فاطمة الجزائر
:: مشارك ::
- إنضم
- 18 مايو 2011
- المشاركات
- 204
- الكنية
- فاطمة الجزائر
- التخصص
- فقه وأصوله. فقه المالكي وأصوله
- المدينة
- وهران
- المذهب الفقهي
- المذهب المالكي
أشار الشيخ أحمد المقري في كتابه نفح الطيب، أنّه كان عازما على تأليف كتاب خاص يفرده للحديث عن تلمسان، سمّاه (( أنواء نسيان في أنباء تلمسان))، فقال: (( وقد كنت بالمغرب نويت أن أجمع في شأنها كتاباً ممتعاً أسمّيه بأنواء نيسان في أنباء تلمسان، وكتبت بعضه، ثم حالت بيني وبين ذلك العزم الأقدار، وارتحلت منها إلى حضرة فاس حيث ملك الأشراف مممتدّ الرّواق، فشغلت بأمور الإمامة والفتوى والخطابة وغيرها..))(1) فهل كان يحس رحمه الله - وهو من علماء القرن الحادي عشر- أنّ نجم هذه المدينة بدأ في الأفول بعد نهضة دامت عدة قرون، باعتبار أنّ الأنواء في اللّغة جمع نوء، والنَّوْءُ من معانيه كما ذكر ابن منظور: النجم إِذا مال للمَغِيب(2) ، أم كان يريد أنّ أنباء وأحداث تلمسان ونهضتها العلمية هي كأنواء ومنازل قمر شهر نيسان، التي هي أنواء سرور تُبشّر بالغيث والمطر والخير الكثير، وهو شهر يفرح الناس بقدومه وفيه قال الشاعر: ((نيسانُ وقتُ مسرةِ الإِنسانِ))(3)، لاريب أنّ هذا مقصده ومراده رحمه الله؛ لأنّ الجزائر قبل القرن التاسع (( بلغت شأوها الأقصى في الحضارة على عهد بني زيان، وكانت آثار هذه الحضارة بادية، في قوة الملك ونظام الدولة والنهضة الاقتصادية والترقي العلمي والتقدم الأدبي))(4).
وبغض النظر عن هذه التسمية التي عنون بها كتابه ومبتغاه منها؛ فإننا نجزم أنّ للارتقاء والانحدار الحضاري أسباب ومسببات تُنبؤ عن الحال والمآل، وهذا ممّا لا يخفى على المقري وهو أحد أعيان تلمسان وعلمائها الأذكياء الأفذاذ.
ونحن نأمل أنّ نجم هذه المدينة العريقة بتراثها، الطيّبة بأصولها، الضاربة في آباد الزّمن بتاريخها، يظل مُطلا بضوئه لامعا بسناه، وخاصّة أننا نريد لها أن تكون عاصمة أبدية للثقافة العربية، فنجدد فيها ما قاله الكاتب الثغري:
تاهت تلمسانٌ بحسن شبـابهـا وبدا طراز الحسن في جلبابها
فالبشر يبدو من حباب ثغورها متبسّماً أو من ثغور حبـابها
قـد قابلت زهر النجوم بزهرها وبروجها ببروجها وقبـابهـا
تلمسان في القرن التاسع الهجري.
لاتهمنا في هذه الدراسة التقاسيم الجغرافية، ولا الحيّز التضاريسي والأنظمة المختلفة التي تداولت على حكم ما يسمى بالمغرب الأوسط، بقدر ما يهمّنا الحراك الثقافي والعلمي الذي عاشته الجزائر في فترات معينة من حقبها التاريخية.
لقد كانت بجاية مقرّ الحركة الفكرية والعلمية خلال القرن السابع، نتيجة التقدم العلمي الذي تحقق بفضل بني حماد، إضافة إلى استقرار بعض علماء الأندلس بها، ويكفي للوقوف على هذه النهضة أن يطالع القارئ كتاب عنوان الدراية للغبريني، الذي سلّط فيه الضوء على النشاط العلمي والاجتماعي الذي عاشته هذه المدينة وما حولها، ليعرف أنّ الوسط الجزائري في القرن السابع وما قبله، كان وسطا راقيا بمفهومه الواسع.
ولم يكد العصر الذهبي لبجاية ينزوي ويخبو، حتى نبض العصر الذهبي لمدينة تلمسان في عهد بني عبد الوادي، الذين حكموها من القرن السابع إلى القرن العاشر، إذ تألقت في جميع الميادين السّياسية والاجتماعية والثقافية، وغدت قاعدة المغرب الأوسط وحلقة صلة بين طرفيه أزيد من أربعة قرون.
تبوأت مدينة تلمسان - وهي المدينة التي ينتمي إليها الشيخ السنوسي- مكانة مرموقة من حيث التقدم الحضاري والتفوق العلمي، شخّص ذلك الشيخ علي القلصادي الأندلسي عندما ارتادها سنة 840 هـ، فقال في وصف حالتها العلمية( وأدركت فيها كثيرا من العلماء والصلحاء والعبّاد والزّهاد، وسوق العلم حينئذ نَافِقَةٌ وتجارة المتعلمين والمعلمين رابحة، والهمم إلي تحصيله مشرفة، وإلى الجدّ والاجتهاد فيه مرتقية))، وذكر من أعيانها أبا عبد الله بن مرزوق، وأبا مهدي عيسى الرتيمي المشتهر بعلمي الفرائض والحساب، وأبا الحجاج الزيدوري المختص في علم الرياضيات، وأبا عبد الله محمد بن النجار المشارك في العلوم النقلية والعقلية …وغيرهم.
تلمسان حاضنة العلم والعلماء.
تصدرت مدينة تلمسان في هذه الفترة المركز التعليمي الأول في المغرب العربي، إذ اجتمع فيها من الأسباب الباعثة على النهوض الثقافي ما لم يهيأ لغيرها، وأبرز وجوهها العلمية أواخر القرن التاسع، تمثلت في ثلاث شخصيات علمية بارزة وهم: الشيخ محمد بن عبد الله بن عبد الجليل التنسي، وأحمد ابن زكري، ومحمد بن يوسف السنوسي، لقد خرج أحمد ابن داود البلوي الأندلسي من تلمسان وهي تعجّ بالعلماء، وعندما سُئل عنهم قال: (( العلم مع التنسي والصلاح مع السنوسي والرياسة مع ابن زكري))(5).
فالأول كتب في فنون كثيرة أهمها كتابه ( الطراز) في رسم المصحف، وشهرته في التاريخ أكثر إذ أرّخ لبني زيان في كتاب سماه ( نظم الدرر في شرف بني زيان)، أمّا ابن زكري فهو من أجلّ العلماء الذين ظهر عليهم(( الاستقلال بالرأي بين معاصريه))(6) ، وله مجادلات ومناظرات مع الشيخ السنوسي في مسائل عقدية، كما أشار إلي ذلك ابن مريم في آخر ترجمته لابن زكري(7).
ولم يخطئ البلوي في وصفه، إذ عُرف عن الشيخ السنوسي أنّه من أهل الزهد والتصوف كشيخه الثعالبي، غير أنّ إنتاجه العلمي الكثير وخاصّة في علم العقيدة، وتأثير مؤلفاته على الحركة الفكرية على مدى القرون التي جاءت من بعده تباعا، تتركنا نصفه بأنّه الجامع بين العلم والصّلاح والرياسة.
الشيخ السنوسي شاهد على انتكاسة فكرية.
عاش الشيخ محمد بن يوسف السنوسي(ت895 هـ) في حقبة زمنية مليئة بالتقلبات السّياسية والاجتماعية، وبالرغم من أنّ عصره كان مشحونا بأسماء علمية بارزة أشادت بها كتب التراجم والأعلام، غير أنّ الجمود والميل إلى التقليد في جميع الميادين، مسّ العقلية العلمية التلمسانية في الصميم، منذ أن لاحت نُذره في العالم الإسلامي بداية من القرن السابع الهجري، وخاصّة بعد أفول دور الموحدين، وضعف شوكتهم وما تبع ذلك من تقهقر وركود فكري وعلمي، مدّ ظله وشَرَرَهُ على العالم العربي بشطريه الشرقي والغربي، أدخل الأمة في خانة الجمود، فأغلق باب الاجتهاد، وأضحى التقليد في المجال العقدي والفقهي، هو ملاذ الطبقة المثققة طلبة وعلماء، ولا عجب أن يغلب على المؤلفات في هذه القرون طابع الاختصار وقلة الابتكار.
كان السنوسي شاهدا على انتكاسة فكرية وتردٍ ثقافي، رأى من الضروري أن يعالج عن طريق إيقاظ العقل وتنبيهه إلى أهمية المعرفة، التي لا تتحقق إلاّ عن طريق النظر، الذي هو مدخل وأساس العقيدة السليمة، وقد عبّر عن هذا الفساد العارم الذي اجتاح مجتمعه، والذي يدفع أحيانا إلى اليأس بقوله: (( ولا يستغرب في هذا الزمان الذي نحن فيه، وهو أواخر القرن التاسع، الذي صار المعروف فيه منكرا والمنكر معروفا، وتعذر فيه معرفة الحق لنذور أهله، واتّسع الخرق فيه جدا على الراقع، فلم يبق فيه للعاقل إلاّ التحصن بالسكوت،وملازمة البيوت، والرضى في معاشه بأدنى القوت)) (8).
السنوسي رائد علم العقيدة في الغرب الإسلامي
هذا الجمود والانغلاق الفكري، – وخاصة في المجال العقدي- التمسه الشيخ السنوسي في واقعه فجعله مرتكز مؤلفاته، التي تمحورت جلّها حول علوم عقلية، كالمنطق والعقيدة والكلام والجدل، فكان يطمح من خلال ذلك، (( إلى تحقيق الرسالة التي تحمّلها، والمتملثة في النهوض مرّة أخرى بعلم الكلام الأشعري، ومحاربة التقليد والإهمال الحاصلين في علوم النظر، ولتحقيق ذلك كان عليه أن يخلق مناخا عقديا جديدا يتناسب وطبيعة هذه المرحلة))(9)، تَمَثَّلَ في تصحيح المفاهيم الخاطئة التي رأى أنها هي سبب هذا الاعوجاج، وقد أشار في مصنفاته إلى بعضها، والتي يمكن حصرها في النقاط التالية.
1: الجهل المنتشر بين الطبقة المثقفة، نتيجة إحجامها عن الدّراسة وترك النظر، الذي هو بالنسبة إليه من أوائل الواجبات المناطة بالمكلف، وقد أطال الحديث عن هذه المسألة في شروحه، وخاصّة في شرحه على عقيدته الكبرى، وشرحه لأم البراهين، واستدلّ على أهمية النظر بالأدلة النقلية والعقلية، ولاحظ أنّ الطبقة المثقفة أعرضت عنه، فقال( الفساد في عقائدهم، وإعراضهم عن النظر في أدلة التوحيد وإهمالهم للكثير من مراشدهم ))(10).
2: ناقش قضية التقليد في المجال العقدي، وساق الحجج على عدم كفاية إيمان المُقلِّد، بل الواجب عليه أن يسعى لمعرفة واكتساب الأدلة والبراهين، ما دام قادرا على النظر فقال: (( أنّه يجب عليه البحث عن البرهان حتى تحصل له المعرفة عنه مهما كانت فيه قابلية لفهم ذلك ))(11) ولم يسقط ضرورة النظر حتى على غير القادر، وإن جزم ضمنا في بعض مصنفاته بصحة إيمانه، وحاصل كلامه في هذه المسألة ضرورة الاجتهاد والتعلّم؛ لأنّه أساس المعرفة الصحيحة وبه أمر الشّرع، فقال: (( والذي جرت به العادة وأمر به الشّرع، تحصيل العلوم من طرقها المألوفة، وهو الاجتهاد والنظر والتعلم من العلماء، والتزام التعب في الدرس، والرحلة في طلب الفوائد ))(12).
3: الدعوة إلى تجريد العقيدة من علم الكلام الممزوج بالفلسفة، وإرجاع الأمة إلى عقيدة السلف الصحيحة.
4: أشار إلى خطورة أخذ المبتدئ مبادئ دينه (( من الكتب التي حشيت بكلام الفلاسفة، وأولع مؤلفوها بنقل هوسهم وما هو كفر صراح))(13) ، وذكر منها كُتب الإمام فخر الدين الرازي في علم الكلام، وكتاب طوالع البيضاوي ومن سلك حذوهما.
