رد: هل يجوز عند اهل الأصول إثبات اللغة بالحديث
الأخ المكرم محمد بن عبد الله بن محمد
أما قولك : [كما أني لا أعلم أحدًا يمنع من الاحتجاج بحديث رسول الله في إثبات كلمة من لغة العرب].
فأقول :
قال السيوطي في كتابه (( الاقتراح في علم أصول النحو )) (ص 29) : [ وأما كلامه صلى الله عليه وسلم فيستدل منه بما ثبت أنه قاله على اللفظ المروي ، وذلك نادر جداً ، إنما يوجد في الأحاديث القصار على قلة أيضاً ، فإن غالب الأحاديث مروي بالمعنى ، وقد تداولتها الأعاجم والمولدون قبل تدوينها ، فرووها بما أدت إليه عباراتهم ، فزادوا ونقصوا ، وقدموا وأخروا ، وأبدلوا ألفاظاً بألفاظ ، ولهذا ترى الحديث الواحد في القصة الواحدة مروياً على أوجه شتى بعبارات مختلفة ، ومن ثم أُنكر على ابن مالك[SUP](
[1])[/SUP] إثباته القواعد النحوية بالألفاظ الواردة في الحديث ...
ومما يدل على صحة ما ذهب إليه ابن الضائع وأبو حيان أن ابن مالك استشهد على لغة ( أكلوني البراغيث )[SUP](
[2])[/SUP] بحديث الصحيحين : (( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ))[SUP](
[3])[/SUP] ، وأكثرَ من ذلك حتى صار يسميها لغة ( يتعاقبون ) ، وقد استدل به السهيلي[SUP](
[4])[/SUP] ، ثم قال : لكني أقول : إن الواو فيه علامة إضمار، لأنه حديث مختصر ، رواه البزار مطولاً مجرداً ، فقال فيه : (( إن لله تعالى ملائكة يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار بالنهار ))[SUP](
[5])[/SUP] . وقال ابن الأنباري في (( الإنصاف ))[SUP](
[6])[/SUP] في منع ( أنْ ) في خبر ( كاد ) : وأما حديث : (( كاد الفقر أنْ يكون كفراً ))[SUP](
[7])[/SUP]
فإنه من تغيير الرواة ، لأنه صلى الله عليه وسلم أفصح من نطق بالضاد ] .
وقال أبو حيان في كتابه (( التذييل والتكميل في شرح التسهيل ))[SUP](
[8])[/SUP] : [ قد لهج هذا المصنف في تصانيفه من الاستدلال بما وقع في الحديث في إثبات القواعد الكلية في لسان العرب ، وما رأيت أحداً من المتقدمين ولا من المتأخرين سلك هذه الطريقة غير هذا الرجل . على أن الواضعين الأولين لعلم النحو ، المستقرئين الأحكام من لسان العرب كأبي عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر والخليل بن أحمد وسيبويه من أئمة البصريين ، وكمعاذ والكسائي والفراء وعلي بن المبارك الأحمر وهشام الضرير من أئمة الكوفين لم يفعلوا ذلك ، وتبعهم على ذلك المسلك المتأخرون ، وغيرهم من نحاة الأقاليم كنحاة بغداد وأهل الأندلس[SUP](
[9])[/SUP] .
وقد جرى الكلام في ذلك مع بعض المتأخرين الأذكياء فقال: إنما تنكبت العلماء ذلك لعدم وثوقهم أن ذلك لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم ، إذ لو وثقوا بذلك لجرى مجرى القرآن الكريم في إثبات القواعد الكلية . وإنما كان ذلك لأمرين :
أحدهما : أن الرواة جوزوا النقل بالمعنى[SUP](
[10])[/SUP] ، فتجد قصة واحدة قد جرت في زمانه صلى الله عليه وسلم ، فقال فيه لفظاً واحداً فنقل بأنواع من الألفاظ بحيث يجزم الإنسان بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل تلك الألفاظ جميعها نحو ما روي من قوله : (( زوجتكها بما معك من القرآن ))[SUP](
[11])[/SUP] ، (( ملكتكها بما معك من القرآن ))[SUP](
[12])[/SUP] ، وغير ذلك من الألفاظ[SUP](
[13])[/SUP] الواردة في هذه القصة ، فنعلم قطعاً أنه لم يلفظ بجميع هذه الألفاظ ، بل لا نجزم أنه قال بعضها ، إذ يحتمل أنه قال لفظاً مرادفاً لهذه الألفاظ
غيرها ، فأتت الرواة بالمرادف إذ هو جائز عندهم النقل بالمعنى ، ولم يأتوا بلفظه صلى الله عليه وسلم ، إذ المعنى هو المطلوب ، لا سيما مع تقادم السماع ، وعدم ضبطه بالكتابة ، والاتكال على الحفظ ، والضابط منهم من ضبط المعنى ، وأما من ضبط اللفظ فبعيد جداً لا سيّما في الأحاديث الطوال التي لم يسمعها الراوي إلا مرة واحدة ولم تُمْلَ عليه فيكتبها .
