العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

حديث الصلاة في بني قريظة و دلالته على الأخذ بظاهر أوامر النبي صلى الله عليه و سلم

كمال يسين المسلم

:: مطـًـلع ::
إنضم
30 أبريل 2009
المشاركات
104
الإقامة
الجزائر
الجنس
ذكر
التخصص
الإعلام الآلي
الدولة
الجزائر
المدينة
الجزائر
المذهب الفقهي
مسلم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على رسوله الأمين
فيما يلي ما أعتقده في مسألة تصرف الصحابة رضوان الله تعالى عليهم مع حديث الصلاة في بني قريظة:
عن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: قال النبي ، صلى الله عليه وسلم، يوم الأحزاب: لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة، فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم: بل نصلّي لم يُرد منا ذلك فذُكر ذلك للنبي ، صلى الله عليه وسلم، فلم يعنِّف واحداً منهم "رواه البخاري 4119.

في هذا الحديث قال بعضهم:
أنّ فريقا من الصحابة أخذوا بظاهر اللفظ, و الفريق الآخر أخذ بالمعاني,
و في الحقيقة أن كلا الفريقين أخذ بظاهر اللفظ.
و إنما توصلوا لذلك لعدم اختيارهم الحيز الملائم لاستقراء ما جرى.
و كان من الممكن أن يأتي آخر و بنفس الاستدلال يتوصل إلى أن الفريق الذي قالوا عنه أخذ بظاهر اللفظ هو الذي أخذ بالتعليل و المعاني, و الفريق الذي قالوا عنه أنه أخذ بالتعليل هو الذي أخذ بظاهر اللفظ.
أما الشيء الذي أداهم إلى أن يقولوا أن الفريق الأول أخذ بمبدأ التعليل , و الآخر بظاهر اللفظ, فهو لأنهم دخلوا حيزا متكونا من قوله صلى الله عليه و سلم"لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة",و من فعل الصحابة رقم 1, و من فعل الصحابة رقم 2.
فنظروا إلى هذا الحيز, فظنوا أن الصحابة رقم 1 أخذوا بمبدأ التعليل, و أن الفريق رقم 2 أخذ بظاهر اللفظ,
و لو أنهم دخلوا حيزا متكونا من حديث أوقات الصلوات, و من فعل الفريق 1 , و من فعل الفريق 2, لعكسوا الأمر و قالوا أن الفريق رقم 1 أخذ بالظاهر , و الفريق 2 بالتعليل.
إلا أنه كلا الاستدلالين خاطئ,
فالصحابة عندما كانوا في طريقهم إلى بني قريظة, و في لحظة من اللحظات , و لنجعل هذه اللحظة هي آخر وقت العصر, ففي هذه اللحظة, و كأن الصحابة يسمعون لأمرين و ليس لأمر واحد, يسمعون لأمر النبي صلى الله عليه و سلم لأداة صلاة العصر الذي هو في وقت محدد, و يسمعون لأمر آخر و هو أن يصلوا العصر في بني قريظة.فأمر يقول لهم صلوا العصر الآن, و أمر يقول لهم لا تصلوها الآن, و لا يمكن لأحد أن يفعل الأمران معا, فبالتالي محال أن يكون النبي صلى الله عليه و سلم أمرهم بهذين الأمرين , فوجب أن يقال في أحد الأمرين , لم يرد النبي منا ذلك, فكما أن الفريق 1 قال هذا الأمر الثاني, فإن الفريق 2 يقولون بهذا في الأمر الأول.
قال ابن حزم في الإحكام:
فإن تعلقوا بما روي عن رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم أنه قال يوم بني قريظة لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فصلى قوم العصر قبلها وقالوا لم يرد هذا منا ,وصلاها آخرون بعد العتمة فبلغ ذلك النبي صلى الله تعالى عليه و سلم فلم يعنف واحدة من الطائفتين.
قال علي: و هذا حجة لهم فيه أيضا, ولو شغب بهذا الحديث من يرى الحق في القولين المختلفين لكان أدخل في الشغب مع أنه لا حجة لهم فيه أيضا.
فأما احتجاج من حمل الأوامر على غير الوجوب فلا حجة لهم فيه, لأنه قد كان تقدم من رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم أمر في وقت العصر أنه مذ يزيد ظل الشيء على مثله إلى أن تصفر الشمس وأن مؤخرها إلى الصفرة بغير عذر يفعل فعل المنافقين,فاقترن على الصحابة في ذلك اليوم أمران واردان واجب أن يغلب أحدهما على الآخر ضرورة. انتهى.

فقول الصحابة رضي الله تعالى عنهم" لم يرد منا ذلك" ليس تقديم مبدأ التعليل على ظاهر اللفظ, و إنما تقديم ظاهرا على ظاهر آخر.
و الذين لم يصلوا إلا في بني قريظة, رأوا أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يرد منهم في أمره بالصلاة في وقتها, أن يصلوا العصر قبل أن يصلِوا إلى بني قريظة.
فهؤلاء قدموا ظاهرا على ظاهر آخر.
فبالتالي صدر من النبي صلى الله عليه و سلم أمران ظاهر أحدهما يعارض ظاهرا آخر, و طبيعي أن يكون النبي صلى الله عليه و سلم لم يرد أحد الأمرين على ظاهره, و هذا يدخل في باب تعارض النصوص , و ليس في الأخذ بالظاهر.
فممكن أن الفريق 1 رأى أن قوله صلى الله عليه و سلم "لا يصلين أحد العصر إلى في بني قريظة"فيه حذف, و الأصل هو " لا يصلين أحد العصر في وقتها إلا بني قريظة", فممكن أن يكون حذف "في وقتها", لأن الصلاة في الوقت شيء معلوم, فكان على الصحابة الإسراع حتى يدركوا صلاة العصر في بني قريظة, فلما لم يدركوها, امتثلوا للأمر الأول على ظاهره و هو الصلاة في وقتها,و نقلوا حديث "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة "إلى ظاهر آخر, أما عدم إدراكهم للصلاة في بني قريظة فهذا غير ملامين عليه, لأنه لا يكلف الله نفسا إلا
وسعها.
أما الفريق 2, فرأوا أن حديث أوقات الصلوات فيه حذف "إلا ما أخصصه لأحدكم",فأخذوا بظاهر حديث" لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة"كما نقلوا حديث أوقات الصلوات إلى ظاهر آخر,و هذا بمبدأ استثناء أقل المعاني من الأكثر, و هو الذي أخذ به ابن حزم.
فتبين أن هذه القصة ليس فيها مبدأ عدم طاعة النص أو زيادة على نص, لتعليلٍ لم يذكره النبي صلى الله عليه و سلم.

أمّا التعليل الذي يذكره أهله هو:
لو أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يذكر أوقات الصلاة قبل تلك الحادثة,فلما بعثهم قال لهم "لا تصلين العصر إلا في بني قريظة" هل سيقول القائلون بالتعليل أن النبي صلى الله عليه و سلم أراد بذلك الإسراع, أم يأخذون النص على ظاهره؟ فهنا الفرق بين القائلين بمبدأ التعليل و الذين يأخذون بظاهر اللفظ.
 
أعلى