5: التنبيه على تردي المستوى التعليمي بصفة عامة، نتيجة الجهل والأمية التي انتشرت عند أهل العلم بالدّرجة الأولى، فقال: (( ولهذا تجد الجهل بكثير من العقائد في كثير ممن يتعاطى العلم من أهل زماننا فكيف بالعامّة…وتجد أذهان أكثر أهل الزمان جامدة صعبة الانقياد للفهم، مائلة أبدا لما لا يعني، إن نصحت لم تقبل، وإن علمت لم تتعلم، وإن فهمت لم تفهم..))(14).
مؤ مؤلفات الشيخ السنوسي في العقيدة ..ومرحلة سّد الفراغ.
لم يعرف التاريخ الإسلامي عبر حقبه الثقافية الطويلة، من اشتهرت مؤلفاته في مجال العقيدة مثل ما اتفق للشيخ محمد السنوسي، إذ ملأت مؤلفاته الفراغ الذي وقع ما بعد عصر الموحدين في المجال العقدي، وغدت المرجعية الجديدة للثقافة العقدية بالمغرب العربي على حدّ تعبير الدكتور يوسف احنانة، بل أسّست لمرحلة تاريخية من التجديد الفكري، كان الغاية منها بعث العقيدة الأشعرية من جديد، والتي سادت لأمد طويل منطقة المغرب العربي ودول الساحل الصحراوي، بحيث صارت العقيدة الرسمية التي تدرس في المعاهد والزوايا والمساجد، تأكيدا لمبدأ الاقتران الطبيعي بينها وبين الفقه المالكي منذ أن ترسّخت جذوره بالمغرب العربي، وقد وجد أتباع هذه المدرسة متنفسا في كتب السنوسي، فانهالت عليها الشروح والحواشي، وأصبحت محلّ دراسة في المشرق والمغرب.
لم يكن السنوسي الجزائري الوحيد في تلك المرحلة من كتب في العقيدة، بل شاركه في ذلك بعض معاصريه، نذكر منهم: الشيخ محمد بن مرزوق التلمساني (ت 842هـ) صاحب كتاب ((عقيدة أهل التوحيد المخرجة من ظلمة التقليد))، والشيخ محمد بن العباس العبادي التلمساني(ت871هـ) ألّف (( الدرة المشيدة في شرح المرشدة))، وأحمد بن عبد الله الزواوي الجزائري(ت898هـ) صاحب النظم في علم الكلام المسمى ((كفاية المريد في علم التوحيد)) والشهير بالجزائرية، وهو منظومة لامية تزيد على 400 بيت، وقد شرحها الشيخ السنوسي وسمى شرحه ((العقد الفريد في حل مشكلات التوحيد))، وألّف ابن زكري عصريّ السنوسي ((محصل المقاصد مما به تعتبر العقائد)) وهي أيضا منظومة تزيد على 1500 بيت.
لائحة مؤلفاته في علم العقيدة.
ذكر الشيخ الملالي - وهو أحد تلامذة السنوسي- في كتابه ((المواهب القدسية في المواهب السنوسية))(15) جملة مؤلفات شيخه في التفسير والحديث والفقه والمنطق وعلم الكلام، وقد أوصلها إلى ما يربو عن الأربعين تأليفا(16) ، أخذت دراساته في العقيدة والمنطق وعلم الفلك والمواريث ما يقرب من نصف مؤلفاته، ونحن في هذه العرض لا نسوق فهرسة جميع ما ألّفه، فبإمكان القارئ الوقوف عليها في كتب التراجم، وإنما نكتفي بسرد قائمة كتبه في العقيدة، التي بها عرف واشتهر، فله رحمه الله في هذا المجال ما يلي:
1: عقيدة أهل التوحيد المخرجة من ظلمات الجهل وربقة التقليد المرغمة أنف كل مبتدع عنيد.
والمعروفة أيضا بالعقيدة الكبرى، سار فيها على أسلوب عقيدة الشيخ ابن مرزوق الحفيد، وقد شرحها بنفسه، وشرحها أيضا الشيخ عيسى بن عبد الرحمن الكتاني (1109هـ)، وكذا الشيخ عليش في كتاب سماه ((هداية المريد لعقيدة أهل التوحيد)) وشرحها من علماء الجزائر: ابن مريم في تأليف سماه ((كشف اللبس والتعقيد عن عقيدة أهل التوحيد))، والشيخ عبد الرزاق بن حمادوش في كتاب سماه ((مباحث الذكرى في شرح العقيدة الكبرى)).
2 : عمدة أهل التوفيق والتسديد في شرح عقيدة أهل التوحيد.
شرح به عقيدته السالفة الذكر، نزولا عند رغبة بعض قرائها، وبدأ شرحه بالكلام فيما يتعلق بالحمد والصّلاة على النّبي صلى الله عليه وسلم. وقد طبع الشرح سنة1317هـ بمطبعة جريدة السلام بمصر، وللشيخ محمد بن أحمد الراشدي (ت1238هـ) حاشية على الشرح الكبير سماها ((كفاية المعتقد ونكاية المنتقد)).
3: أم البراهين(17):
المعروفة بالعقيدة الصغرى أو السنوسية، وهي رسالة صغيرة الحجم تضمنت مبادئ علم العقيدة ،كُتب لها أن تكون من أكثر المتون تعرضا للشرح، فلم يعرف تاريخ التأليف من المُختصرات في مجال العقيدة من أحيطت باهتمام العلماء والطلبة شرحا وتدريسا مثل أم البراهين. وقد يطول الحديث بنا لو استعرضنا جميع ما أُلّف حولها، إذ بلغت أزيد من ستين شرحا، فنكتفي بذكر بعض شرّاحها من علماء الجزائر، فكان أولهم مؤلفها الشيخ السنوسي، وقد حشا شرحه جمع من العلماء منهم: الشيخ عمر الوزان (960هـ)، وأبو القاسم البوني وسمى حاشيته (( النعم الكبرى بشرح شرح الصغرى)) ، وكتب عليه الشيخ أحمد بن محمد المقري حاشية سماها(( اتحاف المغرم المغري في تكميل شرح الصغرى)).
