د.محمد جمعة العيسوي
عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر
- إنضم
- 12 يونيو 2008
- المشاركات
- 212
- الكنية
- ابو عبد الله
- التخصص
- الفقه
- المدينة
- محافظة كفر الشيخ
- المذهب الفقهي
- الشافعي
الحمد لله رب العالمين حمداً يوافي نعمه، ويكافىء مزيده ، الصلاة والسلام على سيدنا محمد عبده ورسوله .
أما بعد:
فلقد قيض الله لهذه الأمة من وهب حياته، وفكره لعلم الفقه، وقد كان من أبرز النجوم في هذا المضمار العالم الفذ الإمام– الشافعي -t- وقد أُخِذ عنه فقه كثير, وكان من فقهه الجديد، والقديم، وقد يلاحظ من له عناية بفقه الإمام الشافعي-t- أن هناك خطاً فكرياً واحداً ينتظم فيه كل نتاج الإمام الشافعي-t- الفقهي دون تغيير أو تبديل هذا الخط الفكري هو ما يسمى بالمنهج الفقهي، ويظهر تأثير منهجه الفقهي في انتظام فروعه على أصولها دون اضطراب ، فما يقرره الإمام الشافعي-t- كأصل من أصوله لا يخرج عنه في مسألة من المسائل لغرض من الأغراض، و لا يقرر أصلا إلا بعد الاستقراء التام للأدلة التي يثبت بها الأصل،كما يلاحظ أن منهجا علميا قد وضعه الإمام الشافعي-t- لنقد نتاج غيره الفقهي ، فلا هو يقبل قبولا مطلقا ، ولا هو يرفض دون مبرر لرفضه بل يبين سبب قبوله أو رفضه كل ذلك في عرض متميز بمنهج ثابت غير مضطرب .
غير أن هذا الخط الفكري الفقهي المنتظم سواء في التصنيف أو النقد لم يدفع الإمام الشافعي - t - إلى التعصب الممقوت أو النظر إلى مخالفيه بعين الاحتقار ، وليست هذه الدعوى مدحا عاريا عن الدليل بل ستقف واثقا من هذا بعد قراءتك هذا النص الذي أورده في كتابه الأم لتسلم بما تقدم ، فقد ذكر فيمن لا ترد شهادتهم عنده بعضا ممن يخالفون الجمهور - وهو منهم - في بعض مسائل الفقه التي لو قيل لبعض طلاب العلم اليوم ما رأيكم فيمن يقول بهذا الكلام لسمعت ألفاظ التكفير والتفسيق والتبديع ، يقول الإمام الشافعي : " وَالْمُسْتَحِلُّ لِنِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَالْمُفْتِي بِهَا وَالْعَامِلُ بِهَا مِمَّنْ لاَ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ , وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مُوسِرًا فَنَكَحَ أَمَةً مُسْتَحِلًّا لِنِكَاحِهَا مُسْلِمَةً أَوْ مُشْرِكَةً لِأَنَّا نَجِدُ مِنْ مُفْتِي النَّاسِ وَأَعْلاَمِهِمْ مَنْ يَسْتَحِلُّ هَذَا وَهَكَذَا الْمُسْتَحِلُّ الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ وَالدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ يَدًا بِيَدٍ وَالْعَامِلُ بِهِ لِأَنَّا نَجِدُ مِنْ أَعْلاَمِ النَّاسِ مَنْ يُفْتِي بِهِ وَيَعْمَلُ بِهِ وَيَرْوِيه , وَكَذَلِكَ الْمُسْتَحِلُّ لِإِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ فَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَنَا مَكْرُوهٌ مُحَرَّمٌ ، وَإِنْ خَالَفْنَا النَّاسَ فِيهِ فَرَغِبْنَا عَنْ قَوْلِهِمْ وَلَمْ يَدْعُنَا هَذَا إلَى أَنْ نَجْرَحَهُمْ وَنَقُولَ لَهُمْ : إنَّكُمْ حَلَّلْتُمْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَأَخْطَأْتُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ يَدَّعُونَ عَلَيْنَا الْخَطَأَ كَمَا نَدَّعِيه عَلَيْهِمْ وَيَنْسِبُونَ مَنْ قَالَ قَوْلَنَا إلَى أَنَّهُ حَرَّمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ " [SUP]([SUP][1][/SUP])[/SUP].
ولا يعني هذا أنه يجوز عند الشافعي أن يفتى الناس بأن هذه الأمور جائزة أو حلال بل هي حرام كما نص " فَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَنَا مَكْرُوهٌ مُحَرَّمٌ " لكنه مع ذلك يحترم الاختلاف في الرأي فلا يندفع إلى إسقاط عدالة مخالفيه أو رميهم بالفسق والضلال عن الحق من غير أن يدعوه ذلك إلى الفتوى بقولهم أو الترخص بقولٍ يرى أنه حرام فضلا عن أن يخير العامي بين فعلين أحدهما حرام في نظره ، فقد ظن بعضنا أن الانضباط في الفتوى يعني التعصب والجمود ، كما ظنوا أن الإفتاء بمقتضى مذهب رجح عنده هو نوع من تضيق الواسع ، وربما سمع بعضنا من يخيّر العوام في اختيار رأي من الآراء الفقهية ، فيقول لهم : في المسألة قولان أو ثلاثة أو أربعة ، ثم يقول للعامي :" اختر ما شئت منهم " !!. مدعيا أن ذلك من التخفيف على الناس مع أنه في فعله هذا يخالف ما تقرر عند أهل التحقيق
يقول الإمام النووي -رحمه الله تعالى- : " يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْتَصِرَ فِي فَتْوَاهُ عَلَى قَوْلِهِ : فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ , أَوْ قَوْلَانِ , أَوْ وَجْهَانِ , أَوْ رِوَايَتَانِ , أَوْ يُرْجَعُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي , وَنَحْوِ ذَلِكَ , فَهَذَا لَيْسَ بِجَوَابٍ , وَمَقْصُودُ الْمُسْتَفْتِي بَيَانُ مَا يَعْمَلُ بِهِ , فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْزِمَ لَهُ بِمَا هُوَ الرَّاجِحُ , فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ تَوَقَّفَ حَتَّى يَظْهَرَ , أَوْ يَتْرُكَ الْإِفْتَاءَ " [SUP]([SUP][2][/SUP])[/SUP]
ويقول الإمام الشاطبي -رحمه الله تعالى- :"... ومتى خيرنا المقلدين في مذاهب الأئمة لينتقوا منها أطيبها عندهم لم يبق لهم مرجع إلا اتباع الشهوات في الاختيار ، وهذا مناقض لمقصد وضع الشريعة فلا يصح القول بالتخيير على حال " [SUP]([SUP][3][/SUP])[/SUP] .
([1])- الأم ، ج 7/ 511 ، ط. دار الوفاء .
([2])- المجموع شرح المهذب ، ج 1/ 47 ، ط . دار الفكر .
([3])- الموافقات للشاطبي ، ج 4/ 130 ، ط . دار المعرفة .
أما بعد:
فلقد قيض الله لهذه الأمة من وهب حياته، وفكره لعلم الفقه، وقد كان من أبرز النجوم في هذا المضمار العالم الفذ الإمام– الشافعي -t- وقد أُخِذ عنه فقه كثير, وكان من فقهه الجديد، والقديم، وقد يلاحظ من له عناية بفقه الإمام الشافعي-t- أن هناك خطاً فكرياً واحداً ينتظم فيه كل نتاج الإمام الشافعي-t- الفقهي دون تغيير أو تبديل هذا الخط الفكري هو ما يسمى بالمنهج الفقهي، ويظهر تأثير منهجه الفقهي في انتظام فروعه على أصولها دون اضطراب ، فما يقرره الإمام الشافعي-t- كأصل من أصوله لا يخرج عنه في مسألة من المسائل لغرض من الأغراض، و لا يقرر أصلا إلا بعد الاستقراء التام للأدلة التي يثبت بها الأصل،كما يلاحظ أن منهجا علميا قد وضعه الإمام الشافعي-t- لنقد نتاج غيره الفقهي ، فلا هو يقبل قبولا مطلقا ، ولا هو يرفض دون مبرر لرفضه بل يبين سبب قبوله أو رفضه كل ذلك في عرض متميز بمنهج ثابت غير مضطرب .