وقد قال سفيان الثوري : (( إن قلت لكم إني أحدثكم كما سمعت فلا تصدقوني ، إنما هو المعنى ))[SUP](
[14])[/SUP] . ومن نظر في الحديث أدنى نظر علم العلم اليقين أنهم إنما يروون بالمعنى .
الأمر الثاني : أنه وقع اللحن كثيراً فيما روي من الحديث ، لأن كثيراً من الرواة كانوا غير عرب بالطبع ، ولا تعلموا لسان العرب بصناعة النحو ، فوقع اللحن في نقلهم وهم لا يعلمون ذلك ، ووقع في كلامهم وروايتهم غير الفصيح من لسان العرب[SUP](
[15])[/SUP] . ونعلم قطعاً من غير شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أفصح الناس[SUP](
[16])[/SUP] فلم يكن يتكلم إلا بأفصح اللغات وأحسن التراكيب وأشهرها وأجزلها ، وإذا تكلم بلغة غير لغته فإنما يتكلم بذلك مع أهل تلك اللغة على طريقة الإعجاز ، وتعليم الله ذلك له من غير معلم إنساني ...
والمصنف[SUP](
[17])[/SUP] رحمه الله قد أكثر من الاستدلال بما أثر في الأثر متعقباً بزعمه على النحويين ، وما أمعن النظر في ذلك ، ولا صحب من له التمييز في هذا الفن والاستبحار والإمامة[SUP](
[18])[/SUP] ...
وقال لنا قاضي القضاة أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جماعة الكناني الحموي[SUP](
[19])[/SUP] وكان ممن قرأ على المصنف وكتب عنه نكتاً على مقدمة ابن الحاجب ، وقد جرى ذكر ابن مالك واستدلاله بما أشرنا إليه ، قال له : يا سيدي ، هذا الحديث رواية الأعاجم ، ووقع فيه من روايتهم ما نعلم أنه ليس من لفظ الرسول ، فلم يجب بشيء .
وإنما أمعنت الكلام في هذه المسألة لئلا يقول مبتدئ : ما بال النحويين يستدلون بقول العرب ، وفيهم المسلم والكافر ، ولا يستدلون بما روي في الحديث بنقل العدول ، كالبخاري ومسلم وأضرابهما ؟[SUP](
[20])[/SUP] فمن طالع ما ذكرناه أدرك السبب الذي لأجله لم يستدل النحاة بالحديث ] . انتهى كلام أبي حيان بلفظه .
الهوامش
([1]) هو جمال الدين محمد بن عبد الله الطائي الشافعي ، صاحب (( الألفية )) ، توفي سنة 672 هـ ، ترجمه السيوطي في (( بغية الوعاة )) (1/130) ، والفيروزآبادي في (( البلغة )) (ص 201) ، والسبكي في (( طبقات الشافعية الكبرى )) (8/67) .
([2]) هي لغة يلحق الفعل فيها علامة التثنية أو الجمع إذا ما كان الفاعل مثنى ظاهراً أو جمعاً ظاهراً ، إذ الأصل أن يُقال : أكلتني أو أكلنني دون ضمير الجمع ، كما أن الأصل أن نقول : ذهب الزيدان ، وجاء الزيدون ، أما على هذه اللغة فيقولون : ذهبا الزيدان ، وذهبوا الزيدون ، وهي لغة تنسب إلى طيء ، وأزد شنوءة ، وبني الحارث بن كعب ، وظاهر هذه اللغة مشكل لأنها توهم أن للفعل فاعلين : الاسم الظاهر والضمير .
([3]) رواه البخاري في (( صحيحه )) (3/1178) ، ومسلم أيضاً في (( الصحيح )) (1/439) ، والنسائي في (( السنن )) (1/240) ، ومالك في (( الموطأ )) (1/170) ، وغيرهم .
([4]) أورد السهيلي هذا الحديث ، ولكنه أنكر أن تكون الواو علامة إضمار ، خلافاً لما زعم السيوطي ، قال السهيلي في (( نتائج الفكر )) (ص 166) : [ قد تلحقُ الفعل علامة للتثنية والجمع قبل ذكر الفاعلين ،
فليست حينئذ بضمير ] .
([5]) ورواه بهذا اللفظ أحمد في (( المسند )) (2/257) ، قال الحافظ في (( الفتح )) (2/34) : [ وَوَافَقَهُمْ اِبْنُ مَالِكٍ وَنَاقَشَهُ أَبُو حَيَّانَ زَاعِمًا أَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَ اِخْتَصَرَهَا الرَّاوِي ، وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ : (( إِنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ : مَلائِكَةٌ بِاللَّيْلِ ، وَمَلائِكَةٌ بِالنَّهَارِ )) الْحَدِيثَ ، وَقَدْ سُومِحَ فِي الْعَزْوِ إِلَى مُسْنَدِ الْبَزَّارِ مَعَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَالْعَزْوُ إِلَيْهِمَا أَوْلَى ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ مَالِكٌ فِي (( الْمُوَطَّأِ )) ، وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ (( يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ )) وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْهُ ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِلَفْظِ (( الْمَلائِكَةُ يَتَعَاقَبُونَ : مَلائِكَةٌ بِاللَّيْلِ ، وَمَلائِكَةٌ بِالنَّهَارِ )) ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِلَفْظِ (( إِنَّ الْمَلَائِكَةَ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ )) فَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَبِي الزِّنَادِ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ تَارَةً يَذْكُرُهُ هَكَذَا وَتَارَةً هَكَذَا ،
فَيُقَوِّي بَحْثَ أَبِي حَيَّان ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ غَيْرَ الأَعْرَجِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَدْ رَوَوْهُ تَامًّا فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَة لَكِنْ بِحَذْفِ ( إِنَّ ) مِنْ أَوَّلِهِ ، وَأَخْرَجَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ وَالسَّرَّاجُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ (( إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَتَعَاقَبُونَ )) وَهَذِهِ هِيَ الطَّرِيقَةُ الَّتِي أَخْرَجَهَا الْبَزَّارُ ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ (( إِنَّ الْمَلَائِكَةَ فِيكُمْ يَتَعَقَّبُونَ )) ] .
وملخص القول أن هذا الحديث قد اختلفت روايته في الصحيحين ، والرواية الثانية تعكر الاستدلال على لغة ( أكلوني البراغيث ) ، فيصبح الاستدلال بالحديث ضعيفاً ، وقول السيوطي : رواه البزار مطولاً مجرداً ، أي أن الفعل مجرد عن علامة الجمع الموجودة مع الاسم الظاهر لعدم إسناده إلى الظاهر بل إلى الضمير ، كما قال الصبان في (( حاشيته )) (2/68) .
([6]) انظر (( الإنصاف )) (2/567) ، وعبارة الأنباري هناك : [ فإن صح فزيادة ( أنْ ) من كلام الراوي لا من كلامه عليه السلام ... ] .
([7]) رواه القضاعي في (( مسند الشهاب )) (1/342) ، والبيهقي في (( شعب الإيمان )) (5/267) ، والأصبهاني في (( حلية الأولياء )) (3/53) و(3/109) و (8/253) ، وأخرجه العقيلي في (( الضعفاء )) (4/206) ، قال ابن الجوزي في (( العلل المتناهية )) : [ هذا حديث لا يصح عن رسول الله ] ، وضعف إسناده السخاوي في (( المقاصد الحسنة )) (ص 311) ، والعجلوني أيضاً في (( كشف الخفاء )) (2/141) .
وهذه مشكلة !! فبعضهم يحتج بحديث ، ولا يكون صحيحاً !!!
([8]) هذا الكتاب من مخطوطات دار الكتب المصرية ( رقم 62 نحو ) وموضع هذا النص فيه (5/168-170) ، ونقله أيضاً السيوطي في (( الاقتراح )) (ص 29-31) ، وعبد القادر البغدادي في (( خزانة الأدب )) .
([9]) ولا يخرم ذلك أن يُقال أن سيبويه أورد في (( الكتاب )) قرابة سبعة أحاديث أو أكثر بقليل ، لأن ذلك على سبيل التقوية والاعتضاد بعد أن يقرر القاعدة ويُحْكِم القول ، فقد قال مثلاً في (( الكتاب )) (1/74) : [ ومما يُقوّي ترك نحو هذا لعلم المخاطَب ... ومثل ذلك (( ونخلع ونترك من يفجرك )) ] ، وكذا فعل السيرافي في (( شرح كتاب سيبويه )) ، بل إن حامل لواء الاعتراض على الاحتجاج بالحديث في اللغة أعني أبا حيان قد أورد من الحديث ما يؤيد قوله تقوية له كما في (( البحر المحيط )) في تفسير سورة البقرة ( الآية 245 ) ما نصه : [ وذهب بعض النحويين إلى أنه : إذا كان الاستفهام عن المسند إليه الحكم ، لا عن الحكم ، فلا يجوز النصب بإضمار أن بعد الفاء في الجواب ،
فهو محجوج بهذه القراءة المتواترة ، وقد جاء في الحديث : (( من يدعوني فأستجيب له ، من يستغفرني فأغفر له )) ] .
فانظر كيف احتج بالقرآن ثم أتى بالحديث ، وهذا ما عليه المانعون للاحتجاج ، فإنهم لا يمنعون أن يُأتى بالحديث تقوية للشواهد ، أما أن يُبنى عليه الأصل فلا .
([10]) قال الحافظ في (( الفتح )) (9/415) : [ وَفِيهِ جَوَاز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى وَالاخْتِصَار مِنْ الْحَدِيث ، والاقتِصَار عَلَى بَعْضه بِحَسَبِ الْحَاجَة ، فَإِنَّ الْوَاقِعَة وَاحِدَة وَقَدْ رُوِيَتْ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَة وَزَادَ بَعْض الرُّوَاة مَا لَمْ يَذْكُر الآخَر وَلَمْ يَقْدَح ذَلِكَ فِي صِحَّته عِنْد أَحَدِ الْعُلَمَاء ] .
([11]) رواه البخاري في (( الصحيح )) (4/1919) ، والترمذي في (( السنن )) (3/421) ، وأبو داود في (( سننه )) (2/236) ، وغيرهم .
([12]) رواه البخاري في (( الصحيح )) (4/1920) و (5/1956) و (5/1969) ، والنسائي في (( السنن الكبرى )) (3/312) و (3/320) ، وأبو يعلى في (( مسنده )) (13/532) ، وغيرهم .
([13]) كرواية : (( أملكتكها )) كما عند أحمد في (( المسند )) (5/334) ، والبيهقي في (( السنن الكبرى )) (7/144) ، وعبد الرزاق في (( المصنف )) (7/77) ، والطبراني في (( المعجم الكبير )) (6/181) .
وهناك رواية : (( أنكحتكها )) ، وهي عند البخاري في (( الصحيح )) (5/1977) ، والدارقطني في (( سننه )) (3/248) ، وأحمد في (( المسند )) (5/330) ، ومالك في (( الموطأ )) (2/526) .
([14]) كما في (( علل الترمذي )) (ص 746) .
([15]) ولما كثر الوهم بين الرواة والمحدثين قام أهل العلم لاستدراك أغلاطهم والتنبيه عليها فصنفوا المصنفات في ذلك ، فألف الإمام أبو سليمان الخطابي (ت 388 هـ) كتاب (( إصلاح غلط المحدثين )) ، وهو تقويم لما وقع فيه المحدثون من اللحن في العربية في نقلهم للحديث .
([16]) ومن أجمل ما قيل في وصف كلام سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ما قاله الجاحظ في (( البيان والتبيين )) (1/221) وهذا نصه : [ وأنا ذاكرٌ بعد هذا فَنّاً آخرَ من كلامه صلى الله عليه وسلم ، وهو الكلام الذي قلّ عدد حروفه وكثر عدد معانيه ، وجَلَّ عن
الصَّنعة ، ونُزِّه عن التكلف ، وكان كما قال اللّه تبارك وتعالى : قل يا محمد : { وما أنا مِنَ المتَكلِّفين }(ص/86) ، فكيف وقد عابَ التشديق ، وجانب أصحاب التعقيب ، واستعمل المبسوطَ في موضع البسط ، والمقصورَ في موضع القصر ، وهَجَر الغريبَ الوحشيَّ ، ورغِبَ عن الهجين السُّوقيّ ، فلم ينطِقْ إلا عن مِيراثِ حكمَةٍ ، ولم يتكلَّم إلا بكلامٍ قد حُفَّ بالعصمة ، وشُيِّد بالتأييد ، ويُسِّرَ بالتوفيق ، وهو الكلامُ الذي ألقَى اللّه عليه المحبّةَ ، وغشَّاهُ بالقَبول ، وجمع له بين المهابة والحلاوة ، وبَيْن حُسنِ الإفهام ، وقلّة عدد الكلام ، مع استغنائه عن إعادته ، وقِلّةِ حاجة السامع إلى معاوَدته ، لم تسقط له كلمة ، ولا زَلّت به قَدَم ، ولا بارَتْ له حجَّة ، ولم يَقُم له خَصم ، ولا أفحمه خطيب ، بل يبذُّ الخُطَبَ الطِّوال بالكلِم القِصار ولا يَلتمِس إسكاتَ الخصم إلا بما يعرفه الخصم ، ولا يحتجُّ إلا بالصِّدق ولا يطلب الفَلْج إلا بالحق ، ولا يستعين بالخِلابة ، ولا يستعمل الموارَبة، ولا يهمِز ولا يَلْمِز ، ولا يُبْطِيءُ ولا يَعْجَل ، ولا يُسْهِب ولا يَحْصَر ، ثم لم يَسْمع الناسُ بكلامٍ قَطّ أعمَّ نفعاً ، ولا أقصَدَ لفظاً ، ولا أعدلَ وزناً ، ولا أجملَ مذهباً ، ولا أكرَم مطلباً ، ولا أحسنَ موقعاً ، ولا أسهل مخرجاً ، ولا أفصح معنًى ، ولا أبين في فحوَى ، من كلامه صلى الله عليه وسلم كثيراً ] .
([17]) يقصد أبو حيان بالمصنف : ابن مالك الأندلسي .
([18]) قال السيوطي في (( بغية الوعاة )) (1/130) في ترجمة ابن مالك : [ وقال أبو حيان : بحثت عن شيوخه فلم أجد له شيخاً يعتمد عليه ، ويُرجع في حل المشكلات إليه ، إلا أن بعض تلامذته ذكر أنه قال : قرأت على ثابت بن حيان بحيّان ، وجلست في حلقة أبي علي الشَّلوْبين نحواً من ثلاثة عشر يوماً ، ولم يكن ثابت بن حيان من الأئمة النحويين ، وإنما كان من أئمة المقرئين .
قال : وكان ابن مالك لا يحتمل المباحثة ، ولا يثبتُ للمناقشة ، لأنه إنما أخذ هذا العلم بالنظر فيه بخاصة نفسه ، هذا مع كثرة ما اجتناه من ثمرة غرسه ] .
([19]) ولد سنة 639 هـ وتوفي سنة 733 هـ ، سمع منه التاج السبكي ، له ترجمة في (( طبقات الشافعية الكبرى )) (9/139) ، وفي (( الدرر الكامنة )) (5/4) .
([20]) ولقد طرح مثل هذا الإشكال ابن حزم في (( الفصل في الملل والنحل )) (3/108-109) ، وكلامه ليس بشيء في هذا المقام .