أما متن الصغرى فشرحه الشيخ محمد بن إبراهيم الملالي (ت898هـ) صاحب كتاب المواهب القدسية في المناقب السنوسية، والشيخ عبد الرزاق حمادوش وسمّاه (( الدرر على المختصر))، ولمحمد أمزيان (( المستفيد في عقيدة التوحيد بل كنز الفوائد في شرح صغرى العقائد))، وللشيخ مصطفى الرماصي (ت 1136هـ) ((كفاية المريد في شرح عقيدة التوحيد)) وشرحه أيضا ابن مريم صاحب كتاب البستان، وأبو القاسم الفجيجي، ومحمد المناوي البيدري، ومعزوز البحري المستغانمي، ومحمد بن أب الزمري، ومحمد الصالح بن محمد بن مهنا، ومحمد الصالح بن سليمان العيسوي الزواوي، والشيخ خليفة بن الحسن القماري..الخ
5: شرح العقيدة الصغرى(18).
شرح الشيخ السنوسي عقيدة المعروفة بأم البراهين أو العقيدة الصغرى شرحا مختصرا بدأه بقوله: (( فأهم ما يشتغل به العاقل اللبيب في هذا الزمان الصعب أن يسعى فيما ينقذ به مهجته من الخلود في النار وليس ذلك إلا بإتقان عقائد التوحيد على الوجه الذي قرره أئمة أهل السنة))(19) ، وختم شرحه بشرح كلمة التوحيد وقسمه إلى أربعة فصول:
الأول: في بيان حكم هذه الكلمة.
الثاني: في بيان فضلها.
الثالث: في كيفية ذكر هذه الكلمة على المشرفة على الوجه الأكمل.
الرابع: في بيان الفوائد التي تحصل لذاكرها على الوجه الأكمل مع المواظبة على ذلك، وذكر من هذه الفوائد منها ما يرجع إلى محاسن الأخلاق الدينية: وعدّد منها الزهد والتوكل والحياء والغنى والفقر والشكر، ومنها ما يرجع إلى الكرامات التي هي خوارق العادات وذكر من هذا النوع: وضع البركة في الطعام، وتيسير الأمور، وكشف حقيقة ما يريد استعماله من الطعام فيعرف حلاله من حرامه.
6: العقيدة الوسطى: المسماة (( عقيدة أهل التحقيق والتسديد))، شرحها جمع من العلماء نذكر منهم: الحسين بن محمد السعيد الورتيلاني، وأحمد بن القاسم البوني وله نظم عليها، وشرحها أيضا إبراهيم بن علي السرقطسي في كتاب سماه (( الهبة والعطا في شرح العقيدة الوسطى)).
7: شرح العقيدة الوسطى. شرح فيه عقيدته السالفة الذكر، ونبّه فيه إلى جزئيات من العقائد لا توجد في شروحه المطولة.
8: عقيدة صغرى الصغرى: الشهيرة بالحفيدة، وهي عقيدة صغيرة وضعها الشيخ السنوسي لوالد تلميذه الملالي حين صعب عليه حفظ العقيدة الصغرى(20) ، قام بشرحها الشيخ عيسى بن عبد الرحمن السكتاني.
9: شرح صغرى الصغرى: السابقة الذكر، طبع الشرح بمصر وبهامشه شرح الشيخ أبي اسحق الأندلسي على المواهب الربانية في شرح المقدمات السنوسية بالمطبعة الخيرية 1304هـ (21) ، وطبع بدار الرازي بالأردن سنة 2006م بتحقيق الأستاذ سعيد فوذة.
10: عقيدة صغرى صغرى الصغرى:
رسالة صغيرة الحجم لا تتجاوز الصفحة والنصف، بدأها بالحديث عن صفات الله ما يجب له وما يستحيل عليه والجائز في حقه، ثم الدليل على وجوده، وختمها بالحديث عن الرّسل ما يجب في حقهم وما يجوز وما يستحيل.
هذه الرسالة العقدية حقّقها الدكتور يوسف احنانة اعتمادا على نسخة بخزانة بن يوسف مراكش رقم 481، ونسخة الخزانة العامة بالرباط رقم 5100 ك، وذهب إلى أنها مجهولة عند أغلب الناس ولم تشتهر كما اشتهرت بقية العقائد، وانتهى به البحث أنها نفسها التي أشار إليها أبو القاسم الحفناوي في كتابه تعريف الخلف وسماها بالعقيدة السادسة، وتسمى أيضا ((عقيدة النساء)) وهي التي شرحها الشيخ محمد ابن عرضون (ت 1012هـ)، وسميت في موضع آخر (( بالعقيدة الوجيزة)) وهذا العنوان يحمله شرح ابن عرضون في نسخة أخرى مخطوطة وقف عليها المحقق، واسم شرحه (( التحفة العزيزة في شرح العقيدة الوجيزة)).
11: المقدمات المبينة لعقيدته الصغرى:
والمقدمات نالت شهرة كغيرها ممّا ألفه في علم العقيدة، وقد قسمها إلى ثماني وحدات وهي: الحكم، الأفعال، أنواع الشرك، أصول الكفر والبدعة، والموجودات، والممكنات، والصفات، والأمانة والخيانة.
12: شرح المقدمات(22):
كتاب صغير الحجم شرح فيه مقدماته في أنواع الأحكام وأقسامها، من أحكام شرعية وعادية وعقلية، وتناول فيه مذاهب الناس في الأفعال، وأنواع الشرك ومراتب الأحكام فيها، وأصول الكفر والبدع، وأقسام الموجودات، ومبحث في الممكنات، وفي الصفات الأزلية، وأقسام الكلام، ثم مبحث في حق الرسل عليهم الصّلاة والسّلام.
13: شرح الأسماء الحسنى.
شرح صغير الحجم شرح فيه أسماء الله تعالى الحسنى، وكيفية العمل بها، يتعرض لتفسير الاسم فيشرح معناه ويبين اشتقاقه وثمرة المعرفة به ثمّ يذكر حظ العبد منه.
14: المنهج السديد في شرح كفاية المريد.
شرح به لامية الجزائري وهي المنظومة المسماة (الجزائرية في العقائد الإيمانية)، للشيخ أحمد بن عبد الله الجزائري، وهو من العلماء المعاصرين للشيخ السنوسى، واشتهر نظمه (بالجزائرية)، أرسل نسخة بخطه إلى الشيخ السنوسي وعرض عليه شرحها، وقد أعجب الشيخ به، لكونه احتوى قسمين: الأول تحدث فيه الناظم عن التوحيد ومتعلقاته، والقسم الآخر تضمن ((خطابات تصوفية تهز النفوس النائمة لتعظيم جانب الحق، ويدخل بها الضعيف مع القوي في سلك الانتظام))(23).
15: شرح جواهر العلوم، لعضد الدين الإيجي في علم الكلام.
16: الحقائق في تعريفات مصطلحات علماء الكلام.
17: شرح على مرشدة محمد ابن تومرت.
18: شرح عقيدة أبي عبد الله بن عبد الرحمن الحوضي المسماة واسطة السلوك، شرحها في خمسة كراريس.
19: رسالة رد فيها على من أثبت التأثير للأسباب العادية، ذكرها ابن مريم ص127.
وبغض النظر عن هذه التسمية التي عنون بها كتابه ومبتغاه منها؛ فإننا نجزم أنّ للارتقاء والانحدار الحضاري أسباب ومسببات تُنبؤ عن الحال والمآل، وهذا ممّا لا يخفى على المقري وهو أحد أعيان تلمسان وعلمائها الأذكياء الأفذاذ.
ونحن نأمل أنّ نجم هذه المدينة العريقة بتراثها، الطيّبة بأصولها، الضاربة في آباد الزّمن بتاريخها، يظل مُطلا بضوئه لامعا بسناه، وخاصّة أننا نريد لها أن تكون عاصمة أبدية للثقافة العربية، فنجدد فيها ما قاله الكاتب الثغري:
تاهت تلمسانٌ بحسن شبـابهـا وبدا طراز الحسن في جلبابها
فالبشر يبدو من حباب ثغورها متبسّماً أو من ثغور حبـابها
قـد قابلت زهر النجوم بزهرها وبروجها ببروجها وقبـابهـا
تلمسان في القرن التاسع الهجري.
لاتهمنا في هذه الدراسة التقاسيم الجغرافية، ولا الحيّز التضاريسي والأنظمة المختلفة التي تداولت على حكم ما يسمى بالمغرب الأوسط، بقدر ما يهمّنا الحراك الثقافي والعلمي الذي عاشته الجزائر في فترات معينة من حقبها التاريخية.
لقد كانت بجاية مقرّ الحركة الفكرية والعلمية خلال القرن السابع، نتيجة التقدم العلمي الذي تحقق بفضل بني حماد، إضافة إلى استقرار بعض علماء الأندلس بها، ويكفي للوقوف على هذه النهضة أن يطالع القارئ كتاب عنوان الدراية للغبريني، الذي سلّط فيه الضوء على النشاط العلمي والاجتماعي الذي عاشته هذه المدينة وما حولها، ليعرف أنّ الوسط الجزائري في القرن السابع وما قبله، كان وسطا راقيا بمفهومه الواسع.
ولم يكد العصر الذهبي لبجاية ينزوي ويخبو، حتى نبض العصر الذهبي لمدينة تلمسان في عهد بني عبد الوادي، الذين حكموها من القرن السابع إلى القرن العاشر، إذ تألقت في جميع الميادين السّياسية والاجتماعية والثقافية، وغدت قاعدة المغرب الأوسط وحلقة صلة بين طرفيه أزيد من أربعة قرون.
تبوأت مدينة تلمسان - وهي المدينة التي ينتمي إليها الشيخ السنوسي- مكانة مرموقة من حيث التقدم الحضاري والتفوق العلمي، شخّص ذلك الشيخ علي القلصادي الأندلسي عندما ارتادها سنة 840 هـ، فقال في وصف حالتها العلمية( وأدركت فيها كثيرا من العلماء والصلحاء والعبّاد والزّهاد، وسوق العلم حينئذ نَافِقَةٌ وتجارة المتعلمين والمعلمين رابحة، والهمم إلي تحصيله مشرفة، وإلى الجدّ والاجتهاد فيه مرتقية))، وذكر من أعيانها أبا عبد الله بن مرزوق، وأبا مهدي عيسى الرتيمي المشتهر بعلمي الفرائض والحساب، وأبا الحجاج الزيدوري المختص في علم الرياضيات، وأبا عبد الله محمد بن النجار المشارك في العلوم النقلية والعقلية …وغيرهم.
تلمسان حاضنة العلم والعلماء.
تصدرت مدينة تلمسان في هذه الفترة المركز التعليمي الأول في المغرب العربي، إذ اجتمع فيها من الأسباب الباعثة على النهوض الثقافي ما لم يهيأ لغيرها، وأبرز وجوهها العلمية أواخر القرن التاسع، تمثلت في ثلاث شخصيات علمية بارزة وهم: الشيخ محمد بن عبد الله بن عبد الجليل التنسي، وأحمد ابن زكري، ومحمد بن يوسف السنوسي، لقد خرج أحمد ابن داود البلوي الأندلسي من تلمسان وهي تعجّ بالعلماء، وعندما سُئل عنهم قال: (( العلم مع التنسي والصلاح مع السنوسي والرياسة مع ابن زكري))(5).
فالأول كتب في فنون كثيرة أهمها كتابه ( الطراز) في رسم المصحف، وشهرته في التاريخ أكثر إذ أرّخ لبني زيان في كتاب سماه ( نظم الدرر في شرف بني زيان)، أمّا ابن زكري فهو من أجلّ العلماء الذين ظهر عليهم(( الاستقلال بالرأي بين معاصريه))(6) ، وله مجادلات ومناظرات مع الشيخ السنوسي في مسائل عقدية، كما أشار إلي ذلك ابن مريم في آخر ترجمته لابن زكري(7).
ولم يخطئ البلوي في وصفه، إذ عُرف عن الشيخ السنوسي أنّه من أهل الزهد والتصوف كشيخه الثعالبي، غير أنّ إنتاجه العلمي الكثير وخاصّة في علم العقيدة، وتأثير مؤلفاته على الحركة الفكرية على مدى القرون التي جاءت من بعده تباعا، تتركنا نصفه بأنّه الجامع بين العلم والصّلاح والرياسة.
