العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

أبحاث في الديموقراطية: الأول

إنضم
3 ديسمبر 2010
المشاركات
231
التخصص
دراسات إسلامية
المدينة
صنعاء
المذهب الفقهي
لا مذهبي
أبحاث في الديموقراطية: الأول
أولاً أهمية الاتفاق على المعنى والمصطلح:
حتى نضع أقدامنا على أرض ثابتة ولا يكون حوارنا غير مسموع لبعضنا ينبغي لنا الاتفاق على الأسماء والمعاني ولطالما كان هذا الموضوع سبباً رئيساً في الاتفاق أو الخلاف .
قال في اللسان: واسم الشيء سمه سمه سماه علامته التهذيب.
وقال محمد علي التهاوني :
الإسم هو اللفظ المفرد الموضوع للمعنى وهو يعم جميع أنواع الكلمة , والمسمى هو المعنى الذي وضع الإسم بإزائه والتسمية هي وضع الإسم للمعنى موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم 1/181
ولقد اهتم القرآن الكريم والسنة المطهرة بهذا الموضوع حتى لا يطلق من شاء أسماءً على مايشاء تغييرًا وتزويرًا وتضليلاً.
قال الله تعالى :  قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُنتَظِرِينَ  الأعراف 71
و قال الله تعالى :  إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ الْهُدَى  النجم 23
وفي الحديث  عَنْ شُعْبَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ حَفْصٍ يَقُولُ سَمِعْتُ ابْنَ مُحَيْرِيزٍ يُحَدِّثُ عَنْ رَجُلٍ مَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَشْرَبُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا  النسائي 5658
 وقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ حَدَّثَنِي أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا  أبو داود 3688
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تُسَمُّوا الْعِنَبَ الْكَرْمَ وَلَا تَقُولُوا خَيْبَةَ الدَّهْرِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ * البخاري6182

ولقد دخلت مفاهيم ومصطلحات جديدة في جسم الثقافة الإسلامية وفكرها وبدأت تزحزح المفاهيم الأصلية عن مكانها ولا يجرؤ أصحاب هذه المفاهيم الأصيلة الدفاع عنها أو استخدامها خشية الاتهام بالرجعية والتخلف والظلامية والانغلاق والإرهاب ...الخ
وتشهد الساحة الفكرية وخاصة في مجال السياسة الشرعية انحسارًا للأسماء والمصطلحات الإسلامية لتتمدد على حسابها المصطلحات الوافدة بكل خلفياتها العقدية والموضوعية والبيئية الكفرية التي نبتت بها هذه المصطلحات وبدأ بعض أبنائنا وإخواننا يجعجعون بالمصطلحات الحديثة نابذين المصطلحات الشرعية وراءهم ظهريا.
وهذا أدى بدوره إلى خلاف بين الناس على معاني هذه المصطلحات فبين حرفي وآخر تحريفي وثالث يعبد الله على حرف ورابع تأويلي تضيع الحقيقة.
والطريق السليم للوصول إلى الحق هوعدم العبث بالمصطلح الشرعي أو استبداله بالوافد الغريب وإن كان لابد من الاستيراد فلا بد من تحديد دقيق لهذا الجديد.وغالباً ما يكون العبث بالأسماء والمسميات هو القنطرة التي يعبر عليها المضللون والمفسدون.
ولا بد من التأصيل الشرعي لهذا الموضوع لنتجنب القطيعة الفكرية بين العاملين للإسلام ولنتمكن من دوام التواصل.
وربما يختلف الناس ويتخاصمون من أجل مصطلح بل ربما تسير الجموع ويموت البعض من أجل مصطلح لا يدرك كثير ممن يرفعه ويردده معناه.
وقد اهتم العلماء بهذا الموضوع وأعطوه ما يستحق من رعاية . قال الإمام ابن تيمية :
[ومعرفة حدود الاسماء واجبة لأنه بها تقوم مصلحة بني آدم في النطق الذي جعله الله رحمة لهم لا سيما حدود ما أنزل الله في كتبه من الاسماء كالخمر والربا فهذه الحدود هي الفاصلة المميزة بين ما يدخل في المسمى ويتناوله ذلك الاسم وما دل عليه من الصفات وبين ما ليس كذلك ولهذا ذم الله من سمى الاشياء بأسماء ما انزل الله بها من سلطان فأنه اثبت للشيء صفة باطلة كإلهية الاوثان فالاسماء النطقية سمعية واما نفس تصور المعاني ففطري يحصل بالحس الباطن والظاهر وبادراك الحس وشهوده ببصر الانسان بباطنه وبظاهره وبسمعه يعلم اسماءها وبفؤاده بعقل الصفات المشتركة والمختصة والله اخرجنا من بطون امهاتنا لا نعلم شيئا وجعل لنا السمع والابصار والافئدة فأما الحدود المتكلفة فليس فيها فائدة لا في العقل ولا في الحس ولا في السمع الا ما هو كالاسماء مع التطويل أو ما هو كالتمييز كسائر الصفات ولهذا لما رأوا ذلك جعلوا الحد نوعين نوعا بحسب الاسم وهو بيان ما يدخل فيه ونوعا بحسب الصفة أو الحقيقة أو المسمى] مجموع الفتاوى 9/59

وقال [فالنبى قد بين المراد بهذه الألفاظ بيانا لا يحتاج معه الى الاستدلال على ذلك بالاشتقاق وشواهد إستعمال العرب ونحو ذلك فلهذا يجب الرجوع فى مسميات هذه الاسماء الى بيان الله ورسوله فإنه شاف كاف] مجموع الفتاوى 7/287
وقال : [وقد قيل ان أكثر اختلاف العقلاء من جهة اشتراك الاسماء] مجموع الفتاوى 5/217
وقال: [لم نحتج إلى الفاظ مبتدعة فى الشرع محرفة فى اللغة ومعانيها متناقضة فى العقل فيفسد الشرع واللغة والعقل كما فعل اهل البدع من أهل الكلام الباطل المخالف للكتاب والسنة ] مجموع الفتاوى 5/430
وقال: [فالجهمية من المتلفسفة والمعتزلة وغيرهم يبنون على هذا وقد يسمون أنفسهم الموحدين ويجعلون نفي الصفات داخلا في مسمى التوحيد ومبني ذلك على أصل واحد وهو أنهم سموا أقوالهم بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان إن هي إلا أسماء سموها هم وآباؤهم وجعلوا مسمى الأسماء الواردة في الكتاب والسنة أشياء أخر ابتدعوها هم فألحدوا في أسماء الله وآياته وحرفوا الكلم عن مواضعه وقد ذكر تلبيسهم وتمويههم وإلحادهم أئمة السلف والخلف بيان تلبيس الجهمية ج: 1 ص: 463
وقال ابن القيم: [نهى عن أن يهجر اسم العشاء وهوالاسم الذي سماها الله به في كتابه ويغلب عليها اسم العتمة فإذا سميت العشاء وأطلق عليها أحيانا العتمة فلا بأس والله أعلم وهذا محافظة منه على الأسماء التي سمى الله بها العبادات فلا تهجر ويؤثر عليها غيرها كما فعله المتأخرون في هجران ألفاظ النصوص وإيثار المصطلحات الحادثة عليها ونشأ هذا من الجهل والفساد ما الله به عليم] زاد المعاد 2/350
وقال: [والتحقيق فى هذا الباب أنه لا ينظر الى الالفاظ المحدثة بل ينظر الى ما جاء به الكتاب والسنة من الاسماء والمعانى] عدة الصابرين 1/151
وقال :[الإمام ابن تيمية قال الله تعالى كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم والاختلاف نوعان نوع في جنس اللغة كالعربية والفارسية والرومية واليونانية ويقال هي نوع في أصنافهم إذ قد يكون في الألفاظ العرفية العامة والاصطلاحية الخاصة نظير ما في لغة العرب ولغة هؤلاء المصنفين منهم كانت من هذا النمط فأما الألفاظ التي أنزل الله بها القرآن الذي تلاه رسول الله على المسلمين وأخذوا عنه لفظه ومعناه وتناقل ذلك أهل العلم بالكتاب والسنة بينهم خلف عن سلف فهذه لا يجوز أن يرجع في معانيها إلى مجرد أوضاعهم ولا ريب أن القوم أخذوا العبارات الإسلامية القرآنية والسنية فجعلوا يضعون لها معاني توافق معتقدهم ثم يخاطبون بها ويجعلون مراد الله تعالى ورسوله من جنس ما أرادوا فحصل بهذا من التلبيس على كثير من أهل الملة ومن تحريف الكلم عن مواضعه ومن الإلحاد في أسماء الله تعالى وآياته ما الله به عليم ولهذا قد يوافقون المسلمين في الظاهر ولكنهم في الباطن زنادقة منافقون] بغية المرتاد 1/235
