رد: دعوة للنقاش ما حكم تلقين الميت بعد الدفن؟
ذهب بعض أهل العلم إلى استحباب تلقين الميت بعد الدفن، وعلله بعضهم بأن الميت تعاد إليه روحه فيسمع ويعقل
قال الإمام النووي في شرح المهذب: قَالَ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ تَلْقِينُ الْمَيِّتِ عَقِبَ دَفْنِهِ فَيَجْلِسُ عِنْدَ رَأْسِهِ إنْسَانٌ وَيَقُولُ: يَا فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ وَيَا عَبْدَ اللَّهِ ابن أَمَةِ اللَّهِ اذْكُرْ الْعَهْدَ الَّذِي خَرَجْت عَلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا: شَهَادَةَ أَنْ لا اله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ وأن البعث حق وأن الساعة آتية لاريب فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَأَنَّك رَضِيت بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا وَبِالْقُرْآنِ إمَامًا وَبِالْكَعْبَةِ قِبْلَةً وَبِالْمُؤْمِنِينَ إخْوَانًا. زَادَ الشَّيْخُ نَصْرٌ: ربي الله لا إله الا هو عله تَوَكَّلْت وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ.
فَهَذَا التَّلْقِينُ عندهم مستحب ممن نَصَّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ أَصْحَابِنَا مُطْلَقًا.
وَسُئِلَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: التَّلْقِينُ هُوَ الَّذِي نَخْتَارُهُ وَنَعْمَلُ بِهِ. قَالَ وَرَوَيْنَا فِيهِ حَدِيثًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِالْقَائِمِ لَكِنْ اُعْتُضِدَ بِشَوَاهِدَ وَبِعَمَلِ أَهْلِ الشَّامِ قَدِيمًا هَذَا كَلَامُ أَبِي عَمْرٍو قُلْت حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ رَوَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَلَفْظُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيِّ قَالَ " شَهِدْتُ أَبَا أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ فِي النَّزْعِ فَقَالَ إذَا مِتُّ فَاصْنَعُوا بِي كَمَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إذَا مَاتَ أَحَدٌ مِنْ إخْوَانِكُمْ فَسَوَّيْتُمْ التُّرَابَ عَلَى قَبْرِهِ فَلْيَقُمْ أَحَدُكُمْ عَلَى رَأْسِ قَبْرِهِ ثُمَّ لِيَقُلْ يَا فُلَانَ ابْنَ فُلَانَةَ فَإِنَّهُ يَسْمَعُهُ وَلَا يُجِيبُ ثُمَّ يَقُولُ يَا فُلَانَ ابْنَ فُلَانَةَ فَإِنَّهُ يَسْتَوِي قَاعِدًا ثُمَّ يَقُولُ يا فلان ابن فُلَانَةَ فَإِنَّهُ يَقُولُ أَرْشِدْنَا رَحِمَك اللَّهُ وَلَكِنْ لا تشعرون فَلْيَقُلْ اُذْكُرْ مَا خَرَجْت عَلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّك رَضِيت بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا وَبِالْقُرْآنِ إمَامًا فَإِنَّ مُنْكَرًا وَنَكِيرًا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِيَدِ صَاحِبِهِ وَيَقُولُ انْطَلِقْ بِنَا مَا نَقْعُدُ عِنْدَ مَنْ لُقِّنَ حُجَّتَهُ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ نَعْرِفْ أُمَّهُ قَالَ فَيَنْسُبُهُ إلَى أُمِّهِ حَوَّاءَ يَا فُلَانَ ابْنَ حَوَّاءَ " قُلْتُ فَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا فَيُسْتَأْنَسُ بِهِ وَقَدْ اتَّفَقَ عُلَمَاءُ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرُهُمْ عَلَى الْمُسَامَحَةِ فِي أَحَادِيثِ الْفَضَائِلِ وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَقَدْ اُعْتُضِدَ بِشَوَاهِدَ مِنْ الْأَحَادِيثِ كَحَدِيثِ " وَاسْأَلُوا لَهُ الثبيت " وَوَصِيَّةِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَهُمَا صَحِيحَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا قَرِيبًا وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الشَّامِ عَلَى الْعَمَلِ بِهَذَا فِي زَمَنِ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ وَإِلَى الْآنَ وَهَذَا التَّلْقِينُ إنَّمَا " هُوَ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ الْمَيِّتِ أَمَّا الصَّبِيُّ فَلَا يُلَقَّنُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . أهـ
وفي الإقناع للخطيب الشربيني الشافعي: يسن تلقين الْمَيِّت الْمُكَلف بعد الدّفن لحَدِيث ورد فِيهِقَالَ فِي الرَّوْضَة: والْحَدِيث وَإِن كَانَ ضَعِيفا لكنه اعتضد بشواهد من الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة، وَلم تزل النَّاس على الْعَمَل بِهِ من الْعَصْر الأول فِي زمن من يقْتَدى بِهِ، وَيقْعد الملقن عِنْد رَأس الْقَبْر أما غير الْمُكَلف وَهُوَ الطِّفْل وَنَحْوه مِمَّن لم يتقدمه تَكْلِيف فَلَا يسن تلقينه لِأَنَّهُ لَا يفتن فِي قَبره. أهـ
وذهب آخرون إلى كراهته، ونص آخرون على بدعيته..
سئل الإمام أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن تلقين الميت في قبره فقال: ما رأيت أحداً يفعله إلا أهل الشام. قال: وكان أبو مغيرة يروي فيه عن أبي بكر بن أبي مريم عن أشياخهم أنهم كانوا يفعلون. أهـ
قال الموفق ابن قدامة في "المغني": فأما التلقين بعد الدفن فلم أجد فيه عن أحمد شيئاً ولا أعلم فيه للأئمة قولاً سوى ما رواه الأثرم.
وقال ابن تيمية: هذا التلقين المذكور قد نقل عن طائفة من الصحابة: أنهم أمروا به, كأبي أمامة الباهلي وغيره, وروي فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لكنه مما لا يحكم بصحته; ولم يكن كثير من الصحابة يفعل ذلك, فلهذا قال الإمام أحمد وغيره من العلماء: إن هذا التلقين لا بأس به، فرخصوا فيه ولم يأمروا به. واستحبه طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد وكرهه طائفة من العلماء من أصحاب مالك وغيرهم. والذي في السنن {عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يقوم على قبر الرجل من أصحابه إذا دفن ويقول: سلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل} , وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لقنوا أمواتكم لا إله إلا الله} . فتلقين المحتضر سنة مأمور بها. وقد ثبت أن المقبور يُسأل ويمتحن, وأنه يؤمر بالدعاء له; فلهذا قيل: إن التلقين ينفعه فإن الميت يسمع النداء. كما ثبت في الصحيح {عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنه ليسمع قرع نعالهم} وأنه قال: {ما أنتم بأسمع لما أقول منهم} , وأنه أمرنا بالسلام على الموتى. فقال: {ما من رجل يمر بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله روحه حتى يرد عليه السلام} .أهـ
وفي فتاوى العز بن عبد السلام: لم يصح في التلقين شيء وهو بدعة، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) محمولٌ على من دنا موته ويئس من حياته. أهـ