حسب الرسول الطيب الشيخ
:: متابع ::
- إنضم
- 15 نوفمبر 2011
- المشاركات
- 9
- الكنية
- أبو الطيب
- التخصص
- دراسات إسلامية
- المدينة
- الخرطوم
- المذهب الفقهي
- المالكي
بسم الله الرحمن الرحيم
ترجمة الإمام الشافعي
** توطئة :
هو أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعيّ القرشي الهاشمي المكي (150 هـ - 204 هـ)، صاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلاميّ.
ويُعَدّ مؤسّس علم أصول الفقه، وأول من وضع كتابًا لأصول الفقه سماه "الرسالة".
كما ويعد مجدد الإسلام في القرن الثاني الهجري كما قال بذلك أحمد بن حنبل، كما ورد في الحديث الشريف: «لا تسبوا قريشاً فإن عالمها يملأ الأرض علماً» ، حيث قال أبو نعيم عبد الملك بن محمد الإسفراييني: لا ينطبق هذا إلا على محمد بن إدريس الشافعي
**نسبه وميلاده ونشأته:
هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن عباس بن عثمان بن شافع بن سائد بن عبد الله بن عبد يزيد بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان القرشي المطّلبي الشافعي الحجازي المكّي.
يلتقي في نسبه مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جده عبد مناف بن قصي.
وأما نسبه من جهة والدته، ففيه قولان، أما الأول فأن اسمها فاطمة بنت عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب كما جزم به سليمان الجمل.
ولد سنة 150 هـ (وهي السنة التي توفّي فيها أبو حنيفة) في حيّ اليمن في غزة، وقيل في عسقلان.
مات أبوه وهو صغير فحملته أمه إلى مكة وهو ابن سنتين لئلا يضيع نسبه، فنشأ بمكة وقرأ القرآن وهو ابن سبع سنين
وأقبل على الرمي حتى فاق فيه الأقران وصار يصيب من عشرة أسهم تسعة،
ثم أقبل على العربية والشرع فبرع في ذلك وتقدم،
ثم حبب إليه الفقه، فحفظ الموطأ وهو ابن عشر،
وأفتى وهو ابن خمس عشرة سنة،
يقول عن نفسه: «كنت أنا في الكتاب أسمع المعلّم يلقن الصبي الآية فأحفظها أنا، ولقد كان الصبيان يكتبون ما يُملى عليهم فإلى أن يفرغ المعلّم من الإملاء عليهم أكون قد حفظت جميع ما أملى، فقال لي ذات يوم: ما يحل لي أن آخذ منك شيئًا أي أجرا
كان الشافعي في ابتداء أمره يطلب الشعر وأيام العرب والأدب، ولزم قبيلة هذيل في البادية يتعلم كلامها ويأخذ طبعها، وكانت أفصح العرب، فبقي فيهم سبع عشرة سنة يرحل برحيلهم وينزل بنزولهم ويحفظ أشعارهم حتى قال الأصمعي عنه: «صحّحتُ أشعار هُذيل على فتى من قريش يقال له محمد بن إدريس»،
فلما رجع إلى مكة جعل الشافعي ينشد الأشعار ويذكر الآداب والأخبار وأيام العرب، فمرّ به رجل من بني عثمان من الزبيريين فقال: «يا أبا عبد الله، عزّ عليّ أن لا يكون مع هذه اللغة وهذه الفصاحة والذكاء فقه، فتكون قد سدت أهل زمانك»، فتأثر الشافعي بكلامه وعزم على التوجه لتعلم الفقه
فقرأ على ابن عيينة، ثم جالس مسلم بن خالد الزنجي مفتي مكة (والذي أخذ عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس وابن الزبير وغيرهما، عن جماعة من الصحابة، منهم: عمر وعلي، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وغيرهم)،
فأخذ عنه الفقه، حتى أذن له بالإفتاء وهو في سن العشرين. كما وقرأ القرآن على إسماعيل بن قسطنطين، عن شبل، عن ابن كثير، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يقول الشافعي عن نفسه: «أقمت في بطون العرب عشرين سنة أخذ أشعارها ولغاتها، وحفظت القرآن فما علمت أنه مرّ بي حرف إلا وقد علمت المعنى فيه والمراد
** أخذه العلم عن الإمام مالك:
اشتهر اسم مالك بن أنس في زمن الشافعي وتناقل الناس كتابه الموطأ، فأراد الشافعي أن يرحل إلى المدينة المنورة للأخذ عن مالك العلم، فكان أول ما فعله هو حفظ الموطأ، فحفظه في تسع ليالٍ،
ثم قصد بعدها المدينة المنورة وعمره يومئذ اثنتي عشرة سنة وقيل: عشرين ، فقدم على مالك ومعه توصية من والي مكة إليه، فلما لقيه قال له مالك:
«يا محمد، اتق الله واجتنب المعاصي فإنه سيكون لك شأن»،
ثم قرأ عليه الموطأ، فأعجب به وبقراءته فلازمه الشافعي حتى وفاة مالك سنة 179 هـ.
