رد: فتح الباري بتعليقاتي على فتح الباري.
التنبيه الرابع عشر:
ـ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري في شرح باب لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ الشَّكِّ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ من كتاب الْوُضُوءِ : وَقَالَ الْعِرَاقِيّ : مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِك رَاجِح ؛ لِأَنَّهُ اِحْتَاطَ لِلصَّلَاةِ وَهِيَ مَقْصِد ، وَأَلْغَى الشَّكّ فِي السَّبَب الْمُبْرِئ ، وَغَيْره اِحْتَاطَ لِلطَّهَارَةِ وَهِيَ وَسِيلَة وَأَلْغَى الشَّكّ فِي الْحَدَث النَّاقِض لَهَا ، وَالِاحْتِيَاط لِلْمَقَاصِدِ أَوْلَى مِنْ الِاحْتِيَاط لِلْوَسَائِلِ . وَجَوَابه أَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ النَّظَر قَوِيّ ؛ لَكِنَّهُ مُغَايِر لِمَدْلُولِ الْحَدِيث لِأَنَّهُ أَمَرَ بِعَدَمِ الِانْصِرَاف إِلَى أَنْ يَتَحَقَّق .اهـ.
قُلتُ: صوابه: قال القرافي. لقرائن:
ـ 1 ـ أنَّ الكلام في تأييد مذهب الإمام مالك والقرافي مالكي ناصر لمذهبه والعراقي شافعي ناصر لمذهبه في الجملة.
ـ 2 ـ أنَّ الكلام فيه النَّفس الأصولي العميق ومعلوم أنَّ القرافي برَّز في علم أصول الفقه حتى غلب عليه ذلك بخلاف العراقي الذي غلب عليه الاهتمام بالجانب الحديثي رواية ودراية.
ـ 3 ـ وهذه القرينة أقوى أنَّني تتبعت واستقريت[بواسطة الشاملة] نقولات الحافظ عن العلَمَين القرافي والعراقي فوجدته يذكر القرافي بلا ألقاب علمية وبلا أوصاف فيقول: قال القرافي حسب.
ذكر الحافظ ابن حجر العلامة القرافي في مواطن من فتح:
ـ 1 ـ قال الحافظ في باب الزَّكَاةُ مِنْ الْإِسْلَامِ من كتاب الإيمان: وَغَفَلَ الْقَرَافِيّ فَادَّعَى أَنَّ الرِّوَايَة بِلَفْظِ : وَأَبِيهِ لَمْ تَصِحّ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي الْمُوَطَّأ ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَرْتَضِ الْجَوَاب فَعَدَلَ إِلَى رَدّ الْخَبَر ، وَهُوَ صَحِيح لَا مِرْيَة فِيهِ .........
قال الحافظ في باب الْمَاءِ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ شَعَرُ الْإِنْسَانِ من كتاب الوضوء: قَالَ الْقَرَافِيّ مِنْهُمْ : قَدْ صَحَّتْ فِيهِ الْأَحَادِيث ، فَالْعَجَب مِنْهُمْ كَيْف لَمْ يَقُولُوا بِهَا .اهـ.
قال الحافظ في باب فَضْلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ من كتاب الْأَذَانِ: وَقَدْ اِسْتَشْكَلَهُ الْقَرَافِيُّ عَلَى أَصْلِ الْحَدِيث بِنَاءً عَلَى الْقَوْل بِأَنَّهَا سُنَّةٌ.......
قال الحافظ في باب الذِّكْرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ من كتاب الْأَذَانِ: وَقَدْ بَالَغَ الْقَرَافِيّ فِي الْقَوَاعِد فَقَالَ : مِنْ الْبِدَع الْمَكْرُوهَة الزِّيَادَة فِي الْمَنْدُوبَات الْمَحْدُودَة شَرْعًا ، لِأَنَّ شَأْن الْعُظَمَاء إِذَا حَدُّوا شَيْئًا أَنْ يُوقَف عِنْده وَيُعَدّ الْخَارِج عَنْهُ مُسِيئًا لِلْأَدَبِ ا هـ ..
قال الحافظ في باب فَضْلِ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ
من كتاب الْجُمُعَةِ: وَأَجَابَ اَلْقَرَافِيّ بِأَنَّ سَبَبَ اَلتَّفْضِيلِ لَا يَنْحَصِرُ فِي كَثْرَةِ اَلثَّوَابِ عَلَى اَلْعَمَلِ بَلْ قَدْ يَكُونُ لِغَيْرِهَا كَتَفْضِيلِ جِلْد اَلْمُصْحَف عَلَى سَائِرِ اَلْجُلُودِ ........
قال الحافظ في باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ ...... من كتاب النِّكَاحِ: وَاسْتَنْبَطَ الْقَرَافِيّ مِنْ قَوْله " فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاء " أَنَّ التَّشْرِيك فِي الْعِبَادَة لَا يَقْدَح فِيهَا بِخِلَافِ الرِّيَاء ......
قال الحافظ في باب مَا جَاءَ فِي كَفَّارَةِ الْمَرَضِ من كتاب الْمَرْضَى
: قَالَ الْقَرَافِيّ : الْمَصَائِب كَفَّارَات جَزْمًا سَوَاء اِقْتَرَنَ بِهَا الرِّضَا أَمْ لَا ، لَكِنْ إِنْ اِقْتَرَنَ بِهَا الرِّضَا عَظُمَ التَّكْفِير وَإِلَّا قَلَّ ، كَذَا قَالَ ، وَالتَّحْقِيق أَنَّ الْمُصِيبَة كَفَّارَة لِذَنْبٍ يُوَازِيهَا ، وَبِالرِّضَا يُؤْجَر عَلَى ذَلِكَ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُصَابِ ذَنْب عُوِّضَ عَنْ ذَلِكَ مِنْ الثَّوَاب بِمَا يُوَازِيه . وَزَعَمَ الْقَرَافِيّ أَنَّهُ لَا يَجُوز لِأَحَدٍ أَنْ يَقُول لِلْمُصَابِ : جَعَلَ اللَّه هَذِهِ الْمُصِيبَة كَفَّارَة لِذَنْبِك ، لِأَنَّ الشَّارِع قَدْ جَعَلَهَا كَفَّارَة ، فَسُؤَال التَّكْفِير طَلَب لِتَحْصِيلِ الْحَاصِل ، وَهُوَ إِسَاءَة أَدَب عَلَى الشَّارِع . كَذَا قَالَ . وَتُعُقِّبَ .........
قال الحافظ في باب الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كتاب الدَّعَوَاتِ: وَزَعَمَ الْقَرَافِيُّ فِي " الذَّخِيرَة " أَنَّ الشَّافِعِيّ هُوَ الْمُسْتَدِلّ بِذَلِكَ ، وَرَدَّهُ بِنَحْوِ مَا رَدَّ بِهِ اِبْن دَقِيق الْعِيد ، وَلَمْ يُصِبْ فِي نِسْبَة ذَلِكَ لِلشَّافِعِيِّ ، وَاَلَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيّ فِي " الْأُمّ : ...........
قال الحافظ في باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُمن كتاب الدَّعَوَاتِ: نَقَلَ الْكَرْمَانِيُّ تَبَعًا لِمُغَلْطَاي عَنْ الْقَرَافِيّ أَنَّ قَوْل الْقَائِل فِي دُعَائِهِ " اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ " دُعَاء بِالْمُحَالِ لِأَنَّ صَاحِب الْكَبِيرَة قَدْ يَدْخُل النَّار وَدُخُول النَّار يُنَافِي الْغُفْرَان . وَتُعُقِّبَ بِالْمَنْعِ وَأَنَّ الْمُنَافِي لِلْغُفْرَانِ الْخُلُود فِي النَّار ، وَأَمَّا الْإِخْرَاج بِالشَّفَاعَةِ أَوْ الْعَفْو فَهُوَ غُفْرَان فِي الْجُمْلَة ...........
قلتُ: فهذه تسعة مواطن لم يذركره الحافظ فيها إلاَّ بقوله: القرافي بلا أوصاف ولا ألقاب.
وأمَّا العراقي فلا يذكره إلاّ مُصدَّرا بقوله: قال شيخنا وبقوله: شَيْخنَا الْحَافِظ زَيْن الدِّين الْعِرَاقِيّ وبقوله:شَيْخنَا الْحَافِظ أَبُو الْفَضْل الْعِرَاقِيّ وقال في موضع: نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا حَافِظُ الْوَقْتِ أَبُو الْفَضْل الْعِرَاقِيُّ فِي " شَرْح التِّرْمِذِيّ "...وفي موضع آخر يقول: وَكُنْت سَأَلْت شَيْخَيَّ الْإِمَامَيْنِالْعِرَاقِيّ وَالْبُلْقِينِيّ عَنْ هَذَا الْمَوْضِع فَكَتَبَ لِي كُلّ مِنْهُمَا بِأَنَّهُمَا " لَا يَعْرِفَانِ لَهُ مُتَابِعًا " وَعَوَّلَا جَمِيعًا عَلَى أَنَّهُ عِنْد الْبُخَارِيّ " ثِقَة " فَاعْتَمَدَهُ وَزَادَ شَيْخنَاالْعِرَاقِيّ أَنَّ صِحَّة مَا يَجْزِم بِهِ الْبُخَارِيّ لَا يَتَوَقَّف أَنْ يَكُون عَلَى شَرْطه وَهُوَ تَنْقِيب جَيِّد ، ثُمَّ ظَفِرْت بَعْد ذَلِكَ بِالْمُتَابِعِ الَّذِي ذَكَرْته فَانْتَفَى الِاعْتِرَاض مِنْ أَصْله وَلِلَّهِ الْحَمْد .اهـ. وفي موضع يقول: كَذَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيّ لِشَيْخِنَا أَبِي الْفَضْل...وقال في موطن: قَالَ شَيْخنَا الْحَافِظ أَبُو الْفَضْل فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ : وَفِيهِ نَظَر.... وقال في آخر: وَهُوَ الْمَشْهُور عَنْ أَحْمَد نَقَلَهُ شَيْخنَا فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ ..... وفي آخر: قَالَ شَيْخنَا الْحَافِظ أَبُو الْفَضْل فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ :......وقال: ذَكَرَهُ شَيْخُنَا اَلْحَافِظُ أَبُو اَلْفَضْل فِي " شَرْحِ اَلتِّرْمِذِيِّ "...... وقال: وَقَدْ بَيَّنَهَا شَيْخُنَااَلْحَافِظُ أَبُو اَلْفَضْل فِي شَرْحِ اَلتِّرْمِذِيِّ وَزَادَ وَجْهًا آخَرَ فَصَارَتْ سَبْعَةَ عَشَرَ وَجْهًا .....وقال: قَالَ شَيْخنَا فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ ....وقال: ذَكَرَ شَيْخنَا الْحَافِظ أَبُو الْفَضْل بْن الْحُسَيْن فِي " شَرْح التِّرْمِذِيّ "....وقال: وَحَكَى شَيْخُنَا اَلْحَافِظ أَبُو اَلْفَضْل بْن اَلْحُسَيْن فِي شَرْحِ اَلتِّرْمِذِيّ أَنَّهُ اشْتَهَرَ بَيْنَ اَلْعَوَامِّ أَنَّ مَنْ صَلَّى اَلضُّحَى ثُمَّ قَطَعَهَا يَعْمَى ...... وقال: أفَادَهُ شَيْخنَا فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ .....
قلتُ:والحافظ مكثر من النقل من شرح الترمذي لشيخه العراقي. ولم يقل قطُّ في فتحه حين يذكر شيخه العراقي: قال العراقي [كذا] إلاّ ما وُجِدَ في هذا الموطن الذي دلَّت القرائن على أنَّه وهم من النَّاسخ.
ـ 4 ـ وهذه القرينة قويَّة أيضا أنَّ العلامة الصنعاني في العدَّة على الإحكام لمَّا نقل كلام الحافظ هذا من الفتح كما هي عادته ذكره بلفظ: قال القرافي. بدل: قال العراقي. مما يدلّ على أنَّ الوهم من النسَّاخ وأنَّ صواب العبارة : قال القرافي.
والعجب أنَّ هذا الوهم لم تسلم منه كلُّ طبعات فتح الباري التِّي وقفتُ عليها. وهذا المثال يدلُّنا على أنَّ فتح الباري لم يُعطَ حقَّه من العناية والتَّحقيق من جهة تحقيق المتن وفي النيَّة القيام بذلك لولا ما عاقني من عدم حصولي على مخطوط له. والله المستعان.
وممَّن رأيته بنى على هذا الوهم عصريُّنا و بلديُّنا الشيخ حنفية عابدين حفظه الله في شرحه على الرسالة الذي أسماه العجالة: فقال [في مسألة هل ينتقض الوضوء بالشكّ] ج2/ ص11:ومشهور مذهب ملك النّقض ، وهو احتياط للمقاصد قُدّم على الاحتياط للوسائل ، وهو ما عليه الجمهور ، وقد نصر مذهب مالك العراقي رحمه الله ، وهو منصور لولا النصّ ......اهـ.
وقال في ج2/ ص324 في نفس المسألة: والذي يظهر أنَّ التمسك يالأصل [يقصد الطهارة] هو الحق ، والأصل هنا الطهارة المستيقنة ، واليقين لا يزول بالشك ، وقد رجح الحافظ زين الدين العراقي مذهب مالك ، وهو ترجيح قوي من حيث النظر ، لكنه خالفه الأثر ، قال[يقصد العراقي]: [FONT="]مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِك رَاجِح ؛ لِأَنَّهُ اِحْتَاطَ لِلصَّلَاةِ وَهِيَ مَقْصِد ، وَأَلْغَى الشَّكّ فِي السَّبَب الْمُبْرِئ ، وَغَيْره اِحْتَاطَ لِلطَّهَارَةِ وَهِيَ وَسِيلَة وَأَلْغَى الشَّكّ فِي الْحَدَث النَّاقِض لَهَا ، وَالِاحْتِيَاط لِلْمَقَاصِدِ أَوْلَى مِنْ الِاحْتِيَاط لِلْوَسَائِلِ. اهـ.[/FONT]