غير أن هذا الخط الفكري الفقهي المنتظم سواء في التصنيف أو النقد لم يدفع الإمام الشافعي - t - إلى التعصب الممقوت أو النظر إلى مخالفيه بعين الاحتقار ، وليست هذه الدعوى مدحا عاريا عن الدليل بل ستقف واثقا من هذا بعد قراءتك هذا النص الذي أورده في كتابه الأم لتسلم بما تقدم ، فقد ذكر فيمن لا ترد شهادتهم عنده بعضا ممن يخالفون الجمهور - وهو منهم - في بعض مسائل الفقه التي لو قيل لبعض طلاب العلم اليوم ما رأيكم فيمن يقول بهذا الكلام لسمعت ألفاظ التكفير والتفسيق والتبديع ، يقول الإمام الشافعي : " وَالْمُسْتَحِلُّ لِنِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَالْمُفْتِي بِهَا وَالْعَامِلُ بِهَا مِمَّنْ لاَ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ , وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مُوسِرًا فَنَكَحَ أَمَةً مُسْتَحِلًّا لِنِكَاحِهَا مُسْلِمَةً أَوْ مُشْرِكَةً لِأَنَّا نَجِدُ مِنْ مُفْتِي النَّاسِ وَأَعْلاَمِهِمْ مَنْ يَسْتَحِلُّ هَذَا وَهَكَذَا الْمُسْتَحِلُّ الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ وَالدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ يَدًا بِيَدٍ وَالْعَامِلُ بِهِ لِأَنَّا نَجِدُ مِنْ أَعْلاَمِ النَّاسِ مَنْ يُفْتِي بِهِ وَيَعْمَلُ بِهِ وَيَرْوِيه , وَكَذَلِكَ الْمُسْتَحِلُّ لِإِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ فَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَنَا مَكْرُوهٌ مُحَرَّمٌ ، وَإِنْ خَالَفْنَا النَّاسَ فِيهِ فَرَغِبْنَا عَنْ قَوْلِهِمْ وَلَمْ يَدْعُنَا هَذَا إلَى أَنْ نَجْرَحَهُمْ وَنَقُولَ لَهُمْ : إنَّكُمْ حَلَّلْتُمْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَأَخْطَأْتُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ يَدَّعُونَ عَلَيْنَا الْخَطَأَ كَمَا نَدَّعِيه عَلَيْهِمْ وَيَنْسِبُونَ مَنْ قَالَ قَوْلَنَا إلَى أَنَّهُ حَرَّمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ " [SUP]([SUP][1][/SUP])[/SUP].
ولا يعني هذا أنه يجوز عند الشافعي أن يفتى الناس بأن هذه الأمور جائزة أو حلال بل هي حرام كما نص " فَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَنَا مَكْرُوهٌ مُحَرَّمٌ " لكنه مع ذلك يحترم الاختلاف في الرأي فلا يندفع إلى إسقاط عدالة مخالفيه أو رميهم بالفسق والضلال عن الحق من غير أن يدعوه ذلك إلى الفتوى بقولهم أو الترخص بقولٍ يرى أنه حرام فضلا عن أن يخير العامي بين فعلين أحدهما حرام في نظره ، فقد ظن بعضنا أن الانضباط في الفتوى يعني التعصب والجمود ، كما ظنوا أن الإفتاء بمقتضى مذهب رجح عنده هو نوع من تضيق الواسع ، وربما سمع بعضنا من يخيّر العوام في اختيار رأي من الآراء الفقهية ، فيقول لهم : في المسألة قولان أو ثلاثة أو أربعة ، ثم يقول للعامي :" اختر ما شئت منهم " !!. مدعيا أن ذلك من التخفيف على الناس مع أنه في فعله هذا يخالف ما تقرر عند أهل التحقيق
يقول الإمام النووي -رحمه الله تعالى- : " يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْتَصِرَ فِي فَتْوَاهُ عَلَى قَوْلِهِ : فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ , أَوْ قَوْلَانِ , أَوْ وَجْهَانِ , أَوْ رِوَايَتَانِ , أَوْ يُرْجَعُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي , وَنَحْوِ ذَلِكَ , فَهَذَا لَيْسَ بِجَوَابٍ , وَمَقْصُودُ الْمُسْتَفْتِي بَيَانُ مَا يَعْمَلُ بِهِ , فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْزِمَ لَهُ بِمَا هُوَ الرَّاجِحُ , فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ تَوَقَّفَ حَتَّى يَظْهَرَ , أَوْ يَتْرُكَ الْإِفْتَاءَ " [SUP]([SUP][2][/SUP])[/SUP]
ويقول الإمام الشاطبي -رحمه الله تعالى- :"... ومتى خيرنا المقلدين في مذاهب الأئمة لينتقوا منها أطيبها عندهم لم يبق لهم مرجع إلا اتباع الشهوات في الاختيار ، وهذا مناقض لمقصد وضع الشريعة فلا يصح القول بالتخيير على حال " [SUP]([SUP][3][/SUP])[/SUP] .
([1])- الأم ، ج 7/ 511 ، ط. دار الوفاء .
([2])- المجموع شرح المهذب ، ج 1/ 47 ، ط . دار الفكر .
([3])- الموافقات للشاطبي ، ج 4/ 130 ، ط . دار المعرفة .