قال عنه الشافعي: "إذا ذُكر العلماء فمالك النجم، وما أحد أمنّ عليّ من مالك بن أنس. مالك بن أنس معلمي وعنه أخذت العلم".
وفي الوقت نفسه أخذ عن إبراهيم بن سعد الأنصاري ، ومحمد بن سعيد بن أبي فديك وغيرهم
** هجراته إلى الأمصار وتكون المذهب:
بعد وفاة مالك بن أنس عاد الشافعي إلى مكة، وصادف قدوم والي اليمن إلى مكة، فطلب من الشافعي أن يذهب معه للعمل في نجران في اليمن، فذهب معه وأصبح والي نجران، فحكم فيهم بالعدل، فوجد معارضة من الناس حتى وشوا به ظلمًا إلى الخليفة هارون الرشيد أنه يريد الخلافة، فأرسل في استدعائه سنة 184 هـ، لكنه لما حضر بين يدي الخليفة في بغداد أحسن الدفاع عن نفسه بلسان عربي مبين، وبحجة ناصعة قوية؛ فأعجب به الخليفة، وأطلق سراحه،
فبقي الشافعي في بغداد، والتقى بمحمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة فاستفاد منه وأخذ عنه العلم حتى قال: «حملت عن محمد بن الحسن وَقر بعير، ليس فيه إلا سماعي منه».
وقد بقي في ضيافة محمد بن الحسن مدة من الزمن نحو سنتين عاد بعدها إلى مكة.
انتقل بعدها الشافعي إلى بغداد وقدمها للمرة الثانية سنة 195 هـ حاملاً كتبًا حاويةً للمناهج والفروع التي استنبطها، فاجتمع به جماعة من العلماء منهم: أحمد بن حنبل، وأبو ثور، والحسين بن علي الكرابيسي، والحارث بن شريح البقال، وأبو عبد الرحمن الشافعي، والزعفراني، وغيرهم.
وأخذ يملي هذه الكتب على تلاميذه، فدوّنوا "الرسالة" و"الأمّ"، وقد كتبها تلميذه الزعفراني. وبقي ينشر العلم مدة سنتين، حتى شاع ذكره فسمي بـ "ناصر الحديث". عاد بعدها إلى مكة،
ثم رجع إلى بغداد للمرة الثالثة سنة 198 هـ مكث فيها عدة أشهر
بعد ذلك خرج الشافعي إلى مصر سنة 199 هـ وحينما خرج من العراق قاصدًا مصر قالوا له: أتذهب مصر وتتركنا فقال لهم: هناك الممات.
وحينما دخل مصر أقام في الفسطاط واشتغل في طلب العلم وتدريسه، وفي تلك المدة غيّر الشافعي الكثير من اجتهاداته وأملى من جديدٍ كتبه على تلاميذه في الفسطاط مجدِّدًا لآرائه، وقد خالف بعضها وأقرّ أكثرها.
وكان رَاويته لهذه الكتب الجديدة هو ربيعة بن سليمان المرادي.
وصار للشافعي بهذا نوعان من الكتب؛ أحدهما: كتبه التي بالعراق، وهي القديمة، والأخرى بمصر وهي الجديدة. ولهذا قال بعضهم: إنّ له مذهبين: أحدهما قديم، والآخر جديد
** إجتهاده في نشر العلم:
حدث الربيع بن سليمان قال: «كان الشافعي يجلس في حلقته إذا صلى الصبح، فيجيئه أهل القرآن فإذا طلعت الشمس قاموا وجاء أهل الحديث فيسألونه تفسيره ومعانيه، فإذا ارتفعت الشمس قاموا فاستوت الحلقة للمذاكرة والنظر، فإذا ارتفع الضحى تفرقوا، وجاء أهل العربية والعروض والنحو والشعر فلا يزالون إلى قرب انتصاف النهار، ثم ينصرف، رضي الله عنه».