الشيخ السنوسي شاهد على انتكاسة فكرية.
عاش الشيخ محمد بن يوسف السنوسي(ت895 هـ) في حقبة زمنية مليئة بالتقلبات السّياسية والاجتماعية، وبالرغم من أنّ عصره كان مشحونا بأسماء علمية بارزة أشادت بها كتب التراجم والأعلام، غير أنّ الجمود والميل إلى التقليد في جميع الميادين، مسّ العقلية العلمية التلمسانية في الصميم، منذ أن لاحت نُذره في العالم الإسلامي بداية من القرن السابع الهجري، وخاصّة بعد أفول دور الموحدين، وضعف شوكتهم وما تبع ذلك من تقهقر وركود فكري وعلمي، مدّ ظله وشَرَرَهُ على العالم العربي بشطريه الشرقي والغربي، أدخل الأمة في خانة الجمود، فأغلق باب الاجتهاد، وأضحى التقليد في المجال العقدي والفقهي، هو ملاذ الطبقة المثققة طلبة وعلماء، ولا عجب أن يغلب على المؤلفات في هذه القرون طابع الاختصار وقلة الابتكار.
كان السنوسي شاهدا على انتكاسة فكرية وتردٍ ثقافي، رأى من الضروري أن يعالج عن طريق إيقاظ العقل وتنبيهه إلى أهمية المعرفة، التي لا تتحقق إلاّ عن طريق النظر، الذي هو مدخل وأساس العقيدة السليمة، وقد عبّر عن هذا الفساد العارم الذي اجتاح مجتمعه، والذي يدفع أحيانا إلى اليأس بقوله: (( ولا يستغرب في هذا الزمان الذي نحن فيه، وهو أواخر القرن التاسع، الذي صار المعروف فيه منكرا والمنكر معروفا، وتعذر فيه معرفة الحق لنذور أهله، واتّسع الخرق فيه جدا على الراقع، فلم يبق فيه للعاقل إلاّ التحصن بالسكوت،وملازمة البيوت، والرضى في معاشه بأدنى القوت)) (8).
السنوسي رائد علم العقيدة في الغرب الإسلامي
هذا الجمود والانغلاق الفكري، – وخاصة في المجال العقدي- التمسه الشيخ السنوسي في واقعه فجعله مرتكز مؤلفاته، التي تمحورت جلّها حول علوم عقلية، كالمنطق والعقيدة والكلام والجدل، فكان يطمح من خلال ذلك، (( إلى تحقيق الرسالة التي تحمّلها، والمتملثة في النهوض مرّة أخرى بعلم الكلام الأشعري، ومحاربة التقليد والإهمال الحاصلين في علوم النظر، ولتحقيق ذلك كان عليه أن يخلق مناخا عقديا جديدا يتناسب وطبيعة هذه المرحلة))(9)، تَمَثَّلَ في تصحيح المفاهيم الخاطئة التي رأى أنها هي سبب هذا الاعوجاج، وقد أشار في مصنفاته إلى بعضها، والتي يمكن حصرها في النقاط التالية.
1: الجهل المنتشر بين الطبقة المثقفة، نتيجة إحجامها عن الدّراسة وترك النظر، الذي هو بالنسبة إليه من أوائل الواجبات المناطة بالمكلف، وقد أطال الحديث عن هذه المسألة في شروحه، وخاصّة في شرحه على عقيدته الكبرى، وشرحه لأم البراهين، واستدلّ على أهمية النظر بالأدلة النقلية والعقلية، ولاحظ أنّ الطبقة المثقفة أعرضت عنه، فقال( الفساد في عقائدهم، وإعراضهم عن النظر في أدلة التوحيد وإهمالهم للكثير من مراشدهم ))(10).
2: ناقش قضية التقليد في المجال العقدي، وساق الحجج على عدم كفاية إيمان المُقلِّد، بل الواجب عليه أن يسعى لمعرفة واكتساب الأدلة والبراهين، ما دام قادرا على النظر فقال: (( أنّه يجب عليه البحث عن البرهان حتى تحصل له المعرفة عنه مهما كانت فيه قابلية لفهم ذلك ))(11) ولم يسقط ضرورة النظر حتى على غير القادر، وإن جزم ضمنا في بعض مصنفاته بصحة إيمانه، وحاصل كلامه في هذه المسألة ضرورة الاجتهاد والتعلّم؛ لأنّه أساس المعرفة الصحيحة وبه أمر الشّرع، فقال: (( والذي جرت به العادة وأمر به الشّرع، تحصيل العلوم من طرقها المألوفة، وهو الاجتهاد والنظر والتعلم من العلماء، والتزام التعب في الدرس، والرحلة في طلب الفوائد ))(12).
3: الدعوة إلى تجريد العقيدة من علم الكلام الممزوج بالفلسفة، وإرجاع الأمة إلى عقيدة السلف الصحيحة.
4: أشار إلى خطورة أخذ المبتدئ مبادئ دينه (( من الكتب التي حشيت بكلام الفلاسفة، وأولع مؤلفوها بنقل هوسهم وما هو كفر صراح))(13) ، وذكر منها كُتب الإمام فخر الدين الرازي في علم الكلام، وكتاب طوالع البيضاوي ومن سلك حذوهما.
5: التنبيه على تردي المستوى التعليمي بصفة عامة، نتيجة الجهل والأمية التي انتشرت عند أهل العلم بالدّرجة الأولى، فقال: (( ولهذا تجد الجهل بكثير من العقائد في كثير ممن يتعاطى العلم من أهل زماننا فكيف بالعامّة…وتجد أذهان أكثر أهل الزمان جامدة صعبة الانقياد للفهم، مائلة أبدا لما لا يعني، إن نصحت لم تقبل، وإن علمت لم تتعلم، وإن فهمت لم تفهم..))(14).
مؤ مؤلفات الشيخ السنوسي في العقيدة ..ومرحلة سّد الفراغ.
