محمد إبراهيم عبد العزيز العبادي
:: متخصص ::
- إنضم
- 23 فبراير 2008
- المشاركات
- 48
- التخصص
- دراسات إسلامية
- المدينة
- الإسكندرية
- المذهب الفقهي
- حنبلي مع عدم التقيد
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد .
إن الشريعة الإسلامية قامت على جلب المصالح ودفع المفاسد ، وهي الشريعة التي جمعت بين حفظ الدين وحفظ الدنيا ، ولم تعرف الانفصال بين الدين والدنيا بل شعارها : " قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) ( 1 ) .
ومن مظاهر حفظ الشريعة الغراء لمصالح العباد أنها حرمت سفر المرأة دون محرم ، فالمسافرة إن لم يكن معها محرم لربما كانت فريسة للذئاب البشرية ، كما أن المرأة تضعف عن القيام بشأنها وحدها ؛ لذلك رحمها ربها سبحانه تبارك وتعالى فاشترط لها اصطحاب المحرم في السفر ، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "لاَ تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ " ( 2 ) .
وإلى هذا الحكم ذهب جماهير العلماء رحمهم الله تعالى ، على اختلاف بينهم في بعض التفاصيل والجزئيات – كالسفر إلى حج الفريضة وكسفر العجوز ونحو ذلك من المسائل - ، وعلى اتفاق بينهم على جواز السفر دون محرم في حالات الضرورة كهروب المسلمة من دار الكفر إلى دار الإسلام ونحو ذلك من الحالات المبثوثة في كتب أهل العلم رحمهم الله تعالى وليس هذا موضع بسطها .
وكما حرم الله تبارك وتعالى عليها السفر دون محرم ، فإنه حرم عليها الخلوة بالأجانب دون محرم ؛ لما يترتب على الخلوة من مفاسد لا تخفى على عاقل فضلًا عن مسلم !!
فعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ " ( 3 ) .
والسؤال الذي نطرحه : هل يشترط في المحرم البلوغ ؟؟
أولًا : ما تعريف المحرم وما تعريف البلوغ ؟؟
الْمَحْرَمُ فِي اللُّغَةِ : الْحَرَامُ ، وَالْحَرَامُ : ضَدُّ الْحَلاَل ، وَيُقَال : هُوَ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا : إِذَا لَمْ يَحِل لَهُ نِكَاحُهَا وَرَحِمٌ مَحْرَمٌ : مُحَرَّمٌ تَزَوُّجُهَا ، وَفِي الْمُعْجَمِ الْوَسِيطِ : الْمَحْرَمُ : ذُو الْحُرْمَةِ .
وَمِنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَال الَّذِي يَحْرُمُ التَّزَوُّجُ بِهِ لِرَحِمِهِ وَقَرَابَتِهِ وَمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَالْجَمْعُ مَحَارِمُ .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ : الْمَحْرَمُ مَنْ لاَ يَجُوزُ لَهُ مُنَاكَحَتُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِقَرَابَةٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ صِهْرِيَّةٍ . ( 4 ) .
- و قال العلامة ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى :
" المحرم الذي يجوز معه السفر والخلوة: كل من حرم نكاح المرأة عليه لحرمتها على التأبيد بسبب مباح فقولنا على التأبيد احترازا من أخت الزوجة وعمتها وخالتها وقولنا بسبب مباح احترازا من أم الموطوءة بشبهة فإنها ليست محرما بهذا التفسير فإن وطء الشبهة لا يوصف بالإباحة وقولنا لحرمتها احترازا من الملاعنة فإن تحريمها ليس لحرمتها بل تغليظا " ( 5 ) .
-أما الْبُلُوغُ لُغَةً : الْوُصُول ، يُقَال بَلَغَ الشَّيْءُ يَبْلُغُ بُلُوغًا وَبَلاَغًا : وَصَل وَانْتَهَى ، وَبَلَغَ الصَّبِيُّ : احْتَلَمَ وَأَدْرَكَ وَقْتَ التَّكْلِيفِ ، وَكَذَلِكَ بَلَغَتِ الْفَتَاةُ .
وَاصْطِلاَحًا : انْتِهَاءُ حَدِّ الصِّغَرِ فِي الإِْنْسَانِ ، لِيَكُونَ أَهْلاً لِلتَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ . أَوْ هُوَ : قُوَّةٌ تَحْدُثُ فِي الصَّبِيِّ ، يَخْرُجُ بِهَا عَنْ حَالَةِ الطُّفُولِيَّةِ إِلَى غَيْرِهَا . ( 6 ) .
وعن علامات البلوغ فقد اتفقوا على الاحتلام ، واختلفوا فيما عدا ذلك ، كاختلافهم في ظهور شعر العانة ظهورًا كثيفا هل يعد علامة أو لا ؟!
واختلافهم في غلظ الصوت ونتن الإبط هل يعد علامة أو لا ؟؟
فإن لم تظهر هذه العلامات فما السن التي يصير بها الصبي بالغا ؟ إتمام خمس عشرة سنة – بالتقويم القمري - أو ست عشرة سنة أو ثماني عشرة سنة أو تسع عشرة سنة ؟
إلى كل ذهب فريق من أهل العلم رحمهم الله تعالى.
كما اختلفوا ما السن الأدنى لبلوغ الصبي ؟ عشر أو اثنا عشرة ؟ قولان لأهل العلم .
. وليس موضوعنا التفصيل في علامات البلوغ ، فلتراجع هذه المسائل في مظانها من كتب المذاهب الأربعة وغيرها
ثانيًا : هل يشترط البلوغ في المحرم ؟؟ :
يتفق العلماء على أن الصبي الصغير غير المميز أو المميز الذي لا تحصل به كفاية لا يكون محرمًا للمرأة .
فهل يجوز أن يكون المراهق محرمًا ؟؟
المُراهِق الغلام الذي قد قارب الحُلُم وجارية مراهِقة ويقال جارية راهِقة وغلام راهِق وذلك ابن العشر إِلى إِحدى عشرة . ( 7 ) .
ويظل مراهقًا حتى تظهر عليه علامة من علامات البلوغ – على الخلاف بين العلماء فيها كما ذكرنا سابقًا - .
وعلى هذا نجد الاختلاف بين تعريف علمائنا رضوان الله عليهم للمراهق وبين تعريف علماء النفس المعاصرين ، فإن المراهقة عندهم تبدأ من ثلاث عشرة سنة إلى تسع عشرة سنة تقريبًا ، بخلاف علمائنا الذين اعتبروا المراهق من قارب البلوغ ولما يبلغ بعد .
فهل يجوز أن يكون المراهق محرمًا ؟؟
وللجواب عن هذا السؤال سنذكر آراء المذاهب الأربعة في هذه المسألة فالله الموفق المعين .
1 – المذهب الحنفي :
- جاء في البحر الرائق :
(يُشْتَرَطُ فِي حَجِّ الْمَرْأَةِ مِنْ سَفَرِ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ غَيْرِ مَجُوسِيٍّ وَلَا فَاسِقٍ ) ( 8 ) .
ثم قال :
(وَالْمُرَاهِقُ كَالْبَالِغِ ) ( 9 ) .
- وجاء في حاشية ابن عابدين رحمه الله تعالى أثناء كلامه عن شروط الحج للمرأة :
(مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ بِرَضَاعٍ ، بَالِغٍ قَيَّدَ لَهُمَا كَمَا فِي النَّهْرِ بَحْثًا ، عَاقِلٍ وَالْمُرَاهِقُ كَبَالِغٍ ) ( 10 ) .
إذن فالأحناف يرون أن المراهق يكون محرمًا ، فهو في هذه المسألة يعامل معاملة البالغ .
2 – المذهب المالكي :
أ- جاء في مواهب الجليل :
(هل يشترط في المحرم البلوغ أو يكفي فيه التمييز ووجود الكفاية لم أر فيه نصا والظاهر أنه يكفي في ذلك وجود الكفاية ) ( 11 ) .
- وجاء في شرح الخرشي رحمه الله تعالى لمختصر خليل رحمه الله تعالى :
(وَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُ الْمَحْرَمِ ، بَلْ يُكْتَفَى بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ ) . ( 12 ) .
- وعن تعريف المميز عند المالكية ، فقد جاء في مواهب الجليل :
(قال البساطي والمميز هو الذي عقل الصلاة والصيام وقال ابن جماعة الشافعي في منسكه الكبير حقيقة المميز أنه هو الذي يفهم الخطاب ويحسن رد الجواب ومقاصد الكلام ولا ينضبط بسن مخصوص بل يختلف باختلاف الأفهام انتهى. وهو كلام حسن ونحوه لابن فرحون. ) ( 13 ) .
- وجاء في حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني :
(وَالْمُمَيِّزُ هُوَ الَّذِي يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيَرُدُّ الْجَوَابَ وَلَا يَنْضَبِطُ بِسِنٍّ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَفْهَامِ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِفَهْمِ الْخِطَابِ وَبِرَدِّ الْجَوَابِ أَنَّهُ إذَا تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْ مَقَاصِدِ الْعُقَلَاءِ فَهِمَهُ وَأَحْسَنَ الْجَوَابَ عَنْهُ لَا أَنَّهُ إذَا دُعِيَ أَجَابَ ) ( 14 ) .
إذن مما سبق يتضح أن الشرط في المحرم عند المالكية هو أن يكون مميزًا – وقد تقدم تعريف التمييز عندهم – وتحصل به الكفاية أي يستطيع تحمل المسئولية والتبعات ونحو ذلك .
3 – المذهب الشافعي :
- جاء في مغني المحتاج :
(وَيَنْبَغِي مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِالصَّبِيِّ ، إذْ لَا يَحْصُلُ لَهَا مَعَهُ الْأَمْنُ عَلَى نَفْسِهَا إلَّا فِي مُرَاهِقٍ ذِي وَجَاهَةٍ بِحَيْثُ يَحْصُلُ مَعَهُ الْأَمْنُ لِاحْتِرَامِهِ ) ( 15 ) .
- وجاء في نهاية المحتاج في أثناء كلامه عن المَحرم:
(وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ مُرَاهِقًا أَوْ أَعْمَى لَهُ وَجَاهَةٌ وَفِطْنَةٌ بِحَيْثُ تَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهَا مَعَهُ كَفَى فِيمَا يَظْهَرُ . ) ( 16 ) .
إذن فالشافعية يرون كون المراهق محرما بشرط أن يكون ذا وجاهة وفطنة تأمن المرأة على نفسها معه .
4 – المذهب الحنبلي :
- جاء في المغني :
(وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَحْرَمِ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا .
قِيلَ لِأَحْمَدَ : فَيَكُونُ الصَّبِيُّ مَحْرَمًا ؟ قَالَ : لَا ، حَتَّى يَحْتَلِمَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ ، فَكَيْفَ يَخْرُجُ مَعَ امْرَأَةٍ .)
وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْمَحْرَمِ حِفْظُ الْمَرْأَةِ ، وَلَا يَحْصُلُ إلَّا مِنْ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ ، فَاعْتُبِرَ ذَلِكَ . ) ( 17 ) .
- وجاء في الإنصاف في الكلام عن شروط المحرم :
(إذا كان بالغا عاقلا بلا نزاع وهو المذهب وعليه الأصحاب ) ( 18 ) .
- وفي مطالب أولي النهى في ذكر شروط المحرم :
(مكلف إذ غير المكلف لا يحصل به المقصود من الحفظ ) . ( 19 ) .
إذن فالحنابلة يشترطون في المحرم البلوغ والتكليف ، والمذهب المعتمد عند الحنابلة أن البلوغ يحدث بواحدة من ثلاثة أشياء :
• الاحتلام .
• بلوغ خمس عشرة سنة .
• نبات الشعر الخشن حول القبل . ( 20 ) .
الخلاصة :
1 – الشريعة قامت على جلب المصالح ودرء المفاسد ، وجاءت أحكامها مراعية لذلك ، ومن ذلك اشتراط المحرم على المرأة في سفرها ، وفي مخالطتها للأجانب .
2 – الأصل عدم جواز سفر المرأة دون محرم إلا في بعض الحالات وقع الخلاف فيها ، وبعض الحالات وقع الاتفاق على جوازها .
3 – المحرم هو كل من حرم نكاح المرأة عليه لحرمتها على التأبيد بسبب مباح .
4 – البلوغ هو انتهاء حد الصغر ؛ ليكون أهلًا للتكاليبف الشرعية ، واختلف في علاماته بين المذاهب الأربعة ، وإن كانوا اتفقوا على الاحتلام .
5 – المراهق هو الذي قارب الحلم ولما يحتلم بعد .
6 – ذهب الأحناف إلى أن المراهق يكون محرمًا فهو بمنزلة البالغ في هذه المسألة .
7 – وذهب المالكية إلى أنه يُكتفى في المحرم بالتمييز وحصول الكفاية ، والتمييز عندهم لا يرتبط بسن ، بل يحصل بكونه يتكلم كلام العقلاء ، ويفهم فهمهم .
8 – وذهب الشافعية إلى أن المراهق يكون محرمًا إذا كان ذا وجاهة وفطنة ، وأمنت المرأة على نفسها معه .
9 – أما الحنابلة فاشترطوا أن يكون المحرم بالغًا مكلفًا ، والبلوغ عندهم يحدث إما الاحتلام أو بلوغ خمس عشرة سنة أو نبات الشعر الخشن حول القبل .
10 – لعل الأقرب والله أعلم هو قول الحنابلة لا سيما وقد نص على ذلك سيدنا الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه وهو من هو !!
ثم إن الأصل في الأحكام أنها موجهة إلى البالغين المكلفين .
أيضًا فالعادة أن المراهق لا تحصل الكفاية به و لا الأمان ، لا سيما في هذه العصور التي كثر فيها الفساد وعم ، وقلت فيها معاني الرحولة ؛ حتى إن كثيرًا من البالغين صاروا خلوًا من معاني الرجولة والشهامة والنخوة وتحمل المسئوليات ، فكيف بالمراهقين والصبيان ؟
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اّله وصحبه والتابعين .
الهوامش :
1 – الأنعام 162 .
2 – رواه البخاري في صحيحه – كتاب جزاء الصيد – باب حج النساء .
3 – رواه الترمذي في سننه – كتاب الرضاع – باب ما جاء في كراهية الدخول على المغيبات .
4 – الموسوعة الفقهية الكويتيةج36 ص200 .
5 – إحكام الأحكام ص 304 – 305 .
6 – الموسوعة الفقهية ج8 ص186 .
7 – لسان العرب ج10 ص128 .
8 – البحر الرائق ج6 ص365 – الشاملة .
9 – السابق ج6 ص368 .
10 – حاشية ابن عابدين ج8 ص129 – الشاملة .
11 – مواهب الجليل ج3 ص493 .
12 – شرح خليل خليل للخرشي ج7 ص 231 – الشاملة .
13 – مواهب الجليل ج3 ص435 .
14 – حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني ج3 ص445 – الشاملة .
15 – مغني المحتاج ج5 ص408 – الشاملة .
16 – نهاية المحتاج ج10 ص188 – الشاملة .
17 – المغني ج6 ص302 – الشاملة .
18 – الإنصاف ج3 ص294 .
19 – مطالب أولي النهى ج2 ص293 .
20 – الإنصاف ج5 ص237 .
إن الشريعة الإسلامية قامت على جلب المصالح ودفع المفاسد ، وهي الشريعة التي جمعت بين حفظ الدين وحفظ الدنيا ، ولم تعرف الانفصال بين الدين والدنيا بل شعارها : " قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) ( 1 ) .
ومن مظاهر حفظ الشريعة الغراء لمصالح العباد أنها حرمت سفر المرأة دون محرم ، فالمسافرة إن لم يكن معها محرم لربما كانت فريسة للذئاب البشرية ، كما أن المرأة تضعف عن القيام بشأنها وحدها ؛ لذلك رحمها ربها سبحانه تبارك وتعالى فاشترط لها اصطحاب المحرم في السفر ، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "لاَ تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ " ( 2 ) .
وإلى هذا الحكم ذهب جماهير العلماء رحمهم الله تعالى ، على اختلاف بينهم في بعض التفاصيل والجزئيات – كالسفر إلى حج الفريضة وكسفر العجوز ونحو ذلك من المسائل - ، وعلى اتفاق بينهم على جواز السفر دون محرم في حالات الضرورة كهروب المسلمة من دار الكفر إلى دار الإسلام ونحو ذلك من الحالات المبثوثة في كتب أهل العلم رحمهم الله تعالى وليس هذا موضع بسطها .
وكما حرم الله تبارك وتعالى عليها السفر دون محرم ، فإنه حرم عليها الخلوة بالأجانب دون محرم ؛ لما يترتب على الخلوة من مفاسد لا تخفى على عاقل فضلًا عن مسلم !!
فعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ " ( 3 ) .
والسؤال الذي نطرحه : هل يشترط في المحرم البلوغ ؟؟
أولًا : ما تعريف المحرم وما تعريف البلوغ ؟؟
الْمَحْرَمُ فِي اللُّغَةِ : الْحَرَامُ ، وَالْحَرَامُ : ضَدُّ الْحَلاَل ، وَيُقَال : هُوَ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا : إِذَا لَمْ يَحِل لَهُ نِكَاحُهَا وَرَحِمٌ مَحْرَمٌ : مُحَرَّمٌ تَزَوُّجُهَا ، وَفِي الْمُعْجَمِ الْوَسِيطِ : الْمَحْرَمُ : ذُو الْحُرْمَةِ .
وَمِنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَال الَّذِي يَحْرُمُ التَّزَوُّجُ بِهِ لِرَحِمِهِ وَقَرَابَتِهِ وَمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَالْجَمْعُ مَحَارِمُ .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ : الْمَحْرَمُ مَنْ لاَ يَجُوزُ لَهُ مُنَاكَحَتُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِقَرَابَةٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ صِهْرِيَّةٍ . ( 4 ) .
- و قال العلامة ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى :
" المحرم الذي يجوز معه السفر والخلوة: كل من حرم نكاح المرأة عليه لحرمتها على التأبيد بسبب مباح فقولنا على التأبيد احترازا من أخت الزوجة وعمتها وخالتها وقولنا بسبب مباح احترازا من أم الموطوءة بشبهة فإنها ليست محرما بهذا التفسير فإن وطء الشبهة لا يوصف بالإباحة وقولنا لحرمتها احترازا من الملاعنة فإن تحريمها ليس لحرمتها بل تغليظا " ( 5 ) .
-أما الْبُلُوغُ لُغَةً : الْوُصُول ، يُقَال بَلَغَ الشَّيْءُ يَبْلُغُ بُلُوغًا وَبَلاَغًا : وَصَل وَانْتَهَى ، وَبَلَغَ الصَّبِيُّ : احْتَلَمَ وَأَدْرَكَ وَقْتَ التَّكْلِيفِ ، وَكَذَلِكَ بَلَغَتِ الْفَتَاةُ .
وَاصْطِلاَحًا : انْتِهَاءُ حَدِّ الصِّغَرِ فِي الإِْنْسَانِ ، لِيَكُونَ أَهْلاً لِلتَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ . أَوْ هُوَ : قُوَّةٌ تَحْدُثُ فِي الصَّبِيِّ ، يَخْرُجُ بِهَا عَنْ حَالَةِ الطُّفُولِيَّةِ إِلَى غَيْرِهَا . ( 6 ) .
وعن علامات البلوغ فقد اتفقوا على الاحتلام ، واختلفوا فيما عدا ذلك ، كاختلافهم في ظهور شعر العانة ظهورًا كثيفا هل يعد علامة أو لا ؟!
واختلافهم في غلظ الصوت ونتن الإبط هل يعد علامة أو لا ؟؟
فإن لم تظهر هذه العلامات فما السن التي يصير بها الصبي بالغا ؟ إتمام خمس عشرة سنة – بالتقويم القمري - أو ست عشرة سنة أو ثماني عشرة سنة أو تسع عشرة سنة ؟
إلى كل ذهب فريق من أهل العلم رحمهم الله تعالى.
كما اختلفوا ما السن الأدنى لبلوغ الصبي ؟ عشر أو اثنا عشرة ؟ قولان لأهل العلم .
. وليس موضوعنا التفصيل في علامات البلوغ ، فلتراجع هذه المسائل في مظانها من كتب المذاهب الأربعة وغيرها
ثانيًا : هل يشترط البلوغ في المحرم ؟؟ :
يتفق العلماء على أن الصبي الصغير غير المميز أو المميز الذي لا تحصل به كفاية لا يكون محرمًا للمرأة .
فهل يجوز أن يكون المراهق محرمًا ؟؟
المُراهِق الغلام الذي قد قارب الحُلُم وجارية مراهِقة ويقال جارية راهِقة وغلام راهِق وذلك ابن العشر إِلى إِحدى عشرة . ( 7 ) .
ويظل مراهقًا حتى تظهر عليه علامة من علامات البلوغ – على الخلاف بين العلماء فيها كما ذكرنا سابقًا - .
وعلى هذا نجد الاختلاف بين تعريف علمائنا رضوان الله عليهم للمراهق وبين تعريف علماء النفس المعاصرين ، فإن المراهقة عندهم تبدأ من ثلاث عشرة سنة إلى تسع عشرة سنة تقريبًا ، بخلاف علمائنا الذين اعتبروا المراهق من قارب البلوغ ولما يبلغ بعد .
فهل يجوز أن يكون المراهق محرمًا ؟؟
وللجواب عن هذا السؤال سنذكر آراء المذاهب الأربعة في هذه المسألة فالله الموفق المعين .
1 – المذهب الحنفي :
- جاء في البحر الرائق :
(يُشْتَرَطُ فِي حَجِّ الْمَرْأَةِ مِنْ سَفَرِ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ غَيْرِ مَجُوسِيٍّ وَلَا فَاسِقٍ ) ( 8 ) .
ثم قال :
(وَالْمُرَاهِقُ كَالْبَالِغِ ) ( 9 ) .
- وجاء في حاشية ابن عابدين رحمه الله تعالى أثناء كلامه عن شروط الحج للمرأة :
(مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ بِرَضَاعٍ ، بَالِغٍ قَيَّدَ لَهُمَا كَمَا فِي النَّهْرِ بَحْثًا ، عَاقِلٍ وَالْمُرَاهِقُ كَبَالِغٍ ) ( 10 ) .
إذن فالأحناف يرون أن المراهق يكون محرمًا ، فهو في هذه المسألة يعامل معاملة البالغ .
2 – المذهب المالكي :
أ- جاء في مواهب الجليل :
(هل يشترط في المحرم البلوغ أو يكفي فيه التمييز ووجود الكفاية لم أر فيه نصا والظاهر أنه يكفي في ذلك وجود الكفاية ) ( 11 ) .
- وجاء في شرح الخرشي رحمه الله تعالى لمختصر خليل رحمه الله تعالى :
(وَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُ الْمَحْرَمِ ، بَلْ يُكْتَفَى بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ ) . ( 12 ) .
- وعن تعريف المميز عند المالكية ، فقد جاء في مواهب الجليل :
(قال البساطي والمميز هو الذي عقل الصلاة والصيام وقال ابن جماعة الشافعي في منسكه الكبير حقيقة المميز أنه هو الذي يفهم الخطاب ويحسن رد الجواب ومقاصد الكلام ولا ينضبط بسن مخصوص بل يختلف باختلاف الأفهام انتهى. وهو كلام حسن ونحوه لابن فرحون. ) ( 13 ) .
- وجاء في حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني :
(وَالْمُمَيِّزُ هُوَ الَّذِي يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيَرُدُّ الْجَوَابَ وَلَا يَنْضَبِطُ بِسِنٍّ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَفْهَامِ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِفَهْمِ الْخِطَابِ وَبِرَدِّ الْجَوَابِ أَنَّهُ إذَا تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْ مَقَاصِدِ الْعُقَلَاءِ فَهِمَهُ وَأَحْسَنَ الْجَوَابَ عَنْهُ لَا أَنَّهُ إذَا دُعِيَ أَجَابَ ) ( 14 ) .
إذن مما سبق يتضح أن الشرط في المحرم عند المالكية هو أن يكون مميزًا – وقد تقدم تعريف التمييز عندهم – وتحصل به الكفاية أي يستطيع تحمل المسئولية والتبعات ونحو ذلك .
3 – المذهب الشافعي :
- جاء في مغني المحتاج :
(وَيَنْبَغِي مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِالصَّبِيِّ ، إذْ لَا يَحْصُلُ لَهَا مَعَهُ الْأَمْنُ عَلَى نَفْسِهَا إلَّا فِي مُرَاهِقٍ ذِي وَجَاهَةٍ بِحَيْثُ يَحْصُلُ مَعَهُ الْأَمْنُ لِاحْتِرَامِهِ ) ( 15 ) .
- وجاء في نهاية المحتاج في أثناء كلامه عن المَحرم:
(وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ مُرَاهِقًا أَوْ أَعْمَى لَهُ وَجَاهَةٌ وَفِطْنَةٌ بِحَيْثُ تَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهَا مَعَهُ كَفَى فِيمَا يَظْهَرُ . ) ( 16 ) .
إذن فالشافعية يرون كون المراهق محرما بشرط أن يكون ذا وجاهة وفطنة تأمن المرأة على نفسها معه .
4 – المذهب الحنبلي :
- جاء في المغني :
(وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَحْرَمِ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا .
قِيلَ لِأَحْمَدَ : فَيَكُونُ الصَّبِيُّ مَحْرَمًا ؟ قَالَ : لَا ، حَتَّى يَحْتَلِمَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ ، فَكَيْفَ يَخْرُجُ مَعَ امْرَأَةٍ .)
وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْمَحْرَمِ حِفْظُ الْمَرْأَةِ ، وَلَا يَحْصُلُ إلَّا مِنْ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ ، فَاعْتُبِرَ ذَلِكَ . ) ( 17 ) .
- وجاء في الإنصاف في الكلام عن شروط المحرم :
(إذا كان بالغا عاقلا بلا نزاع وهو المذهب وعليه الأصحاب ) ( 18 ) .
- وفي مطالب أولي النهى في ذكر شروط المحرم :
(مكلف إذ غير المكلف لا يحصل به المقصود من الحفظ ) . ( 19 ) .
إذن فالحنابلة يشترطون في المحرم البلوغ والتكليف ، والمذهب المعتمد عند الحنابلة أن البلوغ يحدث بواحدة من ثلاثة أشياء :
• الاحتلام .
• بلوغ خمس عشرة سنة .
• نبات الشعر الخشن حول القبل . ( 20 ) .
الخلاصة :
1 – الشريعة قامت على جلب المصالح ودرء المفاسد ، وجاءت أحكامها مراعية لذلك ، ومن ذلك اشتراط المحرم على المرأة في سفرها ، وفي مخالطتها للأجانب .
2 – الأصل عدم جواز سفر المرأة دون محرم إلا في بعض الحالات وقع الخلاف فيها ، وبعض الحالات وقع الاتفاق على جوازها .
3 – المحرم هو كل من حرم نكاح المرأة عليه لحرمتها على التأبيد بسبب مباح .
4 – البلوغ هو انتهاء حد الصغر ؛ ليكون أهلًا للتكاليبف الشرعية ، واختلف في علاماته بين المذاهب الأربعة ، وإن كانوا اتفقوا على الاحتلام .
5 – المراهق هو الذي قارب الحلم ولما يحتلم بعد .
6 – ذهب الأحناف إلى أن المراهق يكون محرمًا فهو بمنزلة البالغ في هذه المسألة .
7 – وذهب المالكية إلى أنه يُكتفى في المحرم بالتمييز وحصول الكفاية ، والتمييز عندهم لا يرتبط بسن ، بل يحصل بكونه يتكلم كلام العقلاء ، ويفهم فهمهم .
8 – وذهب الشافعية إلى أن المراهق يكون محرمًا إذا كان ذا وجاهة وفطنة ، وأمنت المرأة على نفسها معه .
9 – أما الحنابلة فاشترطوا أن يكون المحرم بالغًا مكلفًا ، والبلوغ عندهم يحدث إما الاحتلام أو بلوغ خمس عشرة سنة أو نبات الشعر الخشن حول القبل .
10 – لعل الأقرب والله أعلم هو قول الحنابلة لا سيما وقد نص على ذلك سيدنا الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه وهو من هو !!
ثم إن الأصل في الأحكام أنها موجهة إلى البالغين المكلفين .
أيضًا فالعادة أن المراهق لا تحصل الكفاية به و لا الأمان ، لا سيما في هذه العصور التي كثر فيها الفساد وعم ، وقلت فيها معاني الرحولة ؛ حتى إن كثيرًا من البالغين صاروا خلوًا من معاني الرجولة والشهامة والنخوة وتحمل المسئوليات ، فكيف بالمراهقين والصبيان ؟
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اّله وصحبه والتابعين .
الهوامش :
1 – الأنعام 162 .
2 – رواه البخاري في صحيحه – كتاب جزاء الصيد – باب حج النساء .
3 – رواه الترمذي في سننه – كتاب الرضاع – باب ما جاء في كراهية الدخول على المغيبات .
4 – الموسوعة الفقهية الكويتيةج36 ص200 .
5 – إحكام الأحكام ص 304 – 305 .
6 – الموسوعة الفقهية ج8 ص186 .
7 – لسان العرب ج10 ص128 .
8 – البحر الرائق ج6 ص365 – الشاملة .
9 – السابق ج6 ص368 .
10 – حاشية ابن عابدين ج8 ص129 – الشاملة .
11 – مواهب الجليل ج3 ص493 .
12 – شرح خليل خليل للخرشي ج7 ص 231 – الشاملة .
13 – مواهب الجليل ج3 ص435 .
14 – حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني ج3 ص445 – الشاملة .
15 – مغني المحتاج ج5 ص408 – الشاملة .
16 – نهاية المحتاج ج10 ص188 – الشاملة .
17 – المغني ج6 ص302 – الشاملة .
18 – الإنصاف ج3 ص294 .
19 – مطالب أولي النهى ج2 ص293 .
20 – الإنصاف ج5 ص237 .