وحدث محمد بن عبد الحكم قال: «ما رأيت مثل الشافعي، كان أصحاب الحديث يجيئون إليه ويعرضون عليه غوامض علم الحديث، وكان يوقفهم على أسرار لم يقفوا عليها فيقومون وهم متعجبون منه، وأصحاب الفقه الموافقون والمخالفون لايقومون إلا وهم مذعنون له، وأصحاب الأدب يعرضون عليه الشعر فيبين لهم معانيه».
** مصنفاته:
1- كتاب الأم.
2- الرسالة في أصول الفقه، وهي أول كتاب صنف في علم أصول الفقه.
وله مؤلفات أخرى منها:
اختلاف الحديث، ومسند في الحديث، سمي بـ "مسند الشافعي" وأحكام القرآن والناسخ والمنسوخ، وكتاب القسامة، وكتاب الجزية، وقتال أهل البغي، وسبيل النجاة،
كما له ديوان شعر طبع كثيرا.
** تلاميذه: وهم كثر، نذكر منهم الأبرز والأشهر:
فمن تلاميذه في الحجاز:
• محمد بن إدريس
• إبراهيم بن محمد بن العباس بن عثمان بن شافع المطلبي
• موسى بن أبي الجارود المكي المشهور بأبي الوليد
• أبو بكر الحميدي
ومن تلاميذه في العراق:
• أحمد بن حنبل
• إبراهيم بن خالد الكلبي أبو ثور
• أبوعلي الحسين بن على بن يزيد الكرابيسي
• محمد بن الحسن بن الصباح الزعفراني أبوعلي
• أبوعبدالرحمن احمد بن محمد بن يحيى الأشعري البصري
ومن تلاميذه في مصر:
• أبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي
• إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل المزني
• الربيع المرادي.
• الربيع بن سليمان الجيزي
• يونس بن عبد الأعلى الصدفي
• حرملة بن يحيى بن حرملة التجيبي
• محمد بن عبد الله بن عبد الحكم
** صفاته وتقريظ أهل العلم له:
كان الشافعي مشهوراً بتواضعه، كما كان عابدا يقسم الليل ثلاثة أجزاء: ثلثا للعلم، وثلثاً للعبادة. وثلثاً للنوم.
قال الربيع: كان الشافعي يختم القرآن في رمضان ستين مرة كل ذلك في الصلاة.
وقال الحسن الكرابيسي: بت مع الشافعي غير ليلة فكان يصلي نحواً من ثلث الليل فما رأيته يزيد على خمسين آية، فإذا أكثر فمائة آية، وكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل الله لنفسه ولجميع المسلمين والمؤمنين، ولا يمر بآية عذاب إلا تعوذ فيها وسأل النجاة لنفسه وللمؤمنين، وكأنما جمع له الرجاء والخوف معاً.
قال أحمد بن يحيى بن الوزير: خرج الشافعي يوماً من سوق القناديل فتبعناه فإذا رجل يسفه على رجل من أهل العلم، فالتفت الشافعي إلينا وقال: نزهوا أسماعكم عن استماع الخنا كما تنزهون ألسنتكم عن النطق به، فإن المستمع شريك القائل، وإن السفيه لينظر إلى أخبث شيء في إنائه فيحرص أن يفرغه في أوعيتكم ولو ردت كلمة السفيه لسعد رادها كما شقي بها قائلها.
قال الحميدي: خرج الشافعي إلى اليمن مع بعض الولاة فانصرف إلى مكة بعشرة آلاف درهم فضرب له خباء في موضع خارجاً عن مكة فكان الناس يأتونه، فما برح من موضعه ذلك حتى فرقها كلها.
وخرج من الحمام مرة فأعطى الحمامي مالاً كثيراً.
وسقط سوطه من يده مرة فرفعه إنسان إليه فأعطاه جزاء عليه خمسين ديناراً.
ويدل على قوة زهده وشدة خوفه من الله تعالى واشتغال همته بالآخرة ما روي أنه روى سفيان بن عيينة حديثاً في الرقائق فغشي على الشافعي فقيل له: قد مات، فقال: إن مات فقد مات أفضل أهل زمانه.
وروى عبد الله بن محمد البلوي قال: كنت أنا وعمر بن نباتة جلوساً نتذاكر العباد والزهاد فقال لي عمر: ما رأيت أورع ولا أفصح من محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه: خرجت أنا وهو والحارث بن لبيد إلى الصفا وكان الحارث تلميذ الصالح المري فافتتح يقرأ وكان حسن الصوت، فقرأ هذه الآية عليه " هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون " فرأيت الشافعي وقد تغير لونه واقشعر جلده واضطرب اضطراباً شديداً وخر مغشياً عليه فلما أفاق جعل يقول: أعوذ بك من مقام الكاذبين وإعراض الغافلين، اللهم لك خضعت قلوب العارفين وذلت لك رقاب المشتاقين، إلهي هب لي جودك وجللني بسترك واعف عن تقصيري بكرم وجهك.
وحدث محمد بن عبد الله المصري قال : كان الشافعي أسخى الناس بما يجد.
قال عمرو بن سواد السرجي : كان الشافعي أسخى الناس عن الدنيا والدرهم والطعام، فقال لي الشافعي: أفلست في عمري ثلاث إفلاسات، فكنت أبيع قليلي وكثيري، حتى حلي ابنتي وزوجتي ولم أرهن قط.
قال الربيع: كان الشافعي إذا سأله إنسان يحمرّ وجهه حياء من السائل، ويبادر بإعطائه.
** وفاته:
قبل وفاة الشافعي ظهر فيه مرض البواسير وهو في مصر، وبسبب هذا المرض ما انقطع عنه النزيف، وربما ركب فسال الدم من عقبيه، وكان لا يبرح الطست تحته وفيه لبدة محشوه، وما لقي أحد من السقم مالقي، فالنزيف أنهكه وأعنته.
وقد ترك الشافعي في مدة مرضه هذه (أربع سنوات) ما يملأ آلاف الورق من العلم، مع وصلة الدروس والأبحاث والمناظرات والمطالعات في الليل والنهار.
قال الربيع بن سليمان: أقال الشافعي ها هنا أربع سنين، فأملى ألفا وخمسمائة ورقة، وخرج كتاب "الأم" ألفي ورقة وكتاب "السنين" وأشياء كثيرة، كلها في أربع سنين.
توفّي الشافعي وقت صلاة العشاء ليلة الجمعة بعد أن صلى المغرب، ودفن بعد العصر يوم الجمعة 30 رجب سنة 204 هـ، وقبره في مصر.
ولما أخذ إلى مثواه الأخير، حمل على الأعناق من القاهرة في مصر حتى مقبرة بني زهرة.
يقول النووي عن قبره:"وقبره بمصر عليه من الجلال، وله من الاحترام ما هو لائق بمنصب ذلك الإمام".
وقد أمر الناصر صلاح الدين الأيوبي بعمل تابوت خشبي لقبر الشافعي مزخرف مؤرخ عليه سنة 574 هـ كما وقد بُني على قبره قبة جددّها الناصر صلاح الدين الأيوبي ِ
نقلا عن الموسوعة الحرة ويكبيديا؛ بتصرف بسيط
حسب الرسول الطيب الشيخ
Hasbo1969@gmail.com
ترجمة الإمام الشافعي
** توطئة :
هو أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعيّ القرشي الهاشمي المكي (150 هـ - 204 هـ)، صاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلاميّ.
ويُعَدّ مؤسّس علم أصول الفقه، وأول من وضع كتابًا لأصول الفقه سماه "الرسالة".
كما ويعد مجدد الإسلام في القرن الثاني الهجري كما قال بذلك أحمد بن حنبل، كما ورد في الحديث الشريف: «لا تسبوا قريشاً فإن عالمها يملأ الأرض علماً» ، حيث قال أبو نعيم عبد الملك بن محمد الإسفراييني: لا ينطبق هذا إلا على محمد بن إدريس الشافعي
**نسبه وميلاده ونشأته:
هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن عباس بن عثمان بن شافع بن سائد بن عبد الله بن عبد يزيد بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان القرشي المطّلبي الشافعي الحجازي المكّي.
يلتقي في نسبه مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جده عبد مناف بن قصي.
وأما نسبه من جهة والدته، ففيه قولان، أما الأول فأن اسمها فاطمة بنت عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب كما جزم به سليمان الجمل.
ولد سنة 150 هـ (وهي السنة التي توفّي فيها أبو حنيفة) في حيّ اليمن في غزة، وقيل في عسقلان.
مات أبوه وهو صغير فحملته أمه إلى مكة وهو ابن سنتين لئلا يضيع نسبه، فنشأ بمكة وقرأ القرآن وهو ابن سبع سنين
وأقبل على الرمي حتى فاق فيه الأقران وصار يصيب من عشرة أسهم تسعة،
ثم أقبل على العربية والشرع فبرع في ذلك وتقدم،
ثم حبب إليه الفقه، فحفظ الموطأ وهو ابن عشر،
وأفتى وهو ابن خمس عشرة سنة،
يقول عن نفسه: «كنت أنا في الكتاب أسمع المعلّم يلقن الصبي الآية فأحفظها أنا، ولقد كان الصبيان يكتبون ما يُملى عليهم فإلى أن يفرغ المعلّم من الإملاء عليهم أكون قد حفظت جميع ما أملى، فقال لي ذات يوم: ما يحل لي أن آخذ منك شيئًا أي أجرا
كان الشافعي في ابتداء أمره يطلب الشعر وأيام العرب والأدب، ولزم قبيلة هذيل في البادية يتعلم كلامها ويأخذ طبعها، وكانت أفصح العرب، فبقي فيهم سبع عشرة سنة يرحل برحيلهم وينزل بنزولهم ويحفظ أشعارهم حتى قال الأصمعي عنه: «صحّحتُ أشعار هُذيل على فتى من قريش يقال له محمد بن إدريس»،
فلما رجع إلى مكة جعل الشافعي ينشد الأشعار ويذكر الآداب والأخبار وأيام العرب، فمرّ به رجل من بني عثمان من الزبيريين فقال: «يا أبا عبد الله، عزّ عليّ أن لا يكون مع هذه اللغة وهذه الفصاحة والذكاء فقه، فتكون قد سدت أهل زمانك»، فتأثر الشافعي بكلامه وعزم على التوجه لتعلم الفقه
فقرأ على ابن عيينة، ثم جالس مسلم بن خالد الزنجي مفتي مكة (والذي أخذ عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس وابن الزبير وغيرهما، عن جماعة من الصحابة، منهم: عمر وعلي، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وغيرهم)،
فأخذ عنه الفقه، حتى أذن له بالإفتاء وهو في سن العشرين. كما وقرأ القرآن على إسماعيل بن قسطنطين، عن شبل، عن ابن كثير، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يقول الشافعي عن نفسه: «أقمت في بطون العرب عشرين سنة أخذ أشعارها ولغاتها، وحفظت القرآن فما علمت أنه مرّ بي حرف إلا وقد علمت المعنى فيه والمراد
** أخذه العلم عن الإمام مالك:
اشتهر اسم مالك بن أنس في زمن الشافعي وتناقل الناس كتابه الموطأ، فأراد الشافعي أن يرحل إلى المدينة المنورة للأخذ عن مالك العلم، فكان أول ما فعله هو حفظ الموطأ، فحفظه في تسع ليالٍ،
ثم قصد بعدها المدينة المنورة وعمره يومئذ اثنتي عشرة سنة وقيل: عشرين ، فقدم على مالك ومعه توصية من والي مكة إليه، فلما لقيه قال له مالك:
«يا محمد، اتق الله واجتنب المعاصي فإنه سيكون لك شأن»،
ثم قرأ عليه الموطأ، فأعجب به وبقراءته فلازمه الشافعي حتى وفاة مالك سنة 179 هـ.
قال عنه الشافعي: "إذا ذُكر العلماء فمالك النجم، وما أحد أمنّ عليّ من مالك بن أنس. مالك بن أنس معلمي وعنه أخذت العلم".