لم يعرف التاريخ الإسلامي عبر حقبه الثقافية الطويلة، من اشتهرت مؤلفاته في مجال العقيدة مثل ما اتفق للشيخ محمد السنوسي، إذ ملأت مؤلفاته الفراغ الذي وقع ما بعد عصر الموحدين في المجال العقدي، وغدت المرجعية الجديدة للثقافة العقدية بالمغرب العربي على حدّ تعبير الدكتور يوسف احنانة، بل أسّست لمرحلة تاريخية من التجديد الفكري، كان الغاية منها بعث العقيدة الأشعرية من جديد، والتي سادت لأمد طويل منطقة المغرب العربي ودول الساحل الصحراوي، بحيث صارت العقيدة الرسمية التي تدرس في المعاهد والزوايا والمساجد، تأكيدا لمبدأ الاقتران الطبيعي بينها وبين الفقه المالكي منذ أن ترسّخت جذوره بالمغرب العربي، وقد وجد أتباع هذه المدرسة متنفسا في كتب السنوسي، فانهالت عليها الشروح والحواشي، وأصبحت محلّ دراسة في المشرق والمغرب.
لم يكن السنوسي الجزائري الوحيد في تلك المرحلة من كتب في العقيدة، بل شاركه في ذلك بعض معاصريه، نذكر منهم: الشيخ محمد بن مرزوق التلمساني (ت 842هـ) صاحب كتاب ((عقيدة أهل التوحيد المخرجة من ظلمة التقليد))، والشيخ محمد بن العباس العبادي التلمساني(ت871هـ) ألّف (( الدرة المشيدة في شرح المرشدة))، وأحمد بن عبد الله الزواوي الجزائري(ت898هـ) صاحب النظم في علم الكلام المسمى ((كفاية المريد في علم التوحيد)) والشهير بالجزائرية، وهو منظومة لامية تزيد على 400 بيت، وقد شرحها الشيخ السنوسي وسمى شرحه ((العقد الفريد في حل مشكلات التوحيد))، وألّف ابن زكري عصريّ السنوسي ((محصل المقاصد مما به تعتبر العقائد)) وهي أيضا منظومة تزيد على 1500 بيت.
لائحة مؤلفاته في علم العقيدة.
ذكر الشيخ الملالي - وهو أحد تلامذة السنوسي- في كتابه ((المواهب القدسية في المواهب السنوسية))(15) جملة مؤلفات شيخه في التفسير والحديث والفقه والمنطق وعلم الكلام، وقد أوصلها إلى ما يربو عن الأربعين تأليفا(16) ، أخذت دراساته في العقيدة والمنطق وعلم الفلك والمواريث ما يقرب من نصف مؤلفاته، ونحن في هذه العرض لا نسوق فهرسة جميع ما ألّفه، فبإمكان القارئ الوقوف عليها في كتب التراجم، وإنما نكتفي بسرد قائمة كتبه في العقيدة، التي بها عرف واشتهر، فله رحمه الله في هذا المجال ما يلي:
1: عقيدة أهل التوحيد المخرجة من ظلمات الجهل وربقة التقليد المرغمة أنف كل مبتدع عنيد.
والمعروفة أيضا بالعقيدة الكبرى، سار فيها على أسلوب عقيدة الشيخ ابن مرزوق الحفيد، وقد شرحها بنفسه، وشرحها أيضا الشيخ عيسى بن عبد الرحمن الكتاني (1109هـ)، وكذا الشيخ عليش في كتاب سماه ((هداية المريد لعقيدة أهل التوحيد)) وشرحها من علماء الجزائر: ابن مريم في تأليف سماه ((كشف اللبس والتعقيد عن عقيدة أهل التوحيد))، والشيخ عبد الرزاق بن حمادوش في كتاب سماه ((مباحث الذكرى في شرح العقيدة الكبرى)).
2 : عمدة أهل التوفيق والتسديد في شرح عقيدة أهل التوحيد.
شرح به عقيدته السالفة الذكر، نزولا عند رغبة بعض قرائها، وبدأ شرحه بالكلام فيما يتعلق بالحمد والصّلاة على النّبي صلى الله عليه وسلم. وقد طبع الشرح سنة1317هـ بمطبعة جريدة السلام بمصر، وللشيخ محمد بن أحمد الراشدي (ت1238هـ) حاشية على الشرح الكبير سماها ((كفاية المعتقد ونكاية المنتقد)).
3: أم البراهين(17):
المعروفة بالعقيدة الصغرى أو السنوسية، وهي رسالة صغيرة الحجم تضمنت مبادئ علم العقيدة ،كُتب لها أن تكون من أكثر المتون تعرضا للشرح، فلم يعرف تاريخ التأليف من المُختصرات في مجال العقيدة من أحيطت باهتمام العلماء والطلبة شرحا وتدريسا مثل أم البراهين. وقد يطول الحديث بنا لو استعرضنا جميع ما أُلّف حولها، إذ بلغت أزيد من ستين شرحا، فنكتفي بذكر بعض شرّاحها من علماء الجزائر، فكان أولهم مؤلفها الشيخ السنوسي، وقد حشا شرحه جمع من العلماء منهم: الشيخ عمر الوزان (960هـ)، وأبو القاسم البوني وسمى حاشيته (( النعم الكبرى بشرح شرح الصغرى)) ، وكتب عليه الشيخ أحمد بن محمد المقري حاشية سماها(( اتحاف المغرم المغري في تكميل شرح الصغرى)).
أما متن الصغرى فشرحه الشيخ محمد بن إبراهيم الملالي (ت898هـ) صاحب كتاب المواهب القدسية في المناقب السنوسية، والشيخ عبد الرزاق حمادوش وسمّاه (( الدرر على المختصر))، ولمحمد أمزيان (( المستفيد في عقيدة التوحيد بل كنز الفوائد في شرح صغرى العقائد))، وللشيخ مصطفى الرماصي (ت 1136هـ) ((كفاية المريد في شرح عقيدة التوحيد)) وشرحه أيضا ابن مريم صاحب كتاب البستان، وأبو القاسم الفجيجي، ومحمد المناوي البيدري، ومعزوز البحري المستغانمي، ومحمد بن أب الزمري، ومحمد الصالح بن محمد بن مهنا، ومحمد الصالح بن سليمان العيسوي الزواوي، والشيخ خليفة بن الحسن القماري..الخ
5: شرح العقيدة الصغرى(18).
شرح الشيخ السنوسي عقيدة المعروفة بأم البراهين أو العقيدة الصغرى شرحا مختصرا بدأه بقوله: (( فأهم ما يشتغل به العاقل اللبيب في هذا الزمان الصعب أن يسعى فيما ينقذ به مهجته من الخلود في النار وليس ذلك إلا بإتقان عقائد التوحيد على الوجه الذي قرره أئمة أهل السنة))(19) ، وختم شرحه بشرح كلمة التوحيد وقسمه إلى أربعة فصول:
الأول: في بيان حكم هذه الكلمة.
الثاني: في بيان فضلها.
الثالث: في كيفية ذكر هذه الكلمة على المشرفة على الوجه الأكمل.
الرابع: في بيان الفوائد التي تحصل لذاكرها على الوجه الأكمل مع المواظبة على ذلك، وذكر من هذه الفوائد منها ما يرجع إلى محاسن الأخلاق الدينية: وعدّد منها الزهد والتوكل والحياء والغنى والفقر والشكر، ومنها ما يرجع إلى الكرامات التي هي خوارق العادات وذكر من هذا النوع: وضع البركة في الطعام، وتيسير الأمور، وكشف حقيقة ما يريد استعماله من الطعام فيعرف حلاله من حرامه.
6: العقيدة الوسطى: المسماة (( عقيدة أهل التحقيق والتسديد))، شرحها جمع من العلماء نذكر منهم: الحسين بن محمد السعيد الورتيلاني، وأحمد بن القاسم البوني وله نظم عليها، وشرحها أيضا إبراهيم بن علي السرقطسي في كتاب سماه (( الهبة والعطا في شرح العقيدة الوسطى)).
7: شرح العقيدة الوسطى. شرح فيه عقيدته السالفة الذكر، ونبّه فيه إلى جزئيات من العقائد لا توجد في شروحه المطولة.
8: عقيدة صغرى الصغرى: الشهيرة بالحفيدة، وهي عقيدة صغيرة وضعها الشيخ السنوسي لوالد تلميذه الملالي حين صعب عليه حفظ العقيدة الصغرى(20) ، قام بشرحها الشيخ عيسى بن عبد الرحمن السكتاني.
9: شرح صغرى الصغرى: السابقة الذكر، طبع الشرح بمصر وبهامشه شرح الشيخ أبي اسحق الأندلسي على المواهب الربانية في شرح المقدمات السنوسية بالمطبعة الخيرية 1304هـ (21) ، وطبع بدار الرازي بالأردن سنة 2006م بتحقيق الأستاذ سعيد فوذة.
10: عقيدة صغرى صغرى الصغرى:
رسالة صغيرة الحجم لا تتجاوز الصفحة والنصف، بدأها بالحديث عن صفات الله ما يجب له وما يستحيل عليه والجائز في حقه، ثم الدليل على وجوده، وختمها بالحديث عن الرّسل ما يجب في حقهم وما يجوز وما يستحيل.
هذه الرسالة العقدية حقّقها الدكتور يوسف احنانة اعتمادا على نسخة بخزانة بن يوسف مراكش رقم 481، ونسخة الخزانة العامة بالرباط رقم 5100 ك، وذهب إلى أنها مجهولة عند أغلب الناس ولم تشتهر كما اشتهرت بقية العقائد، وانتهى به البحث أنها نفسها التي أشار إليها أبو القاسم الحفناوي في كتابه تعريف الخلف وسماها بالعقيدة السادسة، وتسمى أيضا ((عقيدة النساء)) وهي التي شرحها الشيخ محمد ابن عرضون (ت 1012هـ)، وسميت في موضع آخر (( بالعقيدة الوجيزة)) وهذا العنوان يحمله شرح ابن عرضون في نسخة أخرى مخطوطة وقف عليها المحقق، واسم شرحه (( التحفة العزيزة في شرح العقيدة الوجيزة)).
11: المقدمات المبينة لعقيدته الصغرى:
والمقدمات نالت شهرة كغيرها ممّا ألفه في علم العقيدة، وقد قسمها إلى ثماني وحدات وهي: الحكم، الأفعال، أنواع الشرك، أصول الكفر والبدعة، والموجودات، والممكنات، والصفات، والأمانة والخيانة.
12: شرح المقدمات(22):
كتاب صغير الحجم شرح فيه مقدماته في أنواع الأحكام وأقسامها، من أحكام شرعية وعادية وعقلية، وتناول فيه مذاهب الناس في الأفعال، وأنواع الشرك ومراتب الأحكام فيها، وأصول الكفر والبدع، وأقسام الموجودات، ومبحث في الممكنات، وفي الصفات الأزلية، وأقسام الكلام، ثم مبحث في حق الرسل عليهم الصّلاة والسّلام.
13: شرح الأسماء الحسنى.
شرح صغير الحجم شرح فيه أسماء الله تعالى الحسنى، وكيفية العمل بها، يتعرض لتفسير الاسم فيشرح معناه ويبين اشتقاقه وثمرة المعرفة به ثمّ يذكر حظ العبد منه.
14: المنهج السديد في شرح كفاية المريد.
شرح به لامية الجزائري وهي المنظومة المسماة (الجزائرية في العقائد الإيمانية)، للشيخ أحمد بن عبد الله الجزائري، وهو من العلماء المعاصرين للشيخ السنوسى، واشتهر نظمه (بالجزائرية)، أرسل نسخة بخطه إلى الشيخ السنوسي وعرض عليه شرحها، وقد أعجب الشيخ به، لكونه احتوى قسمين: الأول تحدث فيه الناظم عن التوحيد ومتعلقاته، والقسم الآخر تضمن ((خطابات تصوفية تهز النفوس النائمة لتعظيم جانب الحق، ويدخل بها الضعيف مع القوي في سلك الانتظام))(23).
15: شرح جواهر العلوم، لعضد الدين الإيجي في علم الكلام.
16: الحقائق في تعريفات مصطلحات علماء الكلام.
17: شرح على مرشدة محمد ابن تومرت.
18: شرح عقيدة أبي عبد الله بن عبد الرحمن الحوضي المسماة واسطة السلوك، شرحها في خمسة كراريس.
19: رسالة رد فيها على من أثبت التأثير للأسباب العادية، ذكرها ابن مريم ص127.