وقال: [وأكثر اختلاف العقلاء من جهة اشتراك الأسماء وفي ذلك من فساد العقل والدين ما لا يعلمه إلا الله فإذا رد الناس ما تنازعوا فيه إلى الكتاب والسنة فالمعاني الصحيحة ثابتة فيهما والمحق يمكنه بيان ما يقوله من الحق بالكتاب والسنة ولو كان الناس محتاجين في أصول دينهم إلى ما لم يبينه الله ورسوله لم يكن الله قد أكمل للأمة دينهم ولا أتم عليهم نعمته فنحن نعلم أن كل حق يحتاج الناس إليه في أصول دينهم لا بد أن يكون مما بينه الرسول إذ كانت فروع الدين لا تقوم إلا بأصوله فكيف يجوز أن يترك الرسول أصول الدين التي لا يتم الإيمان إلا بها لا يبينها للناس ومن هنا يعرف ضلال من ابتدع طريقا أو اعتقادا زعم أن الإيمان لا يتم إلا به مع العلم بأن الرسول لم يذكره وهذا مما احتج به علماء السنة على من دعاهم إلى قول الجهمية القائلين بخلق القرآن وقالوا إن هذا لو كان من الدين الذي يجب الدعاء إليه لعرفه الرسول] الدرء 1/233
وقال: [ومع هذا كله فالأسماء التي تعلق بها الشريعة المدح والذم والحب والبغض والموالات والمعادات والطاعة والمعصية والبر والفجور والعدالة والفسق والإيمان والكفر هي الأسماء الموجودة في الكتاب والسنة وإجماع الأمة فأما سوى ذلك من الأسماء فإنما تذكر للتعريف كأسماء الشعوب والقبائل فلا يجوز تعليق الأحكام الشرعية بها بل ذلك كله من فعل أهل الأهواء والتفرق والاختلاف الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كحال من يعلق الموالات والمعاداة بأسماء القبائل أو البلدان أو المذاهب المتبوعة في الإسلام كالحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية والمشايخ ونحوهم وإذا كان كذلك فاسم المشبهة ليس له ذكر يذم في الكتاب والسنة ولا كلام أحد من الصحابة والتابعين ولكن تكلم طائفة من السلف مثل عبدالرحمن بن مهدي ويزيد بن هارون وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ونعيم بن حماد وغيرهم بذم المشبهة وبينوا المشبهة الذين ذموهم أنهم الذين يمثلون صفات الله بصفات خلقه فكان ذمهم لما في قولهم من مخالفة الكتاب والسنة إذ دخلوا في التمثيل إذ لفظ التشبيه فيه إجمال واشتراك وإيهام بخلاف لفظ التمثيل الذي ذل عليه القرآن ونفى موجبه عن الله عز وجل الوجه الثاني أن هذه الحجة يحتج بها طوائف من متكلميهم من الكرامية وغيرهم وإلا فجمهورهم لا يحتاجون إلى قياس شمولي في هذا الباب ] بيان تلبيس الجهمية 1/109
وقال أبو حامد الغزالي في المقصد : [فإن كل علم تصديقي أعني علم ما يتطرق إليه التصديق أو التكذيب فإنه لا محالة لفظه قضية تشتمل على موصوف وصفة ونسبة لتلك الصفة إلى الموصوف فلا بد أن تتقدم عليه المعرفة بالموصوف وحده على سبيل التصور لحده وحقيقته ثم المعرفة بالصفة وحدها على سبيل التصور لحدها وحقيقتها ثم النظر في نسبة تلك الصفة إلى الموصوف أنها موجودة له أو منفية عنه فمن أراد مثلا أن يعلم أن الملك قديم أو حادث فلا بد أن يعرف أولا معنى لفظ الملك ثم معنى القديم والحادث ثم ينظر في إثبات أحد الوصفين للملك أو نفيه عنه فلذلك لا بد من معرفة معنى الاسم ومعنى المسمى ومعنى التسمية ومعرفة معنى الهوية والغيرية حتى يتصور أن يعرف بعد ذلك أنه هو أو غيره فنقول في بيان حد الاسم وحقيقته إن للأشياء وجودا في الأعيان ووجودا في الأذهان ووجودا في اللسان أما الوجود في الأعيان فهو الوجود الأصلي الحقيقي والوجود في الأذهان هو الوجود العلمي الصوري والوجود في اللسان هو الوجود اللفظي الدليلي فإن السماء مثلا لها وجود في عينها ونفسها ثم لها وجود في أذهاننا ونفوسنا لأن صورة السماء تنطبع في أبصارنا ثم في خيالنا حتى لو عدمت السماء مثلا وبقينا لكانت صورة السماء حاضرة في خيالنا وهذه الصورة هي التي يعبر عنها بالعلم وهو مثال المعلوم فإنه محاك للمعلوم ومواز له وهي كالصورة المنطبعة في المرآة فإنها محاكية للصورة الخارجة المقابلة لها وأما الوجود في اللسان فهو اللفظ المركب من أصوات قطعت أربع تقطيعات يعبر عن القطعة الأولى بالسين وعن الثانية بالميم وعن الثالثة بالألف وعن الرابعة بالهمزة وهو قولنا سماء فالقول دليل على ما هو في الذهن وما في الذهن صورة لما في الوجود مطابقة له ولو لم يكن وجود في

الأعيان لم ينطبع صورة في الأذهان ولو لم ينطبع في صورة الأذهان لم يشعر بها إنسان ولو لم يشعر بها الإنسان لم يعبر عنها باللسان فإذا اللفظ والعلم والمعلوم ثلاثة أمور متباينة لكنها متطابقة متوازية وربما تلتبس على البليد فلا يميز البعض منها عن البعض وكيف لا تكون هذه الوجودات متمايزة ويلحق كل واحد منها خواص لا يلحق الأخرى ] المقصد الأسنى ج: 1 ص: 25-26
وقال الشيخ محمد أبو زهرة شارحاً فلسفة كونفوشيوس:
[وأما الناحية الأولى فهي قوام فلسفته؛ وهي الجزء النظري منها , وقد ابتدأ نظراته الفلسفية بنظرية تعيين "المعنى" و "اللفظ" ,وتعيين "الأسماء والمسميات" , وهي النظرية التي ابتدأ بها أيضاً سقراط من بعد " كونفوشيوس" وذلك لما تشابهت فيه أحوال العصرين الذين عاش فيهما الفيلسوفان : فكونفوشيوس جاء في وسط اضطراب خلقي, وتلاعب في نظام الحكم, وعبث بمصالح الدولة, واللعب بالألفاظ لتوهين الأخلاق فكان لا بد من العمل على تعيين المعاني الدالة على الألفاظ ليثبت المعنى مستقيماً, لكي لا يمكن التلاعب به, وإفساد الاستدلال من طريق ذلك التلاعب, وكذلك سقراط وجد السوفسطائيين قد اتخذوا من اللعب بالألفاظ طريقاً لحل أخلاق الشباب الأثيني وإفساد اعتقاده والعبث بكل ما هو فاضل لديه ولذا كان أول ما دعا إليه سقراط تعيين المعاني الدالة عليها الألفاظ؛ حتى لا يتخذ المفسدون من بريق اللفظ ما يفسد الاستدلال والتفكير.
دعا كونفوشيوس إلى العناية بمعاني الأسماء, والألفاظ الدالة على المسميات, وألحف في تلك الدعوة ليقطع على المضللين سبيل التضليل, ويفتح الباب ليستقيم طريق المعرفة من غير تمويه؛ ولذا جاء في كتاب الحوار لكونفوشيوس أن أحد تلاميذه سأله: (بأي شيء يبتدأ سياسته إن تولى حكم الإمارة ؟) فقال: (لا بد من تصحيح الأسماء) فدهش التلميذ من هذا الجواب, ووقع من نفسه موقع العجب . فقال كونفوشيوس: (إذا لم تكن الأسماء صحيحة لا يوافق الكلام حقائق الأشياء, وإذا لم يكن الكلام موافقاً للحقائق وقع الخلط في اللغة وفسدت الأمور فلا تزهر الآداب ولا الموسيقى ويضطرب التفكير, ولا تنزل العقوبات على من يستحقها, وإذا لم تنزل العقوبات على من يستحقها لا تعرف الرعية كيف يحركون أيديهم وأرجلهم ولذلك يرى الرجل الكامل أن من الضروري أن توافق الأسماء مسمياتها ليمكن أن يتكلم بها وأن يعمل بما يتكلم, والرجل الكامل الخلق لا يستهين بكلامه , ولا يهمل في تعبيره ) .
وعنايته بتعيين الألفاظ جزء من عنايته بأن يكون الشخص الكامل على تمام المعرفة بنفسه وبحقائق الأشياء فهو يحث على المعرفة الصحيحة ويعتبرها جزءاً غير قابل للانفصام من منهاجه الخلقي فيعتبر من كمال الفضيلة للرجل حسن إدراكه للأمور وقدرته على فهم مما يلقى بين يديه من المسائل من غير أن يدفعه الغرور إلى الضلال] مقارنة الأديان _الديانات القديمة, محمد أبو زهرة ص 95/96.
 
أعلى