د. فؤاد بن يحيى الهاشمي
:: مشرف سابق ::
- إنضم
- 29 أكتوبر 2007
- المشاركات
- 9,059
- الكنية
- أبو فراس
- التخصص
- فقه
- المدينة
- جدة
- المذهب الفقهي
- مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
الأصول المعنوية والتعبدية في الأحكام
يقول الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله:
الحكم إذا علق بشيء معين على أقسام:
§ منها ما لا يعقل معناه في أصله وتفصيله.
§ ومنها ما يعقل فيهما.
§ ومنها ما يعقل معناه في أصله، ويتعلق الأمر بشيء من تفصيله لم تتحقق فيه التعبدية ولا عدمها.
فأما ما عقل فيه المعنى مطلقا:
فيتبع ويقاس على المنصوص عليه ما هو في معناه عند القائلين بالقياس إلا لمعارض.
وهذا مثل: تعيين الأحجار في الاستجمار؛ فإنه فهم منه أن المقصود إزالة النجاسة جزما
فلم يقتصروا فيه على الأحجار، وعدوه إلى ما في معناها بالنسبة إلى الإزالة من الخزف
والخرق.
وأما ما لم يعقل فيه المعنى أصلا وتفصيلا:
فيمثل بالحكم المعلق بالأحجار في رمي الجمار على ما هو المشهور من أن ذلك تعبد
لا يعقل معناه ، فلم يعدوه إلى غيره([1])، واقتصروا على ما يسمى حجرا؛ لأن شرط القياس معقولية المعنى وتعيين العلة لتعدي الحكم بسببها إلى ما وجدت فيه.
وأما ما عقل أصل معناه وورد أمر في تفصيله:
فيمثل بإزالة النجاسة بالماء فإنه عين الماء فيها على مقتضى ما رووه من الحديث، وأصل المعنى معقول جزما، وهو طلب إزالة النجاسة، لكن تعلق الأمر بالماء فهل يقال: الأصل اتباع اللفظ وما علق به الحكم إلى أن يتبين أن التعيين لما عيِّن غير مراد، أو يقال: لما فهمنا أصل المعنى لم يخرج عنه حتى يتبين التعبد؟
هذا محل نظر، والذي نحن فيه من هذا القبيل، فإن السبع([2]) إن لم يظهر فيها بعينها معنى، فقد ظهر عند القائلين بالتنجيس أصل المعنى، وهو إزالة النجاسة، فإذا قالوا بالتعبد في هذا التفصيل؛ أعني: في السبع، لم يلزم منه اطراح أصل المعنى الذي ثبت عندهم.
وأصل هذا: أن القول بالتعبد على خلاف الغالب، فيكون على خلاف الأصل، فيقتصر فيه على محل النص، لأن ما كان على خلاف الأصل يتقيد بقدر الضرورة.([3])
دلالة العدد على التعبد طردا وعكساً:
يقول الإمام ابن دقيق العيد:
للمالكية طريق في الاستدلال بالعدد على التعبد حيث يكون أصل الفعل محصلا للمقصود على تقدير فهم المعنى.
مثاله: أنهم لما قالوا: إن غسل الإناء من ولوغ الكلب تعبد، لا للنجاسة استدلوا عليه بالأمر بالغسل سبعا، وسلكوا هذه المادة حيث رأوا المعنى معقولا كغسل الرجلين، وهو كثير مباشرتهما للأوساخ، واقتضى ذلك أن يكون المقصود النظافة فلم يستحبوا التثليث في غسلها، وإن كان صحيحا في الحديث، فقد استعملوا هذه المادة طردا وعكسا أي حيث فهم المعنى لم يروا العدد، وحيث تعين العدد لم يروا بكون المعنى مفهوما.
وسلك هذه الطريقة في حديث عثمان رضي الله عنه أبو محمد عبد الواحد بن عمر السفاقسي فيما وجدناه عنه فقال: وقوله في حديث عثمان: غسل يديه ثلاثا، فيه حجة لابن القاسم، أنها عبادة لتوفيته العدد؛ هذا أو معناه.
وهذه الطريقة عندنا ضعيفة: لأنه لا منافاة بين فهم أصل المعنى وطلب التأكد فيه والاستظهار بالزيادة في تحصيل المقصود منه.
وأيضا فلو سلمنا أن العدد دليل التعبد لم يقدح ذلك في أصل المعنى، فقد يكون الأصل معقولا والتعبد في التفصيل، هذا يفهم إذا لم يتوجه المعنى في التفصيل، فكيف إذا احتمل أن يكون مؤكدا للأصل، أو غير ذلك من المعاني؟! ([4])
أصل معنوي تعبدي من وجهين:
يقول الإمام ابن دقيق العيد:
ظهور المعنى في الأصل لا يمنع من التعبد في التفصيل، فرب أصل معنوي تعبدي من وجهين، كالنصب المزكاة والمسروقة أصلها معنوي، وتحديداتها تعبدية... ([5])
([1]) نلاحظ أنه أشار إلى ضعف اعتبار التعبد المطلق على رمي الجمار، وقد أشار في موضع آخر أن كثيرا من أفعال الحج التي يقال عنها إنها تعبد ليست هي كذلك.
([2]) يعني من غسل ولوغ الكلب.
([3]) شرح الإلمام 1/390
([4]) شرح الإلمام 3/490، 491
([5]) شرح الإلمام 3/478
التعديل الأخير: