محمد مصطفى الحجّام العنبري
:: متابع ::
- إنضم
- 19 ديسمبر 2007
- المشاركات
- 83
- الإقامة
- مدينة سيدي بلعباس الجزائر
- الجنس
- ذكر
- الكنية
- أبو عبد الرحمن
- التخصص
- أصول الفقه المقارن
- الدولة
- الجزائر
- المدينة
- بلعباس
- المذهب الفقهي
- المالكية و الحنابلة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له و أشهد أن لا إله إلا الله و حده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله أما بعد : فهذا موضوع أحببت أن أدلي به في ملتقانا هذا و هو موضوع متعلّق بفن من فنون العلم عزّ و الله من يهتمّ به ذلكم هو فن الفقه و أصل هذا الموضوع مقال طرحته آنفا في إحدى الشبكات التي تدّعي تخصصها في العلوم ثم لما أحلت على بعض المواقع كموقع الشيخ الأصولي: محمد علي فركوس _ حفظه الله تعالى _ قوبلت بالطرد من هؤلاء و الغرابة أني لما استشكلت ما فعلوا لم يعيروني أي اهتمام ثم أدركت أن السر في ذلك هو انتسابي إلى المحجة الوضحة الصحيحة و سلوكي منهج السلف و اعتزائي إليهم فعزمت على نشر ما كتبت في شبكتنا الغراء بين إخواننا الراغبين في الفقه الدارسين له مؤملا أن أكون أفدت به و استفدت أرجو من إخواننا التفاعل مع هذا الموضوع و الله الموفق و هذا أصل المقال و بالله التوفيق :
" مناقشة في دعوى اطّراح المتون الفقهية و نبذ التفقه بها" : و أصله جواب عن مقالة قالها بعضهم فابتدأت فيها بما فتح الله فقلت :
فإن الموضوع الذي طرحتموه آنفا أخي ما من شك أنه موضوع ذو أهمية و الدعوة التي أشرتم إليها و التي يدعو فيها أصحابها إلى ترك المتون دعوة قديمة و لقد سمعتها من البعض المنتسبين إلى العلم منذ أزيد من 8 سنوات و لا أدري هل كانت من قبل أم لا
و لقد كنت مولعا بها من قبل لظني أنها أصحابها مصيبون و لكن أدركت مع الأيام مجانبة هذه الدعوة للصواب و بعدها عن طريق التأصيل العلمي و ما ذكرت أخي صار معلوما و لله الحمد و لهذا أقول : إن من القواعد المقررة عند العلماء قاعدة مهمة ينبني عليها كثير من المسائل الشرعية و هي أن : " الحكم على الشيء فرع عن تصوره " و بناء على هذا فالذي يدعو إلى نبذ التفقه عن طريق المتون الفقهية هو في الواقع لم يفهم معنى الفقه أصلا فكأنه خرج عن محل النزاع لعدم استقامة أركان و دعائم ما بنى عليه القضية فيقال له :
- الواجب فهم معنى الفقه أولا ثم بعد ذلك أورد ما أردت من الإيراد و وجه ما أريد قد حصل لي منذ زمن كما أسلفت لهذا أنا أعلم منطق و تصوّر من يقول بهذا القول بحكم أني عايشت ذلك فأحرر ما يلي :
1- الفقه كما هو معلوم عند أرباب العلم : معرفة الأحكام العملية من أدلتها التفصيلية و لا ريب أن هذا معناه أن الفقه مبني على أدلته و أولها كتاب الله جل و علا و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم و هذا هو الذي يرمي إليه القائلون بنبذ المتون الفقهية ظنا منهم أن أدلته تتوقف أو تنحصر في هذين الأصلين العظيمين و ليس الأمر كذلك و يتضح لك هذا جليا بالنظر نظرة موازنة بين كتب الفقه و كتب الحديث و سأورد لك من كلام أهل العلم ما يوضح ما أريد و لكن لما تصور هؤلاء أن الفقه و ابتناء المسائل فيه إنما هو على الكتاب و السنة فقط ظنوا أن الإكتفاء بكتب الحديث هو المتعين دون الإلتفات إلى أقوال الرجال كما يقولون و لكن نسألهم :
- و هل أقوال هؤلاء الرجال إلا استنباط من الأدلة الشرعية ؟؟؟
و كأنهم تناسوا هؤلاء الرجال و مكانتهم و لا أريد من هذا أن أجعل الرجال معصومين أو أن أجعلهم في مقام النبي صلى الله عليه و سلم كلا و أبرأ إلى الله من ذلك و لكن تأمل أن هؤلاء الرجال هم أناس شابت رؤوسهم و رسخت أقدامهم في العلم و هم أعلم من هؤلاء المدّعين و القائلين بنبذ المتون بحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و بقدره صلوات ربي و سلامه عليه و ما حملهم على التصنيف و جمع الأحكام الشرعية إلا الضعف العلمي و الخور الذي حصل على مر القرون و الأيام و الدهور .
- لا شك أن الهمة ينبغي أن تسمو إلى كتب الحديث فالأصل هو الكتاب و السنة و لكن الترقي في مدارج الطلب و النظر و الإجتهاد لا يمكن أن يحصل إلا بتطلب الفقه من كتب المتون لأن المتون دقيقة المعنى و العبارة و تفيد في تصوّر المسائل و أنا أسوق لك كلام شيخ التأصيل العلمي الشيخ المكرم : صالح بن عبد العزيز آل الشيخ حيث قال حفظه الله تعالى في محاضرته الفرق بين كتب الفقه و كتب الحديث : " وطالب العلم في طريقه في طلب العلم يحتاج إلى فرق مهم وهذا الفرق كثيرون لم يدركوه، وهو الفرق بين تناول كتب الفقه وكتب الحديث، كتب الفقه فيها كلام على المسائل الفقهية وفيها الأدلة وفيها الخلاف. وكتب الحديث فيها أيضاً الكلام على المسائل الفقهية وفيها الأدلة وفيها الخلاف والترجيح. فمن جهة النظر إلى المحتوى قد يتشابه هذا وهذا ولهذا يشتكي كثير من طلاب العلم الذين في الكليات الشرعية، كلية الشريعة أو كلية أصول الدين في الرياض أو في نحوهما يشتكون من أنهم إذا دخلوا الكلية وابتدأو في دراسة الفقه والحديث، يشتبه عليهم تقرير هذا وتقرير هذا، يشتبه عليهم شرح الأستاذ الذي يدرسهم الفقه مع شرح الأستاذ الذي يدرسهم الحديث، من جهة أن كلاً منهما يورد أدلة وخلافاً وتصويراً للمسألة وربما كان إيراد هذا يختلف عن إيراد ذاك من جهة الاستيعاب أو الاستدلال أو بيان وجه الاستدلال أو استخدام علوم الآلة أو الترجيح... إلى غير ذلك، وهذا يجعل طالب العلم في كثير من الالتباس في جهة تحصيل العلم، وهل يطلب علم الأحكام من كتب الحديث أو يطلبها من كتب الفقه ؟ وبسبب عدم معرفة كيفية تناول الأحكام هل هو من كتب الحديث أم من كتب الفقه وما ميزة هذه وهذه ؟ وهل هذه تعارض هذه أم لا ؟ بسبب عدم العلم بهذه المسائل، حصل نقص عند كثيرين من طلاب العلم، وما اكتمل ملكتهم في العلم من جهة التكامل بين هذين العلمين العظيمين ، الفقه والحديث......إلى أن قال : " لهذا تنظر إلى علم الفقه وعلم الحديث إلى أنه لا انفصال بينهما في الحقيقة، فالفقه هو فقه الأحكام الشرعية وهذا يكون مبنياً على أدلة، ومن الأدلة السنة . ينتج من ذلك أن أدلة الفقيه أعم من أدلة المحدث، بمعنى أن الكتاب الذي يعرض لمسائل الفقه تكون أدلته أوسع من أدلة الكتاب الذي يعرض لفقه الحديث، لِمَ ؟ لأن من نظر في فقه الحديث يكون الدليل هو الذي يتكلم عليه من الحديث، عنده حديث في البلوغ ويشرحه، أو حديث في منتقى الأخبار ويشرحه، مثل نيل الأوطار، أو حديث في البخاري يشرحه أو نحو ذلك، فيكون شرحه مبنياً على هذا الحديث، واستنباطه للحكم بما في هذا الحديث من الحكم.
أما الفقيه فإنه يستنبط الحكم من عدة أدلة، قد يكون الدليل نصاً من الكتاب أو السنة، وقد يكون اجماعاً، وقد يكون قياساً شمولياً، وقد يكون قياس علة، وقد يكون قول صاحب، أو قول إمام ... الخ
نرجع إلى تأصيلها فنقول : المقصود من هذا أن كتب الفقه تختلف عن كتب الحديث من جهة الأدلة .
إن كتب الحديث إذا رجعنا إلى أولها فتجد أن الإمام يبوّب على الحديث بما فيه من الفائدة، لكن لا يرى الاختلاف الذي فيه، فمثلاً الامام البخاري في تبويباته يبوِّب على فقه الحديث الذي عنده، أبو داود في تبويبه يبوّب على فقه الحديث الذي عنده، الترمذي النسائي ابن خزيمة ...الخ يبوِّبون ناظرين في التبويب - والتبويب هو عبارة عن الحكم أوالفائدة - راجع إلى فقههم إلى هذا المتن.
لكن إذا نظرت في المسألة نفسها نظرتها في كتب الفقه فتجد أن الفقيه يستدل بعموم آية، أو بمفهوم آية، أو يستدل بعدد من الأحاديث، أو يستدل بقاعدة أو أقوال الصحابة .. الخ.
رجع الأمر إلى أنه في الزمن الأول قبل شيوع المصنفات وشروح الحديث المطولة، المحدِّث يستنبط بناءً على هذا المتن الذي عنده، ولا ينظر إلى جميع أدلة المسألة، لا ينظر إلى كل ما في المسألة من الأقوال، لهذا يدخل في نظره إلى هذا المتن فيستنبط منه، أما المفتي أو الفقيه إذا أراد أن ينظر في هذه المسألة التي تناولها الحديث فإنه يستحضر أشياء أخر، لهذا صار كلام الفقهاء يختلف عن كلام طائفة من أهل الحديث، لِمَ ؟ لأنه قد يكون المحِّدث ينظر إلى هذا المتن باستنباط ما فيه فوائد من هذا المتن دون النظر إلى أن هذه الفائدة هل هي الحكم في نفس الأمر أم أنه يأتي معارض فينظر إليه من جهة أخرى، وقد ذكرت لك فيما مضى أن الأقوال المتضادة أو الأقوال المتقابلة في الفقه، فإنه يكون القول أرجح إذا كان المعارض له أقل، فإن القولين المختلفين في الفقه لا تظن أن أحد القولين له دليل والآخر ليس له دليل، هذا نادر، بل الأكثر - وجُل المسائل - يكون هذا القول له أدلته وهذا القول له أدلته، ولكن أي القولين يكون أرجح ؟ القول الأرجح هوالذي يكون الاعتراض على ما استدلَّ به أصحابه أقل من الاعتراض على القول الآخر.
وهذه فائدة رصينة مهمة يحتاجها الناظر في كتب الفقه وكتب الحديث جميعاً.
هذه الأقوال المتقابلة والاختلافات جاءت نتيجة إلى نظر العلماء في المسائل الفقهيه، بعد ذلك صنفت متون الفقه ثم صنفت المطولات في الفقه، ثم ظهرت شروح كتب الحديث، شروح كتب الحديث استفادت من كتب الفقه، فأوائل كتب الفقه التي بسطت القول في المسائل الفقهية الخلافية كتب ابن المنذر، ومثلها مع شيء من الاختلاف المصنفات، مصنف ابن أبي شيبة ومصنف عبد الرزاق وأشباه هذه، فتجد أن هذه بسطت القول في المسألة بذكر أقوال العلماء المصنفات بدون ذكر أدلتهم لأنها رواية، ومثل كتب ابن المنذر تجد أنه يذكر القول ويذكر دليله.
ظهرت كتب الفقه بعد ذلك فيها ذكر الخلافيات وفيها دليل كل قول إذا كان الكتاب في الفقه عاماً مقارناً يقارن فيه صاحبه بين المذاهب، أما إذا كان كتاب مذهب خاص فإنه لا يورد أدلة الأقوال الأخرى " ثم قال حفظه الله تعالى : " .... كتب الفقه وكتب الحديث يخدم بعضها بعضاً، فمن نظر في شروح كتب الحديث وأراد أن يستفيد، فلا بد أن يكون مؤصلاً في الفقه، فإذا أصل في الفقه كان نظره في كتب الحديث جيداً، لِمَ؟ لأن كتب الحديث ما تصوّر المسألة، وإنما تبني على أن المسألة صورتها واضحة، وأما كتب الفقه فهي تصور المسألة ثم تذكر دليلها - هذا واحد.
الثاني : أن كتب الحديث ليس فيها استيعاب للأدلة على اختلافها، لكن كتب الفقه تجد أنه يذكر دليل المسألة إذا كان من الكتاب أو السنة أو القياس أو القواعد الخ ذلك. يذكر كل ما في الباب عنده من أدلة في هذه المسألة؟
الفرق الثالث : أن كتب الحديث فيها إيراد المسألة بحسب مجيء هذا الحديث دون تكامل للباب، يعني الباب في كتب الحديث لا يتكامل في ذهن طالب العلم ، فإذا نظرت مثلاً في كتاب الجهاد في البخاري، أو الإمارة في مسلم، أو نظرت في باب من الأبواب في كتب الحديث فتجد أن هذه الأبواب فيها من الفوائد بقدر مجيئها في السنة لأنه مبني على الاستدلال من السنة فقط، لكن كتب الفقه يكون فيه عرض الباب بذكر المسائل التي تدخل تحت هذا الباب ودليلها من القرآن أو من السنة - وهو موجود في كتب الحديث- أو من القياس أو من القواعد أو من قول صاحب أو استنباط، أو فتوى للإمام، فتجد أن المسائل في كتب الفقه أكثر منها في كتب الحديث.
يعني ذلك أن من نظر في كتب الحديث جميعاً فإنه يخلص بنتيجة وهي أن المسألة إذا كان دليلها حديثاً عن النبي عليه الصلاة والسلام فهو موجود في كتب الحديث بتفصيل وببيان الخلاف فيه ودرايته وروايته وما يتصل بذلك، لكن إذا كان دليلها قاعدة عامة، دليلها آية، دليلها القياس، دليلها قول صاحب، دليلها فتوى الإمام، فلا تجدها في كتب الحديث.
ينبني على ذلك أن الناظر في كتب الفقه يكون الباب في ذهنه أرتب وأوسع، لكن كتب الفقه فيها قصور - في العموم - من جهة النظر في الحديث أو في المتن بدون تأثر صاحب المذهب بمذهبه في النظر، لأنه يكون الدليل من السنة مثلاً في البخاري لكن في كتاب المذهب الفقهي ولو كان مطولاً خلافياً، فيه الخلاف العالي والنازل، لكن يكون نظره في الحديث بناءً على مذهبه، هذه الحيثية هي نوع من القصور في كتب الفقه من جهة طالب العلم المتوسع، فيكملها بالنظر في كتب الحديث، لكن كتب الحديث - يعني الشروح المطولة - تجد أن المسألة لا يتصورها طالب العلم تصوراً جيداً، يعني في المسائل التي تحتاج إلى تصور، أما في المسائل الواضحة فليس الكلام فيها، فلا يتصور المسألة تصوراً واسعاً، لا يتصور المسألة تصوراً دقيقاً، لا يستخدم أصول الفقه في الاستنباط، بخلاف كتب الفقه الموسع.
تستخدم أصول الفقه في كتب الحديث المطولة إذا احتاج إلى الترجيح في الخلاف.
من الفروق المهمة أنه يظن طالب العلم أن شارح الحديث أقرب إلى الاجتهادمن شارح المتن الفقهي، أو يكون - هذا الشارع - ولو كان يورد الأدلة، لكنه لا يسلم من التعصب.
أما شارح الحديث فقد يظن كثير من طلاب العلم أنه يسلم من التعصب، فيقبل على كتب الحديث بناءً على أن أصحابها متجردون - رحم الله أهل العلم جميعا. وكتب الفقه يقول :لا عندهم تقليد، وعندهم نصرة لمذاهبهم، فلا ينظر فيها، وهذا غلط من جهة أن أصول الاستنباط التي بها يستنبط العالم ما هي ؟ العالم الذي سيشرح كتب الحديث يستنبط من الأدلة ويرجح بناءً على ماذا ؟ لا شك أنه بناء على ما عنده من أصول الفقه، - لأن أصول الفقه هي أصول الاستنباط- فهو سينظر في هذه المتون، ويستنبط ويرجح بين الأقوال، لكنه لن يسلم من التقليد لأنه سيرجح بناءً على ما في مذهبه من أصول الفقه، ويظن الناظر أنه يرجح بناءً على الصحيح المطلق، وهذا غير وارد البتة، لأنه ما من شارح للحديث، إلا وعنده تبعية في أصول الفقه، أصول الاستنباط، فهو سيشرح ويقول : هذا الراجح لأنه كذا، فيأتي طالب العلم المبتدئ أو المتوسط ممن ليس له مشاركة في الاستنباط عميقة، فينظر إلى ترجيح صاحب الحديث بأنه أكثر تجرداً من ترجيح صاحب الفقه، وهذا غلط لأن صاحب الفقه متأثر في استنباطه بمذهبه، وكذلك شارح الحديث متأثر في استنباطه بمذهبه، لكن بما أنه يشرح الحديث فينظر الناظر إلى أنه متجرد، وهو متجرد بلا شك لن ينصر ما يعتقد أنه غير صحيح، لكن سيتأثر في الباطن بأصول الفقه التي دَرَسَها، ولهذا لا بدّ أن تعلم أن الشراح إنما هم أتباع مذاهب، وليسوا مجتهدين الاجتهاد المستقل أو المطلق، لأن الاجتهاد المطلق أو المستقل - على خلاف في التسمية والتعريف - راجع إلى أنه يجتهد في أصول الفقه كما أنه يجتهد في النظر في الرجال، فله اجتهاداته في الفنين جميعاً، مثل الأئمة الأربعة، وبعض من اندرست مذاهبهم كسفيان والأوزاعي وابن جرير، فهؤلاء لهم اجتهادات في أصول الفقه وفي الرجال جميعاً، وكذلك ابن حزم له طريقة مخالفة لما قبله في أصول الفقه أصول الاستنباط وكذلك في النظر في الرجال، لا يقلد، وإنما له نظره المستقل، فهذا يسمى مجتهد مستقل، لكن بعدما دوِّنت المذاهب وانتشرت لا يوجد هذا، حتى شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى فإنه في أصول الفقه وهي أصول الاستنباط يتبع مذهب الحنابلة، إلا ما ندر مما رجحه أو بحثه بحثاً مستقلاً، مثل الكلام في عموم البلوى وأشباه ذلك، في مسائل أخذها من غير أصول الحنابلة، ولهذا إذا نظرت في المسودة، مسودة آل تيمية في أصول الفقه وجدت أن استدراكات شيخ الاسلام على قول أبيه وجده في هذه المسائل نادراً أو قليلاً.
إذا أتيت إلى مثل الحافظ ابن حجر والنووي وأشباه هؤلاء، فإنه من جهة الاستنباط سيدخلون في النظر، هل هذا اللفظ من ألفاظ العموم أم لا؟ هل المفهوم يخصص أم لا ؟ هل مفهوم المخالفة معتبر في هذا أم لا ؟ هل الدلالة دلالة نصية أو دلالة ظاهر؟ هل ينسخ هذا هذا أم لا ؟ فيرى طالب العلم الذي ليس عنده مشاركة في كتب أهل العلم في الأصول، يرى أن ما ذكره شارح الحديث أرجح مما ذكره الفقيه، لِمَ ؟ لأن هذا يشرح كتاب الحديث ويعتمد على السنة وذاك يعتمد على كتاب المذهب، وهو في الواقع ليس الأمر كذلك، لأن هذا وهذا جميعاً يتأثر في الاستنباط والنظر بأصول الفقه التي دَرَسَها . وهي أصول مذهبه.
فالنووي وابن حجر رحمهما الله تعالى في الاستنباط في أكثر المسائل بل في جل المسائل هم تبع للشافعية، ويأتي الناظر ويقول : رجّحه النووي، ويذهب عن قول ابن قدامة مثلاً أو يذهب عن قول فلان من الحنفية أو غيره باعتبار أن ذاك ينصر مذهبه لأنه رأى القول في كتاب فقهي، وهذا لن ينصر مذهبه باعتبار أنه وجده في كتاب شرح مسلم أو البخاري أو غير ذلك، هذا من عدم معرفة الفرق بين كتب الفقه وكتب الحديث.
في كثير من المسائل يأتي طالب العلم وينقل أقوالاً عن الحافظ ابن حجر أو عن النووي، حتى في صورة المسألة، حتى في نوعية النظر في الخلاف، وإذا تأمل وتوّسع وجد أنهم نقلوها من كتب الفقه الشافعية، وعلماء الشافعية رحمهم الله تعالى خدموا كتب الحديث، ولهذا صارت ترجيحات المحدثين المتأخرين - أو الناظر في كتب الحديث من المتأخرين - تبعاً لترجيحات الشافعية لأنهم خدموا كتب الحديث أكثر من غيرهم . خدمة الحنفية لكتب الحديث قليلة، خدمة الحنابلة لكتب الحديث أقل، وهكذا.
فإذا طالب العلم الذي يريد أن يؤسس نفسه من جهة النظر - بدون أن يكون يوماً بالخليصا ويوماً بحزوى - يكون دقيقاً في النظر في أنه ينظر في كتب الفقه وكتب الحديث ويعلم هذه ما مميزاتها، وهذه ما مميزاتها وحتى تصل إلى منهجية دقيقة في هذه المسألة فرتب نفسك في مراحل :
المرحلة الأولى : أنه إذا عرضت لك المسألة في كتب الحديث، فاطلب تصورها من كتب الفقه، لأن تصوير شروح الحديث غالباً ما يكون ناقصاً، بناءً على أن الناظر في هذا الكتاب - وهو كتاب فيه الخلاف والترجيحات - ليس من الطلاب المبتدئين، خلاف حال كثيرين من الشباب أو طلبة العلم الصغار، فإنه يقبل على هذه الكتب المطولة وهو لا يعرف صورة المسألة أصلاً أو مقدماتها في كتب الفقه، فأولاً تطلب صورة المسألة من كتب الفقه، ثم تنظر في كتب الفقه ما دليل المسألة ؟ فإن كان دليلها من القرآن فهذه ظاهرة، في أنك لن تجد الكلام مفصلاً عليها في كتب الحديث إلا إذا كان ثم حديث يدل عليها، فإذا كان دليلها من القرآن فتحتاج إلى كتب أحكام القرآن، كتب أحكام القرآن كل كتاب تبع لمذهبه، أحكام القرآن للقرطبي مالكي، أحكام القرآن للكيا الهراس شافعي، أحكام القرآن للجصاص حنفي، أحكام القرآن لعبد الرزاق الرسعني حنبلي، وهكذا. فإذاً هناك تأثيرات أيضاً من هذه الجهة، فلا يظن الظان أنه بوجود المسألة في كتاب أحكام القرآن فإنه خلص المؤلف فيها من التقليد، ليس كذلك، بل تجد أنهم ينصرون مذاهب فيها الدليل واضح من الكتاب، لكن يدخلون في النظر منه من جهة أصول الفقه، فينصرون المذهب الخاص لقناعتهم بذلك. من جهة الدليل والاستدلال.
فإذا صورة المسألة أولاً أخذناها ثم يليها دليلها، فإن كان من القرآن فظاهر. إذا كان من السنة فتنظر إلى قول شارح كتاب الفقه، وبعده تنظر إلى قول علماء الحديث وشراح الحديث في كتبهم ، فيكون النظر في كتب أهل الحديث المطولة نظر في هل إيراد هذا الكتاب - الكتاب الفقهي - لهذا الدليل والاستدلال كاملاً أم غير كامل ؟ هل الأسانيد صحيحة أم لا ؟ هل الدليل صحيح من جهة النقل أم لا؟ ثم النظر في الدلالة، هل هي كما قال أم لا ؟ فيكون في هذه المرحلة تخدم كتب الحديث كتب الفقه ويكون الناظر في كتب الحديث مؤصلاً في المسألة الفقهية بعد معرفة دليلها.
المرحلة الرابعة : أن ينظر في الدليل إذا كان من جهة القواعد، القواعد - كما ذكرنا - قسمان : قواعد متفق عليها وقواعد مختلف فيها.
القواعد المتفق عليها هذه تمشي مع جميع المذاهب، أما المختلف فيها فكل مذهب له قاعدة، ودليل هذه القاعدة في المذهب تارة يكون مبنياً على فهمهم لدليل من الكتاب أوالسنة، وتارة يكون مبنياً على فروع منقولة عن إمام المذهب.
فإذا كان الدليل من التقعيد عاماً يعني من القواعد الكلية فإن هذا القول به ظاهر وواضح، أما إذا كان هذه القاعدة دليلها خاصاً بمذهب أو فروع منقولة في مذهب فإنه لا تخلو المسألة أيضاً من جهة النظر إلى تنازع في الفهم والدلالة وفي دليل هذه القاعدة، تجد قواعد يستدل بها الشافعية لا يوافقهم عليها الحنابلة، قواعد عند الحنفية ليست مستقيمة عند المالكية والحنابلة والشافعية، قواعد يذكرها شيخ الاسلام ابن تيمية خرج بها عن بقية المذاهب، تعقيدات واضحة من دلالة النصوص العز بن عبد السلام أتى بقواعد في كتابه “القواعد الكبرى” قواعد الأحكام في مصالح الأنام في كثير من التقعيدات - كثير ليس الأكثر - خرج بها عما هو صواب في نفسه، وهكذا، فإذاً إذا كان الدليل بالقاعدة لا يعني أنه صحيح مطلقاً، بعض طلبة العلم أو الشباب إذا قيل له القاعدة كذا يظن إنها خلاص انتهت مسلّمة، بمعنى أنها كالنص، لا، ينظر في القاعدة إذا كانت كلية فهذا صحيح، أما إذا كانت قاعدة خاصة بمذهب من المذاهب فيعرض لها النزاع كما يعرض لأي مسألة فقهية.
بعد ذلك تنظر في قول الصحابي، هل استدلوا بأقوال الصحابة أم لا ؟ هل هذا الصاحب له مخالف أم لا؟ الخ تنظر فيما يأتي به من الأدلة، وللنظر في كتب الفقه أو كتب الحديث رتب نفسك في تصوّر أي مسألة لاستيعاب ما فيها بهذه المراحل الستة -هذا الآن تقسيم آخر -.
الخطوة الأولى : تصوير المسألة . يعني أي مسألة تعرض عليك في كتب الفقه أو كتب الحديث رتبها حتى تفهمها بفقه على هذه المراحل الستة ... "
و قال حفظه الله تعالى جوابا على سؤال نصه : " .... س / يقول : قد يعترض شخص ويقول : إننا لو تأملنا الكتب في شروح الحديث لرأيت أنهم أقل خطأ من غيرهم، من الذين أقروا ... كتباً في الفقه، فنجد المحدثين لا يستدلون بقول صاحب، ولو وجدوا حديثا ولو ضعيفاً، والفقهاء أغلبهم يقدمون الرأي على الحديث إذا ضعف، فهل هذا الكلام صحيح؟
الجواب : المشكل في مثل هذه المسائل أن يكون طالب العلم الذي يلقي مثل هذه الإشكالات، أن يكون عنده النظري واسع، والتطبيق قليل، أي أنه فهم هذه الكليات من دون ممارسة، لكنه لو مارس ممارسة واسعة لوجد أن هذا الكلام غير صحيح، فيقول : لو تأملنا في كتب شروح الحديث لرأيت أنهم أقل خطأ من غيرهم، هنا أقل خطأ مبني على ماذا ؟ لا شك أنه لا بد أن يكون عند الناظر ترجيح في كل مسألة من أن كلام الشارح أرجح من كلام الفقيه المسن، وكلامنا ليس على الترجيح بين فلان وفلان، بين ابن حجر وابن قدامة، بين النووي وابن قدامة أونحو ذلك، ليس الكلام في هذا، الكلام في ميزة كتب الفقه وكتب الحديث وما الفرق بينهما حتى يستوعب طالب العلم هذا الفرق، وكون كتب الحديث أقل خطأ الجواب ليس كذلك، هي فيها معرض للاجتهاد والنظر، وكتب الفقه فيها معرض للاجتهاد والنظر، كتب الفقه تختلف بحسب صاحب الكتاب الشارح، فإذا كان محققا عالماً فيكون رؤيته في المسائل وترجيحاته بناءً على نظره في الأدلة نظره في القواعد ... الخ،هذه مكانة العالم، ونظر المحدث قد يكون ضعيفاً، مثلاً خذ شروح طائفة من علماء الهند لكتب الحديث، ؟؟؟ كثير من علماء الهند شرحوا البخاري شرحوا مشكاة المصابيح، وبعضهم شرح مسلم أيضاً، منهم من شرح الترمذي، هي شروح أحاديث، لكن شرحهم له هل هو على طريقة أهل الحديث، أو على طريقة الحنفية؟ أكثرها على طريقة الحنفية، فيقرر لك مذهب الحنفية من دون أن تشعر، فيأتي الناظر ويقول هذا كله سنة وأدلّة الخ، لكن أدلة الآخرين قد يورد منها دليلاً أو دليلين ويكون هذا الذي أورده ليس هو الحجة في الباب، إذا نظرت إلى بعض كتب الحديث المتقدمة لما فيه نصرة لمذهب معين، مثل مثلاً كتاب البيهقي "السنن الكبرى" و"السنن الوسطى" و"السنن الصغرى" له هذه كلها مطبوعة، تجد أنه أراد الاستدلال لأقوال الشافعي، أتى التركماني في تعقباته، وعارض ما استدل به البيهقي في المسائل، الحنابلة في بعض المسائل لهم رأي آخر، فإذاً اعتماد العالم على الأثر والحديث تكون الحجة معه ويكون أقل خطأً ممن يكون اعتماده على النظر والرأي، هذه كلية صحيحة، ولهذا يقول شيخ الاسلام ابن تيمية في موضع له أظنه في أول "الاستقامة" يقول : إن أهل الحديث أو الذين يعتمدون على الأثر من أهل العلم هم أقدر الناس على الفتوى بما يناسب الزمان الذي يعيشون فيه، لأن الفتوى تتغير بتغير الزمان، فيكون عنده انطلاق وسعة في الفتوى، بخلاف أهل الرأي والفقه الجامد فإنهم يكونون عند النظر في المسائل النازلة والحادثة أكثر انحباساً وأقل انطلاقاً فيها، لِمَ؟ لأن هذا ينظر في النصوص ويستنبط منها، وذاك ينظر في نصوص إمام ويريد أن يطبقها، ونص الشارع يستوعب الأزمنة والأمكنة وأما نص الإمام المعين -على جلالته- فإنه كان بناءً على البلد التي كان فيها، ولهذا صاحب الأثر، -نقول : نعم-، أقل خطأ من صاحب الرأي وصاحب الفقه المجرد من الدليل، هذا لاشك، فذاك تكثر أخطاؤه وهذا أقل، لكن بالنسبة لكتاب حديث وكتاب فقه، لا، يكون بحسب المؤلف، المؤلف من هو ؟ انظر مثلاً للفرق بين سبل السلام ونيل الأوطار، تجد أن الفرق واضح بين هذا وهذا، الشوكاني مثلاً في مصطلح الحديث وفي النظر في الاسناد تبع للحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير ونحوه، ما له اجتهاد في الاسناد ولا يعرف الرجال ولا طبقاتهم ولا كذا. وإن كان نظر فيه فهو مقلد بحت، إذا أتى في الأصول فله اجتهادات في الأصول ربما خالف بها أئمة المذاهب، ربما له اجتهادات،كما في إرشاد الفحول، يرى أشياء مخالفة للجميع، طيب، يرى الناظر مثلاً في نيل الأوطار فإذا صحح ورجح يقول هذا مجتهد، يعني لا يقلد ولا يتعصب للآخرين، لكن ملكته الاجتهادية ليست كاملة لأنه في الأسانيد مقلد، فقليل ما يكون عنده معرفة بالتخريج والإسناد استقلالاً، وإنما هو ناقل عن غيره، لكن من جهة الأصول نعم من جهة اظفطلاع فخفى عليه بعض الأقوال وبعض الأدلة، فهو يرجح بناءً على ما أورد، لكن يكون في المسألة أدلة أخرى، قواعد، لصاحب هذا القول، لا يوردها، وفي الغالب هو لخّص الفتح وزاد عليه، لكن في سبل السلام تجد أن صاحبه ينظر نظراً آخر لأنه لخص كتاب البدر التمام وزاد عليه أشياء، فالنظر مختلف، نظر شرح الحديث في سبل السلام مختلف من حيث الوجهة والمنهج عن نيل الأوطار، وهما كتابا حديث، هذا شرح البلوغ، وهذا شرح المنتقى، إذا فهذا القول ناتج من عدم الاستيعاب، وعدم معاناة كتب الفقه وكتب الحديث ولو عانى واستوعب لوجد أن المسألة ليست على ذلك،، أما قوله أن الفقهاء أغلبهم يقدمون الرأي على الحديث إذا كان الرأي فيه ضعف،هذا غير صحيح. " إنتهى محل الغرض
و هاك أخي كلاما آخر لأحد المشايخ العلماء ألا و هو الشيخ عبد الكريم الخضير حفظه الله تعالى حيث
قال : " ..... أقول أهل العلم لهم جادة سلكوها و أدركوا و حصلوا بواسطتها و تربية الطلاب على المتون الصعبة ليس عبثا من قبل أهل العلم و لا يقصدون من ذلك التعنيت و لا المشقة على طالب العلم و إنما يراد بذلك بناء طالب العلم بناء متينا فليس من العبث أن يُقْرَأْ و يُدَرّس طالب العلم زاد المستقنع على صعوبته بالإمكان أن تبسط مسائل هذا الكتاب بدلا أن يكون في مائة صفحة تبسط مسائله بوضوح فيدركها كل من يقرأ على طريقة المتأخرين في البسط لكن أقول : لا يتربى طالب العلم على هذه الطريقة لأنه إذا احتاج إلى مسألة في كتب أخرى لا توجد في هذا الكتاب كيف يتعامل مع الكتب الأخرى التي ألفت بنفس النفس و بنفس الطريقة إذا لم يتربّى على هذه الطريقة مختصر خليل عند المالكية في غاية الصعوبة شديد الألغاز حتى قال بعضهم : إنه يشتمل على مائة ألف مسألة على صغر حجمه : هذا الكلام مبالغ فيه و تعرضنا له مرارا لكن يبقى أن الكتاب متين و عناية المالكية به عناية لا نظير لها و ليس من العبث عنايتهم به لما أدركوا أن طالب العلم يتربى بهذه الطريقة و الأمثلة على ذلك علمائنا و شيوخنا و من قبلهم من شيوخهم تربوا على هذه الكتب لكن هات الطلاب الذين تربوا على هذه المذكرات أو كتب المعاصرين التي كتبت بلهجة هذا العصر هذه لا تحتاج و لا إلى شيوخ هذه الكتب لا تحتاج و لا إلى شيوخ بالإمكان أن يقرأها الطالب بنفسه الذي يحسن الكتابة و القراءة لكن كيف يتربى طالب علم بحيث إذا انفرد في بلد من البلدان لا يوجد غيره نعم كيف يفهم كلام أهل العلم في كتب أخرى لكن إذا طلب العلم على الجادة و حفظ المتون في كل علم متن و قرأه على الشيوخ و شرحوه له و راجع الشروح و الحواشي ثم بعد ذلك يقرأ ما شاء من الكتب يقرأ ما شاء من الكتب فليس من العبث و التهوين من شأن المتون لا شك أنه قطع لطريق الطلب قطع لطريق الطلب ....هناك دعوات تدعو إلى هجر الطريقة المألوفة و المعروفة عند أهل العلم التي تربّى عليها أهل العلم أهل العلم و العمل لكن لا شك أن هذا قطع لطريق الطلب.."
إنتهى محل الغرض من كلامه حفظه الله تعالى.
و المقصود بإيراد هذين النقلين معالجة ما ذكر من قضية نبذ المتون و محصل ذلك أن تلك الدعوى من أصحابها تخرجهم ما شاؤوا أما أن تخرّجهم طلبة علم أو علماء فهذا ما لن يتأتى لهم لمخالفتهم لجادة أهل العلم كما ذكر الشيخان – حفظهما الله تعالى و أعتقد أن كلام الشيخين كاف و لكني أزيد ههنا على ما نقلت تجربة شخصية في مثالين أحدهما على سقوط دعوى الإكتفاء بالتفقه بالكتب المؤلفة على طريقة المحدثين من جهة إيراد المسائل الفقهية و الثاني مثال عملي على صحة استقامة أركان علم المتفقه من طريق المتون فأقول :
أما المثال الأول : فلقدكنت أدرس فيما مضى من بعض كتب المعاصرين التي ألفت على الطريقة التي أسلفت
و الواقع أني وجدت نفسي على مر الأيام واقعا في بلبلة و تخبيط فما حصّلت إلا مسائل مجموعة من هنا و من هنا و هذه قال بها الحنابلة و أخرى الشافعية و هكذا و كنت حينذاك إذا فتحت " الروض المربع " للبهوتي رحمه الله تعالى اشمئززت و تقزّزت قائلا : " ....و ما أصنع بهذا الكتاب الخالي من الدليل و كله كلام الرجال " و هذه شهادة أشهد بها على نفسي ما كنت أطيق النظر في هذه الكتب
و أخرى و هي أني سمعت مرة الشيخ صالح آل الشيخ – حفظه الله تعالى – في محاضرته المسجلة التأصيل في طلب العلم حيث قرر قائلا : " طالب العلم المبتدئ في الفقه لا يعنى و لا يهتم بالدليل أو الراجح ..." و الشيخ الكريم أكنّ له الإحترام و التقدير و أتّهم رأيي عند رأيه و لكني استغربت ذلك القول منه و قلت : " ...فلماذا أدرس الفقه إن لم أهتم و أبحث عن الدليل ؟! كانت هذه نقطة تحوّل حاولت أن أبحث فيها و أنقّب عن حقيقة هذا القول الذي ذكره ذلك الشيخ المحبوب الناصح الحريص على تفهيم طلبة العلم طريقة التحصيل المثمرة ,و ما السر في استشكالي حينذاك ؟
الجواب : ما أسلفت من أن " الحكم على الشيء فرع عن تصوره " و لو كنت فاهما للفقه على الحقيقة لما أوردت ما أوردته من استشكال كما يقول أصحاب هذه الدعوى المقصود أني فكرت في نفسي ثم توجهت إلى زاد المستقنع فصرت مدركا على الأقل بطلان دعوى نبذ المتون و ذلك أن المتون تجمع لك من قيود المسألة ما لا تجمعه كتب الحديث و أضرب مثالين ذكرهما بعض المشايخ الفضلاء في تقريرهما لهذه المسألة :
قال الشيخ عبد الكريم الخضير ما محصّله : " ...كتب الحديث لا تصوّر لك المسألة و لا يمكن أن تأخذ منها الحكم بخلاف كتب الفقه و المتون فيأتي الفقيه على المسألة و استثناءاتها جملة واحدة خذ مثلا طالب علم يدرس و يستخرج الفقه من صحيح البخاري يقرأ في يومه : باب أمر النبي صلى الله عليه و سلم بقتل الكلاب فأول ما يسمع ذلك يطلع على الشارع بمسدّس فما يجد كلبا إلا و قتله ....ثم يأتي من يومه الآخر فيقرأ : باي نسخ الأمر بقتل الكلاب هنا مشكلة ...لكن الفقيه يأتي لك بحكم المسألة و قيودها و استثنائها و أنت تأخذها مستوعبة ..."
و قال الشيخ عبد المجيد جمعة – و هو من المشايخ الأصوليين – في بلادنا الجزائر – صانها الله من كل مكروه – سمعته مرة قال : " طالب العلم لا بد له من التفقه بكتب الفقه لأنك إذا نظرت لكتب الحديث فستجد المحدثين يوردونها مرتبة على كتب الفقه فتأتي مثلا إلى بلوغ المرام ستجد إذا ما تتبعت أن الحافظ يورد مثلا حيث أبي سعيد " الماء طهور لاينجسه شيء " ثم يورد حديث القلتين بما يجعل من يقرأ الكتاب بغير عقلية الفقيه يقع في التباس من جهة إيراد الحافظ لحديثين ظاهرهما التعارض أما الدارس للفقه من المتون فلن يطوله هذا الإلتباس لما تقرر في ذهنه من قبل عن طريق كتب الفقه و كتب الحديث لا يدرك منها الطالب كيفية الإستنباط و تطبيق القواعد الأصولية بخلاف المتون الفقهية فهي تطبيق عملي لأصول الفقه "
قال الشيخ العلامة عبد العزيز العقيل – و هو من كبار علماء المملكة - : " السائل : حياكم الله و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته شيخنا : نحن نتحدث مع فضيلة الدكتور عبد الكريم الخضير حول مكتبة طالب العلم سبق لنا لقاءات عديدة مع فضيلته تحدّثنا عن مجموعة من الكتب في القرءان و علومه و العقيدة و الفقه لازال الحديث متواصل حول هذه الكتب نستأذن فضيلتكم في البداية لنطرح قضية قراءة الكتب و التعليق عليها و من أدركتم من مشايخكم أحسن الله إليكم في السابق كان لهم طريقة في القراءة و التعليق على هذه الكتب و بعضهم يحتفظ بهذه الكتب و التعليق عليها بطريقة معيّنة لعلكم تتفضلون بالحديث لطلبة العلم حول هذا الموضوع ؟
الشيخ العقيل : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و صلى الله و سلم و بارك على عبده و رسوله نبينا محمد و على آله و أصحابه أجمعين : الحمد لله هذا بحث جيّد بالنسبة إلى طلاب العلم و تعاملهم مع الكتب لأن الكتب هي مراجع العلم في أي فن كان و هي كما لا يخفى- يشرف علمكم - تختلف من حيث يعني التوسع أو الإختصار أو ما بين ذلك و منها المتون و منها الشروح و منها الحواشي و كان طلبة العلم فيما سبق أول ما يبدأ الإنسان منهم يحفظ فنا من الفنون كتاب مؤلَّف يعني مختصر من مختصرات هذا الفن فإذا حفظه قرأه على الشيخ و شرحه له يستعين هذا الطالب بشروح هذا المتن أو حواشيه و يعلّق عليها في هوامشه و يعدّ أوله إلى آخره و بالعكس إذا بيحيل مسألة على مسألة فهي الحقيقة الحفظ هو أساس الدرس و أساس التحصيل كما قال الرحبي :
....................... فاحفظ فكل حافظ إمام
و يختلف يعني مناهج الطلاب منهم من يكون على هذه الصفة و منهم من يكون له اتجاه آخر و الحد يصير منهم كل ما مرّ على موضع من مسألة من مسائل العلم و رأى لها تعلقا في باب آخر لأن بعض المسائل تذكر في موضع أو موضعين أو ثلاثة أو أربعة يعني موضوع مثلا السقط الذي يسقط من بطن أمه قبل أن يتمّ مذكور في سبعة مواضع من أبواب الفقه مذكور مثلا : في باب النفاس مذكور في باب الميراث مذكور في باب الجنايات مذكور في باب العتق ...إلخ فهم الحديث منهم يعني يربط هذا مع هذا و يشير إلى هذا مع هذا ثم أيضا الدرس هذه الدراسة منهم من يدرس الفن مثل ما يدرس الإنسان القرءان تجده مثلا : يحزّب مثلا : متن الزاد أو مثلا : بلوغ المرام و لاّ متن الألفية في النحو أو متن الرحبية كل ليل يدرس فنا من الفنون هذا فيتعاهدها ...متنا و ...معنى
السائل : لكن من خلال شروح سابقة لأحد مشايخه يراجع هذا ؟
الشيخ العقيل : لابد الشيخ هو المرجع في ذلك و قد لا يكون شيخا واحدا قد يكون شيخ النحو غير شيخ الفقه و شيخ الفقه غير شيخ التاريخ و الحديث و غير ذلك .
السائل : لكن شيخنا أيضا هل أدركتم من مشايخكم من كان يعلّق على كتبه و طريقة تعليقه على الكتاب الذي يحمله كيف كانت ؟
الشيخ العقيل : هذي الحواشي الحواشي كثيرة و كل على منهجه و بعضهم يقول : فمن تبع الحواشي ما حوى شي اللي تبع الحواشي ما حوى شي و لكنه هذا مو ما هو على إطلاقه بعض الحواشي ......و بعضها لا بعضها طيب العبارة لأن بعض المؤلفين يسد ثغرة من الثغرات بكلام جيد ......ثغرة فيأتي من بعده فيعلق على هذا يسد الثغرة هذي ...مثلا تخلف شرط و لاّ بقيد أو نحو ذلك .
السائل : فضيلة الشيخ أيضا على مدى حلقات كنا مع فضيلة الدكتور عبد الكريم تحدّث عن مكتبة طالب العلم إن كان لكم تعليق على ما سبق من حديث الشيخ عبد الكريم حفظكم الله ؟
الشيخ العقيل : الشيخ عبد الكريم ما شاء الله شيخ علاّمة ما شاء الله واسع الإطلاع و عنده ما شاء الله معلومات جديرة نحترمه و نرى أن كلامه ما شاء الله أنه من أفضل مشايخنا و إخواننا الله يوفقكم لكل خير .................... " من مكالمة أجراها فضيلته مداخلة مع إذاعة القرءان الكريم بشأن " كيف يبني طالب العلم مكتبته " و هذه شهادة على مسألتنا من متخصص فتأملها و عض عليها بناجذيك
ثم إني أقول : إلحظ هذا في ترتيب المحدثين لكتب أحاديث الأحكام فستجد الشافعي يرتبها على ترتيب الشافعية في الفقه و الحنبلي و هكذا مناسبة الأحاديث للباب وجه الدلالة محل الإستدلال لن يكون من طالب علم يقتصر على كتب الحديث مع التنبيه على ضرورة الربط بين كتب الحديث و المتون جميعا و ذلك لأن الإقتصار على المتون الفقهية وحدها أيضا مسلك مشين لا يترقى به الطالب في مسالك الإجتهاد و الترجيح بين الأقوال فلابد من الجمع بين الطريقين و لكن كطريق أول على ما قرر علمائنا يسلك الطالب كتب المتون ثم لا يزال يتدرج و يترقى حتى يكتسح المطولات الاتي عنيت بالدليل و بسط الأقوال ....إلخ
المثال الثاني : تطبيق عملي لنفع كتب الفقه و هذه مما حصل لي : قال صاحب زاد المستقنع في باب شروط الصلاة : " و يكره السدل و اشتمال الصماء و تغطية وجهه و اللثام على فمه و أنفه و كف كمه و لفه و شد وسطه كزنار و التصوير و استعماله ...." هذه جملة واحدة في سطر أو يزيد قليلا تأمّل أنها تضمنت 9 مسائل من المكروهات و قوله يكره يفتح لك باب استشكال و هو : ما هي القرينة الصارفة عن التحريم فيحصل لك فقه هذه المسائل مع التطبيق الأصولي لقاعدة من قواعد النهي مع أن دارس الفقه من كتب الحديث بمفردها لن يجمع هذه المسائل التسع إلى بعد مروره على الأقل على أربع خمس أحاديث فيجني الفائدة كما جناها الأول و لكن بطريق أطول " و العلم غزير و العمر عن تحصيله قصير فقدم الأهم فالمهم " و ما أكثر ما يرمي هذا الصنف ( أعني من ينبذ المتون ) الفقهاء بالإغراب عند سماعهم لما يقررونه لأول وهلة لما يخفى عنهم بناء المسألة و تصويرها من مثل ما قررته المالكية من طهارة لعاب الكلب على أن الصحيح فيما أعتقد نجاستها و لكن لو محّص الطالب النظر في عمدة قولهم لعرف قدرهم و أن اختيارهم ليس هو بمحض التشهي و لكنه التأصيل وفق قواعد علمية متينة و رصينة مع أن ظاهر الحديث في الباب يفيد التنجيس .
مثال آخر فيما قررت الحنابلة من حرمة استعمال إناء الذهب و الفضة مع أن الناظر في حديث أم سلمة يظهر له جواز ذلك في الفضة هذا بنظرة طالب الفقه من كتب الحديث لكن لما يذهب إلى كتب الفقه فسيجد قولهم مستند بالإضافة إلى الأدلة من الكتاب و السنة إلى دليل آخر من الأدلة الكلية ألا و هو مبدأ سد الذرائع فقل لي بربك كيف يمكن لمن يدعو لنبذ المتون أن يفقه كل هذا دون رجوع إليها لا شك أن هذا بعيد مع التنبيه أن هذا ليس مدعاة لقصر النظر على كتب مذاهب الأئمة المتبوعين من متون المذاهب فهذا كذلك من الجمود و التعصب الذي طالما حذر و أقام العلماء عليه الصيحات و نبذه الأئمة المتبوعون أنفسهم .
أما القضية الثانية عن أحسن المتون و الشروح فأنا أسوق لكم بعض ما ذكره الشيخ عبد الكريم الخضير حفظه الله تعالى بشأن متون الحنابلة فقال : " نعم بدأنا بكتب الفقه قلنا أن الطالب يبدأ بمثل آداب المشي إلى الصلاة للإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ثم يبدأ بعد ذلك بكتاب مختصر إما أخصر المختصرات أو عمدة الطالب للشيخ منصور أو عمدة الفقه للإمام الموفق نعم و هذا كتاب نفيس يعوّد الطالب على الإعتماد على الحديث
السائل : عمدة الفقه ؟
الشيخ : نعم لأنه يبدأ كل باب بحديث....
السائل : شُرح الكتاب يا شيخ ؟
الشيخ : شرح شروح كثيرة جدا ممن شرحه لأهميته شيخ الإسلام ابن تيمية نعم بعد ذلك يبدأ الطالب إما بدليل الطالب و هو أوسع من العمدة مع الوضوح و جودة التصوير للمسائل و له شروح أشرنا إليها في الحلقة السابقة نعم و الكتاب مخدوم ثم بعد ذلك تكون عنايته الفائقة بزاد المستقنع الذي هو أمتن متون الفقه الحنبلي نعم و أجمعها و أكثرها مسائل على اختصارها الشديد و هو مختصر من المقنع و عني به أهل العلم قراءة و إقراء و حفظا شرحا و تدريسا له شروح كثيرة شرحه الشيخ منصور البهوتي في كتاب أسماه الروض المربع أشرنا إليه سابقا و عليه حواشي كالشيخ عبد الله أبا بطين و الشيخ عبد الله العنقري و الشيخ عبد الرحمن ابن قاسم و علّق على الزاد الشيخ فيصل بن مبارك و الشيخ محمد بن عبد الله آل حسين و جرّد الشيخ محمد الحسين مع ذلك زوائد الإقناع عليه ثم طبع الجميع باسم الزوائد هذا سبق أن أشرنا إليه أيضا حاشية الشيخ صالح البليهي .....
السائل : ...بذكر كل طبعة و كل كتاب و المقارنة لطال بنا المقام .
الشيخ : بلا شك لأن هذه إشارات الوقت يسابقنا
السائل : صحيح صحيح
الشيخ : إشارات و الأصل نصائح لطالب العلم فيوجّه لكيفية الطلب أما الطبعات يذكر منها ما تيسر و الباقي يحال عليه في لقاءات قادمة إن شاء الله في مناسبات عديدة الشيخ صالح البليهي علّق حاشية نفيسة على الزاد أسماها السلسبيل حاشية تعنى بالدليل و حكمة التشريع و بيان محاسن الشريعة ضرر العمل بالقوانين الوضعية و ذكر مذاهب الأئمة الأربعة و غيرهم و حلّى الحخاشية باختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية و ابن القيّم و الشيخ محمد بن عبد الوهاب و أئمة الدعوة ثم من بعدهم مثل الشيخ محمد بن ابراهيم و الشيخ ابن حميد و ابن باز و الشيخ الخريصي و هو شيخ للشيخ البليهي و غيرهم أيضا من شروح الزاد من أهمها و أنفعها شرح الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين اسمه : الشرح الممتع و هو كاسمه سهّل فيه الشيخ مسائل الزاد و حلّلّ تحليلا سهلا مبسطا ذلل فيه الشيخ مسائل الكتاب التي كان الطلاب يستصعبونها و لا يتطاول على الكتاب في شرحه و فهمه إلا المتمكن من طلاب العلم و هذا شأنه رحمه الله في كل كتاب يتصدى لشرحه أيضا الشيخ صالح بن فوزان حفظه الله شرح الزاد بشرح متوسط مستمد غالبه من الروض المربع و يعنى فيه الشيخ بتحليل اللفظ و هو نافع جدا لمن يريد فهم الكتاب دون استطراد الشيخ عبد القادر بن بدران في كتابه النافع الماتع المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ذكر فائدة تتعلق بنصيحة للطالب * و الدين النصيحة * نعم * و الدين النصيحة * و نصيحة الطالب أمر لا بد منه لأن مع الأسف بعض من يتصدّى لإقراء الناس ينظر إلى الكتب التي هو بحاجة إليها فإذا جاءه طالب يقرأ عليه قال : اقرأ الكتاب الفلاني
لماذا ؟ لأن الشيخ بحاجة إليه و لا ينظر إلى حاجة الطالب مع أن النصيحة تقتضي النظر إلى حاجة الطالب نعم إذا جاء طالب منتهي يريد أن يتزوّد عنده مبادئ العلوم و عرضت عليه و قلت له : أنا بحاجة لهذا الكتاب فلو تدارسناه معا نعم كان جيّدا و لن يخلو الكتاب من فائدة لكن إذا جاءني طالب مبتدئ مثلا و أنا محتاج إلى كتاب كبير نعم و وقتي لا يسمح بقراءته بمفردي أجعل هذا الطالب يقرأه أو جاء شخص يسأل عن كتاب في العقيدة أقول : إقرأ عليّ كتاب درء تعارض العقل و النقل لا يمكن هذا أو اقرأ كتب العلل للدارقطني هذا تضييع للطالب بلا شك و لذا يقول في كتابه المدخل : و حيث إن كتابي هذا مدخل لعلم الفقه أحببت أن أذكر من النصائح ما يتعلّق بذلك العلم فأقول : لا جرم أن النصيحة كالفرض و خصوصا على العلماء فالواجب الديني على المعلم إذا أراد إقراء المبتدئين أن يقرأهم أولا كتاب أخصر المختصرات أو العمدة عمدة الطالب غير عمدة الموفق عمدة الطالب للشيخ منصور متن مختصر إن كان حنبليا أو الغاية لأبي شجاع إن كان شافعيا أو العشماوية إن كان مالكيا أو منية المصلي أو نور الإيضاح إن كان حنفيا و يجب عليه أن يشرح له المتن بلا زيادة و لا نقصان - يعني يعنى بتحليل لفظ المتن بحيث يفهم الطالب و يتصور هذه المسائل من غير زيادة و لا استطراد و بحيث يفهم ما اشتمل عليه و يصوّر مسائله في ذهنه و لا يشغله بما زاد على ذلك و قد كانت هذه طريقة شيخنا العلامة الشيخ محمد بن عثمان الحنبلي المشهور بخطيب دوما المتوفى بالمدينة المنورة سنة 1308 و كان رحمه الله يقول لنا : لا ينبغي لمن يقرأ كتابا أن يتصور أنه يريد قراءته مرة ثانية نعم يعني : أنت إذا تصورت أنك تقرأ الكتاب و أنك ترجع له مرة ثانية تمشّيه نعم على أساس أنك تعود ثانية
يقول : إقرأ الكتاب على أساس أنك لن تعود إليه مرة أخرى ما ينتج عن ذلك ؟ ينتج أنك تتفهّم هذا الكتاب بدقّة نعم يقول: لا ينبغي لمن يقرأ كتابا أن يتصور أنه يريد قراءته مرة ثانية لأن هذا التصور يمنعه عن فهم جميع الكتاب بل يتصور أنه لا يعود إليه مرة ثانية أبدا و كان يقول كل كتاب يشتمل على مسائل مادونه و زيادة فحقق مسائل ما دونه لتوفر جهدك على فهم الزيادة هذه فائدة مهمة جدا و هي إيش أنك قرأت في أخصر المختصرات مسائل هذا الكتاب أو عمدة الفقه للإمام الموفق قرأت هذا الكتاب إفهم هذا الكتاب بجميع مسائله لا تقول هذه المسائل تبي تمرّ عليّ في الزاد لا
نعم و أنت تقرأ هذا الكتاب إفهم جميع مسائله و وفّر لك نصف الجهد في قراءة ما بعده لأن المسائل التي ستمرّ و لذا يخطئ من يجرّد الزوائد زوائد الزاد على العمدة مثلا لا مانع أن تمر هذه المسألة مرة مرتين ثلاث أربع في كتاب مختصر ثم الذي فوقه ثم الذي فوقه و هكذا و على هذا ربّي طلاب العلم و تربّى العلماء من قبل نعم لأن هذا التكرار يرسّخ هذه المسائل يوضّح هذه المسائل قد تكون المسألة تصوّرها صعب في هذا الكتاب تمرّ في كتاب آخر يعرض آخر يسهلها و يذللها لكن لما نقول زوائد الزاد فهذا معناه أن الزوائد لن تمرّ بنا مرة ثانية و قد سلك أهل العلم هذه الطريقة إثبات الزوائد في كتب السنة كثير و كتب السنة أيضا موجود زوائد الكافي زوائد الغاية زوائد كذا نعم لكن هذا يحرم طالب العلم من التكرار الذي يوضح له العلم و يرسّخ له العلم المقصود أن المسألة تطول بهذه الطريقة يقول و كان يقول: كل كتاب يشتمل على مسائل مادونه و زيادة فحقق مسائل ما دونه لتوفر جهدك على فهم الزيادة نعم انتهى يقول : و لما أخذت نصيحته مأخذ القبول لم أحتج في القراءة على الأساتذة في العلوم و الفنون إلى أكثر من ست سنوات فجزاه الله خيرا و أسكنه فسيح جناته فإذا فرغ الطالب من فهم تلك المتون ثم أخذ يعدّد كتب الطبقة الثانية ثم الثالثة و هكذا و المدخل كتاب نفيس يوصى به طلاب العلم هذه الطريقة التي ذكرها الشيخ من نصيحة الطلاب فيما يبدأ به المبتدي ثم المتوسط ثم المنتهي على سائر المذاهب و مختلف العلوم هذه تحتاج إلى مصنف خاص لأن بسطها حقيقة يطول نعم و أكثر المستمعين الآن يعنون بالمذهب الحنبلي و الكتب التي تدرّس في هذه البلاد كتب الحنابلة و لو ذهبنا نقرر و نشرح كتب الحنفية و الشافعية و المالكية طال بنا الوقت ..... "
أخيرا هذا ما استطعت إيراده و بالله التوفيق و صلى الله و سلم و بارك على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين و الحمد لله رب العالمين و كتب أخوكم و محبكم في الله : محمد مصطفى العنبري
و آخر دعواي أن الحمد لله رب العالمين .
الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له و أشهد أن لا إله إلا الله و حده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله أما بعد : فهذا موضوع أحببت أن أدلي به في ملتقانا هذا و هو موضوع متعلّق بفن من فنون العلم عزّ و الله من يهتمّ به ذلكم هو فن الفقه و أصل هذا الموضوع مقال طرحته آنفا في إحدى الشبكات التي تدّعي تخصصها في العلوم ثم لما أحلت على بعض المواقع كموقع الشيخ الأصولي: محمد علي فركوس _ حفظه الله تعالى _ قوبلت بالطرد من هؤلاء و الغرابة أني لما استشكلت ما فعلوا لم يعيروني أي اهتمام ثم أدركت أن السر في ذلك هو انتسابي إلى المحجة الوضحة الصحيحة و سلوكي منهج السلف و اعتزائي إليهم فعزمت على نشر ما كتبت في شبكتنا الغراء بين إخواننا الراغبين في الفقه الدارسين له مؤملا أن أكون أفدت به و استفدت أرجو من إخواننا التفاعل مع هذا الموضوع و الله الموفق و هذا أصل المقال و بالله التوفيق :
" مناقشة في دعوى اطّراح المتون الفقهية و نبذ التفقه بها" : و أصله جواب عن مقالة قالها بعضهم فابتدأت فيها بما فتح الله فقلت :
فإن الموضوع الذي طرحتموه آنفا أخي ما من شك أنه موضوع ذو أهمية و الدعوة التي أشرتم إليها و التي يدعو فيها أصحابها إلى ترك المتون دعوة قديمة و لقد سمعتها من البعض المنتسبين إلى العلم منذ أزيد من 8 سنوات و لا أدري هل كانت من قبل أم لا
و لقد كنت مولعا بها من قبل لظني أنها أصحابها مصيبون و لكن أدركت مع الأيام مجانبة هذه الدعوة للصواب و بعدها عن طريق التأصيل العلمي و ما ذكرت أخي صار معلوما و لله الحمد و لهذا أقول : إن من القواعد المقررة عند العلماء قاعدة مهمة ينبني عليها كثير من المسائل الشرعية و هي أن : " الحكم على الشيء فرع عن تصوره " و بناء على هذا فالذي يدعو إلى نبذ التفقه عن طريق المتون الفقهية هو في الواقع لم يفهم معنى الفقه أصلا فكأنه خرج عن محل النزاع لعدم استقامة أركان و دعائم ما بنى عليه القضية فيقال له :
- الواجب فهم معنى الفقه أولا ثم بعد ذلك أورد ما أردت من الإيراد و وجه ما أريد قد حصل لي منذ زمن كما أسلفت لهذا أنا أعلم منطق و تصوّر من يقول بهذا القول بحكم أني عايشت ذلك فأحرر ما يلي :
1- الفقه كما هو معلوم عند أرباب العلم : معرفة الأحكام العملية من أدلتها التفصيلية و لا ريب أن هذا معناه أن الفقه مبني على أدلته و أولها كتاب الله جل و علا و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم و هذا هو الذي يرمي إليه القائلون بنبذ المتون الفقهية ظنا منهم أن أدلته تتوقف أو تنحصر في هذين الأصلين العظيمين و ليس الأمر كذلك و يتضح لك هذا جليا بالنظر نظرة موازنة بين كتب الفقه و كتب الحديث و سأورد لك من كلام أهل العلم ما يوضح ما أريد و لكن لما تصور هؤلاء أن الفقه و ابتناء المسائل فيه إنما هو على الكتاب و السنة فقط ظنوا أن الإكتفاء بكتب الحديث هو المتعين دون الإلتفات إلى أقوال الرجال كما يقولون و لكن نسألهم :
- و هل أقوال هؤلاء الرجال إلا استنباط من الأدلة الشرعية ؟؟؟
و كأنهم تناسوا هؤلاء الرجال و مكانتهم و لا أريد من هذا أن أجعل الرجال معصومين أو أن أجعلهم في مقام النبي صلى الله عليه و سلم كلا و أبرأ إلى الله من ذلك و لكن تأمل أن هؤلاء الرجال هم أناس شابت رؤوسهم و رسخت أقدامهم في العلم و هم أعلم من هؤلاء المدّعين و القائلين بنبذ المتون بحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و بقدره صلوات ربي و سلامه عليه و ما حملهم على التصنيف و جمع الأحكام الشرعية إلا الضعف العلمي و الخور الذي حصل على مر القرون و الأيام و الدهور .
- لا شك أن الهمة ينبغي أن تسمو إلى كتب الحديث فالأصل هو الكتاب و السنة و لكن الترقي في مدارج الطلب و النظر و الإجتهاد لا يمكن أن يحصل إلا بتطلب الفقه من كتب المتون لأن المتون دقيقة المعنى و العبارة و تفيد في تصوّر المسائل و أنا أسوق لك كلام شيخ التأصيل العلمي الشيخ المكرم : صالح بن عبد العزيز آل الشيخ حيث قال حفظه الله تعالى في محاضرته الفرق بين كتب الفقه و كتب الحديث : " وطالب العلم في طريقه في طلب العلم يحتاج إلى فرق مهم وهذا الفرق كثيرون لم يدركوه، وهو الفرق بين تناول كتب الفقه وكتب الحديث، كتب الفقه فيها كلام على المسائل الفقهية وفيها الأدلة وفيها الخلاف. وكتب الحديث فيها أيضاً الكلام على المسائل الفقهية وفيها الأدلة وفيها الخلاف والترجيح. فمن جهة النظر إلى المحتوى قد يتشابه هذا وهذا ولهذا يشتكي كثير من طلاب العلم الذين في الكليات الشرعية، كلية الشريعة أو كلية أصول الدين في الرياض أو في نحوهما يشتكون من أنهم إذا دخلوا الكلية وابتدأو في دراسة الفقه والحديث، يشتبه عليهم تقرير هذا وتقرير هذا، يشتبه عليهم شرح الأستاذ الذي يدرسهم الفقه مع شرح الأستاذ الذي يدرسهم الحديث، من جهة أن كلاً منهما يورد أدلة وخلافاً وتصويراً للمسألة وربما كان إيراد هذا يختلف عن إيراد ذاك من جهة الاستيعاب أو الاستدلال أو بيان وجه الاستدلال أو استخدام علوم الآلة أو الترجيح... إلى غير ذلك، وهذا يجعل طالب العلم في كثير من الالتباس في جهة تحصيل العلم، وهل يطلب علم الأحكام من كتب الحديث أو يطلبها من كتب الفقه ؟ وبسبب عدم معرفة كيفية تناول الأحكام هل هو من كتب الحديث أم من كتب الفقه وما ميزة هذه وهذه ؟ وهل هذه تعارض هذه أم لا ؟ بسبب عدم العلم بهذه المسائل، حصل نقص عند كثيرين من طلاب العلم، وما اكتمل ملكتهم في العلم من جهة التكامل بين هذين العلمين العظيمين ، الفقه والحديث......إلى أن قال : " لهذا تنظر إلى علم الفقه وعلم الحديث إلى أنه لا انفصال بينهما في الحقيقة، فالفقه هو فقه الأحكام الشرعية وهذا يكون مبنياً على أدلة، ومن الأدلة السنة . ينتج من ذلك أن أدلة الفقيه أعم من أدلة المحدث، بمعنى أن الكتاب الذي يعرض لمسائل الفقه تكون أدلته أوسع من أدلة الكتاب الذي يعرض لفقه الحديث، لِمَ ؟ لأن من نظر في فقه الحديث يكون الدليل هو الذي يتكلم عليه من الحديث، عنده حديث في البلوغ ويشرحه، أو حديث في منتقى الأخبار ويشرحه، مثل نيل الأوطار، أو حديث في البخاري يشرحه أو نحو ذلك، فيكون شرحه مبنياً على هذا الحديث، واستنباطه للحكم بما في هذا الحديث من الحكم.
أما الفقيه فإنه يستنبط الحكم من عدة أدلة، قد يكون الدليل نصاً من الكتاب أو السنة، وقد يكون اجماعاً، وقد يكون قياساً شمولياً، وقد يكون قياس علة، وقد يكون قول صاحب، أو قول إمام ... الخ
نرجع إلى تأصيلها فنقول : المقصود من هذا أن كتب الفقه تختلف عن كتب الحديث من جهة الأدلة .
إن كتب الحديث إذا رجعنا إلى أولها فتجد أن الإمام يبوّب على الحديث بما فيه من الفائدة، لكن لا يرى الاختلاف الذي فيه، فمثلاً الامام البخاري في تبويباته يبوِّب على فقه الحديث الذي عنده، أبو داود في تبويبه يبوّب على فقه الحديث الذي عنده، الترمذي النسائي ابن خزيمة ...الخ يبوِّبون ناظرين في التبويب - والتبويب هو عبارة عن الحكم أوالفائدة - راجع إلى فقههم إلى هذا المتن.
لكن إذا نظرت في المسألة نفسها نظرتها في كتب الفقه فتجد أن الفقيه يستدل بعموم آية، أو بمفهوم آية، أو يستدل بعدد من الأحاديث، أو يستدل بقاعدة أو أقوال الصحابة .. الخ.
رجع الأمر إلى أنه في الزمن الأول قبل شيوع المصنفات وشروح الحديث المطولة، المحدِّث يستنبط بناءً على هذا المتن الذي عنده، ولا ينظر إلى جميع أدلة المسألة، لا ينظر إلى كل ما في المسألة من الأقوال، لهذا يدخل في نظره إلى هذا المتن فيستنبط منه، أما المفتي أو الفقيه إذا أراد أن ينظر في هذه المسألة التي تناولها الحديث فإنه يستحضر أشياء أخر، لهذا صار كلام الفقهاء يختلف عن كلام طائفة من أهل الحديث، لِمَ ؟ لأنه قد يكون المحِّدث ينظر إلى هذا المتن باستنباط ما فيه فوائد من هذا المتن دون النظر إلى أن هذه الفائدة هل هي الحكم في نفس الأمر أم أنه يأتي معارض فينظر إليه من جهة أخرى، وقد ذكرت لك فيما مضى أن الأقوال المتضادة أو الأقوال المتقابلة في الفقه، فإنه يكون القول أرجح إذا كان المعارض له أقل، فإن القولين المختلفين في الفقه لا تظن أن أحد القولين له دليل والآخر ليس له دليل، هذا نادر، بل الأكثر - وجُل المسائل - يكون هذا القول له أدلته وهذا القول له أدلته، ولكن أي القولين يكون أرجح ؟ القول الأرجح هوالذي يكون الاعتراض على ما استدلَّ به أصحابه أقل من الاعتراض على القول الآخر.
وهذه فائدة رصينة مهمة يحتاجها الناظر في كتب الفقه وكتب الحديث جميعاً.
هذه الأقوال المتقابلة والاختلافات جاءت نتيجة إلى نظر العلماء في المسائل الفقهيه، بعد ذلك صنفت متون الفقه ثم صنفت المطولات في الفقه، ثم ظهرت شروح كتب الحديث، شروح كتب الحديث استفادت من كتب الفقه، فأوائل كتب الفقه التي بسطت القول في المسائل الفقهية الخلافية كتب ابن المنذر، ومثلها مع شيء من الاختلاف المصنفات، مصنف ابن أبي شيبة ومصنف عبد الرزاق وأشباه هذه، فتجد أن هذه بسطت القول في المسألة بذكر أقوال العلماء المصنفات بدون ذكر أدلتهم لأنها رواية، ومثل كتب ابن المنذر تجد أنه يذكر القول ويذكر دليله.
ظهرت كتب الفقه بعد ذلك فيها ذكر الخلافيات وفيها دليل كل قول إذا كان الكتاب في الفقه عاماً مقارناً يقارن فيه صاحبه بين المذاهب، أما إذا كان كتاب مذهب خاص فإنه لا يورد أدلة الأقوال الأخرى " ثم قال حفظه الله تعالى : " .... كتب الفقه وكتب الحديث يخدم بعضها بعضاً، فمن نظر في شروح كتب الحديث وأراد أن يستفيد، فلا بد أن يكون مؤصلاً في الفقه، فإذا أصل في الفقه كان نظره في كتب الحديث جيداً، لِمَ؟ لأن كتب الحديث ما تصوّر المسألة، وإنما تبني على أن المسألة صورتها واضحة، وأما كتب الفقه فهي تصور المسألة ثم تذكر دليلها - هذا واحد.
الثاني : أن كتب الحديث ليس فيها استيعاب للأدلة على اختلافها، لكن كتب الفقه تجد أنه يذكر دليل المسألة إذا كان من الكتاب أو السنة أو القياس أو القواعد الخ ذلك. يذكر كل ما في الباب عنده من أدلة في هذه المسألة؟
الفرق الثالث : أن كتب الحديث فيها إيراد المسألة بحسب مجيء هذا الحديث دون تكامل للباب، يعني الباب في كتب الحديث لا يتكامل في ذهن طالب العلم ، فإذا نظرت مثلاً في كتاب الجهاد في البخاري، أو الإمارة في مسلم، أو نظرت في باب من الأبواب في كتب الحديث فتجد أن هذه الأبواب فيها من الفوائد بقدر مجيئها في السنة لأنه مبني على الاستدلال من السنة فقط، لكن كتب الفقه يكون فيه عرض الباب بذكر المسائل التي تدخل تحت هذا الباب ودليلها من القرآن أو من السنة - وهو موجود في كتب الحديث- أو من القياس أو من القواعد أو من قول صاحب أو استنباط، أو فتوى للإمام، فتجد أن المسائل في كتب الفقه أكثر منها في كتب الحديث.
يعني ذلك أن من نظر في كتب الحديث جميعاً فإنه يخلص بنتيجة وهي أن المسألة إذا كان دليلها حديثاً عن النبي عليه الصلاة والسلام فهو موجود في كتب الحديث بتفصيل وببيان الخلاف فيه ودرايته وروايته وما يتصل بذلك، لكن إذا كان دليلها قاعدة عامة، دليلها آية، دليلها القياس، دليلها قول صاحب، دليلها فتوى الإمام، فلا تجدها في كتب الحديث.
ينبني على ذلك أن الناظر في كتب الفقه يكون الباب في ذهنه أرتب وأوسع، لكن كتب الفقه فيها قصور - في العموم - من جهة النظر في الحديث أو في المتن بدون تأثر صاحب المذهب بمذهبه في النظر، لأنه يكون الدليل من السنة مثلاً في البخاري لكن في كتاب المذهب الفقهي ولو كان مطولاً خلافياً، فيه الخلاف العالي والنازل، لكن يكون نظره في الحديث بناءً على مذهبه، هذه الحيثية هي نوع من القصور في كتب الفقه من جهة طالب العلم المتوسع، فيكملها بالنظر في كتب الحديث، لكن كتب الحديث - يعني الشروح المطولة - تجد أن المسألة لا يتصورها طالب العلم تصوراً جيداً، يعني في المسائل التي تحتاج إلى تصور، أما في المسائل الواضحة فليس الكلام فيها، فلا يتصور المسألة تصوراً واسعاً، لا يتصور المسألة تصوراً دقيقاً، لا يستخدم أصول الفقه في الاستنباط، بخلاف كتب الفقه الموسع.
تستخدم أصول الفقه في كتب الحديث المطولة إذا احتاج إلى الترجيح في الخلاف.
من الفروق المهمة أنه يظن طالب العلم أن شارح الحديث أقرب إلى الاجتهادمن شارح المتن الفقهي، أو يكون - هذا الشارع - ولو كان يورد الأدلة، لكنه لا يسلم من التعصب.
أما شارح الحديث فقد يظن كثير من طلاب العلم أنه يسلم من التعصب، فيقبل على كتب الحديث بناءً على أن أصحابها متجردون - رحم الله أهل العلم جميعا. وكتب الفقه يقول :لا عندهم تقليد، وعندهم نصرة لمذاهبهم، فلا ينظر فيها، وهذا غلط من جهة أن أصول الاستنباط التي بها يستنبط العالم ما هي ؟ العالم الذي سيشرح كتب الحديث يستنبط من الأدلة ويرجح بناءً على ماذا ؟ لا شك أنه بناء على ما عنده من أصول الفقه، - لأن أصول الفقه هي أصول الاستنباط- فهو سينظر في هذه المتون، ويستنبط ويرجح بين الأقوال، لكنه لن يسلم من التقليد لأنه سيرجح بناءً على ما في مذهبه من أصول الفقه، ويظن الناظر أنه يرجح بناءً على الصحيح المطلق، وهذا غير وارد البتة، لأنه ما من شارح للحديث، إلا وعنده تبعية في أصول الفقه، أصول الاستنباط، فهو سيشرح ويقول : هذا الراجح لأنه كذا، فيأتي طالب العلم المبتدئ أو المتوسط ممن ليس له مشاركة في الاستنباط عميقة، فينظر إلى ترجيح صاحب الحديث بأنه أكثر تجرداً من ترجيح صاحب الفقه، وهذا غلط لأن صاحب الفقه متأثر في استنباطه بمذهبه، وكذلك شارح الحديث متأثر في استنباطه بمذهبه، لكن بما أنه يشرح الحديث فينظر الناظر إلى أنه متجرد، وهو متجرد بلا شك لن ينصر ما يعتقد أنه غير صحيح، لكن سيتأثر في الباطن بأصول الفقه التي دَرَسَها، ولهذا لا بدّ أن تعلم أن الشراح إنما هم أتباع مذاهب، وليسوا مجتهدين الاجتهاد المستقل أو المطلق، لأن الاجتهاد المطلق أو المستقل - على خلاف في التسمية والتعريف - راجع إلى أنه يجتهد في أصول الفقه كما أنه يجتهد في النظر في الرجال، فله اجتهاداته في الفنين جميعاً، مثل الأئمة الأربعة، وبعض من اندرست مذاهبهم كسفيان والأوزاعي وابن جرير، فهؤلاء لهم اجتهادات في أصول الفقه وفي الرجال جميعاً، وكذلك ابن حزم له طريقة مخالفة لما قبله في أصول الفقه أصول الاستنباط وكذلك في النظر في الرجال، لا يقلد، وإنما له نظره المستقل، فهذا يسمى مجتهد مستقل، لكن بعدما دوِّنت المذاهب وانتشرت لا يوجد هذا، حتى شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى فإنه في أصول الفقه وهي أصول الاستنباط يتبع مذهب الحنابلة، إلا ما ندر مما رجحه أو بحثه بحثاً مستقلاً، مثل الكلام في عموم البلوى وأشباه ذلك، في مسائل أخذها من غير أصول الحنابلة، ولهذا إذا نظرت في المسودة، مسودة آل تيمية في أصول الفقه وجدت أن استدراكات شيخ الاسلام على قول أبيه وجده في هذه المسائل نادراً أو قليلاً.
إذا أتيت إلى مثل الحافظ ابن حجر والنووي وأشباه هؤلاء، فإنه من جهة الاستنباط سيدخلون في النظر، هل هذا اللفظ من ألفاظ العموم أم لا؟ هل المفهوم يخصص أم لا ؟ هل مفهوم المخالفة معتبر في هذا أم لا ؟ هل الدلالة دلالة نصية أو دلالة ظاهر؟ هل ينسخ هذا هذا أم لا ؟ فيرى طالب العلم الذي ليس عنده مشاركة في كتب أهل العلم في الأصول، يرى أن ما ذكره شارح الحديث أرجح مما ذكره الفقيه، لِمَ ؟ لأن هذا يشرح كتاب الحديث ويعتمد على السنة وذاك يعتمد على كتاب المذهب، وهو في الواقع ليس الأمر كذلك، لأن هذا وهذا جميعاً يتأثر في الاستنباط والنظر بأصول الفقه التي دَرَسَها . وهي أصول مذهبه.
فالنووي وابن حجر رحمهما الله تعالى في الاستنباط في أكثر المسائل بل في جل المسائل هم تبع للشافعية، ويأتي الناظر ويقول : رجّحه النووي، ويذهب عن قول ابن قدامة مثلاً أو يذهب عن قول فلان من الحنفية أو غيره باعتبار أن ذاك ينصر مذهبه لأنه رأى القول في كتاب فقهي، وهذا لن ينصر مذهبه باعتبار أنه وجده في كتاب شرح مسلم أو البخاري أو غير ذلك، هذا من عدم معرفة الفرق بين كتب الفقه وكتب الحديث.
في كثير من المسائل يأتي طالب العلم وينقل أقوالاً عن الحافظ ابن حجر أو عن النووي، حتى في صورة المسألة، حتى في نوعية النظر في الخلاف، وإذا تأمل وتوّسع وجد أنهم نقلوها من كتب الفقه الشافعية، وعلماء الشافعية رحمهم الله تعالى خدموا كتب الحديث، ولهذا صارت ترجيحات المحدثين المتأخرين - أو الناظر في كتب الحديث من المتأخرين - تبعاً لترجيحات الشافعية لأنهم خدموا كتب الحديث أكثر من غيرهم . خدمة الحنفية لكتب الحديث قليلة، خدمة الحنابلة لكتب الحديث أقل، وهكذا.
فإذا طالب العلم الذي يريد أن يؤسس نفسه من جهة النظر - بدون أن يكون يوماً بالخليصا ويوماً بحزوى - يكون دقيقاً في النظر في أنه ينظر في كتب الفقه وكتب الحديث ويعلم هذه ما مميزاتها، وهذه ما مميزاتها وحتى تصل إلى منهجية دقيقة في هذه المسألة فرتب نفسك في مراحل :
المرحلة الأولى : أنه إذا عرضت لك المسألة في كتب الحديث، فاطلب تصورها من كتب الفقه، لأن تصوير شروح الحديث غالباً ما يكون ناقصاً، بناءً على أن الناظر في هذا الكتاب - وهو كتاب فيه الخلاف والترجيحات - ليس من الطلاب المبتدئين، خلاف حال كثيرين من الشباب أو طلبة العلم الصغار، فإنه يقبل على هذه الكتب المطولة وهو لا يعرف صورة المسألة أصلاً أو مقدماتها في كتب الفقه، فأولاً تطلب صورة المسألة من كتب الفقه، ثم تنظر في كتب الفقه ما دليل المسألة ؟ فإن كان دليلها من القرآن فهذه ظاهرة، في أنك لن تجد الكلام مفصلاً عليها في كتب الحديث إلا إذا كان ثم حديث يدل عليها، فإذا كان دليلها من القرآن فتحتاج إلى كتب أحكام القرآن، كتب أحكام القرآن كل كتاب تبع لمذهبه، أحكام القرآن للقرطبي مالكي، أحكام القرآن للكيا الهراس شافعي، أحكام القرآن للجصاص حنفي، أحكام القرآن لعبد الرزاق الرسعني حنبلي، وهكذا. فإذاً هناك تأثيرات أيضاً من هذه الجهة، فلا يظن الظان أنه بوجود المسألة في كتاب أحكام القرآن فإنه خلص المؤلف فيها من التقليد، ليس كذلك، بل تجد أنهم ينصرون مذاهب فيها الدليل واضح من الكتاب، لكن يدخلون في النظر منه من جهة أصول الفقه، فينصرون المذهب الخاص لقناعتهم بذلك. من جهة الدليل والاستدلال.
فإذا صورة المسألة أولاً أخذناها ثم يليها دليلها، فإن كان من القرآن فظاهر. إذا كان من السنة فتنظر إلى قول شارح كتاب الفقه، وبعده تنظر إلى قول علماء الحديث وشراح الحديث في كتبهم ، فيكون النظر في كتب أهل الحديث المطولة نظر في هل إيراد هذا الكتاب - الكتاب الفقهي - لهذا الدليل والاستدلال كاملاً أم غير كامل ؟ هل الأسانيد صحيحة أم لا ؟ هل الدليل صحيح من جهة النقل أم لا؟ ثم النظر في الدلالة، هل هي كما قال أم لا ؟ فيكون في هذه المرحلة تخدم كتب الحديث كتب الفقه ويكون الناظر في كتب الحديث مؤصلاً في المسألة الفقهية بعد معرفة دليلها.
المرحلة الرابعة : أن ينظر في الدليل إذا كان من جهة القواعد، القواعد - كما ذكرنا - قسمان : قواعد متفق عليها وقواعد مختلف فيها.
القواعد المتفق عليها هذه تمشي مع جميع المذاهب، أما المختلف فيها فكل مذهب له قاعدة، ودليل هذه القاعدة في المذهب تارة يكون مبنياً على فهمهم لدليل من الكتاب أوالسنة، وتارة يكون مبنياً على فروع منقولة عن إمام المذهب.
فإذا كان الدليل من التقعيد عاماً يعني من القواعد الكلية فإن هذا القول به ظاهر وواضح، أما إذا كان هذه القاعدة دليلها خاصاً بمذهب أو فروع منقولة في مذهب فإنه لا تخلو المسألة أيضاً من جهة النظر إلى تنازع في الفهم والدلالة وفي دليل هذه القاعدة، تجد قواعد يستدل بها الشافعية لا يوافقهم عليها الحنابلة، قواعد عند الحنفية ليست مستقيمة عند المالكية والحنابلة والشافعية، قواعد يذكرها شيخ الاسلام ابن تيمية خرج بها عن بقية المذاهب، تعقيدات واضحة من دلالة النصوص العز بن عبد السلام أتى بقواعد في كتابه “القواعد الكبرى” قواعد الأحكام في مصالح الأنام في كثير من التقعيدات - كثير ليس الأكثر - خرج بها عما هو صواب في نفسه، وهكذا، فإذاً إذا كان الدليل بالقاعدة لا يعني أنه صحيح مطلقاً، بعض طلبة العلم أو الشباب إذا قيل له القاعدة كذا يظن إنها خلاص انتهت مسلّمة، بمعنى أنها كالنص، لا، ينظر في القاعدة إذا كانت كلية فهذا صحيح، أما إذا كانت قاعدة خاصة بمذهب من المذاهب فيعرض لها النزاع كما يعرض لأي مسألة فقهية.
بعد ذلك تنظر في قول الصحابي، هل استدلوا بأقوال الصحابة أم لا ؟ هل هذا الصاحب له مخالف أم لا؟ الخ تنظر فيما يأتي به من الأدلة، وللنظر في كتب الفقه أو كتب الحديث رتب نفسك في تصوّر أي مسألة لاستيعاب ما فيها بهذه المراحل الستة -هذا الآن تقسيم آخر -.
الخطوة الأولى : تصوير المسألة . يعني أي مسألة تعرض عليك في كتب الفقه أو كتب الحديث رتبها حتى تفهمها بفقه على هذه المراحل الستة ... "
و قال حفظه الله تعالى جوابا على سؤال نصه : " .... س / يقول : قد يعترض شخص ويقول : إننا لو تأملنا الكتب في شروح الحديث لرأيت أنهم أقل خطأ من غيرهم، من الذين أقروا ... كتباً في الفقه، فنجد المحدثين لا يستدلون بقول صاحب، ولو وجدوا حديثا ولو ضعيفاً، والفقهاء أغلبهم يقدمون الرأي على الحديث إذا ضعف، فهل هذا الكلام صحيح؟
الجواب : المشكل في مثل هذه المسائل أن يكون طالب العلم الذي يلقي مثل هذه الإشكالات، أن يكون عنده النظري واسع، والتطبيق قليل، أي أنه فهم هذه الكليات من دون ممارسة، لكنه لو مارس ممارسة واسعة لوجد أن هذا الكلام غير صحيح، فيقول : لو تأملنا في كتب شروح الحديث لرأيت أنهم أقل خطأ من غيرهم، هنا أقل خطأ مبني على ماذا ؟ لا شك أنه لا بد أن يكون عند الناظر ترجيح في كل مسألة من أن كلام الشارح أرجح من كلام الفقيه المسن، وكلامنا ليس على الترجيح بين فلان وفلان، بين ابن حجر وابن قدامة، بين النووي وابن قدامة أونحو ذلك، ليس الكلام في هذا، الكلام في ميزة كتب الفقه وكتب الحديث وما الفرق بينهما حتى يستوعب طالب العلم هذا الفرق، وكون كتب الحديث أقل خطأ الجواب ليس كذلك، هي فيها معرض للاجتهاد والنظر، وكتب الفقه فيها معرض للاجتهاد والنظر، كتب الفقه تختلف بحسب صاحب الكتاب الشارح، فإذا كان محققا عالماً فيكون رؤيته في المسائل وترجيحاته بناءً على نظره في الأدلة نظره في القواعد ... الخ،هذه مكانة العالم، ونظر المحدث قد يكون ضعيفاً، مثلاً خذ شروح طائفة من علماء الهند لكتب الحديث، ؟؟؟ كثير من علماء الهند شرحوا البخاري شرحوا مشكاة المصابيح، وبعضهم شرح مسلم أيضاً، منهم من شرح الترمذي، هي شروح أحاديث، لكن شرحهم له هل هو على طريقة أهل الحديث، أو على طريقة الحنفية؟ أكثرها على طريقة الحنفية، فيقرر لك مذهب الحنفية من دون أن تشعر، فيأتي الناظر ويقول هذا كله سنة وأدلّة الخ، لكن أدلة الآخرين قد يورد منها دليلاً أو دليلين ويكون هذا الذي أورده ليس هو الحجة في الباب، إذا نظرت إلى بعض كتب الحديث المتقدمة لما فيه نصرة لمذهب معين، مثل مثلاً كتاب البيهقي "السنن الكبرى" و"السنن الوسطى" و"السنن الصغرى" له هذه كلها مطبوعة، تجد أنه أراد الاستدلال لأقوال الشافعي، أتى التركماني في تعقباته، وعارض ما استدل به البيهقي في المسائل، الحنابلة في بعض المسائل لهم رأي آخر، فإذاً اعتماد العالم على الأثر والحديث تكون الحجة معه ويكون أقل خطأً ممن يكون اعتماده على النظر والرأي، هذه كلية صحيحة، ولهذا يقول شيخ الاسلام ابن تيمية في موضع له أظنه في أول "الاستقامة" يقول : إن أهل الحديث أو الذين يعتمدون على الأثر من أهل العلم هم أقدر الناس على الفتوى بما يناسب الزمان الذي يعيشون فيه، لأن الفتوى تتغير بتغير الزمان، فيكون عنده انطلاق وسعة في الفتوى، بخلاف أهل الرأي والفقه الجامد فإنهم يكونون عند النظر في المسائل النازلة والحادثة أكثر انحباساً وأقل انطلاقاً فيها، لِمَ؟ لأن هذا ينظر في النصوص ويستنبط منها، وذاك ينظر في نصوص إمام ويريد أن يطبقها، ونص الشارع يستوعب الأزمنة والأمكنة وأما نص الإمام المعين -على جلالته- فإنه كان بناءً على البلد التي كان فيها، ولهذا صاحب الأثر، -نقول : نعم-، أقل خطأ من صاحب الرأي وصاحب الفقه المجرد من الدليل، هذا لاشك، فذاك تكثر أخطاؤه وهذا أقل، لكن بالنسبة لكتاب حديث وكتاب فقه، لا، يكون بحسب المؤلف، المؤلف من هو ؟ انظر مثلاً للفرق بين سبل السلام ونيل الأوطار، تجد أن الفرق واضح بين هذا وهذا، الشوكاني مثلاً في مصطلح الحديث وفي النظر في الاسناد تبع للحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير ونحوه، ما له اجتهاد في الاسناد ولا يعرف الرجال ولا طبقاتهم ولا كذا. وإن كان نظر فيه فهو مقلد بحت، إذا أتى في الأصول فله اجتهادات في الأصول ربما خالف بها أئمة المذاهب، ربما له اجتهادات،كما في إرشاد الفحول، يرى أشياء مخالفة للجميع، طيب، يرى الناظر مثلاً في نيل الأوطار فإذا صحح ورجح يقول هذا مجتهد، يعني لا يقلد ولا يتعصب للآخرين، لكن ملكته الاجتهادية ليست كاملة لأنه في الأسانيد مقلد، فقليل ما يكون عنده معرفة بالتخريج والإسناد استقلالاً، وإنما هو ناقل عن غيره، لكن من جهة الأصول نعم من جهة اظفطلاع فخفى عليه بعض الأقوال وبعض الأدلة، فهو يرجح بناءً على ما أورد، لكن يكون في المسألة أدلة أخرى، قواعد، لصاحب هذا القول، لا يوردها، وفي الغالب هو لخّص الفتح وزاد عليه، لكن في سبل السلام تجد أن صاحبه ينظر نظراً آخر لأنه لخص كتاب البدر التمام وزاد عليه أشياء، فالنظر مختلف، نظر شرح الحديث في سبل السلام مختلف من حيث الوجهة والمنهج عن نيل الأوطار، وهما كتابا حديث، هذا شرح البلوغ، وهذا شرح المنتقى، إذا فهذا القول ناتج من عدم الاستيعاب، وعدم معاناة كتب الفقه وكتب الحديث ولو عانى واستوعب لوجد أن المسألة ليست على ذلك،، أما قوله أن الفقهاء أغلبهم يقدمون الرأي على الحديث إذا كان الرأي فيه ضعف،هذا غير صحيح. " إنتهى محل الغرض
و هاك أخي كلاما آخر لأحد المشايخ العلماء ألا و هو الشيخ عبد الكريم الخضير حفظه الله تعالى حيث
قال : " ..... أقول أهل العلم لهم جادة سلكوها و أدركوا و حصلوا بواسطتها و تربية الطلاب على المتون الصعبة ليس عبثا من قبل أهل العلم و لا يقصدون من ذلك التعنيت و لا المشقة على طالب العلم و إنما يراد بذلك بناء طالب العلم بناء متينا فليس من العبث أن يُقْرَأْ و يُدَرّس طالب العلم زاد المستقنع على صعوبته بالإمكان أن تبسط مسائل هذا الكتاب بدلا أن يكون في مائة صفحة تبسط مسائله بوضوح فيدركها كل من يقرأ على طريقة المتأخرين في البسط لكن أقول : لا يتربى طالب العلم على هذه الطريقة لأنه إذا احتاج إلى مسألة في كتب أخرى لا توجد في هذا الكتاب كيف يتعامل مع الكتب الأخرى التي ألفت بنفس النفس و بنفس الطريقة إذا لم يتربّى على هذه الطريقة مختصر خليل عند المالكية في غاية الصعوبة شديد الألغاز حتى قال بعضهم : إنه يشتمل على مائة ألف مسألة على صغر حجمه : هذا الكلام مبالغ فيه و تعرضنا له مرارا لكن يبقى أن الكتاب متين و عناية المالكية به عناية لا نظير لها و ليس من العبث عنايتهم به لما أدركوا أن طالب العلم يتربى بهذه الطريقة و الأمثلة على ذلك علمائنا و شيوخنا و من قبلهم من شيوخهم تربوا على هذه الكتب لكن هات الطلاب الذين تربوا على هذه المذكرات أو كتب المعاصرين التي كتبت بلهجة هذا العصر هذه لا تحتاج و لا إلى شيوخ هذه الكتب لا تحتاج و لا إلى شيوخ بالإمكان أن يقرأها الطالب بنفسه الذي يحسن الكتابة و القراءة لكن كيف يتربى طالب علم بحيث إذا انفرد في بلد من البلدان لا يوجد غيره نعم كيف يفهم كلام أهل العلم في كتب أخرى لكن إذا طلب العلم على الجادة و حفظ المتون في كل علم متن و قرأه على الشيوخ و شرحوه له و راجع الشروح و الحواشي ثم بعد ذلك يقرأ ما شاء من الكتب يقرأ ما شاء من الكتب فليس من العبث و التهوين من شأن المتون لا شك أنه قطع لطريق الطلب قطع لطريق الطلب ....هناك دعوات تدعو إلى هجر الطريقة المألوفة و المعروفة عند أهل العلم التي تربّى عليها أهل العلم أهل العلم و العمل لكن لا شك أن هذا قطع لطريق الطلب.."
إنتهى محل الغرض من كلامه حفظه الله تعالى.
و المقصود بإيراد هذين النقلين معالجة ما ذكر من قضية نبذ المتون و محصل ذلك أن تلك الدعوى من أصحابها تخرجهم ما شاؤوا أما أن تخرّجهم طلبة علم أو علماء فهذا ما لن يتأتى لهم لمخالفتهم لجادة أهل العلم كما ذكر الشيخان – حفظهما الله تعالى و أعتقد أن كلام الشيخين كاف و لكني أزيد ههنا على ما نقلت تجربة شخصية في مثالين أحدهما على سقوط دعوى الإكتفاء بالتفقه بالكتب المؤلفة على طريقة المحدثين من جهة إيراد المسائل الفقهية و الثاني مثال عملي على صحة استقامة أركان علم المتفقه من طريق المتون فأقول :
أما المثال الأول : فلقدكنت أدرس فيما مضى من بعض كتب المعاصرين التي ألفت على الطريقة التي أسلفت
و الواقع أني وجدت نفسي على مر الأيام واقعا في بلبلة و تخبيط فما حصّلت إلا مسائل مجموعة من هنا و من هنا و هذه قال بها الحنابلة و أخرى الشافعية و هكذا و كنت حينذاك إذا فتحت " الروض المربع " للبهوتي رحمه الله تعالى اشمئززت و تقزّزت قائلا : " ....و ما أصنع بهذا الكتاب الخالي من الدليل و كله كلام الرجال " و هذه شهادة أشهد بها على نفسي ما كنت أطيق النظر في هذه الكتب
و أخرى و هي أني سمعت مرة الشيخ صالح آل الشيخ – حفظه الله تعالى – في محاضرته المسجلة التأصيل في طلب العلم حيث قرر قائلا : " طالب العلم المبتدئ في الفقه لا يعنى و لا يهتم بالدليل أو الراجح ..." و الشيخ الكريم أكنّ له الإحترام و التقدير و أتّهم رأيي عند رأيه و لكني استغربت ذلك القول منه و قلت : " ...فلماذا أدرس الفقه إن لم أهتم و أبحث عن الدليل ؟! كانت هذه نقطة تحوّل حاولت أن أبحث فيها و أنقّب عن حقيقة هذا القول الذي ذكره ذلك الشيخ المحبوب الناصح الحريص على تفهيم طلبة العلم طريقة التحصيل المثمرة ,و ما السر في استشكالي حينذاك ؟
الجواب : ما أسلفت من أن " الحكم على الشيء فرع عن تصوره " و لو كنت فاهما للفقه على الحقيقة لما أوردت ما أوردته من استشكال كما يقول أصحاب هذه الدعوى المقصود أني فكرت في نفسي ثم توجهت إلى زاد المستقنع فصرت مدركا على الأقل بطلان دعوى نبذ المتون و ذلك أن المتون تجمع لك من قيود المسألة ما لا تجمعه كتب الحديث و أضرب مثالين ذكرهما بعض المشايخ الفضلاء في تقريرهما لهذه المسألة :
قال الشيخ عبد الكريم الخضير ما محصّله : " ...كتب الحديث لا تصوّر لك المسألة و لا يمكن أن تأخذ منها الحكم بخلاف كتب الفقه و المتون فيأتي الفقيه على المسألة و استثناءاتها جملة واحدة خذ مثلا طالب علم يدرس و يستخرج الفقه من صحيح البخاري يقرأ في يومه : باب أمر النبي صلى الله عليه و سلم بقتل الكلاب فأول ما يسمع ذلك يطلع على الشارع بمسدّس فما يجد كلبا إلا و قتله ....ثم يأتي من يومه الآخر فيقرأ : باي نسخ الأمر بقتل الكلاب هنا مشكلة ...لكن الفقيه يأتي لك بحكم المسألة و قيودها و استثنائها و أنت تأخذها مستوعبة ..."
و قال الشيخ عبد المجيد جمعة – و هو من المشايخ الأصوليين – في بلادنا الجزائر – صانها الله من كل مكروه – سمعته مرة قال : " طالب العلم لا بد له من التفقه بكتب الفقه لأنك إذا نظرت لكتب الحديث فستجد المحدثين يوردونها مرتبة على كتب الفقه فتأتي مثلا إلى بلوغ المرام ستجد إذا ما تتبعت أن الحافظ يورد مثلا حيث أبي سعيد " الماء طهور لاينجسه شيء " ثم يورد حديث القلتين بما يجعل من يقرأ الكتاب بغير عقلية الفقيه يقع في التباس من جهة إيراد الحافظ لحديثين ظاهرهما التعارض أما الدارس للفقه من المتون فلن يطوله هذا الإلتباس لما تقرر في ذهنه من قبل عن طريق كتب الفقه و كتب الحديث لا يدرك منها الطالب كيفية الإستنباط و تطبيق القواعد الأصولية بخلاف المتون الفقهية فهي تطبيق عملي لأصول الفقه "
قال الشيخ العلامة عبد العزيز العقيل – و هو من كبار علماء المملكة - : " السائل : حياكم الله و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته شيخنا : نحن نتحدث مع فضيلة الدكتور عبد الكريم الخضير حول مكتبة طالب العلم سبق لنا لقاءات عديدة مع فضيلته تحدّثنا عن مجموعة من الكتب في القرءان و علومه و العقيدة و الفقه لازال الحديث متواصل حول هذه الكتب نستأذن فضيلتكم في البداية لنطرح قضية قراءة الكتب و التعليق عليها و من أدركتم من مشايخكم أحسن الله إليكم في السابق كان لهم طريقة في القراءة و التعليق على هذه الكتب و بعضهم يحتفظ بهذه الكتب و التعليق عليها بطريقة معيّنة لعلكم تتفضلون بالحديث لطلبة العلم حول هذا الموضوع ؟
الشيخ العقيل : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و صلى الله و سلم و بارك على عبده و رسوله نبينا محمد و على آله و أصحابه أجمعين : الحمد لله هذا بحث جيّد بالنسبة إلى طلاب العلم و تعاملهم مع الكتب لأن الكتب هي مراجع العلم في أي فن كان و هي كما لا يخفى- يشرف علمكم - تختلف من حيث يعني التوسع أو الإختصار أو ما بين ذلك و منها المتون و منها الشروح و منها الحواشي و كان طلبة العلم فيما سبق أول ما يبدأ الإنسان منهم يحفظ فنا من الفنون كتاب مؤلَّف يعني مختصر من مختصرات هذا الفن فإذا حفظه قرأه على الشيخ و شرحه له يستعين هذا الطالب بشروح هذا المتن أو حواشيه و يعلّق عليها في هوامشه و يعدّ أوله إلى آخره و بالعكس إذا بيحيل مسألة على مسألة فهي الحقيقة الحفظ هو أساس الدرس و أساس التحصيل كما قال الرحبي :
....................... فاحفظ فكل حافظ إمام
و يختلف يعني مناهج الطلاب منهم من يكون على هذه الصفة و منهم من يكون له اتجاه آخر و الحد يصير منهم كل ما مرّ على موضع من مسألة من مسائل العلم و رأى لها تعلقا في باب آخر لأن بعض المسائل تذكر في موضع أو موضعين أو ثلاثة أو أربعة يعني موضوع مثلا السقط الذي يسقط من بطن أمه قبل أن يتمّ مذكور في سبعة مواضع من أبواب الفقه مذكور مثلا : في باب النفاس مذكور في باب الميراث مذكور في باب الجنايات مذكور في باب العتق ...إلخ فهم الحديث منهم يعني يربط هذا مع هذا و يشير إلى هذا مع هذا ثم أيضا الدرس هذه الدراسة منهم من يدرس الفن مثل ما يدرس الإنسان القرءان تجده مثلا : يحزّب مثلا : متن الزاد أو مثلا : بلوغ المرام و لاّ متن الألفية في النحو أو متن الرحبية كل ليل يدرس فنا من الفنون هذا فيتعاهدها ...متنا و ...معنى
السائل : لكن من خلال شروح سابقة لأحد مشايخه يراجع هذا ؟
الشيخ العقيل : لابد الشيخ هو المرجع في ذلك و قد لا يكون شيخا واحدا قد يكون شيخ النحو غير شيخ الفقه و شيخ الفقه غير شيخ التاريخ و الحديث و غير ذلك .
السائل : لكن شيخنا أيضا هل أدركتم من مشايخكم من كان يعلّق على كتبه و طريقة تعليقه على الكتاب الذي يحمله كيف كانت ؟
الشيخ العقيل : هذي الحواشي الحواشي كثيرة و كل على منهجه و بعضهم يقول : فمن تبع الحواشي ما حوى شي اللي تبع الحواشي ما حوى شي و لكنه هذا مو ما هو على إطلاقه بعض الحواشي ......و بعضها لا بعضها طيب العبارة لأن بعض المؤلفين يسد ثغرة من الثغرات بكلام جيد ......ثغرة فيأتي من بعده فيعلق على هذا يسد الثغرة هذي ...مثلا تخلف شرط و لاّ بقيد أو نحو ذلك .
السائل : فضيلة الشيخ أيضا على مدى حلقات كنا مع فضيلة الدكتور عبد الكريم تحدّث عن مكتبة طالب العلم إن كان لكم تعليق على ما سبق من حديث الشيخ عبد الكريم حفظكم الله ؟
الشيخ العقيل : الشيخ عبد الكريم ما شاء الله شيخ علاّمة ما شاء الله واسع الإطلاع و عنده ما شاء الله معلومات جديرة نحترمه و نرى أن كلامه ما شاء الله أنه من أفضل مشايخنا و إخواننا الله يوفقكم لكل خير .................... " من مكالمة أجراها فضيلته مداخلة مع إذاعة القرءان الكريم بشأن " كيف يبني طالب العلم مكتبته " و هذه شهادة على مسألتنا من متخصص فتأملها و عض عليها بناجذيك
ثم إني أقول : إلحظ هذا في ترتيب المحدثين لكتب أحاديث الأحكام فستجد الشافعي يرتبها على ترتيب الشافعية في الفقه و الحنبلي و هكذا مناسبة الأحاديث للباب وجه الدلالة محل الإستدلال لن يكون من طالب علم يقتصر على كتب الحديث مع التنبيه على ضرورة الربط بين كتب الحديث و المتون جميعا و ذلك لأن الإقتصار على المتون الفقهية وحدها أيضا مسلك مشين لا يترقى به الطالب في مسالك الإجتهاد و الترجيح بين الأقوال فلابد من الجمع بين الطريقين و لكن كطريق أول على ما قرر علمائنا يسلك الطالب كتب المتون ثم لا يزال يتدرج و يترقى حتى يكتسح المطولات الاتي عنيت بالدليل و بسط الأقوال ....إلخ
المثال الثاني : تطبيق عملي لنفع كتب الفقه و هذه مما حصل لي : قال صاحب زاد المستقنع في باب شروط الصلاة : " و يكره السدل و اشتمال الصماء و تغطية وجهه و اللثام على فمه و أنفه و كف كمه و لفه و شد وسطه كزنار و التصوير و استعماله ...." هذه جملة واحدة في سطر أو يزيد قليلا تأمّل أنها تضمنت 9 مسائل من المكروهات و قوله يكره يفتح لك باب استشكال و هو : ما هي القرينة الصارفة عن التحريم فيحصل لك فقه هذه المسائل مع التطبيق الأصولي لقاعدة من قواعد النهي مع أن دارس الفقه من كتب الحديث بمفردها لن يجمع هذه المسائل التسع إلى بعد مروره على الأقل على أربع خمس أحاديث فيجني الفائدة كما جناها الأول و لكن بطريق أطول " و العلم غزير و العمر عن تحصيله قصير فقدم الأهم فالمهم " و ما أكثر ما يرمي هذا الصنف ( أعني من ينبذ المتون ) الفقهاء بالإغراب عند سماعهم لما يقررونه لأول وهلة لما يخفى عنهم بناء المسألة و تصويرها من مثل ما قررته المالكية من طهارة لعاب الكلب على أن الصحيح فيما أعتقد نجاستها و لكن لو محّص الطالب النظر في عمدة قولهم لعرف قدرهم و أن اختيارهم ليس هو بمحض التشهي و لكنه التأصيل وفق قواعد علمية متينة و رصينة مع أن ظاهر الحديث في الباب يفيد التنجيس .
مثال آخر فيما قررت الحنابلة من حرمة استعمال إناء الذهب و الفضة مع أن الناظر في حديث أم سلمة يظهر له جواز ذلك في الفضة هذا بنظرة طالب الفقه من كتب الحديث لكن لما يذهب إلى كتب الفقه فسيجد قولهم مستند بالإضافة إلى الأدلة من الكتاب و السنة إلى دليل آخر من الأدلة الكلية ألا و هو مبدأ سد الذرائع فقل لي بربك كيف يمكن لمن يدعو لنبذ المتون أن يفقه كل هذا دون رجوع إليها لا شك أن هذا بعيد مع التنبيه أن هذا ليس مدعاة لقصر النظر على كتب مذاهب الأئمة المتبوعين من متون المذاهب فهذا كذلك من الجمود و التعصب الذي طالما حذر و أقام العلماء عليه الصيحات و نبذه الأئمة المتبوعون أنفسهم .
أما القضية الثانية عن أحسن المتون و الشروح فأنا أسوق لكم بعض ما ذكره الشيخ عبد الكريم الخضير حفظه الله تعالى بشأن متون الحنابلة فقال : " نعم بدأنا بكتب الفقه قلنا أن الطالب يبدأ بمثل آداب المشي إلى الصلاة للإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ثم يبدأ بعد ذلك بكتاب مختصر إما أخصر المختصرات أو عمدة الطالب للشيخ منصور أو عمدة الفقه للإمام الموفق نعم و هذا كتاب نفيس يعوّد الطالب على الإعتماد على الحديث
السائل : عمدة الفقه ؟
الشيخ : نعم لأنه يبدأ كل باب بحديث....
السائل : شُرح الكتاب يا شيخ ؟
الشيخ : شرح شروح كثيرة جدا ممن شرحه لأهميته شيخ الإسلام ابن تيمية نعم بعد ذلك يبدأ الطالب إما بدليل الطالب و هو أوسع من العمدة مع الوضوح و جودة التصوير للمسائل و له شروح أشرنا إليها في الحلقة السابقة نعم و الكتاب مخدوم ثم بعد ذلك تكون عنايته الفائقة بزاد المستقنع الذي هو أمتن متون الفقه الحنبلي نعم و أجمعها و أكثرها مسائل على اختصارها الشديد و هو مختصر من المقنع و عني به أهل العلم قراءة و إقراء و حفظا شرحا و تدريسا له شروح كثيرة شرحه الشيخ منصور البهوتي في كتاب أسماه الروض المربع أشرنا إليه سابقا و عليه حواشي كالشيخ عبد الله أبا بطين و الشيخ عبد الله العنقري و الشيخ عبد الرحمن ابن قاسم و علّق على الزاد الشيخ فيصل بن مبارك و الشيخ محمد بن عبد الله آل حسين و جرّد الشيخ محمد الحسين مع ذلك زوائد الإقناع عليه ثم طبع الجميع باسم الزوائد هذا سبق أن أشرنا إليه أيضا حاشية الشيخ صالح البليهي .....
السائل : ...بذكر كل طبعة و كل كتاب و المقارنة لطال بنا المقام .
الشيخ : بلا شك لأن هذه إشارات الوقت يسابقنا
السائل : صحيح صحيح
الشيخ : إشارات و الأصل نصائح لطالب العلم فيوجّه لكيفية الطلب أما الطبعات يذكر منها ما تيسر و الباقي يحال عليه في لقاءات قادمة إن شاء الله في مناسبات عديدة الشيخ صالح البليهي علّق حاشية نفيسة على الزاد أسماها السلسبيل حاشية تعنى بالدليل و حكمة التشريع و بيان محاسن الشريعة ضرر العمل بالقوانين الوضعية و ذكر مذاهب الأئمة الأربعة و غيرهم و حلّى الحخاشية باختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية و ابن القيّم و الشيخ محمد بن عبد الوهاب و أئمة الدعوة ثم من بعدهم مثل الشيخ محمد بن ابراهيم و الشيخ ابن حميد و ابن باز و الشيخ الخريصي و هو شيخ للشيخ البليهي و غيرهم أيضا من شروح الزاد من أهمها و أنفعها شرح الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين اسمه : الشرح الممتع و هو كاسمه سهّل فيه الشيخ مسائل الزاد و حلّلّ تحليلا سهلا مبسطا ذلل فيه الشيخ مسائل الكتاب التي كان الطلاب يستصعبونها و لا يتطاول على الكتاب في شرحه و فهمه إلا المتمكن من طلاب العلم و هذا شأنه رحمه الله في كل كتاب يتصدى لشرحه أيضا الشيخ صالح بن فوزان حفظه الله شرح الزاد بشرح متوسط مستمد غالبه من الروض المربع و يعنى فيه الشيخ بتحليل اللفظ و هو نافع جدا لمن يريد فهم الكتاب دون استطراد الشيخ عبد القادر بن بدران في كتابه النافع الماتع المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ذكر فائدة تتعلق بنصيحة للطالب * و الدين النصيحة * نعم * و الدين النصيحة * و نصيحة الطالب أمر لا بد منه لأن مع الأسف بعض من يتصدّى لإقراء الناس ينظر إلى الكتب التي هو بحاجة إليها فإذا جاءه طالب يقرأ عليه قال : اقرأ الكتاب الفلاني
لماذا ؟ لأن الشيخ بحاجة إليه و لا ينظر إلى حاجة الطالب مع أن النصيحة تقتضي النظر إلى حاجة الطالب نعم إذا جاء طالب منتهي يريد أن يتزوّد عنده مبادئ العلوم و عرضت عليه و قلت له : أنا بحاجة لهذا الكتاب فلو تدارسناه معا نعم كان جيّدا و لن يخلو الكتاب من فائدة لكن إذا جاءني طالب مبتدئ مثلا و أنا محتاج إلى كتاب كبير نعم و وقتي لا يسمح بقراءته بمفردي أجعل هذا الطالب يقرأه أو جاء شخص يسأل عن كتاب في العقيدة أقول : إقرأ عليّ كتاب درء تعارض العقل و النقل لا يمكن هذا أو اقرأ كتب العلل للدارقطني هذا تضييع للطالب بلا شك و لذا يقول في كتابه المدخل : و حيث إن كتابي هذا مدخل لعلم الفقه أحببت أن أذكر من النصائح ما يتعلّق بذلك العلم فأقول : لا جرم أن النصيحة كالفرض و خصوصا على العلماء فالواجب الديني على المعلم إذا أراد إقراء المبتدئين أن يقرأهم أولا كتاب أخصر المختصرات أو العمدة عمدة الطالب غير عمدة الموفق عمدة الطالب للشيخ منصور متن مختصر إن كان حنبليا أو الغاية لأبي شجاع إن كان شافعيا أو العشماوية إن كان مالكيا أو منية المصلي أو نور الإيضاح إن كان حنفيا و يجب عليه أن يشرح له المتن بلا زيادة و لا نقصان - يعني يعنى بتحليل لفظ المتن بحيث يفهم الطالب و يتصور هذه المسائل من غير زيادة و لا استطراد و بحيث يفهم ما اشتمل عليه و يصوّر مسائله في ذهنه و لا يشغله بما زاد على ذلك و قد كانت هذه طريقة شيخنا العلامة الشيخ محمد بن عثمان الحنبلي المشهور بخطيب دوما المتوفى بالمدينة المنورة سنة 1308 و كان رحمه الله يقول لنا : لا ينبغي لمن يقرأ كتابا أن يتصور أنه يريد قراءته مرة ثانية نعم يعني : أنت إذا تصورت أنك تقرأ الكتاب و أنك ترجع له مرة ثانية تمشّيه نعم على أساس أنك تعود ثانية
يقول : إقرأ الكتاب على أساس أنك لن تعود إليه مرة أخرى ما ينتج عن ذلك ؟ ينتج أنك تتفهّم هذا الكتاب بدقّة نعم يقول: لا ينبغي لمن يقرأ كتابا أن يتصور أنه يريد قراءته مرة ثانية لأن هذا التصور يمنعه عن فهم جميع الكتاب بل يتصور أنه لا يعود إليه مرة ثانية أبدا و كان يقول كل كتاب يشتمل على مسائل مادونه و زيادة فحقق مسائل ما دونه لتوفر جهدك على فهم الزيادة هذه فائدة مهمة جدا و هي إيش أنك قرأت في أخصر المختصرات مسائل هذا الكتاب أو عمدة الفقه للإمام الموفق قرأت هذا الكتاب إفهم هذا الكتاب بجميع مسائله لا تقول هذه المسائل تبي تمرّ عليّ في الزاد لا
نعم و أنت تقرأ هذا الكتاب إفهم جميع مسائله و وفّر لك نصف الجهد في قراءة ما بعده لأن المسائل التي ستمرّ و لذا يخطئ من يجرّد الزوائد زوائد الزاد على العمدة مثلا لا مانع أن تمر هذه المسألة مرة مرتين ثلاث أربع في كتاب مختصر ثم الذي فوقه ثم الذي فوقه و هكذا و على هذا ربّي طلاب العلم و تربّى العلماء من قبل نعم لأن هذا التكرار يرسّخ هذه المسائل يوضّح هذه المسائل قد تكون المسألة تصوّرها صعب في هذا الكتاب تمرّ في كتاب آخر يعرض آخر يسهلها و يذللها لكن لما نقول زوائد الزاد فهذا معناه أن الزوائد لن تمرّ بنا مرة ثانية و قد سلك أهل العلم هذه الطريقة إثبات الزوائد في كتب السنة كثير و كتب السنة أيضا موجود زوائد الكافي زوائد الغاية زوائد كذا نعم لكن هذا يحرم طالب العلم من التكرار الذي يوضح له العلم و يرسّخ له العلم المقصود أن المسألة تطول بهذه الطريقة يقول و كان يقول: كل كتاب يشتمل على مسائل مادونه و زيادة فحقق مسائل ما دونه لتوفر جهدك على فهم الزيادة نعم انتهى يقول : و لما أخذت نصيحته مأخذ القبول لم أحتج في القراءة على الأساتذة في العلوم و الفنون إلى أكثر من ست سنوات فجزاه الله خيرا و أسكنه فسيح جناته فإذا فرغ الطالب من فهم تلك المتون ثم أخذ يعدّد كتب الطبقة الثانية ثم الثالثة و هكذا و المدخل كتاب نفيس يوصى به طلاب العلم هذه الطريقة التي ذكرها الشيخ من نصيحة الطلاب فيما يبدأ به المبتدي ثم المتوسط ثم المنتهي على سائر المذاهب و مختلف العلوم هذه تحتاج إلى مصنف خاص لأن بسطها حقيقة يطول نعم و أكثر المستمعين الآن يعنون بالمذهب الحنبلي و الكتب التي تدرّس في هذه البلاد كتب الحنابلة و لو ذهبنا نقرر و نشرح كتب الحنفية و الشافعية و المالكية طال بنا الوقت ..... "
أخيرا هذا ما استطعت إيراده و بالله التوفيق و صلى الله و سلم و بارك على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين و الحمد لله رب العالمين و كتب أخوكم و محبكم في الله : محمد مصطفى العنبري
و آخر دعواي أن الحمد لله رب العالمين .