العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

المطلق و المقيد و تطبيقات ابن حزم عليها

كمال يسين المسلم

:: مطـًـلع ::
إنضم
30 أبريل 2009
المشاركات
104
الإقامة
الجزائر
الجنس
ذكر
التخصص
الإعلام الآلي
الدولة
الجزائر
المدينة
الجزائر
المذهب الفقهي
مسلم
[FONT=&quot]بسم الله الرحمان الرحيم
قواعد في العموم و الخصوص[/FONT]

[FONT=&quot]
فيما يلي محاولة مني في ما فهمته من مسألة العموم و الخصوص و المطلق و المقيد, و تطبيقات ابن حزم ,
فهي محاولة فقط, فإن كانت فيها ملاحظات أو أخطاء تقبلتها بصدر رحب
[/FONT]


العام:هو اللفظ الدال على جنس و يستغرق جميع أفراده دفعة واحدة, فعمومه عموم شمولي.
المطلق:هو اللفظ الذي يدل على فرد شائع في جنسه أو أفراد غير معينة و لا يستغرق كل أفراده دفعة واحدة, فعمومه عموم بدلي.فهو يتناول أفراده على سبيل البدل و ليس دفعة واحدة.

أمثلة:
- فقوله عز و جل"حرمت عليكم الميتة"1: فالميتة لفظ عام لأنه يستغرق جميع أفراد جنس الميتة, فكل ميتة فهي حرام.
- قوله عز و جل :"إنّ الله يأمركم أن تذبحوا بقرة"2: فالله عز و جل لم يأمر قوم موسى بذبح كل أبقار الدنيا, فهو لم يستغرق جميع أفراد جنس البقر, فهو ليس عام, و لكن أمرهم بذبح أي بقرة كانت, فلو ذبحوا بقرة"أ" لكفتهم, و لو ذبحوا بقرة "ب" لكفتهم......و لو ذبحوا بقرة"ن"لكفتهم, فالعموم هنا كان على سبيل البدل,فهو من هذه الناحية مطلق.
إلا أنه يمكن أن لا يفرق بين المفهومين, فيطلق على المطلق العام
لأن كل حكم هو عام في ما حكم فيه
و لهذا : فالله عز و جل أمر قوم موسى بذبح بقرة واحدة, و لكن لم يحدد صفات البقرة,فهذا حكم عام بالنسبة للمأمور به, فمن قال بل الواجب ذبح بقرة نحيفة فقد خصص الحكم العام الذي أمر به الله عز و جلّ.
قال ابن حزم في الإحكام- الباب الثالث عشر-: و لم نعن بقولنا بالعموم كل موجود في العالم, و إنما عنينا كل من اقتضاه اللفظ الوارد, و كل ما اقتضاه الخطاب, فعلى هذا قلنا بالعموم, و إنما أردنا حمل كل لفظ أتى على ما يقتضي, و لو لم يقتض إلا اثنين من النوع, فإن ذلك عموم لهما, و إنما أنكرنا تخصيص ما اقتضاه اللفظ بلا دليل أو التوقف فيه بلا دليل. انتهى.

و قال أيضا في رده على من قال بالوقف في العموم- الباب الثالث عشر-:
و موّهوا أيضا بما هو عليهم لا لهم , و هو تردد بني إسرائيل في أمره تعالى لهم بذبح البقرة.
قال علي: و من كان هذا مقداره في العلم فحرام عليه الكلام فيه, لأنّ الله تعالى ذمّهم بذلك التوقف أشدّ الذّم, أفيسوغ لمسلم أن يقوّي مذهبه بأنّه موافق لأمر ذمّه الله عز و جل؟ و لو لم يكن في ترددهم إلا قولهم لموسى عليه السلام: أتتخذنا هزؤا" جوابا لقوله"إن الله يامركم أن تذبحوا بقرة" و من خاطبه نبي عن الله عز وجل بأمر ما , فجعله المخاطب هزوا فقد كفر. انتهى.
الشاهد أن ابن حزم أدرج هذه الآية في باب العموم.
قواعد في حمل المطلق على المقيد و تخصيص العام:
فالمطلق له أفراد وقع عليه حكم ما
و العام له أفراد و قع عليه حكم ما
فسواء كان الحكم عام أو مطلق, فإن حمل المطلق على المقيد أو حمل الخاص على العام
فهو إخراج بعض أفراد العام أو المطلق عن حكمهما.

فإن كان كذلك:
فالعام إما أنه يعارض الخاص أو لا يعارضه
الحالة الأولى:
إن عارضه:

فكما قال الشوكاني في إرشاد الفحول:

فإذا كان العام الوارد من كتاب أو سنّة, قد ورد معه خاصّ يقتضي إخراج بعض أفراد العامّ من الحكم الذي حكم له عليها, فإمّا أن يعلم تاريخ كل واحد منهما, أو لا يعلم, إن علم تاريخ كل واحد منهما, فإن كان المتأخر الخاص, فإمّا أن يتأخر عن وقت العمل بالعام, أو عن وقت الخطاب,فإن تأخر عن وقت العمل بالعام فهاهنا يكون الخاصّ ناسخا لذلك القدر الذي تناوله من أفراد العامّ.انتهى.
قلت: قوله " خاصّ يقتضي إخراج بعض أفراد العامّ من الحكم الذي حكم له عليها", هي العلامة بأن العام عارض الخاص,

