أبوبكر بن سالم باجنيد
:: مشرف سابق ::
- انضم
- 13 يوليو 2009
- المشاركات
- 2,439
- التخصص
- علوم
- المدينة
- جدة
- المذهب الفقهي
- الحنبلي
وهي من المسائل التي وقع فيها خلافٌ قديمٌ وحديثٌ بين أهل العلم، ولكن يأبى كثير من الناس إلا أن يُجلِبوا بخيلهم ورَجِلِهم لطمس اعتبار هذا الخلاف ومحوِ كونه خلافاً سائغاً لضيقٍ وتحجُّرٍ.. ومعالم الأمر هنا:
أولاً: يجب أن يعلَم أن الخلاف في المسألة خلافٌ سائغٌ معتبر؛ فقد قال بجواز إخراج القيمة في زكاة الفطر جماعة من أهل العلم الكبار: كالحسن البصري، والأوزاعي، وسفيان الثوري، وعمر بن عبدالعزيز، وهو قول الأحناف، وقول لأشهب وابن القاسم من المالكية، ورواية عن أحمـد لم يعتمدها متأخرو أصحابه. قال النووي: (وهو الظاهر من مذهب البخاري في صحيحه).
1-وهو فعل معاذ رضي الله عنه، أعلم الأمة بالحلال والحرام بشهادة نبيها، ووكيل النبي -صلى الله عليه وسلم- في جباية الزكاة باليمن، ثم وكيل عمر بها، فقد كان يقول لأهل اليمن: "ائتوني بخَمِيصٍ أو لبيس أسهل عليكم وخير لمن في المدينة من المهاجرين والأنصار"..
وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم حجة؛ إذ من البعيد أن يخفى عليه فعل معاذ وهو وكيله الذي يبعث من الزكوات إلى المدينة، ولو كان في ذلك مخالفة لأنكر عليه بعض من معه من الصحابة، أو بعض من يقبضها بالمدينة...
فإن قيل: هذا مرسل، قلنا: ولكنه مرسل محفوظ.
2-وفهم معاوية رضي الله عنه وقوله: "إني أرى أن مُدين من سمراء الشام تعدل صاعاً من تمر"، وأخذ الناس بذلك.
ومع مخالفة أبي سعيد لمعاوية رضي الله عنهما إلا أن الناس أخذوا بقول معاوية كما في صحيح مسلم وغيره، ومَن الناسُ هنا غير الصحابة والتابعين؟!
3- وفهم جماعة من الصحابة آخرين؛ فقد جاء عن عمر وعثمان وعلي ومعاوية وابن عباس -رضي الله عنهم- أنهم أجازوا إخراج نصف صاع من سمراء الشام بدلاً عن الصاع من البُر. فعلى أي أساس جرى عدل هذه بتلك؟! أليست القيمة؟!..
بل أورد ابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي إسحاق السَّبِيعي أنه قال: أدركتُهم وهم يعطون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام.
4- بل لم ينكر الصحابة على ما كتبه عمر بن عبد العزيز بأخذها نصف صاع عن كل إنسان أو قيمته نصف درهم، كما في مصنف ابن أبي شيبة، مع توافر الصحابة في زمانه ولم نعلم أن أحداً منهم أنكر عليه، ولا على عُمَّاله الذين يقبلون الدراهم في الفطرة، ولا على من أداها دراهم.
واستدل القائل بعدم جواز إخراجها نقداً بأدلة لها حظها من النظر، ومن ذلك:
وما جاء من أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر صاعاً من طعام، لا يدل دلالة قاطعة على عدم جواز إخراج القيمة في الفطرة.
ثالثاً: دعوى أن تجويز إخراجها نقداً فيه اعتراض على الشرع وافتيات واستدراك: غلط فاحش وجرأة مقيتة.. ويناقَش مدعي ذلك بالاعتراض بما يميل إليه هو من جواز أن يخرج ما سوى الأصناف المذكورة في الحديث من غالب قوت البلد لأنها الأنفع، فلمَ لا يكون هذا عنده –أيضاً- افتياتاً واستدراكاً على الشرع على قاعدته؟!
رابعاً: اتهام القائل بعدم جواز إخراجها نقداً بالظاهرية المقيتة أو قلة الفقه في الدين أو ضعف العلم والفهم غيرُ مقبول؛ إذ الحكم بهذا عليه لمجرد اختياره هذا القول جناية، وإلا كانت هذه التهمة منزَّلةً كذلك على جمهور الأئمة الذين قالوا به وأفتوا.
وختاماً، فإن الأمة بحاجة كبرى إلى فقه الخلاف الجاري بين علمائها في الفروع، وإن هذه الحاجة يتنوع قدرها بتنوع طبقات الناس واختلافها، فالعامي الصرف بحاجة إلى قدر من ذلك، ولكنَّ هذه الحاجة لا شك أنها دون حاجة طالب العلم الشرعي، وكذا الشأن بين مراتب المتعلمين؛ فحاجة المبتدئ إلى ذلك ماسَّة ولكنها لا تبلغ مبلغها لمن قارب سلوك مسلك الاجتهاد، وأحوج من يكون إلى ذلك المجتهد، وهو أولى من يفقِّه الناس فيه ويربيهم عليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.
أولاً: يجب أن يعلَم أن الخلاف في المسألة خلافٌ سائغٌ معتبر؛ فقد قال بجواز إخراج القيمة في زكاة الفطر جماعة من أهل العلم الكبار: كالحسن البصري، والأوزاعي، وسفيان الثوري، وعمر بن عبدالعزيز، وهو قول الأحناف، وقول لأشهب وابن القاسم من المالكية، ورواية عن أحمـد لم يعتمدها متأخرو أصحابه. قال النووي: (وهو الظاهر من مذهب البخاري في صحيحه).
1-وهو فعل معاذ رضي الله عنه، أعلم الأمة بالحلال والحرام بشهادة نبيها، ووكيل النبي -صلى الله عليه وسلم- في جباية الزكاة باليمن، ثم وكيل عمر بها، فقد كان يقول لأهل اليمن: "ائتوني بخَمِيصٍ أو لبيس أسهل عليكم وخير لمن في المدينة من المهاجرين والأنصار"..
وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم حجة؛ إذ من البعيد أن يخفى عليه فعل معاذ وهو وكيله الذي يبعث من الزكوات إلى المدينة، ولو كان في ذلك مخالفة لأنكر عليه بعض من معه من الصحابة، أو بعض من يقبضها بالمدينة...
فإن قيل: هذا مرسل، قلنا: ولكنه مرسل محفوظ.
2-وفهم معاوية رضي الله عنه وقوله: "إني أرى أن مُدين من سمراء الشام تعدل صاعاً من تمر"، وأخذ الناس بذلك.
ومع مخالفة أبي سعيد لمعاوية رضي الله عنهما إلا أن الناس أخذوا بقول معاوية كما في صحيح مسلم وغيره، ومَن الناسُ هنا غير الصحابة والتابعين؟!
3- وفهم جماعة من الصحابة آخرين؛ فقد جاء عن عمر وعثمان وعلي ومعاوية وابن عباس -رضي الله عنهم- أنهم أجازوا إخراج نصف صاع من سمراء الشام بدلاً عن الصاع من البُر. فعلى أي أساس جرى عدل هذه بتلك؟! أليست القيمة؟!..
بل أورد ابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي إسحاق السَّبِيعي أنه قال: أدركتُهم وهم يعطون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام.
4- بل لم ينكر الصحابة على ما كتبه عمر بن عبد العزيز بأخذها نصف صاع عن كل إنسان أو قيمته نصف درهم، كما في مصنف ابن أبي شيبة، مع توافر الصحابة في زمانه ولم نعلم أن أحداً منهم أنكر عليه، ولا على عُمَّاله الذين يقبلون الدراهم في الفطرة، ولا على من أداها دراهم.
واستدل القائل بعدم جواز إخراجها نقداً بأدلة لها حظها من النظر، ومن ذلك:
- تغليب جانب التعبد فيها. 2. التمسك بظاهر الدليل، وهو الأصل.
وما جاء من أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر صاعاً من طعام، لا يدل دلالة قاطعة على عدم جواز إخراج القيمة في الفطرة.
ثالثاً: دعوى أن تجويز إخراجها نقداً فيه اعتراض على الشرع وافتيات واستدراك: غلط فاحش وجرأة مقيتة.. ويناقَش مدعي ذلك بالاعتراض بما يميل إليه هو من جواز أن يخرج ما سوى الأصناف المذكورة في الحديث من غالب قوت البلد لأنها الأنفع، فلمَ لا يكون هذا عنده –أيضاً- افتياتاً واستدراكاً على الشرع على قاعدته؟!
رابعاً: اتهام القائل بعدم جواز إخراجها نقداً بالظاهرية المقيتة أو قلة الفقه في الدين أو ضعف العلم والفهم غيرُ مقبول؛ إذ الحكم بهذا عليه لمجرد اختياره هذا القول جناية، وإلا كانت هذه التهمة منزَّلةً كذلك على جمهور الأئمة الذين قالوا به وأفتوا.
وختاماً، فإن الأمة بحاجة كبرى إلى فقه الخلاف الجاري بين علمائها في الفروع، وإن هذه الحاجة يتنوع قدرها بتنوع طبقات الناس واختلافها، فالعامي الصرف بحاجة إلى قدر من ذلك، ولكنَّ هذه الحاجة لا شك أنها دون حاجة طالب العلم الشرعي، وكذا الشأن بين مراتب المتعلمين؛ فحاجة المبتدئ إلى ذلك ماسَّة ولكنها لا تبلغ مبلغها لمن قارب سلوك مسلك الاجتهاد، وأحوج من يكون إلى ذلك المجتهد، وهو أولى من يفقِّه الناس فيه ويربيهم عليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.
التعديل الأخير: