العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

أهمية العلم بمقاصد الشريعة وأبعادها العملية

فاطمة الجزائر

:: مشارك ::
إنضم
18 مايو 2011
المشاركات
204
الكنية
فاطمة الجزائر
التخصص
فقه وأصوله. فقه المالكي وأصوله
المدينة
وهران
المذهب الفقهي
المذهب المالكي
إذا كان علم أصول الفقه، بمسائله وأدلته وأبوابه وأقسامه، علماً ذا طبيعة تخصصية يكاد الباحثون في مسائله يوصدون الباب أمام ولوج العلماء من اختصاصات أخرى (كالحديث والفقه والعقيدة…)، فضلاً عن العامة، من أجل البحث وإثارة النقاش حول موضوعاته، لما لمادة هذا العلم من صفة تخصصية عميقة تجعل منه مفتاحاً لفهم النصوص التشريعية، وولوج العلوم الأخرى، دون العكس، فإن مقاصد الشريعة، بوصفها جزءاً أصيلاً من موضوعات هذا الفن الجليل، تكتسب بالضرورة هذه الهالة من الاحترام والتقدير في التعامل، بحيث ينفرد العلماء المتخصصون في استنباطها وتوضيحها وتجليتها للناس.

وعلى الرغم ممّا تقدم ذكره، فإن كثيراً من الباحثين المعاصرين، قد درجوا عند الحديث عن فوائد علم أصول الفقه، لا يجدون حرجاً من تعداد بعض تلك الفوائد التي تكاد تنحصر في باب المعرفة والاطلاع المعرفي والمخصص لثلة الباحثين غير المتخصصين في العلوم الشرعية، وحتى الناس العامة منهم([1])، وقد انسحب هذا الجدل حول الاستفاضة في تعداد فوائد هذا العلم وبيانها، وتفرع مجالاته (الإنسان العادي، طالب العلم، المجتهد، …) على العلم بمقاصد الشريعة.

فقد جنح بعض العلماء، كابن عاشور، رحمه الله تعالى، إلى القول باستغناء المسلم العامي عن معرفة مقاصد الشريعة، وأن المجتهد، ومن في معناه كالساعي لبلوغ هذه الرتبة من طلبة العلم، هو المعني المباشر والوحيد بذلك، إذ: «ليس كل مكلف بحاجة إلى معرفة مقاصد الشريعة، لأن معرفة مقاصد الشريعة نوع دقيق من أنواع العلم، فحق العامي أن يتلقى الشريعة بدون معرفة المقصد، لأنه لا يحسن ضبطه ولا تنزيله، ثم يتوسع للناس في تعريفهم المقاصد بمقدار ازدياد حظهم من العلوم الشرعية، لئلا يضعوا ما يلقنون من المقاصد في غير مواضعه، فيعود بعكس المراد»([2]).

وأيّد الدكتور يوسف العالم، رحمه الله تعالى، ابن عاشور في ذلك، فسار على نهج خطاه في بيان عدم احتياج العامة لمعرفة مقاصد الشريعة، دون أن يزيد على ما أتى به ابن عاشور قبلاً شيئاً جديداً ([3]).

وفي المقابل نجد بعض الباحثين المعاصرين([4]) يجنحون إلى الجهة المقابلة من الرأي، فيهاجمون كل من ادعى انحصار فوائد العلم بمقاصد الشريعة بالمجتهد فقط، ويشرعون في تعداد هذه الفوائد بالنسبة للمسلم العامي، ويندرج في سياق ذلك، حسب رأيهم، الداعية المسلم([5]).

ويرون في ذلك «زيادة للإيمان بالله وترسيخاً للعقيدة الإسلامية في قلبه، لتكون عنده القناعة الكافية في دينه وشريعته»، ومعرفة المقاصد «تعطي المسلم مناعة كافية،ـ وخاصة في وقتنا الحاضر ـ ضد الغزو الفكري والعقدي، والتيارات المستوردة والمبادئ البراقة والدعوات الهدامة»،كما أنها تعين المسلم عند تعرفه على مقاصد الشارع، في وضوء وجوب مطابقة مقصده لها، على أن تكون «مقاصده تابعة لمقاصد الشارع ومحكومة بها، فلا يحاول التهرب منها، أو التحايل عليها».

وكأن مجرد العلم بهذه المقاصد كفيل بتجنب التحايل أو الهرب منها، وصولاً إلى أنها، أي معرفة المقاصد، تساعد على «تحقيق العبودية لله سبحانه، التي هي الغاية من خلق العباد»([6]).

ويتم الاستشهاد هنا بكلمة للإمام العز بن عبد السلام، رحمه الله تعالى، في معرض بيان قصده وغايته من تأليف كتابه (قواعد الأحكام)، إذ قال: «والغرض بوضع هذا الكتاب بيان مصالح الطاعات والمعاملات وسائر التصرفات لسعي العباد في تحصيلها، وبيان مقاصد المخالفات ليسعى العباد في درئها، وبيان مصالح العبادات ليكون العباد على خبر منها، وبيان ما يقدم من بعض المصالح على بعض، وما يؤخر من بعض المفاسد عن بعض، وما يدخل تحت اكتساب العبيد دون مالا قدرة لهم عليه ولا سبيل لهم إليه»([7]).

ويشير الباحث إلى فوائد العلم بالمقاصد بالنسبة للداعية، إذ يجب عليه أن يكشف للناس عن المقاصد والأهداف باستمرار «ليتم الاقتناع بدين الله، والتزامها»، مسوغاً ذلك بأن «الطبيعة البشرية تحب ما ينفعها، وتميل قلوبها وأحاسيسها إلى ما وضح طريقه وظهرت منفعته، وأن مهمة الأنبياء والرسل كانت تهدف إلى تحقيق هذه المقاصد»([8]).

كما أنها تفيد الداعية في ترتيب «سلم الأولويات في الدعوة إلى الله سبحانه، فيقدم الضروريات على الحاجيات والتحسينات، ويقدم الأصل على التابع، ويقدم ما فيه مصلحة عامة على ما فيه مصلحة خاصة»([9]).

وواضح أن الفوائد المعدّدة بالنسبة للمسلم العامي والداعية يمكن إجمالها في كونها أموراً إيمانية، مناعية تحصينية، الغاية منها زيادة إيمان المسلم وتحصينه ضد التيارات والأفكار الضارة، من أجل تحقيق مهمة العبودية لله تعالى على أتم وجه. فيما يبدو الطابع الدعوي جلياً بالنسبة لفوائدها للداعية.

وهو ما يمكن اعتباره فوائد فرعية وتالية للفوائد الأساسية المنوطة بمعرفة مقاصد الشريعة بوصفها فرعاً عن علم تخصصي يخوض المجتهد عبابه مجهزاً بوسائله وأدواته المعرفية، وتضحي بالتالي دعوة ابن عاشور بالتوسع في تعريف الناس بالمقاصد بمقدار ازدياد حظهم من العلوم الشرعية، دعوة سديدة تكتسب أهميتها من مراعاة واقع التراتبية العلمية بين الناس، وتفاوت مداركهم ومعارفهم، واستناداً إلى ضرورة التمييز بين دور المجتهد (العالم) في إنتاج المعرفة وتقنينها، وبين دور (الداعية) في إيصال هذه المعرفة وتبسيطها للعامة، وبين موقف العامة في قبول هذه المعرفة والعمل بمقتضاها.

كما أنه يمكننا، في السياق ذاته، أن نضيف إلى ما تقدم ذكره من فوائد العلم بمقاصد الشريعة بالنسبة للمسلم العامي والداعية، على حد سواء، من خلال اضطلاع (الداعية) بمهمة التعريف بمقاصد الشريعة وقيامه بتبسيط الأسس التي ترتكز إليها لعوام الناس، بما يسهم في ترسيخ فهمهم وإدراكهم لهذه المقاصد، ويجعل منها أسلوباً وطريقة في التفكير والمحاكمة ومعالجة الأمور الحياتية اللصيقة بهم، من خلال التركيز، مثلاً، على شرح الكليات الخمس (الدين والنفس والعقل والنسل والمال) وأهمية مراعاة ترتيب علماء الأصول في التقديم والترجيح بينها حال التعارض، أو شرح مراتب الضروريات والحاجيات والتحسينيات وتبسيطها لهم من أجل استعمال هذه المراتب في الحياة اليومية، وتقديم ما حقه ذلك بناء على استيعابهم وفهمهم لهذه المراتب وترتيبها.



([1]) أصول الفقه الإسلامي، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، دار الفكر المعاصر، بيروت، ط2، 1422هـ ـ2001م: 1/29 ـ 32.

([2]) مقاصد الشريعة الإسلامية, محمد الطاهر بن عاشور، تح: محمد الطاهر الميساوي, دار الفجر, كوالالمبور، دار النفائس, عمان، ط1، 1420 هـ_ 1999م: ص134 ـ 135.

([3]) المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، يوسف حامد العالم، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، هيرندن، فيرجينيا، الولايات المتحدة الأمريكية، دار الأمان، الرباط، ط2، 1414هـ ـ 1993م: ص106ـ 109.

([4]) كما فعل الدكتور يوسف البدوي في كتابه مقاصد الشريعة عند ابن تيمية، يوسف أحمد محمد البدوي، دار النفائس، عمان، ط1، 1421هـ ـ 2000م: ص103 ـ 105.

([5]) مقاصد الشريعة عند ابن تيمية، البدوي: ص102 ـ 105.

([6]) مقاصد الشريعة عند ابن تيمية، البدوي: ص103.

([7]) القواعد الكبرى أو قواعد الأحكام في إصلاح الأنام، شيخ الإسلام عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام (ت660هـ)، تح: نزيه كمال حماد، عثمان جمعة ضميرية، دار القلم، دمشق، ط1،1421هـ ـ 2000م: 1/14.

([8]) مقاصد الشريعة عند ابن تيمية، البدوي: ص104.

([9]) مقاصد الشريعة عند ابن تيمية، البدوي: ص104.
 

عبد الرزاق محمد حجوز

بانتظار تفعيل البريد الإلكتروني
إنضم
23 أكتوبر 2011
المشاركات
3
الكنية
أبو محمد
التخصص
مقاصد الشريعة
المدينة
طرابلس
المذهب الفقهي
شافعي
رد: أهمية العلم بمقاصد الشريعة وأبعادها العملية

جهد مشكور وطرح جميل... جزاكم الله خيراً.
أظن أن الموازنة هي من صلب علم المقاصد، فإذا كان كذلك فلربما نشر هذا العلم بين عامة المسلمين أو الإحجام عن ذلك يخضع لنظر الموازنات، والله أعلم.
 
أعلى