ثم قال:
و إن تأخر عن وقت الخطاب بالعامّ دون وقت العمل به, ففي ذلك خلاف مبني على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب, فمن جوّزه جعل الخاص بيانا للعامّ, و قضى به عليه, و من منعه حكم بنسخ العامّ في القدر الذي عارضه فيه الخاصّ.انتهى.
قلت:إلا أنه في هذه الحالة(أي تأخر الخاص عن العام) فسمّه بيانا أو نسخا, فهذا لا يؤدي إلى خلاف في تطبيق المسائل, لأنه حتما سيبنى العام على الخاص.
أمّا البرهان على أن إن تأخر الخاصّ عن وقت العمل بالعام فهاهنا يكون الخاصّ ناسخا لذلك القدر الذي تناوله من أفراد العامّ:فإنّ المسلم لمّا سمع الخطاب العام الوارد من الكتاب و السنة في عصر النبوة, لزمه أن يمتثل لذلك الخطاب, و كان مطيعا بذلك, و من أنكر هذا و رأى أن المسلم إذا سمع الخطاب العام في عصر النّبوة لزمه أن يتوقف حتى يأتي ما يخصّص ذلك العام, يلزمه أن يقول أن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم لم يلزمهم الامتثال لما جاء به رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى يتوفاه الله عز و جلّ فيكونوا على يقين من عدم تخصيص ذلك العام.
و لمّا كان المسلم طائعا لربه عز و جلّ عند امتثاله للخطاب العام,و عاصيا له عندما سمع و عصى, وجب عليه أن يمتثل لخطاب ربه عز و جل إذا خصّص بعض ما كان طائعا بإتيانه,فالذي كان واجبا على المسلم أن يقول عليه أنه حرّمه الله عز و جل, أصبح واجبا عليه أن يقول عليه أحله الله عز و جلّ,
و الذي كان واجبا على المسلم أن يقول عليه أنه أحلّه الله عز و جل أصبح واجبا عليه أن يقول عليه أنه حرّمه الله عزّ و جلّ ,و هذا لا يكون إلّا في شيئ نسخ الله عز و جلّ حكمه.

ثمّ قال: فإن تأخر العامّ عن وقت العمل بالخاصّ, فعند الشافعية يبنى العامّ على الخاصّ, لأنّما تناوله الخاصّ متيقن,و ما تناوله العامّ ظاهر مظنون , و المتيقن أولى.
و ذهب أبو حنيفة, و أكثر أصحابه, و القاضي عبد الجبّار, إلى أنّ العامّ المتأخر ناسخ للخاصّ المتقدم...إلى أن قال :و الحق في هذه الصورة البناء.انتهى
قلت:و الحقّ(في اعتقادي) إلى أنّ العامّ المتأخر ناسخ للخاصّ,
فالله عز و جلّ إذا حرم شيئا يندرج تحته أفرادا معينين, ثم أراد أن يحرم كل أفراد ما يندرج تحت جنس المعينين في التحريم الأول, أتى بصيغة العموم ,فحينئذ لا يقال أن الله عز و جل لم يقصد العموم.
ثمّ قال:

و إن تأخّر العامّ عن وقت الخطاب بالخاصّ, لكنّه قبل وقت العمل به, فحكمه حكم الذي قبله في البناء, و النسخ, إلّا على رأي من لم يجوز منهم نسخ الشيء قبل حضور العمل به, كالقاضي عبد الجبار, فإنّه لا يمكنه الحمل على النسخ , فتعين عليه البناء أو التعارض, فيما تنافيا فيه.انتهى.

و من الأمثلة التي طبقا ابن حزم على هذا الوجه,مسألة الدم و الدم المسفوح,

قال الله عز و جلّ:"حرّمت عليكم الميتة و الدّم و لحم الخنزير"3
و قال الله عز و جلّ:"قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا.."4
قال ابن حزم في المحلّى مسألة 124:
و فرّق بعضهم بين الدم المسفوح و غير المسفوح, و تعلّقوا بقوله تعالى"أو دما مسفوحا" و قد قال تعالى:"حرّمت عليكم الميتة و الدّم و لحم الخنزير", فعمّ تعالى كلّ دم و كلّ ميتة, فكان هذا شرعا زائدا على الآية الأخرى. انتهى.
و قال مسألة 988 كتاب ما يحلّ أكله و ما يحرم أكله:
و لا يحل أكل شيء من الدم و لا استعماله – مسفوحا كان أو غير مسفوح – إلا المسك وحده. انتهى
ثمّ قال بعد أن ذكر دليل من حرّم الدم المسفوح فقط:
و هذا استدلال منهم موضوع في غير موضعه, لأن الآية التي احتجّوا بها في سورة الأنعام و هي مكّية, و الآية التي تلونا نحن في سورة المائدة و هي مدنية من آخر ما أنزل فحرّم في أول الأيام بمكّة الدم المسفوح ثم حرّم بالمدينة الدم كلّه جملة عموما, فمن لم يحرّم إلا المسفوح وحده فقد أحلّ ما حرّم الله تعالى في الآية الأخرى و من حرّم الدم جملة فقد أخذ بالآيتين جميعا. انتهى.
قلت : فابن حزم عمل بالعموم بعد أن كان له علم بأن آية المائدة تأخرت عن آية الأنعام.

رغم أنه تعارض في هذه المسألة عندما ذكرها في الإحكام , فعندما ذكر ابن حزم المسائل التي يظن أنها من التعارض, ذكر وجها و هو أن يكون أحد النصين موجبا بعض ما أوجبه النص الآخر أو حاظرا بعض ما حظره النص الآخر ,فأدخل هذه المسألة في هذا الوجه فقال:
و ظن قوم أن قوله تعالى"أو دما مسفوحا" معارضا لقوله عز و جل"حرمت عليكم الميتة و الدم" و ليس كذلك على ما قدمنا من قبل لأنه ليس في شيء من النصوص التي ذكرنا نهي عما في الآخر....و لا في تحريمه تعالى الدم المسفوح إخبار بأن ما عدا المسفوح حلال, بل هو كله حرام بالآية الأخرى.انتهى.
قلت:بل قوله عز و جل"قل لا أجد في ما أوحي ..."الآية,إخبار بأن ما عدا المسفوح حلال, فتعارض مع تحريمه العام للدم, ولولا النسخ لكان الواجب أن يستثنى الأقل معاني من الأكثر.
و حتى لو لم يعلم تاريخ نزول الآيتين لكان بالإمكان أن نعرف المتقدم و المتأخر
فآية الأنعام تدل على عدم حرمة غير الميتة و الدم المسفوح و لحم الخنزير و ما أهل لغير الله,
أمّا آية المائدة , ففيها حرمة الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما أهل لغير الله, و المنخنقة و الموقوذة و المتردية و النطيحة و ما أكل السبع ..
فهنا نحن في أحد الوجوه التي ذكرها ابن حزم في فصل في ما ادعاه قوم من تعارض النصوص: و هي أن يكون أحد النصين حاظرا لما أبيح في النص الآخر بأسره, أو يكون أحدهما موجبا و الآخر مسقطا لما وجب في هذا النص بأسره
قال ابن حزم:فالواجب في هذا النوع أن ننظر إلى النص الموافق لما كنا عليه لو لم يرد واحد منهما فنتركه و نأخذ بالآخر انتهى.
إلى أن قال:
و نحن على يقين مقطوع به من أن المخالف لمعهود الأصل هو الناسخ لا شك و لا مرية عند الله تعالى.انتهى
فإذا نحن أمام حالة بحيث أحد النصين(و هي آية المائدة) حاظرا(من تحريم ما أكل السبع..) لما أبيح في النص الآخر(آية الأنعام),
و بالتالي الواجب أن ننظر إلى النص الموافق لما كنّا عليه لو لم يرد واحد منهما فنتركه و نأخذ بالآخر,
و النص الموافق لما كنّا عليه لو لم يرد واحد منهما,هو الذي فيه نفي الحرمة عن ما أكل السبع و الموقوذة و...و هي آية الأنعام,و كان النص الآخر هو المخالف لمعهود الأصل فهو الناسخ, فوجب الأخذ به,فإذا أخذنا به أخذنا بحرمة عموم الدّم.

أمّا لو كانت آية المائدة لم تذكر إلا تحريم الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما أهل لغير الله, و لم يعلم المتقدم و المتأخر, لكان الواجب تخصيص التحريم بالدم المسفوح.


فهكذا ما كان المتأخر و المتقدم معلوما.
أما ما كانا مجهولا التاريخ, قال الشوكاني:
و الحقّ الذي لا ينبغي العدول عنه في صورة الجهل البناء.انتهى
و قال:و الجمع بين الأدلة ما أمكن هو الواجب, و لا يمكن الجمع مع الجهل إلا البناء.انتهى.
و هذا هو الحق إن شاء الله عز و جل.
فمن أخذ بالعام فقد عصى النّص الآخر, و من أخذ بالخاص و تجاهل حكم العام كان عاصيا لما جاء به النص العام, فلم يبق إلا إعمال كل النصوص.

فالخلاصة عند التعارض :يجب بناء العام على الخاص إلا أن يعلم أن العام متأخر عن الخاص(على الأقل متأخر عن العمل به), فيعمل حينئذ بالعامّ.

و حمل المطلق على المقيد له أحوال ذكرها الأصوليون:
1- اختلاف السبب و اختلاف الحكم :
و مثلوها بقوله عز و جل"و السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما"5,و قوله عز و جل"فاغسلوا وجوهكم و أيديكم إلى المرافق"6, فلفظة الأيدي جاءت في الآية الأولى مطلفة و في الثانية مقيدة,
و الحكم هو القطع في الأولى و الغسل في الثانية,و السبب هو السرقة في الأولى و إرادة الصلاة في الثانية.
لا شكّ , بل لا يتصور أن يوجد من يقول بحمل المطلق على المقيد في هذه الحالة.

إضافة إلى هذا , لا يوجد تعارض بين الآيتين , و لا يوجد في هذا الوجه (اختلاف السبب و اختلاف الحكم)تعارض ألبتة.فالإتيان بعموم النص الأول لا يمنع من الإتيان بما تضمنه النص الآخر.
2- اختلاف السبب و اتحاد الحكم :
و مثلوها بكفارة الظهار في قوله عز و جل:"فتحرير رقبة من قبل أن يتماسّا"7,
و كفارة القتل في قوله عز و جل:"فتحرير رقبة مؤمنة"8.
و هذه الحالة في نظري تندرج تحت الأولى أي قسم واحد, و هو اختلاف السبب, فالسبب الذي تعلق به الحكم الأول غير السبب الذي تعلق به الحكم الثاني
فقول أحدهم:"إذا سافرت إلى مكة فاجعل و سيلة نقل تحلق في الجو لك "ليس تقييدا لوسيلة النقل التي في قول أحدهم:" إذا تنقلت إلى المدرسة فاجعل وسيلة نقل لك".
إضافة إلى هذا , لا يوجد تعارض بين الآيتين , و لا يوجد في هذا الوجه (اختلاف السبب و اتحاد الحكم)تعارض ألبتة.فالإتيان بعموم النص الأول لا يمنع من الإتيان بما تضمنه النص الآخر.
و لهذا لم يخصّ ابن حزم رقبة كافرة من مؤمنة في كفارة الظهار
قال ابن حزم في من ظاهر امرأته مسألة 1894:
و أوجب عتق الرقبة, و لم يخصّ كافرة من مؤمنة و لا معيبة من صحيحة, و لا ذكرا من أنثى, و لا كبيرا من صغير.

و قال في مسألة 2022: و إن قتل المسلم أو الذمّي –البالغان العاقلان- مسلما خطأ, فالدية واجبة على عاقلة القاتل – و هي عشيرته و قبيلته, و على القاتل في نفسه- إن كان بالغا عاقلا مسلما: عتق رقبة مؤمنة و لا بدّ.انتهى.
3- اتحاد السبب و اختلاف الحكم:
فصورة الحكم مختلفة , فلا يخص العام و لا يحمل المطلق على المقيد,
أترى إن قال أحدهم"إن رأيت زيدا فقبله في خديه"كان ذلك تقييد للوجه المذكور في قول أحدهم:"إن رأيت زيدا فارم الماء على وجهه"؟

إضافة إلى هذا , لا يوجد تعارض في هذا الوجه (اتحاد السبب و اختلاف الحكم)تعارض ألبتة.فالإتيان بعموم النص الأول لا يمنع من الإتيان بما تضمنه النص الآخر.
4- اتحاد السبب و اتحاد الحكم:
و مثال ذلك: قوله عز و جل: "و السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما "9
و قوله صلى الله عليه و سلم"" لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا"10
وجب هنا حمل المطلق على المقيد,و لو عملنا بالعموم لكنا عصينا النص الآخر, و هذا لا يجوز إن لم نتيقن من النسخ.
ذكر ابن حزم في المحلى مسألة 2281:
فذكر قوله عز و جل و النصوص التي لا حد فيها ما يجب فيه القطع, ثم قال: فكانت هذه النصوص المتواترة المتظاهرة المترادفة موافقة لنص القرآن الذي به عرفنا الله تعالى مراده منا, فنظرنا هل نجد في السنة تخصيصا لشيء من هذه النصوص؟ فوجدنا الخبر الذي ذكرناه...انتهى
و ذكر قوله صلى الله عليه و سلم" لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا"
ثم قال:
فخرج الذهب بهذا الخبر عن جملة الآية و عن عموم النصوص التي ذكرنا قبل و وجب الأخذ بكل ذلك و أن يستثنى الذهب من سائر الأشياء,فلا تقطع اليد إلا في ربع دينار بوزن مكة فصاعدا و لا تقطع في أقل من ذلك من الذهب خاصة...انتهى.
ملاحظة:
استعمال ابن حزم قاعدة استثناء الأقل معاني من الأكثر يندرج تحت هذا الباب, فقال في الإحكام فصل في ما ادعاه قوم من تعارض النصوص:
و مثل ما أمر الله عز و جل بقطع السارق و السارقة جملة. مع قوله عليه السلام:"لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا"فوجب استثناء سارق أقل من ربع دينار من القطع, و بقي سارق ما عدا ذلك على وجوب القطع عليه, و كذلك تحريمه تعالى أمهات الرضاعة, مع قوله صلى الله عليه و سلم :"لا تحرم الرضعة و لا الرضعتان"11, و نسخ العشر المحرمات بالخمس المحرمات, فوجب استثناء ما دون الخمس رضعات من التحريم,و يبقى الخمس فصاعدا على التحريم. انتهى.

إلا أنه تعارض بعد ذلك -مع ما تقدم عنه في مسألة الدم و الدم المسفوح و ما ذكره في المحلى – عندما قال : و لا نبالي في هذا الوجه(أي أن يكون أحدهما أقل معاني من الآخر) كما نعلم أي النصين ورد أولا أو لم نعلم ذلك, وسواء كان الأكثر معاني ورد أولا,أو ورد آخرا كل ذلك سواء, و لا يترك واحد منهما للآخر, و لكن يستعملان معا كما ذكرنا.انتهى.
ففي المحلى عندما علم أن تحريم الدم ناسخ لتحريم الدم المسفوح , لم يستعمل قاعدة استثناء أقل المعاني من الأكثر, بل عمل بالعموم.

الحالة الثانية:
إن لم يعارضه:
ففي هذه الحالة تستعمل كل النصوص, لأن ليس في النص الخاص ما يخرج بعض أفراد العام عن الحكم,
و هذا الذي ذكره ابن حزم في الإحكام عندما بين الأوجه التي ادعى فيها قوم تعارض النصوص, و من هذه الأوجه :أن يكون أحد النصين موجبا بعض ما أوجبه النصّ الآخر أو حاظرا بعض ما حظره النص الآخر .
فقال ابن حزم:
مثل نهيه عليه السلام أن يزني أحدنا بحليلة جاره12 مع عموم قوله تعالى"و لا تقربوا الزنى"13, فليس ذكره عليه السلام امرأة الجار معارضا لعموم النهي عن الزنى, بل هو بعضه. انتهى.
و هذا ما استعمله ابن حزم أيضا في مسألة التيمم بالتراب و الأرض
فلقد ذكر في المحلى قي مسألة 252 أن التيمم لا يجوز إلا بالتراب أو الأرض, و ردّ على الذين خصّصوا ذلك بالتراب فقط لحديث حذيفة" و جعلت تربتها لنا طهورا"14, فقال:

و هذا خطأ, لأنه دعوى بلا برهان, و ما كان هكذا فهو باطل, قال عزّ و جلّ"قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين", بل كلّ ما قال عزّ و جلّ و رسول الله صلى الله عليه و سلم فهو حقّ, فقال الله عز و جل "صعيدا طيبا"15, و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم"الأرض مسجد و طهور"16, و قال عليه السلام:"الأرض مسجد و تربتها طهور", فكلّ ذلك حق و كلّ ذلك مأخوذ به,و كلّ ذلك لا يحلّ ترك شيء منه لشيء آخر , فالتراب كله طهور, و الأرض كلها طهور و الصّعيد كلّه طهور, و الآية و حديث جابر في عموم الأرض زائد حكما على حديث حذيفة في الاقتصار على التربة, فالأخذ بالزائد واجب, و لا يمنع ذلك من الأخذ بحديث حذيفة, و في الافتصار على ما في حديث حذيفة مخالفة للقرآن و لما في حديث جابر, و هذا لا يحل, و بالله تعالى التوفيق.انتهى.

زيادة الثقة و علاقته بالعام و التخصيص:

و الزيادة المقصودة هي الزيادة في اللفظ.
زيادة الثقة مقبولة, و لا يعني هذا أن الحكم للزيادة,بل يعني أننا نقبلها لتدخل في النصوص التي تبنى عليها الأحكام,فلا فرق بين أن:
- نقبل بزيادة لفظة "مسفوحا" في قوله عز و جل" قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا..", و رغم هذا كان الحكم للناسخ في قوله عز و جل" حرّمت عليكم الميتة و الدّم و لحم الخنزير". و بين أن:
- نقبل بزيادة الثقة الذي جاء بإيجاب زكاة سائمة الغنم17, و لا ننكرها, و رغم هذا الحكم في السائمة و غيرها18.

و زيادة الثقة تكون على قسمين:
1- القسم الأول:
اتحاد المخرج:فعندما تكون القصة واحدة, فالحكم لمن فصّل القصة, و هذا الذي
فعله ابن حزم في حكم من وطئ امرأته في نهار رمضان:
حيث ذكر دليل الكفارة على الواطئ و هو حديث أبي هريرة,حيث جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر أنه وقع على امرأته في رمضان فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة19....إلى أن قال :فلم يوجب عليه السلام الكفّارة على غير من ذكرنا...ثم قال و هو بيت القصيد:

فإن قيل فلم لم توجبوا الكفّارة على كل من أفطر في رمضان فطرا لم يبح له,بأيّ شيء أفطر؟ بما رويتموه من طريق مالك,وابن جريج و يحيى بن سعيد الأنصاريّ,كلّهم عن الزّهري,و من طريق أشهب عن اللّيث عن الزّهري,ثمّ اتّفقوا:عن حميد بن عبد الرحمان عن أبي هريرة أن رجلا أفطر في نهار رمضان ,فأمره رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يكفّر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا فقال:ا أجد,فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم بعرق تمر فقال:"خذ هذا فتصدّق به"فقال :يا رسول الله لا أجد أحوج إليه منّي فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم حتّى بدت أنيابه,وقال:"كله".20
قلنا:لأنّه خبر واحد عن رجل واحد,في قصّة واحدة,بلا شكّ,فرواه من ذكرنا عن الزّهري مجملا مختصرا,و رواه الآخرون الذي ذكرنا قبل و أتوا بلفظ الخبر كما وقع,وكما سئل عليه السلام , وكما أفتى,و بيّنوا فيه أنّ تلك القضيّة إنّما كانت وطئا لامرأته....انتهى كلامه رحمه الله تعالى انتهى.
فابن حزم لم يأخذ بالعموم , لأنها قصة واحدة.
2- القسم الثاني:
اختلاف المخرج:
متى كانت زيادة الثقة تخصّص عموما أو تقيد مطلقا, فإن الزيادة تقبل و لا ننكرها,أما الحكم فإنه يكون تبعا لما جاء في قواعد الجمع بين العموم و الخصوص من حيث تعارض النصين و علمنا بالمتقدم و المتأخر,
* فعند التعارض(أقصد ما يبدو أنه تعارض):
- إذا كانت زيادة الثقة متأخرة أو لم يعلم المتقدم و المتاخر, كان الحكم للزيادة و فقط.
- و إن كانت الزيادة متقدمة , كان الحكم للنص الآخر.
* أما عند عدم وجود تعارض:فتستعمل كل النصوص,و بالتالي يكون الحكم للمعنى الزائد و ليس للفظة الزائدة, و هذا ما ذكره ابن حزم في كتابه الإحكام فصل زيادة العدل:
فإن كانت اللفظة الزائدة ناقصة من المعنى, فالحكم للمعنى الزائد لا للفظة الزيادة, لأنّ زيادة المعنى هو العموم, و هو الزيادة حينئذ على الحقيقة و هو الحكم الزائد و الشرع الوارد و الأمر الحادث.انتهى.
و ما ذكره ابن حزم يدخل تحت هذا النوع(أي عند عدم وجود تعارض),و ليس عند وجود تعارض.
لأن لو قال لك أحدهم" ما أنهاك إلا عن الكتابة بالسيالة " ثم قال لك أيضا "ما أنهاك إلا عن الكتابة بالسيالة الحمراء".أو وصلك الأمران دفعة واحدة
فالأمر الأول فيه نهي عن الكتابة بالسيالة الزرقاء
و الأمر الثاني فيه إباحة الكتابة بالسيالة الزرقاء
فيظهر التعارض,فوجب أن يكون الحكم للأمر الثاني, فالحكم للفظة الزائدة رغم أنها ناقصة من المعنى.
أما لو قال لك أحدهم "لا تكتب بالسيالة " و قال لك أيضا "لا تكتب بالسيالة الحمراء".
فالأمر الأول فيه نهي عن الكتابة بالسيالة الحمراء و بكل سيالة
و الأمر الثاني فيه نهي عن الكتابة بالسيالة الحمراء.و ليس فيه نهي عن ما عدا ذلك,
فلا يوجد تعارض, فهنا كان الحكم للمعنى الزائد لا للفظة الزائدة, لأن النص الذي جاء باللفظة الزائدة لم يمنع من الأخذ بالنص الذي جاء باللفظة الناقصة.

و هذا ما طبّقه ابن حزم في من ملك مائة شاة و عشرين شاة و بعض شاة فعنده فيها شاتان, لحديث أبي بكر رضي الله عنه في قوله"فإن زادت على عشرين و مائة إلى مائتين فشاتان"21, رغم الزيادة في حديث ابن عمر"فإن زادت واحدة فشاتان إلى مائتين"22
قال ابن حزم: فوجدنا الخبرين جميعا متفقين على أنها ان زادت واحدة على مائة و عشرين شاة أو على مائتي شاة فقد انتقلت الفريضة, و وجدنا حديث أبي بكر يوجب انتقال الفريضة بالزيادة على المائة و عشرين و على المائتين, فكان هذا عموما لكل زيادة, و ليس في حديث ابن عمر المنع في ذلك أصلا, فصار من قال بقولنا قد أخذ بالحديثين, فلم يخالف واحد منهما, و صار من قال بخلاف ذلك مخالفا لحديث أبي بكر, مخصصا بلا برهان.انتهى

و الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى خطّأ ابن حزم و علق على كلامه فقال:بل الأمر بالعكس , إذ الزيادة الثقة مقبولة و حجة.انتهى.
قلت: نعم زيادة الثقة مقبولة و حجّة, و لم ينكر ابن حزم هذا و لم يرد الرواية بل قام بجمع النصوص المقبولة, فكان الحكم للعموم كما بين ذلك.



---------------------------
1-المائدة(3).
2-البقرة(67).
3-المائدة(3).
4- الأنعام(145).
5-المائدة(38).
6-المائدة(6).
7-المجادلة(3).
8-النساء(92).
9-المائدة(38).
10- صحيح مسلم(1684),صحيح البخاري(6789).
11-صحيح مسلم(1451),سنن ابن ماجة(1940).
12- سنن أبي داود(2310),صحيح مسلم(86),صحيح البخاري(4477).
13- الإسراء(32).
14- سنن الدارقطني(658), صحيح مسلم(522).
15- المائدة(6).
16- صحيح مسلم(523 من حديث جابر, 521).
17-انظر صحيح البخاري(1454),سنن أبي داود(1567) من حديث أبي بكر.
18- انظر سنن أبي داود(1568) من حديث ابن عمر.
19- صحيح مسلم(1111),صحيح البخاري(1936).
20- موطأ مالك(718).
21- صحيح البخاري(1454),سنن أبي داود(1567) .
22- سنن أبي داود(1568)


[FONT=&quot] [/FONT]
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: المطلق و المقيد و تطبيقات ابن حزم عليها

جزاكم الله خيرا
مذهب ابن حزم، بارك الله فيكم، هو تقديم المطلق على المقيد دوما سواء تأخر أو تقدم أو جهل التاريخ . أي أنه لا يقول بحمل المطلق على المقيد، بل حمل المقيد على المطلق. وهو مذهب شذَّ به رحمه الله تعالى، كعادته، عن باقي الأصوليين.
 

كمال يسين المسلم

:: مطـًـلع ::
إنضم
30 أبريل 2009
المشاركات
104
الإقامة
الجزائر
الجنس
ذكر
التخصص
الإعلام الآلي
الدولة
الجزائر
المدينة
الجزائر
المذهب الفقهي
مسلم
رد: المطلق و المقيد و تطبيقات ابن حزم عليها

بارك الله فيك دكتور الفاضل,
لكن لا أوافقك في هذا,
ابن حزم لا يقول بحمل المطلق على المقيد إن لم يكن في النص الخاص ما يخرج بعض أفراد العام عن الحكم,
و هذا الذي ذكره ابن حزم في الإحكام عندما بين الأوجه التي ادعى فيها قوم تعارض النصوص, و من هذه الأوجه :أن يكون أحد النصين موجبا بعض ما أوجبه النصّ الآخر أو حاظرا بعض ما حظره النص الآخر .

أما من الأمثلة التي حمل فيها ابن حزم المطلق على المقيد
ذكر ابن حزم في المحلى مسألة 2281:
فذكر قوله عز و جل و النصوص التي لا حد فيها ما يجب فيه القطع, ثم قال: فكانت هذه النصوص المتواترة المتظاهرة المترادفة موافقة لنص القرآن الذي به عرفنا الله تعالى مراده منا, فنظرنا هل نجد في السنة
تخصيصا لشيء من هذه النصوص؟ فوجدنا الخبر الذي ذكرناه...انتهى
و ذكر قوله صلى الله عليه و سلم" لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا"
ثم قال:
فخرج الذهب بهذا الخبر عن جملة الآية و عن عموم النصوص التي ذكرنا قبل و وجب الأخذ بكل ذلك و أن يستثنى الذهب من سائر الأشياء,فلا تقطع اليد إلا في ربع دينار بوزن مكة فصاعدا و لا تقطع في أقل من ذلك من الذهب خاصة...انتهى.
ملاحظة:
قال في الإحكام فصل في ما ادعاه قوم من تعارض النصوص:
و مثل ما أمر الله عز و جل بقطع السارق و السارقة جملة. مع قوله عليه السلام:"لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا"فوجب استثناء سارق أقل من ربع دينار من القطع, و بقي سارق ما عدا ذلك على وجوب القطع عليه, و كذلك تحريمه تعالى أمهات الرضاعة, مع قوله صلى الله عليه و سلم :"لا تحرم الرضعة و لا الرضعتان"11, و نسخ العشر المحرمات بالخمس المحرمات, فوجب استثناء ما دون الخمس رضعات من التحريم,و يبقى الخمس فصاعدا على التحريم. انتهى.
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: المطلق و المقيد و تطبيقات ابن حزم عليها

بارك الله فيك دكتور الفاضل,
لكن لا أوافقك في هذا,
ابن حزم لا يقول بحمل المطلق على المقيد إن لم يكن في النص الخاص ما يخرج بعض أفراد العام عن الحكم,
و هذا الذي ذكره ابن حزم في الإحكام عندما بين الأوجه التي ادعى فيها قوم تعارض النصوص, و من هذه الأوجه :أن يكون أحد النصين موجبا بعض ما أوجبه النصّ الآخر أو حاظرا بعض ما حظره النص الآخر .

أما من الأمثلة التي حمل فيها ابن حزم المطلق على المقيد
ذكر ابن حزم في المحلى مسألة 2281:
فذكر قوله عز و جل و النصوص التي لا حد فيها ما يجب فيه القطع, ثم قال: فكانت هذه النصوص المتواترة المتظاهرة المترادفة موافقة لنص القرآن الذي به عرفنا الله تعالى مراده منا, فنظرنا هل نجد في السنة
تخصيصا لشيء من هذه النصوص؟ فوجدنا الخبر الذي ذكرناه...انتهى
و ذكر قوله صلى الله عليه و سلم" لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا"
ثم قال:
فخرج الذهب بهذا الخبر عن جملة الآية و عن عموم النصوص التي ذكرنا قبل و وجب الأخذ بكل ذلك و أن يستثنى الذهب من سائر الأشياء,فلا تقطع اليد إلا في ربع دينار بوزن مكة فصاعدا و لا تقطع في أقل من ذلك من الذهب خاصة...انتهى.
ملاحظة:
قال في الإحكام فصل في ما ادعاه قوم من تعارض النصوص:
و مثل ما أمر الله عز و جل بقطع السارق و السارقة جملة. مع قوله عليه السلام:"لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا"فوجب استثناء سارق أقل من ربع دينار من القطع, و بقي سارق ما عدا ذلك على وجوب القطع عليه, و كذلك تحريمه تعالى أمهات الرضاعة, مع قوله صلى الله عليه و سلم :"لا تحرم الرضعة و لا الرضعتان"11, و نسخ العشر المحرمات بالخمس المحرمات, فوجب استثناء ما دون الخمس رضعات من التحريم,و يبقى الخمس فصاعدا على التحريم. انتهى.
جزاكم الله خيرا
الأمثلة التي ذكرت أخي الكريم هي من تخصيص العام لا من تقييد المطلق، وهذه لا يختلف فيها ابن حزم مع الأصوليين، لأنه ثمة تعرض ظاهري بين النصوص لا يرتفع إلا بالتخصيص.
ما يختلف فيه ابن حزم مع الأصوليين هو حمل المطلق على المقيد، كأن يقول في آية "أعتقوا رقبة إذا فعلتم كذا"، وفي نص آخر "أعتقوا رقبة مؤمنة إذا فعلتم نفس الشيء"، فهو لا يحمل اللفظين على الآخر حتى لو اتحد السبب والموضوع بل يأخذ بالمعنى الزائد (المطلق) لأنه لا يرى تعارضا أصلا بين النصين. ولذلك فهو لم ير حمل المطلق على المقيد في: في الغنم السائمة زكاة، وفي: في أربعين شاة شاة، ولا في "حرمت عليكم الميتة والدم" و "دما مسفوحا" وكذا في المثال الذي تفضَّلت بذكره: "فإن زادت"...و"فإن زادت واحدة" فأخذ بمطلق الزيادة بواحدة أو بأقل منها، وهو في هذا مخالف للأصوليين اللذين أطبقوا على التمثيل بتحريم الدم المسفوح على حمل المطلق على المقيد. وقال عكرمة: لولا هذه الآية لتتبع الناس الدم في العروق كما فعلت يهود.
وهذا ما قصدناه بقولنا إن ابن حزم لا يحمل المطلق على المقيد بل العكس.
وحرف المسألة أن القول بحمل المطلق على المقيد ينبني على اعتبار المفهوم المخالف للقيد ومن ثم تقييد الإطلاق بهذا المفهوم، ولأن ابن حزم ينكر العمل بالمفهوم المخالف الذي يسميه دليل الخطاب فهو بالضرورة سينكر حمل المطلق على المقيد إذا لم يتنافيا. والله أعلم.
 

كمال يسين المسلم

:: مطـًـلع ::
إنضم
30 أبريل 2009
المشاركات
104
الإقامة
الجزائر
الجنس
ذكر
التخصص
الإعلام الآلي
الدولة
الجزائر
المدينة
الجزائر
المذهب الفقهي
مسلم
رد: المطلق و المقيد و تطبيقات ابن حزم عليها

جزاكم الله خيرا
الأمثلة التي ذكرت أخي الكريم هي من تخصيص العام لا من تقييد المطلق، وهذه لا يختلف فيها ابن حزم مع الأصوليين، لأنه ثمة تعرض ظاهري بين النصوص لا يرتفع إلا بالتخصيص.
ما يختلف فيه ابن حزم مع الأصوليين هو حمل المطلق على المقيد، كأن يقول في آية "أعتقوا رقبة إذا فعلتم كذا"، وفي نص آخر "أعتقوا رقبة مؤمنة إذا فعلتم نفس الشيء"، فهو لا يحمل اللفظين على الآخر حتى لو اتحد السبب والموضوع بل يأخذ بالمعنى الزائد (المطلق) لأنه لا يرى تعارضا أصلا بين النصين. ولذلك فهو لم ير حمل المطلق على المقيد في: في الغنم السائمة زكاة، وفي: في أربعين شاة شاة، ولا في "حرمت عليكم الميتة والدم" و "دما مسفوحا" وكذا في المثال الذي تفضَّلت بذكره: "فإن زادت"...و"فإن زادت واحدة" فأخذ بمطلق الزيادة بواحدة أو بأقل منها، وهو في هذا مخالف للأصوليين اللذين أطبقوا على التمثيل بتحريم الدم المسفوح على حمل المطلق على المقيد. وقال عكرمة: لولا هذه الآية لتتبع الناس الدم في العروق كما فعلت يهود.
وهذا ما قصدناه بقولنا إن ابن حزم لا يحمل المطلق على المقيد بل العكس.
وحرف المسألة أن القول بحمل المطلق على المقيد ينبني على اعتبار المفهوم المخالف للقيد ومن ثم تقييد الإطلاق بهذا المفهوم، ولأن ابن حزم ينكر العمل بالمفهوم المخالف الذي يسميه دليل الخطاب فهو بالضرورة سينكر حمل المطلق على المقيد إذا لم يتنافيا. والله أعلم.
جزاك الله خيرا على التوضيح. و اعلم أن موضوع المطلق و المقيد و الخاص و العام , بدأت البحث فيه منذ تقريبا شهرين فقط, و لذلك قد أقع في بعض التخليط, و لا أنكر أنه عندما كنت أبحث في الموضوع قرأت لبعض ما كتبتموه , في بعض المواقع و استفدت منها كثيرا, و جاءت الفرصة الآن لأطرح استفساراتي:
أولا:
ابن حزم لم يكن يفرق بين المطلق و العام , أو بين الخاص و المقيد, هذا ما فهمته, فما يصطلح عليه المتأخرون بأنه مطلق, يدخله ابن حزم في العام, هذا فهمي,
ثانيا:
في التخصيص أو في التقييد يهمه إن كان تعارض أم,لم يكن

فإن لم يكن تعارض أخذ بالعموم
و إن كان تعارض أخذ بالخاص .
ثالثا:إن كان إطلاقنا على نصين أنهما من باب المطلق و المقيد هو ما لم يكن تعارض, فنعم ابن حزم لا يحمل المطلق على المقيد.
رابعا:
أعتقوا رقبة إذا فعلتم كذا"، "أعتقوا رقبة مؤمنة إذا فعلتم نفس الشيء"
لا يوجد تعارض ,
لكن لو كان النصين
"أعتقوا رقبة إذا فعلتم كذا"، وفي نص آخر "لا تعتقوا إلا رقبة مؤمنة إذا فعلتم نفس الشيء".
فهنا, هل هذا من باب المطلق و المقيد, أم من باب العام و الخاص,
فمهما يكن, فالتعارض واضح. فوجب التقييد أو التخصيص.
خامسا:
أما مسألة الدم و الدم المسفوح, فابن حزم أدخلها في باب العموم
و أرى أن في الآيتين تعارض
و أعيد ما ذكرته حول هذه الآية
قوله عز و جل"قل لا أجد في ما أوحي ..."الآية,إخبار بأن ما عدا المسفوح حلال, فتعارض مع تحريمه العام للدم, ولولا النسخ لكان الواجب أن يستثنى الأقل معاني من الأكثر.
و حتى لو لم يعلم تاريخ نزول الآيتين لكان بالإمكان أن نعرف المتقدم و المتأخر
فآية الأنعام تدل على عدم حرمة غير الميتة و الدم المسفوح و لحم الخنزير و ما أهل لغير الله,
أمّا آية المائدة , ففيها حرمة الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما أهل لغير الله, و المنخنقة و الموقوذة و المتردية و النطيحة و ما أكل السبع ..
فهنا نحن في أحد الوجوه التي ذكرها ابن حزم في فصل في ما ادعاه قوم من تعارض النصوص: و هي أن يكون أحد النصين حاظرا لما أبيح في النص الآخر بأسره, أو يكون أحدهما موجبا و الآخر مسقطا لما وجب في هذا النص بأسره
قال ابن حزم:فالواجب في هذا النوع أن ننظر إلى النص الموافق لما كنا عليه لو لم يرد واحد منهما فنتركه و نأخذ بالآخر انتهى.
إلى أن قال:
و نحن على يقين مقطوع به من أن المخالف لمعهود الأصل هو الناسخ لا شك و لا مرية عند الله تعالى.انتهى
فإذا نحن أمام حالة بحيث أحد النصين(و هي آية المائدة) حاظرا(من تحريم ما أكل السبع..) لما أبيح في النص الآخر(آية الأنعام),
و بالتالي الواجب أن ننظر إلى النص الموافق لما كنّا عليه لو لم يرد واحد منهما فنتركه و نأخذ بالآخر,
و النص الموافق لما كنّا عليه لو لم يرد واحد منهما,هو الذي فيه نفي الحرمة عن ما أكل السبع و الموقوذة و...و هي آية الأنعام,و كان النص الآخر هو المخالف لمعهود الأصل فهو الناسخ, فوجب الأخذ به,فإذا أخذنا به أخذنا بحرمة عموم الدّم.

أمّا لو كانت آية المائدة لم تذكر إلا تحريم الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما أهل لغير الله, و لم يعلم المتقدم و المتأخر, لكان الواجب تخصيص التحريم بالدم المسفوح.
 
أعلى