فاطمة الجزائر
:: مشارك ::
- إنضم
- 18 مايو 2011
- المشاركات
- 204
- الكنية
- فاطمة الجزائر
- التخصص
- فقه وأصوله. فقه المالكي وأصوله
- المدينة
- وهران
- المذهب الفقهي
- المذهب المالكي
إن دراسة أصول الفقه دون مقاصد الشريعة لا تكفي لتنزيل الأحكام الشرعية على الواقع ، و قد يقول القائل:
ما الفرق بين أصول الفقه و مقاصد الشريعة ؟
إن أصول الفقه علم يهتم بكيفية استنباط الأحكام الشرعية؛ أي القواعد العامة في الاستنباط، مثل قولهم "الأمر للوجوب" و"النهي للتحريم"، فعلم أصول الفقه يعتني بالخطاب الشرعي أما علم مقاصد الشريعة فيعتني بالحكم الشرعي : "حكمة الشارع في تكليف المكلف به".
فإن كان علم أصول الفقه يهتم بالبحث في كيفية استخراج القواعد اللازمة لاستنباط الحكم الشرعي، فمقاصد الشريعة تهتم بجملة الأحكام الشرعية وتعليلها؛ أي ما المقصود منها، وُنعبّر عن ذلك بقولنا أن:
علم الأصول يدرس مقاصد الخطاب، وعلم مقاصد الشريعة يدرس مقاصد الأحكام.
فعلم مقاصد الشريعة يبدأ عند انتهاء علم الأصول لكنه مُتمّم له عند تنزيله على الواقع في المسائل الفقهية.
مما سبق يتضح الاختلاف بين العلة في القياس و العلة في المقاصد؛ فالعلة في القياس هي المناط الذي ربط به الحكم، أما التعليل في المقاصد فهو الحكمة التي من أجلها وضع الحكم.
فلو نظرنا إلى شرب الخمر نجد العلة التي ربط بها التحريم هي الإسكار؛ فكل مُسكر خمر، أما الحكمة من التحريم فهي حفظ العقل، و هنا تظهر أهمية مقاصد الشريعة؛ فأحكام الشريعة إنما وُضعت لمقاصدَ، لذلك كان لابد من مراعاتها عند تنزيل الحكم الشرعي، فإن كان علم الأصول يُطبَّق ويُستنبَط من آحاد المسائل، فعلم المقاصد يُستنبَط من مجموع الأحكام، لذلك كان علم المقاصد لا يُتقنه إلا من أحاط بأحكام الشريعة.
قال الإمام الشاطبى رحمه الله في كتابه الاعتصام بعد ذكره مناظرة بين ناصر السنة الأمام احمد بن حنبل رحمه الله وأحمد بن أبى دؤاد المعتزلى فى بدعة القول بخلق القرآن: "ومدار الغلط في هذا الفصل إنما هو على حرف واحد ، وهو الجهل بمقاصد الشرع ، وعدم ضم أطرافه بعضها ببعض ؛ فإن مأخذ الأدلة عند الأئمة الراسخين إنما هو على أن تؤخذ الشريعة كالصورة الواحدة بحسب ما ثبت من كلياتها وجزئياتها المرتبة عليها ، وعامها المرتب على خاصها ، ومطلقها المحمول على مقيدها ، ومجملها المفسر ببينها . . . . إلى ما سوى ذلك من مناحيها ، فإذا حصل للناظر من جملتها حكم من الأحكام ؛ فذلك الذي نظمت به حين استنبطت .
وما مثلها إلا مثل الإنسان الصحيح السوي ، فكما أن الإنسان لا يكون إنسانا ( حتى ) يستنطق فلا ينطق ؛ لا باليد وحدها ، ولا بالرجل وحدها ، ولا بالرأس وحده ، ولا باللسان وحده ، بل بجملته التي سمي بها إنسانا كذلك الشريعة لا يطلب منها الحكم على حقيقة الاستنباط إلا بجملتها ، لا من دليل منها أي دليل كان ، وإن ظهر لبادي الرأي نطق ذلك الدليل ؛ فإنما هو توهمي لا حقيقي ؛ كاليد إذا استنطقت فإنما تنطق توهما لا حقيقة ؛ من حيث علمت أنها يد إنسان لا من حيث هي إنسان ؛ لأنه محال .
فشأن الراسخين تصور الشريعة صورة واحدة يخدم بعضها بعضا كأعضاء الإنسان إذا صورت صورة متحدة".اهــ الاعتصام الشاطبي (صفحة 312)
مراعاة المقاصد عند تنزيل القواعد الأصولية في المسائل الفقهية لابد منها، وإلا لجاء الحكم على نقيض ما يريده الشرع و لِتبْيان ذلك نضرب مثلا تطبيقيا:
مسجد صغير في أحد المدن الإسلامية ضاق على المصلين يوم الجمعة، ففتح الإمام مكانا للنساء !!! الأصل أن الجمعة واجبة على الرجال لا على النساء، فإن كان المسجد يضيق بالرجال فالأصل تقديم الواجب المفروض على الرجال قبل المندوب للنساء، لأن صلاة الجمعة ليست واجبة عليهن ، هذا الذي تقتضيه القواعد الأصولية تقديم الواجب على المندوب.
لكن لنذهب الآن لنفس المسألة في أحد المدن الفرنسية فلو طبقنا القاعدة على ظاهرها دون النظر إلى مقاصد الشريعة لأوجبنا ضررا من دون أن ندري؛ فالمرأة المسلمة في المدن الفرنسية تحتاج لتوعية، و للحفاظ على دينها، وغير المسجد لامكان لها لتعلم دينها، فلو منعنا النساء من المسجد الضيق -مع العلم أن المساجد بعيدة، ليست كمثل المدن الإسلامية: فلا يمكنها الذهاب إلى غيره- لفصلنا المرأة عن دينها من حيث لا نشعر، والذي تقتضيه مقاصد الشريعة أن للرجال أن يتقاسموا المكان الضيق، فمن لم يستطع السجود على الأرض يسجد على ظهر أخيه، لكن المرأة لا يمكن منعها من المسجد، لأنه المكان الوحيد الذي تتعلم فيه و من ورائها جيل من الأطفال، فلو حرمناها من بعض نور الإسلام نكون قد حرمنا جيلا بأكمله.
لتنزيل القواعد الأصولية لابد من النظر إلى المقاصد الشرعية، وذلك لا يعني إبطال النصوص ولا التساهل لكن الأمور تُقَدّر بمقدارها ، قال سفيان الثوري رحمه الله ( إنَّما العلم عندنا الرخصة من ثقة فأما التَّشدد فيحسنه كلُّ أحد) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (1/784) و الله الموفق إلى الصواب.
عبد الحكيم بن الأمين بن عبد الرحمن
8 أكتوبر 2010 بعنوان من أصول الفقه ونحو مقاصد الشريعة . في مجالس أصول الفقه.
ما الفرق بين أصول الفقه و مقاصد الشريعة ؟
إن أصول الفقه علم يهتم بكيفية استنباط الأحكام الشرعية؛ أي القواعد العامة في الاستنباط، مثل قولهم "الأمر للوجوب" و"النهي للتحريم"، فعلم أصول الفقه يعتني بالخطاب الشرعي أما علم مقاصد الشريعة فيعتني بالحكم الشرعي : "حكمة الشارع في تكليف المكلف به".
فإن كان علم أصول الفقه يهتم بالبحث في كيفية استخراج القواعد اللازمة لاستنباط الحكم الشرعي، فمقاصد الشريعة تهتم بجملة الأحكام الشرعية وتعليلها؛ أي ما المقصود منها، وُنعبّر عن ذلك بقولنا أن:
علم الأصول يدرس مقاصد الخطاب، وعلم مقاصد الشريعة يدرس مقاصد الأحكام.
فعلم مقاصد الشريعة يبدأ عند انتهاء علم الأصول لكنه مُتمّم له عند تنزيله على الواقع في المسائل الفقهية.
مما سبق يتضح الاختلاف بين العلة في القياس و العلة في المقاصد؛ فالعلة في القياس هي المناط الذي ربط به الحكم، أما التعليل في المقاصد فهو الحكمة التي من أجلها وضع الحكم.
فلو نظرنا إلى شرب الخمر نجد العلة التي ربط بها التحريم هي الإسكار؛ فكل مُسكر خمر، أما الحكمة من التحريم فهي حفظ العقل، و هنا تظهر أهمية مقاصد الشريعة؛ فأحكام الشريعة إنما وُضعت لمقاصدَ، لذلك كان لابد من مراعاتها عند تنزيل الحكم الشرعي، فإن كان علم الأصول يُطبَّق ويُستنبَط من آحاد المسائل، فعلم المقاصد يُستنبَط من مجموع الأحكام، لذلك كان علم المقاصد لا يُتقنه إلا من أحاط بأحكام الشريعة.
قال الإمام الشاطبى رحمه الله في كتابه الاعتصام بعد ذكره مناظرة بين ناصر السنة الأمام احمد بن حنبل رحمه الله وأحمد بن أبى دؤاد المعتزلى فى بدعة القول بخلق القرآن: "ومدار الغلط في هذا الفصل إنما هو على حرف واحد ، وهو الجهل بمقاصد الشرع ، وعدم ضم أطرافه بعضها ببعض ؛ فإن مأخذ الأدلة عند الأئمة الراسخين إنما هو على أن تؤخذ الشريعة كالصورة الواحدة بحسب ما ثبت من كلياتها وجزئياتها المرتبة عليها ، وعامها المرتب على خاصها ، ومطلقها المحمول على مقيدها ، ومجملها المفسر ببينها . . . . إلى ما سوى ذلك من مناحيها ، فإذا حصل للناظر من جملتها حكم من الأحكام ؛ فذلك الذي نظمت به حين استنبطت .
وما مثلها إلا مثل الإنسان الصحيح السوي ، فكما أن الإنسان لا يكون إنسانا ( حتى ) يستنطق فلا ينطق ؛ لا باليد وحدها ، ولا بالرجل وحدها ، ولا بالرأس وحده ، ولا باللسان وحده ، بل بجملته التي سمي بها إنسانا كذلك الشريعة لا يطلب منها الحكم على حقيقة الاستنباط إلا بجملتها ، لا من دليل منها أي دليل كان ، وإن ظهر لبادي الرأي نطق ذلك الدليل ؛ فإنما هو توهمي لا حقيقي ؛ كاليد إذا استنطقت فإنما تنطق توهما لا حقيقة ؛ من حيث علمت أنها يد إنسان لا من حيث هي إنسان ؛ لأنه محال .
فشأن الراسخين تصور الشريعة صورة واحدة يخدم بعضها بعضا كأعضاء الإنسان إذا صورت صورة متحدة".اهــ الاعتصام الشاطبي (صفحة 312)
مراعاة المقاصد عند تنزيل القواعد الأصولية في المسائل الفقهية لابد منها، وإلا لجاء الحكم على نقيض ما يريده الشرع و لِتبْيان ذلك نضرب مثلا تطبيقيا:
مسجد صغير في أحد المدن الإسلامية ضاق على المصلين يوم الجمعة، ففتح الإمام مكانا للنساء !!! الأصل أن الجمعة واجبة على الرجال لا على النساء، فإن كان المسجد يضيق بالرجال فالأصل تقديم الواجب المفروض على الرجال قبل المندوب للنساء، لأن صلاة الجمعة ليست واجبة عليهن ، هذا الذي تقتضيه القواعد الأصولية تقديم الواجب على المندوب.
لكن لنذهب الآن لنفس المسألة في أحد المدن الفرنسية فلو طبقنا القاعدة على ظاهرها دون النظر إلى مقاصد الشريعة لأوجبنا ضررا من دون أن ندري؛ فالمرأة المسلمة في المدن الفرنسية تحتاج لتوعية، و للحفاظ على دينها، وغير المسجد لامكان لها لتعلم دينها، فلو منعنا النساء من المسجد الضيق -مع العلم أن المساجد بعيدة، ليست كمثل المدن الإسلامية: فلا يمكنها الذهاب إلى غيره- لفصلنا المرأة عن دينها من حيث لا نشعر، والذي تقتضيه مقاصد الشريعة أن للرجال أن يتقاسموا المكان الضيق، فمن لم يستطع السجود على الأرض يسجد على ظهر أخيه، لكن المرأة لا يمكن منعها من المسجد، لأنه المكان الوحيد الذي تتعلم فيه و من ورائها جيل من الأطفال، فلو حرمناها من بعض نور الإسلام نكون قد حرمنا جيلا بأكمله.
لتنزيل القواعد الأصولية لابد من النظر إلى المقاصد الشرعية، وذلك لا يعني إبطال النصوص ولا التساهل لكن الأمور تُقَدّر بمقدارها ، قال سفيان الثوري رحمه الله ( إنَّما العلم عندنا الرخصة من ثقة فأما التَّشدد فيحسنه كلُّ أحد) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (1/784) و الله الموفق إلى الصواب.
عبد الحكيم بن الأمين بن عبد الرحمن
8 أكتوبر 2010 بعنوان من أصول الفقه ونحو مقاصد الشريعة . في مجالس أصول الفقه.
التعديل الأخير بواسطة المشرف: