العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

قراءة في كتاب: (القرائن والنص: دراسة في المنهج الأصولي في فقه النص)

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
185842.gif
تأليف الدكتور: أيمن صالح
عرض الدكتور:ماهر حصوة، مجلة (إسلامية المعرفة)، العدد 65





تناولت هذه الدراسة قضية في غاية الأهمية تتعلق في منهجية فهم النص ، ورسمت طريقا سائغا عذبا في الوصول إلى مقصود النص من خلال تأصيل نظرية جامعة للقرائن المحتفة بالنص ، وقد أعتمد الباحث في دراسته على المنهج الاستقرائي في بحث القرائن وصولا إلى تشييد نظرية أصولية عامة في مجال القرائن ، وقد أستفاد الباحث في بحثه من العلوم اللغوية الحديثة لا سيما علم الدلالة ، وقد كان رائده في ذلك التجديد من خلال الأصالة والمعاصرة ، فجل الكتابات المعاصرة التي تتناول التجديد في أصول الفقه إما أن تلبس ما كتب ثوباً جديدا ، أو تدعو إلى نقده أو الاستغناء عنه بعلم المقاصد ، وهذا برأي الباحث كتابات عن أصول الفقه وليست كتابات في أصول الفقه [1].
وقد جاءت هذه الدراسة في مقدمة وثلاثة فصول ، أما الفصل الأول : فأوعب الباحث في تناول معنى النص والقرينة لغة واصطلاحا وبعد استقراء وسبر وتقسيم وتحليل لمصطلح النص في كتب الأصوليين خلص إلى أن الأصوليين استخدموا مصطلح النص في معان ثلاثة راجت وذاعت واشتهرت ، الأول : النص بمعنى الخطاب الشرعي كتابا و سنة بغض النظر عن دلالته . والثاني : النص بمعنى الخطاب ذي الدلالة الواضحة سواء أكانت دلالته قطعية أو ظنية . والثالث : النص بمعنى الخطاب ذي الدلالة القاطعة . والاصطلاح المختار في هذه الدراسة لمصطلح النص هو المعنى الأول عند الإطلاق، وهو الخطاب الشرعي كتابا وسنة بغض النظر عن دلالته .
وفيما يتعلق بمعنى القرينة لغة فقد تتبع الباحث لفظ القرينة والقرين ، وقد خالف الجرجاني الذي رأى أن القرينة بالنسبة لحوادث فعل الاقتران مأخوذة فقط من المفاعلة فحسب ، وخالف كذلك ابن الأثير حين رأى أن القرينة تأتي بمعنى مفعولة فحسب في حين رأى الباحث من خلال الاستقراء والتتبع أن القرينة تأتي بمعنى فاعلة مثل القرين بمعنى الملازم من الجن أو مفعولة مثل القرينة ويقصد بها الزوجة أو فاعلة ومفعولة في الوقت نفسه مثل القرينة بمعنى النفس . والنتيجة الأخرى التي لاحظها عند تحليله للفظ القرينة أن القرينة تطلق على أحد الشيئيين إذا اقترن بما يساويه رتبة ، وتطلق ، كذلك على الشيء إذا اقترن بما هو أعلى منه ، بينما لم يجدها تطلق على الشيء إذا اقترن بما هو أدنى منه .وانتهى به المطاف إلى تعريف لغوي للقرينة يتضمن نتائج ما توصل إليه وهو أن القرينة عبارة عن شيء يقترن من تلقاء نفسه ( يصطحب ) ، أو يقرن بواسطة غيره ( يضم ) ، بشيء آخر ، إما مساوٍ له أو أعلى منه رتبة [2].
أما القرينة اصطلاحا فيرى الباحث أن الأصوليين لم يخوضوا في تعريفها وجل ما ينقل عنهم هو توصيف أقرب منه للتعريف ، وسبب ذلك يرجع إلى كثرة القرائن وتنوعها أدى بهم إلى التعريف بأقسامها وأنواعها والتمثيل لذلك عن حدها، فالتعريف بالمثال أسهل من التعريف بالحد المطابق ، وكذلك وضوح القرينة ودنوها من المعنى اللغوي أعفى من حدها .[3]
وقد سلك الباحث طريق الاستقراء والتحليل والاستنتاج في وضع تعريف اصطلاحي للقرينة مستمد من تحليل وظيفة وأثر القرينة في النص ، بعد أن قام بتحليل استخدام الفقهاء والأصوليين للقرينة، فوجد أن القرينة تستخدم للتدليل، وأنها تقترن بالخطاب وتأثر فيه ، فانتهى إلى تعريف القرينة بأنها دليل يقترن بخطاب فيؤثر فيه تأثيرا ما .ثم حصر مجال تأثير القرينة في الخطاب ( النص) بعد استقراء استعمال الأصوليين ،فانتهى إلى أن التأثير يكون في المجالات الأربعة التالية وهي الدلالة ، والثبوت أو عدمه ، الإحكام أو النسخ ، الرجحان أو عدمها[4].
ثم قارن بين القرينة الأصولية والفقهية ، وبين أن الفرق يكمن بينهما في مجال التأثير والغاية ، فمجال التأثير في القرينة الأصولية هو النص الشرعي ، بينما مجال التـأثير في القرينة الفقهية هو الواقعة المنظورة، أما الغاية فتكمن في القرينة الأصولية في استنباط الحكم من النص، أما في القرينة الفقهية فالغاية تطبيق النص على الواقعة ،أو تحقيق مناط النص على الواقعة [5] .
ثم قام الباحث برسم معالم ودائرة بحث نظرية القرائن محط الدراسة ليخرج من نطاق نظريته الدليل الصريح ، ليقتصر نطاق النظرية بعدئذ على ما دل على شيء ما ، لا صراحة ، وغاية هذا التقييد كما يرى الباحث لسببين أولاهما : الخروج من حدوث الترادف بين الدليل والقرينة ؛ لأن هذا الترادف إن حصل ، فستفقد القرينة أهميتها وتميزها ، وثانيهما :مجارة الاستخدام العلمي الغالب للقرينة ؛ لأن العلماء في الغالب يقصرون القرينة على الدليل غير الصريح .[6]
وبدراسة مرحلة تطور مصطلح القرينة انتهى الباحث إلى أن نشأة اصطلاح القرينة يرجع إلى ثلاثة احتمالات وهي إما تطوير لغوي ، أو منقولة عن علماء الكلام أو منقولة عن علماء النحو[7].
ثم شرع الباحث في بيان ركن القرينة وشروطها ، فركن القرينة كما يرى الباحث هو الدليل(المقترِن ) وهو ما يلزم عن العلم به العلم بشيء آخر . والعلاقة بين الدليل والمدلول تسمى دلالة، وتقسم الدلالة بدورها إلى ثلاثة أقسام ، عقلية( الدليل يفضي إلى مدلوله بواسطة العقل ) ، وطبيعية( الدليل يفضي إلى مدلوله بإطراد العادة الكونية، وطبيعته التكوينية ) ، ووضعية( الدليل يفضي إلى مدلوله بواسطة الاصطلاح ) ، وأن ما دل عليه العقل لا أنفكاك له ، وما دل عليه الطبع فانفكاكه اقل ، وما دل عليه الوضع فينفك كثيرا بحسب تغير الوضع.
أما شروط القرينة فهي ثلاثة : أولهما وجود النص ( المقترن به) ، ثم شرع في بيان النصوص علاقتها ببعضها ، وميّز بين النص والخطاب ، فآثر استخدام النص عن الخطاب في مفهوم القرينة الأصولية كون النص هو مجال عمل الأصولي الذي ينتج الأحكام ، ولاختلاف المنهجية التي تحكم تفسير الخطاب البشري عن النص الديني .
وثاني الشروط : وهو الاقتران أي بين الدليل( القرينة ) والنص .
والقرينة تقترن بالنص إما تلقائيا كالقرينة العقلية والحالية ، وإما أن تكون مضمومة بواسطة الغير كصاحب النص أو غيره ومنها بعض القرائن الحالية والمقالية ، وهذه القسمة من حيث فاعل الإقتران ، أما من جهة الاقتران نفسه فتقسم إلى حقيقي واعتباري ، ولا خلاف في الحقيقي ويقصد به تزامن القرينة مع النص ومنها التخصيص والتقييد وخلافه ، أما الاعتباري فيقصد به عدم تزامن القرينة مع النص أو المبَّين بالمبَين وفيه خلاف [8].
ثالث الشروط : وجود التأثير .
وهو ثمرة القرينة ، وقد ذكر الباحث شرط التأثير من حيث الوجود الاعتباري بمعنى أن القرينة لو تخلف عنها التأثير مع تضمنها بقية الشروط لما أطلق عليها قرينة؛لعدم الأثر ، وبالتالي أدخل التأثير كشرط .[9]
أما الفصل الثاني في هذه الدراسة فقد تناول أنواع القرائن وتقسيماتها من حيث مجال تأثيرها في النص ، والمجالات التي يؤثر فيها تنحصر في أربعة مجالات - كما يرى الباحث- وهي الثبوت وعدمه ، وسماها قرائن الثبوت ، والإحكام وعدمه ( النسخ ) وسماها قرائن الإحكام ، وقرائن الترجيح وقرائن الدلالة .
وقد فصل الباحث في قرائن الدلالة أكثر من غيرها كونها الأشد التصاقا في علم الأصول وهي ثمرة وغاية النص ، وجعل غايته في بحث بقية القرائن في هذه الدراسة التقسيم والضبط لا التفصيل والشرح والترجيح .
ثم عرف الباحث قرائن الثبوت وهي الدلائل التي تقترن بالنص فتؤثر في مدى صدق نسبته إلى الشارع ، وقسمها إلى قرائن تقترن بالنص قائم الوجود ، وبالنص مفترض الوجود .
أما القسم الأول فهي قرائن تقوي النص أو تضعفه ، ثم ميّز بين قرائن التقوية المتعلقة بالخبر عموما واختلاف الأصوليين فيها ، وبين القرائن المتعلقة بالخبر خصوصا أي النص الشرعي ، وهي إما قرائن تفيد العلم( أي القطع بنسبته ) ، وإما تفيد ظن ترجح ثبوته عن النبي . ، وأما قرائن ترجح ثبوت الخبر عن النبي فهناك قرائن تعود إلى السند ، وقرائن تعود إلى المتن.[10] أما قرائن تضعيف الخبر عند الأصوليين، فقسمها ذات القسمة في الثبوت ، وهي قرائن تفيد انتفاء ثبوته قطعاً ، وقرائن ترجح عدم صحته. وذكر أمثلة في كل منها لا تخرج عما وضعه علماء الحديث في قبول ورد الخبر ، ومجال تفصيل ذلك علم الجرح والتعديل المتعلق بسند ومتن الحديث .

أما القرائن التي تقترن بالنص مفترض الوجود ،ويعرّفه بالنص الذي لم يبلغنا بذاته عن الشارع وإنما وردت دلائل تدل على تقدير وجوده ، ويقصد بالدلائل القرائن .[11] وقد مثل على هذا القسم بقرينتين الأول : يتعلق بالإجماع ، فالإجماع على حكم لا يوجد فيه نص ، فالإجماع في هذه الحالة هو دليل ( قرينة) على وجود نص مقدر الوجود قام عند أهل الإجماع ولم يبلغنا ، والباحث هنا يرجح رأي الجويني في أن الحجة في الإجماع ليست في ذاته، وإنما فيما ينطوي عليه الإجماع من وجود نص مقدر .[12]
القرينة الثانية : هي قول الصحابي فيما لا مدخل فيه للرأي ، قرينة على وجود نص مرفوع إلى النبي وإن لم يبلغنا .فيتعين سماعه من النبي وإن لم يصلنا .
ثم تناول الباحث القسم الثاني من القرائن وهي قرائن الإحكام وعرفها بأنها الدلائل التي تحتف بالنص فتدل على أن حكمه ، أو المعنى المستفاد منه ، محكم قطعاً ، أو منسوخ [13].
أما قرائن الإحكام القطعي فهي ثلاثة أقسام مقالية وحالية وعقلية ، وقد مثل لكل منها ، أما قرائن النسخ فهي قرينة واحدة فقط كما يرى الباحث ، وهي وجود نص آخر معارض للأول ومن شروط هذا النص أن يكون مكافئا له ، متأخرا عنه ، والنص هنا إما أن يكون موجوداً فعلا، أو مفترض الوجود كما في النص المفترض وجوده المستند إليه في الإجماع كما سلف بيانه عند الحديث في قرائن الإثبات .
أما القسم الثالث من القرائن فهي قرائن الترجيح ،ويعرفها الباحث بأنها دلائل تحتف بالنص فتدل على كونه راجحا أو مرجوحا .، وقد أرجع الباحث هذه القرائن إلى ما أسماه بالدرجة المخففة من قرائن تضعيف الخبر أو نسخه أو تأويله .، وهذه الدرجة توصل إلى الترجيح دون الوصول إلى الظن الغالب بنفسها ، ولذلك افترقت عن قرائن الثبوت والنسخ والدلالة[14] .
أما القسم الرابع من القرائن وهي قرائن الدلالة فقد كان لها القدح المعلى في هذا الدراسة ، وهي لب هذه الدراسة كما يرى الباحث ، وقد عرفها بأنها الدلائل التي تحتف بالنص فتؤثر في دلالته بالتأكيد أو التأويل أو التكميل أو التفسير أو الترجيح .
وقد شرع في توطئة تتضمن كيفية دلالة اللفظ على المعنى وقام باستنطاق علم الدلالة المعاصر ، ليصل إلى العلة المؤثرة في وضوح اللفظ وغموضه ليصل إلى نتيجة بعد تحليل منطقي فلسفي واقعي أن اللفظ ، مفرداً ومركبا ،لا يدل على معناه الخارجي مباشرة بل بتوسط الصورتين الذهنية للشيء والسمعية للفظ ،وأن قوة وسرعة إفضاء الصورتين -أي الذهنية والسمعية- لبعضهما البعض تتوقف على عدد الصور الذهنية البديلة المختزنة في الدماغ للفظ مقابل الشيء ،وللشيء مقابل اللفظ ،وأن وضوح اللفظ في الدلالة على معناه الخارجي أو الذهني يتوقف على قوة الإفضاء هذه . [15]
ثم قام الباحث بتقسيم النصوص من حيث اتضاح الدلالة بنفس اللفظ أو بغيره، ليصل بعد القسمة بناء على هذا المعيار إلى أن أثر قرائن الدلالة في النص المشتمل على الدلالة القاطعة هو التكميل ، وأثرها في النص المشتمل على الظاهرة هو التأكيد أو التأويل أو التكميل ، وأثرها في النص المشتمل على الدلالة المجملة هو التفسير ، وأثرها في النص المشتمل على الدلالة المشتركة هو الترجيح لأحد معانيه ، ولا أثر للقرينة في النص المتشابه [16].
ثم فصل الباحث في الأثر الذي تلقيه قرائن الدلالة على النصوص وفوائده الأصولية ، فالفائدة التي تكمن في تأكيد ظاهر النص إذا بلغت القرينة بالظاهر إلى درجة القطع هي عصمة النص المشتمل على الظاهر من التأويل ، وحصول تمام الثقة به حتى يمكن جعله أصلا عند من يشترطون في أدلة الأصول أن تكون قطعية ، ورجحانه على كل ما عداه من الأدلة الظنية المعارضة .[17]
وإذا لم تبلغ القرينة بالنص درجة القطعية في الدلالة فتكمن الفائدة في زيادة الثقة بمدلول ظاهر النص ، وثبوت رجحان النص المعتضد بالقرينة إذا عارضه مساو لكنه لم يعتضد بقرينة مشابهة .
والفائدة في تأويل النص كأثر من أثار قرائن الدلالة أنها تقضي على إيهام المعنى الظاهر للنص الذي هو الأصل ولكنه ليس مراداً، لتبيّن وتكشف عن المعنى المراد للشارع من النص .
وفيما يتعلق بأثر القرينة على النص بالتكميل فيقصد الباحث به أمرين أن القرينة تقوم بتوسيع مدلول النص سواء كان ظني أو قطعي بحيث يندرج في حكمهما ما لم يكن ليندرج لولا القرينة ، والثاني بيان القرينة لبعض خصائص ما يشتمل عليه النص الظني أو القطعي من مدلولات [18].وتتضمن قرينة توسيع النص وقد سماها الباحث قرينة التعليق مسارين لهما تفصيلتاهما الأصولية قرينة تعليل النص ، وقرينة التعليق باللزوم العقلي، ويدخل فيها دلالة الإشارة ودلالة الإقتضاء ، وقد أدرج الباحث في ثنايا عرضه مسائل متفرعة عن هذه المباحث مثل الفرق بين التأويل والتعميم ، والفرق بين التعليق بالتعليل ، والتعليق باللزوم العقلي مع أن التعليل فيه جانب لزوم عقلي .
وأما أثر القرينة على النص في التفسير فمجالها النص المجمل ، وقد قصر الباحث مفهوم المجمل في دراسته كاصطلاح لديه على اللفظ أو النص الذي لا ينكشف المراد منه إلا بتفسير من المُجمل نفسه ، وبالتالي لا يدخل المشترك في معنى المجمل ، وعليه لا بد في القرينة المفسرة ، أو الرافعة للإجمال من أن تكون سمعية ، أي أن تكون نصاً[19].
أما أثر القرينة في الترجيح فمجالها النص المتضمن للفظ المشترك بتحديد أحد المعاني من خلال القرينة.
ثم عمد الباحث إلى بحث مسألتين تتعلقان بالصفات الذاتية للقرينة ، الأولى وهي هل تتصف بالتواضع أم لا ؟ وقد سلك طريقا استقصائيا للإجابة عن هذا السؤال بضبط معنى التواضع المراد عند الأصوليين ، وأقسامه وشروطه ، وانتهى بعد استقصاء وبحث وتحليل إلى أن التواضع المراد عند الأصوليين وهو شيوع استعمال المادة اللغوية بين أهل التخاطب في الدلالة على المعنى وأنه – أي الوضع أو التواضع ليس شرطاً أو صفة لازمة للقرينة ، فالقرينة منها ما يدل بالوضع ومنها ما لا يدل بالوضع ، وهو ما أشار إليه ابن تيمية من قبل ، وأن ما جرى على لسان الأصوليين من تعريف القرينة بأنها لا تدل بالوضع، فيقصد بها نوعا خاصاً من القرائن، كالقرائن الحالية ، أو كالقرائن الصارفة إلى المجاز لا سيما الإستعارة .[20]

والمسالة الثانية تتعلق بصفة الصراحة من عدمها في القرينة ؟ وقد سلك الباحث نفس المنهجية في بحث هذه المسألة وهي الاستقراء والتحليل فقام بضبط معنى الصراحة وقصره على المعنى القاطع أو ما دنا منه فحسب لا كل ظاهر ، ووضع معياراً في صراحة اللفظ وغموضه يتمثل في سرعة إفضاء اللفظ بذاته إلى المعنى الذي قصده منه المتكلم ، وأسهب في شرحه للمعيار ، وتتطرق لنسبية الصراحة ممثلا ومفصلا، إلى أن وصل إلى نتيجة فيما يتعلق بلزوم عدم الصراحة ( الغموض ) كوصف لازم للقرينة أم لا؟ .فانتهى إلى أن عدم الصراحة أو الغموض وصف أغلبي في قرائن الدلالة عند الأصوليين وليس شرطاً فيها؛ بدليل أن الأصوليين أطلقوا على الاستثناء - وهو مادة تواضعية صريحة في التخصيص- لفظ القرينة ، وكذلك القرينة الحالية قد تكون قاطعة في الدلالة على المراد وهي من جملة القرائن [21]
ثم قام الباحث باستعراض تقسيمات القرينة عند الأصوليين من جمهور وحنفية ومعاصرين وانتهى إلى أن الأصوليين بمجموعهم يكادون يتفقون على ذكر الأقسام الرئيسة للقرائن وهي القرائن العقلية ، والقرائن المقالية ، والقرائن الحالية ، وأن ما ذكر يرتد إلى تينك الأقسام الرئيسة .
أما الفصل الثالث فقد تناول الباحث الأدوات المعرفية لتدبر النص ،وهي ثمرة هذه الدراسة ، ويرسم من خلال هذا الفصل آلية الوصول إلى مقصود الخطاب ،فتدبر النص يلزم منه ما أسماه الباحث الأداة المعرفية وتشمل المعارف أو المعلومات المتعلقة بالخطاب ، وتشمل المعرفة بمقال الخطاب من المعنى المعجمي والصرفي وما ينتج عنهما من معاني ، والمعرفة بما يحيط بالخطاب من كلام وسماه ( السياق الذي ورد فيه الخطاب ) ، والمعرفة بما يحيط بالخطاب من غير الكلام وسماه ( حال الخطاب ) . وكل هذه المعارف المذكورة تدخل قرائن الدلالة لترشد إلى المعنى المقصود كوسيلة للوصول إلى المعنى ، ويلزم من استثمار هذه المعارف عن طريق الأداة العقلية وهي الأداة الثانية لتدبر الخطاب الوصول إلى المعنى الكامل للخطاب .
وقد استفاد الباحث من نظرية تشقيق المعنى للدكتور تمام حسان في البناء الهيكلي، لهذه الفصل مع بعض الاستدراكات، والإضافات، وقد قامت تلك النظرية على مواد فكرية مستوردة من المدارس اللغوية الغربية ، ومواد فكرية تراثية ، وعلى مواد فكرية إبداعية تولدت نتيجة تطبيق المنهج المستورد على المادة التراثية ثم شرع الباحث في تفصيل هذه الأدوات المعرفية مبتدأ ب مقال الخطاب ، فمقال الخطاب يتألف من المادة المعجمية والتي من خصائصها أنها تحافظ على نسق تتابع الحروف الأصلية للكلمة ، ويوجد للكلمة معنى مركزي ظاهر فيها والمادة الصرفية وهي القالب الذي تحشى به المادة المعجمية ، وكلا المادتين بالنظر إلى الكلمة بعزلها عن الأخرى لها معنى فردي ،وبالنظر إلى علاقتها بالأخرى تعطي معنى أسماه الباحث معنى نظمي ، والمادة التركيبية هي التي تتعلق بالعلاقة بين كلمات الخطاب جميعه، ولا وجود لها في الكلمة المفردة المعزولة عن الخطاب .
ثم بين الباحث أمثلة على المادة التركيبية التي تعطي معنى نظمياً ، منها العلامة الإعرابية التي تبين العلاقة بين مفردات الخطاب من فاعل ومفعول وفعل .ومنها الترتيب ويقصد به المنحى البلاغي في التقديم والتأخير بين المفردات ،حيث يعطي معانٍ نظمية بلاغية مقصودة ، وفرق الباحث بين البلاغة والنحو فعلم النحو يهتم بالكيفية التي يقبلها النظام اللغوي لترتيب الكلام ، أما البلاغة فتعنى بمطابقة الكلام لمقتضى الحال .[22] ومنها الموافقة ، أي بين كلمات الخطاب وتكون في خمسة أمور في العلامة الإعرابية ، والشخص ( التكلم والخطاب والغيبة )، والعدد ( الإفراد والتثنية والجمع )، والنوع ( التذكير والـتأنيث ) ، والتعيين ( التعريف والتنكير ) .ومنها الملامح الصوتية وأهمها أربعة وهي النبر الدلالي ويقصد به وضوح نسبي لصوت أو مقطع إذا قورن ببقية الأصوات والمقاطع في الكلام ،والتنغيم ، وعلو الصوت ، الوقف . فكل هذه العلاقات بين الكلمات تعطي معنى نظميا، لكل علاقة دلالة تختلف عن الأخرى .وبالتالي المادة التركيبية لا يمكن أن تكون متواضع عليها ، لأنها خاصة بالمتكلم .
وبالتالي معنى المقال كما يرى الباحث هو المعنى المجموعي للمواد الثلاث المعجمية والصرفية والتركيبية .وهذا المعنى الناشىء يقلل احتمالات الدلالات الأخرى لو نظر إلى المادة بمفردها .
ثم تتطرق الباحث إلى علاقة القرائن بتحديد المعنى الصحيح من المعاني المتعددة التي تحملها المادة المعجمية والصرفية ، وقد عد الباحث ما قاله في هذا الأمر اجتهاد منه مبتكر وصفه بالتكميلي المقترح وليس عملاً وصفيا لما عليه الأصولييين.[23] وفي الإجابة عن سؤال متى تعد كل من المادة المعجمية والصرفية قرينة؟ لا يكونان قرينة إلا بشرطين : أحدهما : أن يكون لهما معنى أو تأثير في الغير ، أي أن يكون لهما معنى نظمي . والشرط الثاني : أن يدلا على هذا المعنى النظمي في ثاني الحال لا في أوله . أي أن يكون المعنى النظمي لازما عن المعنى المعجمي أو المعنى الصرفي للكلمة ، وليس مباشراً ، وقد استقى الباحث هذا الشرط من الاستعمال النحوي والبلاغي والأصولي للقرينة[24]
أما المادة التركيبية فحتى تعد قرينة يقترح الباحث أن تكون كافة المواد التركيبية قرينة على المعنى الذي تدل عليه ، فالعلامة الإعرابية قرينة على المعنى الذي تدل عليه ، وكذا الموافقة والترتيب والملامح الصوتية وغيرها .
ثم بين الباحث قصور مقال الخطاب بمفرده عن إعطاء المعنى الكامل للخطاب ، من جهات متعددة بينها ،وهذا ما استدعى إلى استخدام الأدوات المعرفية الأخرى المتعلقة بمعرفة السياق ومعرفة الحال .
ثم تناول الباحث الأداة المعرفية الثانية لتدبر الخطاب وهي السياق الذي ورد فيه الخطاب .
وقد عرف الباحث السياق بعد استقصاء لاستعمال الأصوليين واللغويين لمصطلح السياق بأنه ما تم سرده أو إيراده من الكلام لمقصد ما [25]، وحتى يمكن وصف الكلام الذي يسرد بأنه سياق وضع معيارين لذلك أحدهما : معيار التتابع بنوعيه الزمني والموقعي ، ويقصد بالزمني تتابع الكلام في مدة زمنية متصلة ، والموقعي يكون للكلام أو الخطاب المكتوب .والمعيار الثاني : معيار الوحدة الموضوعية ، بمعنى أن تنتظم الجمل في موضوع واحد حتى تعد سياقاً .والسياق بهذا المفهوم يؤثر في الخطاب من حيث الدلالة ، وقد عبر الباحث عن هذه النتيجة بالسياق المؤثر ، والخطاب المتأثر .[26]
وبخصوص اعتبار السياق قرينة من عدمه اشترط الباحث لعد السياق قرينة أن لهذا السياق تأثير ما في معنى الخطاب بالتأكيد أو التكميل أو التأويل أو التفسير أو الترجيح .
وتأثير السياق في معنى الخطاب يتجلى في صورتين : إحداهما : التأثير الذي ينسب إلى السياق كله ، وهو ناجم عن المقصد أو المقاصد الكلية التي ينطوي عليها هذا السياق . والصورة الأخرى : التأثير الذي ينسب إلى مواد كلامية معينة في السياق .[27]وقد تتطرق الباحث إلى المباحث الأصولية التي تدخل في الصورتين وتطبيقاتها الفقهية بصورة مجملة فاتحا الباب لإعادة طرق تلك المباحث من هذه الزاوية .ومنها مبحث العلة البيانية ، والسياق ودوره في إبطال عموم اللفظ ، ومبحث الدلالات السياقية نفياً وإثباتا ، كمفهوم المخالفة والموافقة ودلالة الإيماء . ومن أمثلة الصورة الثانية مباحث التخصيص المتصلة والمنفصلة ، والعلاقة بين النص الجزئي والمقصد الكلي .
ثم تناول الباحث الأداة المعرفية الثالثة للتدبر ، وهي الحال التي ورد فيه الخطاب ، وبين أهمية الحال في الدلالة على المعنى ذاكرا أقوال الأصوليين في أهمية الحال ومنها قولهم دلالة الحال أقوى من دلالة المقال ، فليس من يعاين الخبر كمن نقل إليه .وقد عرف الحال بأنه كل ما أحتف بالخطاب وأثر في دلالته من غير كونه سياقاً [28]
وبين العلاقة التي تربط الحال والمقال والسياق وخلاصتها أن الحال تتميز عن المقال والسياق في أنها ليست مادة لغوية لفظية صادرة عن المتكلم ، لكنها ، مع ذلك ، لا تتبين ولا يقف المتلقي عليها ، في كثير من الأحيان ، إلا بمقال الخطاب أو السياق الذي ورد فيه .[29]
ثم ناقش الباحث مسألة تقسيم القرائن الحالية ودعوى الجويني والغزالي والتلمساني من الأصوليين بخروج القرائن الحالية عن الحد والعد ، وانتهى إلى إمكانية تقسيمها وحصرها من خلال تفكيك للعملية الكلامية ،فالكلام يتكون من الخطاب ، والمتكلَم ، والمخاطَب ، والعلاقة بين المتكلم والمخاطب ، والمتكلم فيه ( بيئة الخطاب ) ، والمتكلم بسببه ( سبب الخطاب ) ، والمتكلم لأجله ( علة الخطاب ) .[30]

ثم مثل الباحث لأقسام القرائن الحالية ، وبحث مسائل أصولية وفقهية تدخل في ضمن الأقسام المذكورة مثل أهمية علم المقاصد التي تدخل في حال المتكلم في الاجتهاد ، ومسألة تحديد صفة قول النبي بوصفه مشرعا أو إماما أو قائدا أو غيره من الأوصاف ، التي تدخل في حال المتكلم ، وقد قسم حال المتكلم إلى قسمين الحال الأصلي ، والحال الطارئ وبدوره يقسم إلى حالات .ومنها قضايا الأعيان التي تدخل في حال المخاطب ، وتفسير بعض الأحاديث بناء على مراعاة حال المخاطب ، وأثر البيئة التي قيل فيها النص في دلالة النص ، وبين الفرق بين سبب الخطاب وعلة الخطاب ، وبين آلية تكون الخطاب من خلال العلاقة الجامعة بين البيئة والسبب والعلة .ثم بحث مسألة تأثير كل من سبب الخطاب وعلته في الدلالة من الوجهة الأصولية ، وفرق بين قول النبي وعمله من حيث العموم والخصوص فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب في مجال الأقوال ، بينما العبرة بخصوص السبب لا بالعموم في مجال الأفعال [31] وبحث مسألة تعارض النص مع المصلحة كأثر لتأثير علة النص في دلالته مناقشاً ومستدركا على الغزالي في بحثه لمسألة تترس العدو بالمسلمين .
ثم ختم الباحث دراسته في تفصيل الأداة الثانية اللازمة لتدبر الخطاب وهي الأداة العقلية ، وبعد أن حصر تعريف العقل لدى الأصوليين انتهى إلى أن للعقل ثلاثة أدوار تتعلق بعملية التدبر : أحدها تحويل مجموعة المعارف المتعلقة بالخطاب من مجرد معارف محسوسة أو مخزونة في الدماغ إلى معاني ، ثم التنسيق بين هذه المعاني وصولا إلى المعنى الكامل للخطاب ، ومن ثم الإفادة من المعنى فائدة عملية .[32]
وهذه الدراسة تمثل نموذجا للبحث العلمي الأصولي الجاد القائم على الاستقراء والتحليل والتجديد ،فالباحث تميز بعمق التأصيل ودقة التحليل، مع القدرة على التفكيك والتركيب ليخرج لنا بهذه النظرية الجامعة ، وهي جديرة بالاهتمام من حيث فكرتها ، وطريقة طرحها وعرضها ، والمواضيع الزاخرة التي أثارتها ، لتدرس بتعمق دراسة تطبيقية على النصوص للوصول إلى مقصود الشارع من النص ، وهي بهذا قد فتحت الباب لهذا الجهد بعد رسم معالم المنهج الصحيح في تلقي النص وصولا لتدبره .


[1] صالح ، أيمن .القرائن والنص ص12.

[2] المرجع السابق ص36.

[3] القرائن والنص ص37

[4] المرجع السابق ص50.

[5] المرجع السابق ص52

[6] المرجع السابق ص53

[7] المرجع السابق . من ص60-65 .

[8] المرجع السابق 74

[9] أنظر ص 76 من المرجع السابق .

[10] أنظر تفصيل ذلك 80-89.

[11] المرجع السابق ص93.

[12] أنظر ص95 الحاشية .

[13] أنظر ص100.

[14] المرجع السابق ص106.

[15] المرجع السابق118.

[16] المرجع السابق ص123.

[17] أنظر المرجع السابق ص131.

[18] ص134

[19] ص148.

[20] المرجع السابق ص169.

[21] المرجع السابق ص188.

[22] أنظر ص229.

[23] المرجع السابق ص243

[24] ص243.

[25] المصدر السابق ص269.

[26] أنظر ص280.

[27] ص280.

[28] ص301.

[29] ص314.

[30] ص323.

[31] ص381.

[32] ص404.
 

المرفقات

  • قراءة في كتاب ال&#.doc
    83.5 KB · المشاهدات: 1

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: قراءة في كتاب: (القرائن والنص: دراسة في المنهج الأصولي في فقه النص)

جزاكم الله خيرا يا دكتور أيمن على هذه الدراسة
التي تحتاج إلى قراءة متأنية
ولكن لدي استفسار:
هل القاعدة التالية مطردة ومتفق عليها
؟
وفرق بين قول النبي وعمله من حيث العموم والخصوص فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب في مجال الأقوال ، بينما العبرة بخصوص السبب لا بالعموم في مجال الأفعال
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: قراءة في كتاب: (القرائن والنص: دراسة في المنهج الأصولي في فقه النص)

العبرة بالعموم لا الخصوص في مجال الأقوال هو مذهب جمهور العلماء. ونُسِبت المخالفة في ذلك إلى المزني وأبي ثور والأشعري وغيرهم تخريجا من اجتهادات لهم قصروا فيها العموم على سببه بل نسب بعضهم ذلك للشافعي والحنفية وهو خطأ في التخريج كما قاله الفخر الرازي وحققه الزركشي في البحر
أما الأفعال فهي إذا وردت على سبب كجمعه صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين في السفر فالأصل أن تقصر على سببها ولا تعمم في أسباب أخرى إلا بدليل خارجي كالقياس، فحديث جمعه صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين في السفر لا يشمل بلفظه الجمع بين الصلاتين بسبب المرض، وإن أجاز بعضهم الجمع بسبب المرض فهذا اعتماد على نص آخر أو قياس على السفر بجامع المشقة. وهذا كله ينبني على قولهم: إن الفعل لا عموم له في جهاته وأقسامه لأنه لا يقع إلا على جهة واحدة فمن أراد التعميم في الجهات الأخرى فلا بد له من دليل. وعلى ذلك تدل أقوال الأصوليين ولم أرهم يذكرون خلافا في هذه المسألة.
قال الخطيب البغدادي: الفقيه والمتفقه (1/ 352)
الْأَصْلَ فِي الْبَيَانِ هُوَ الْقَوْلُ , أَلَا تُرَاهُ يَتَعَدَّى بِصِيغَتِهِ؟ وَالْفِعْلُ لَا يَتَعَدَّى إِلَّا بِدَلِيلٍ , فَكَانَ الْقَوْلُ أَوْلَى
وقال إمام الحرمين في التلخيص في أصول الفقه (2/ 7)
الْعُمُوم وَالْخُصُوص على [المعرض] الَّذِي يتفاوض فِيهِ الأصوليون لَا يتَحَقَّق إِلَّا فِي الْأَقْوَال، فَأَما الْأَفْعَال فَلَا يتَحَقَّق فِيهَا عُمُوم بِحَال
وقال في الورقات (ص: 16)
والعموم من صِفَات النُّطْق وَلَا يجوز دَعْوَى الْعُمُوم فِي غَيره من الْفِعْل وَمَا يجْرِي مجْرَاه
وقال الغزالي في المستصفى (ص: 237)
مسألة: لا يمكن دعوى العموم في الفعل لأن الفعل لا يقع إلا على وجه معين، فلا يجوز أن يحمل على كل وجه يمكن أن يقع عليه لأن سائر الوجوه متساوية بالنسبة إلى محتملاته، والعموم ما يتساوى بالنسبة إلى دلالة اللفظ عليه، بل الفعل كاللفظ المجمل المتردد بين معان متساوية في صلاح اللفظ.
ومثاله: ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أنه صلى بعد غيبوبة الشفق» فقال قائل: الشفق شفقان الحمرة، والبياض، وأنا أحمله على وقوع صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدهما جميعا وكذلك صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الكعبة فليس لقائل أن يستدل به على جواز الفرض في البيت مصيرا إلى أن الصلاة تعم النفل، والفرض لأنه إنما يعم لفظ الصلاة لا فعل الصلاة، أما الفعل فإما أن يكون فرضا فلا يكون نفلا أو يكون نفلا فلا يكون فرضا.
وقال الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام (2/ 252)
الْفِعْلُ وَإِنِ انْقَسَمَ إِلَى أَقْسَامٍ وَجِهَاتٍ فَالْوَاقِعُ مِنْهُ لَا يَقَعُ إِلَّا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ مِنْهَا، فَلَا يَكُونُ عَامًّا لِجَمِيعِهَا بِحَيْثُ يُحْمَلُ وُقُوعُهُ عَلَى جَمِيعِ جِهَاتِهِ، وَذَلِكَ كَمَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ صَلَّى دَاخِلَ الْكَعْبَةِ، فَصَلَاتُهُ الْوَاقِعَةُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ فَرْضًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ نَفْلًا، وَلَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهَا فَرْضًا نَفْلًا، فَيَمْتَنِعُ الِاسْتِدْلَالُ بِذَلِكَ عَلَى جَوَازِ الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ فِي دَاخِلِ الْكَعْبَةِ جَمِيعًا، إِذْ لَا عُمُومَ لِلْفِعْلِ الْوَاقِعِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمَا، وَلَا يُمْكِنُ تَعْيِينُ أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ إِلَّا بِدَلِيلٍ.

هذا ومما تجدر الإشارة إليه أن الكلام هنا هو عن عموم الفعل في جهة الوقوع، أما عمومه في الأمة بمعنى حجيته على مدى الزمن لجميع المكلفين فهذا هو الأصل ودعوى الخصوصية لشخص تحتاج إلى دليل.
 
إنضم
31 يوليو 2011
المشاركات
2
التخصص
دراسات إسلامية
المدينة
جده
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: قراءة في كتاب: (القرائن والنص: دراسة في المنهج الأصولي في فقه النص)

يعطيك العافيه
 

توبة

:: متابع ::
إنضم
20 يونيو 2008
المشاركات
86
التخصص
فقه و أصوله
المدينة
-------
المذهب الفقهي
مالكي
رد: قراءة في كتاب: (القرائن والنص: دراسة في المنهج الأصولي في فقه النص)

الكتاب من مقتنيات مكتبة جامعتنا العام الماضي، وهو بطبعته الأنيقة و أسلوبه العلمي المطعم بالبيانات التوضيحية يعد إضافة نوعية إلى المكتبة الأصولية الحديثة ..فقط سقط من عنوانه كلمة "نظرية"!
 

إيمان الدوري

:: متابع ::
إنضم
12 مايو 2013
المشاركات
32
التخصص
العلوم الاسلامية
المدينة
العراق
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: قراءة في كتاب: (القرائن والنص: دراسة في المنهج الأصولي في فقه النص)

أين أجد كتاب القرائن والنص للدكتور أيمن صالح فأنا بحاجة له في موضوع بحث الماجستير
وجزاكم الله عني خيرا
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: قراءة في كتاب: (القرائن والنص: دراسة في المنهج الأصولي في فقه النص)

أين أجد كتاب القرائن والنص للدكتور أيمن صالح فأنا بحاجة له في موضوع بحث الماجستير وجزاكم الله عني خيرا
www.goo.gl/fxWmeg
 
أعلى