فهم المعنى.
مثاله: أنهم لما قالوا: إن غسل الإناء من ولوغ الكلب تعبد، لا للنجاسة استدلوا عليه بالأمر بالغسل سبعا، وسلكوا هذه المادة حيث رأوا المعنى معقولا كغسل الرجلين، وهو كثير مباشرتهما للأوساخ، واقتضى ذلك أن يكون المقصود النظافة فلم يستحبوا التثليث في غسلها، وإن كان صحيحا في الحديث، فقد استعملوا هذه المادة طردا وعكسا أي حيث فهم المعنى لم يروا العدد، وحيث تعين العدد لم يروا بكون المعنى مفهوما.
وسلك هذه الطريقة في حديث عثمان رضي الله عنه أبو محمد عبد الواحد بن عمر السفاقسي فيما وجدناه عنه فقال: وقوله في حديث عثمان: غسل يديه ثلاثا، فيه حجة لابن القاسم، أنها عبادة لتوفيته العدد؛ هذا أو معناه.
وهذه الطريقة عندنا ضعيفة: لأنه لا منافاة بين فهم أصل المعنى وطلب التأكد فيه والاستظهار بالزيادة في تحصيل المقصود منه.
وأيضا فلو سلمنا أن العدد دليل التعبد لم يقدح ذلك في أصل المعنى، فقد يكون الأصل معقولا والتعبد في التفصيل، هذا يفهم إذا لم يتوجه المعنى في التفصيل، فكيف إذا احتمل أن يكون مؤكدا للأصل، أو غير ذلك من المعاني؟! ([4])

أصل معنوي تعبدي من وجهين:
يقول الإمام ابن دقيق العيد:
ظهور المعنى في الأصل لا يمنع من التعبد في التفصيل، فرب أصل معنوي تعبدي من وجهين، كالنصب المزكاة والمسروقة أصلها معنوي، وتحديداتها تعبدية... ([5])

([1]) نلاحظ أنه أشار إلى ضعف اعتبار التعبد المطلق على رمي الجمار، وقد أشار في موضع آخر أن كثيرا من أفعال الحج التي يقال عنها إنها تعبد ليست هي كذلك.

([2]) يعني من غسل ولوغ الكلب.

([3]) شرح الإلمام 1/390

([4]) شرح الإلمام 3/490، 491

([5]) شرح الإلمام 3/478
 
التعديل الأخير:
إنضم
17 نوفمبر 2009
المشاركات
439
التخصص
باحث إسلامي
المدينة
الجيزة
المذهب الفقهي
مستقل
([1]) نلاحظ أن ابن دقيق العيد أشار إلى ضعف اعتبار التعبد المطلق على رمي الجمار، وقد أشار في موضع آخر أن كثيرا من أفعال الحج التي يقال عنها إنها تعبد ليست هي كذلك.

صدقت في ملاحظتك .. وصدق ابن دقيق في إشارته

وقد فصلنا -نحن- الأمر بعض تفصيل في هذا الرابط

https://feqhweb.com/vb/threads/4235

ولنا مع موضوع التعليل - تعليل الأحكام التعبدية والعادية- وقفات, قد نطرحها - وقد نمسك- !
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
قال ابن دقيق العيد:
متى دار الحكم بين كونه تعبدا أو معقول المعنى كان حمله على كونه معقول المعنى أولى لندرة التعبد بالنسبة إلى الأحكام المعقولة المعنى([1])
وتعقبه الصنعاني بقوله:
دعوى كثرة ذلك ممنوع؛ فإن الأحكام التعبدية أكثر، ولنفرضه في مسألة أحكام الصلاة من تعيين أعدادها وانقسامها إلى ثنائية وثلاثية ورباعية وتعيين أوقاتها وجعل كل عدد لوقت وتعيين أذكارها وأعدادها ومحالها. وكذلك الوضوء من تعدد أحكامه كالتثليث والاقتصار على الأعضاء المعروفة وغسل بعضها ومسح بعض. وكذلك الزكاة من تعيين الأجزاء المعروفة من الأموال والتفرقة بين الأجزاء المأخوذة، فيؤخذ من النقد كذا ومن الإبل كذا ومن البقر كذا وتوقيت الأخذ، وأما الحج فكل أحكامه تعبدية، وبالجملة فالأحكام المعقولة المعنى قليلة جدا بالنسبة إلى ما يقابلها، والعبودية في الامتثال بالتعبدية أظهر منها في المعقولة من معقول المعنى؛ لأنه انقياد لمحض الأمر، وإن كانت تلك لربطها بالمعاني تقبل عليها النفوس زيادة إقبال، لكن تلك أتم. ولذا كانت عبادته لا خوفا من ناره ولا رغبة في جنته أبلغ من عبادته للأمرين، وأعرق في رسوخ قدم المعامل لله تعالى على ما قيل، وإن كنا قد كتبنا رسالة في خلاف ذلك. وقد بسطنا هذا القول بعض البسط في رسالتنا في الربا؛ لأنه أخذ الناس هذه القاعدة مسألة، وليس المراد من المعاني المعقولة إلا ما قادت النصوص ولو ظاهره إلى عللها وبواعثها لا ما يمكن تتبعه بالتبخيت والتخمين، فإنه لا يبقى شيء أو لا يكاد إلا وأمكن التبخيت لعلته، لكنه تهجم على الجناب المقدس، وهجوم على تعليل أحكامه بلا ثبت، كما وقع لبعض المتأخرين لهذا الشأن فأتى بما تمجه الأسماع.([2])


https://feqhweb.com/vb/threads/4784#_ftnref1([1]) الإحكام (1/145).

https://feqhweb.com/vb/threads/4784#_ftnref2([2]) العدة حاشية الصنعاني على إحكام الأحكام (1/145، 146).
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
وقال ابن دقيق العيد:
إذا كان أصل المعنى معقولا قلنا به، وإذا وقع في التفاصيل ما لم يعقل اتبعناه في التفصيل، ولم ينقص [كذا في المطبوعة] لأجله التأصيل. ولذلك نظائر في الشريعة، فلو لم تظهر زيادة التغليظ في النجاسة لكنا نقتصر في التعبد على العدد، ونمشي في أصل المعنى على معقولية المعنى.([1])

http://www.mmf-4.com/vb/editpost.php?do=editpost&p=27265#_ftnref1([1]) الإحكام (1/148).
 
التعديل الأخير:
إنضم
17 نوفمبر 2009
المشاركات
439
التخصص
باحث إسلامي
المدينة
الجيزة
المذهب الفقهي
مستقل
قال ابن دقيق العيد:
متى دار الحكم بين كونه تعبدا أو معقول المعنى كان حمله على كونه معقول المعنى أولى لندرة التعبد بالنسبة إلى الأحكام المعقولة المعنى([1])
وتعقبه الصنعاني بقوله:
دعوى كثرة ذلك ممنوع؛ فإن الأحكام التعبدية أكثر، ولنفرضه في مسألة أحكام الصلاة من تعيين أعدادها وانقسامها إلى ثنائية وثلاثية ورباعية وتعيين أوقاتها وجعل كل عدد لوقت وتعيين أذكارها وأعدادها ومحالها. وكذلك الوضوء من تعدد أحكامه كالتثليث والاقتصار على الأعضاء المعروفة وغسل بعضها ومسح بعض. وكذلك الزكاة من تعيين الأجزاء المعروفة من الأموال والتفرقة بين الأجزاء المأخوذة، فيؤخذ من النقد كذا ومن الإبل كذا ومن البقر كذا وتوقيت الأخذ، وأما الحج فكل أحكامه تعبدية، وبالجملة فالأحكام المعقولة المعنى قليلة جدا بالنسبة إلى ما يقابلها، والعبودية في الامتثال بالتعبدية أظهر منها في المعقولة من معقول المعنى؛ لأنه انقياد لمحض الأمر، وإن كانت تلك لربطها بالمعاني تقبل عليها النفوس زيادة إقبال، لكن تلك أتم. ولذا كانت عبادته لا خوفا من ناره ولا رغبة في جنته أبلغ من عبادته للأمرين، وأعرق في رسوخ قدم المعامل لله تعالى على ما قيل، وإن كنا قد كتبنا رسالة في خلاف ذلك. وقد بسطنا هذا القول بعض البسط في رسالتنا في الربا؛ لأنه أخذ الناس هذه القاعدة مسألة، وليس المراد من المعاني المعقولة إلا ما قادت النصوص ولو ظاهره إلى عللها وبواعثها لا ما يمكن تتبعه بالتبخيت والتخمين، فإنه لا يبقى شيء أو لا يكاد إلا وأمكن التبخيت لعلته، لكنه تهجم على الجناب المقدس، وهجوم على تعليل أحكامه بلا ثبت، كما وقع لبعض المتأخرين لهذا الشأن فأتى بما تمجه الأسماع.([2])


([1]) الإحكام (1/145).

([2]) العدة حاشية الصنعاني على إحكام الأحكام (1/145، 146).

في كلام الإمام الصنعاني ما لا نوافقه عليه .. فالشريعة كلها معللة .. والأحكام المعقولة فيها تعبد .. والأحكام التعبدية فيها معقولية .. الأمر فيه تغذية متبادلة .. وشرح ذلك يطول - وقد قمنا به خير قيام إن شاء الله في بحث لنا حول هذا الأمر نمسك عن طرحه بعضاً من الوقت- .. وقد قام ببعض توضيحٍ لذلك أستاذنا الجليل د/ أحمد الريسوني في بعض كتبه وأبحاثه
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رأي خاص في تناول هذه المسألة:

الأمير الصنعاني في طرف،،،

ابن دقيق العيد في الوسط....

يحيى رضا جاد في طرف،،،،

 
التعديل الأخير:
إنضم
17 نوفمبر 2009
المشاركات
439
التخصص
باحث إسلامي
المدينة
الجيزة
المذهب الفقهي
مستقل
رأي خاص في تناول هذه المسألة:

الأمير الصنعاني في طرف،،،

ابن دقيق العيد في الوسط....

يحيى رضا جاد في طرف،،،،

سنطرح - إن شاء الله ويسر وأعان- ما عندنا في هذا المنتدى المبارك .. ولكن لا تعجل؛ فـ "الواجبات أكثر من الأوقات"

 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: الأصول المعنوية والتعبدية في الأحكام

يقول الخطيب البغدادي:
التعبد من الله تعالى لعباده على معنيين:
أحدهما: التعبد في الشيء بعينه لا لعلة معقولة, فما كان من هذا النوع لم يجز أن يقاس عليه.
والمعنى الثاني: التعبد لعلل مقرونة به, وهي الأصول التي جعلها الله تعالى أعلاما للفقهاء, فردوا إليها ما حدث من أمر دينهم, مما ليس فيه نص بالتشبيه والتمثيل عند تساوي العلل من الفروع بالأصول, وليس يجب أن يشارك الفرع الأصل في جميع المعاني, ولو كان ذلك واجبا لكان الأصل هو الفرع, ولما كان يتهيأ قياس شيء على غيره, وإنما القياس تشبيه الشيء بأقرب الأصول به شبها, ألا ترى أن الله تعالى حكم في الصيد بالمثل في النعم, وحكموا في النعامة بالبدنة , وإنما يتفقان في بعض المعاني , وكذلك الحكم بالقيم والأمثال في الأشياء المتلفة([1]).

([1]) الفقيه والمتفقه (1/323).
 
أعلى