وفي الوقت نفسه أخذ عن إبراهيم بن سعد الأنصاري ، ومحمد بن سعيد بن أبي فديك وغيرهم
** هجراته إلى الأمصار وتكون المذهب:
بعد وفاة مالك بن أنس عاد الشافعي إلى مكة، وصادف قدوم والي اليمن إلى مكة، فطلب من الشافعي أن يذهب معه للعمل في نجران في اليمن، فذهب معه وأصبح والي نجران، فحكم فيهم بالعدل، فوجد معارضة من الناس حتى وشوا به ظلمًا إلى الخليفة هارون الرشيد أنه يريد الخلافة، فأرسل في استدعائه سنة 184 هـ، لكنه لما حضر بين يدي الخليفة في بغداد أحسن الدفاع عن نفسه بلسان عربي مبين، وبحجة ناصعة قوية؛ فأعجب به الخليفة، وأطلق سراحه،
فبقي الشافعي في بغداد، والتقى بمحمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة فاستفاد منه وأخذ عنه العلم حتى قال: «حملت عن محمد بن الحسن وَقر بعير، ليس فيه إلا سماعي منه».
وقد بقي في ضيافة محمد بن الحسن مدة من الزمن نحو سنتين عاد بعدها إلى مكة.
انتقل بعدها الشافعي إلى بغداد وقدمها للمرة الثانية سنة 195 هـ حاملاً كتبًا حاويةً للمناهج والفروع التي استنبطها، فاجتمع به جماعة من العلماء منهم: أحمد بن حنبل، وأبو ثور، والحسين بن علي الكرابيسي، والحارث بن شريح البقال، وأبو عبد الرحمن الشافعي، والزعفراني، وغيرهم.
وأخذ يملي هذه الكتب على تلاميذه، فدوّنوا "الرسالة" و"الأمّ"، وقد كتبها تلميذه الزعفراني. وبقي ينشر العلم مدة سنتين، حتى شاع ذكره فسمي بـ "ناصر الحديث". عاد بعدها إلى مكة،
ثم رجع إلى بغداد للمرة الثالثة سنة 198 هـ مكث فيها عدة أشهر
بعد ذلك خرج الشافعي إلى مصر سنة 199 هـ وحينما خرج من العراق قاصدًا مصر قالوا له: أتذهب مصر وتتركنا فقال لهم: هناك الممات.
وحينما دخل مصر أقام في الفسطاط واشتغل في طلب العلم وتدريسه، وفي تلك المدة غيّر الشافعي الكثير من اجتهاداته وأملى من جديدٍ كتبه على تلاميذه في الفسطاط مجدِّدًا لآرائه، وقد خالف بعضها وأقرّ أكثرها.
وكان رَاويته لهذه الكتب الجديدة هو ربيعة بن سليمان المرادي.
وصار للشافعي بهذا نوعان من الكتب؛ أحدهما: كتبه التي بالعراق، وهي القديمة، والأخرى بمصر وهي الجديدة. ولهذا قال بعضهم: إنّ له مذهبين: أحدهما قديم، والآخر جديد
** إجتهاده في نشر العلم:
حدث الربيع بن سليمان قال: «كان الشافعي يجلس في حلقته إذا صلى الصبح، فيجيئه أهل القرآن فإذا طلعت الشمس قاموا وجاء أهل الحديث فيسألونه تفسيره ومعانيه، فإذا ارتفعت الشمس قاموا فاستوت الحلقة للمذاكرة والنظر، فإذا ارتفع الضحى تفرقوا، وجاء أهل العربية والعروض والنحو والشعر فلا يزالون إلى قرب انتصاف النهار، ثم ينصرف، رضي الله عنه».
وحدث محمد بن عبد الحكم قال: «ما رأيت مثل الشافعي، كان أصحاب الحديث يجيئون إليه ويعرضون عليه غوامض علم الحديث، وكان يوقفهم على أسرار لم يقفوا عليها فيقومون وهم متعجبون منه، وأصحاب الفقه الموافقون والمخالفون لايقومون إلا وهم مذعنون له، وأصحاب الأدب يعرضون عليه الشعر فيبين لهم معانيه».
** مصنفاته:
1- كتاب الأم.
2- الرسالة في أصول الفقه، وهي أول كتاب صنف في علم أصول الفقه.
وله مؤلفات أخرى منها:
اختلاف الحديث، ومسند في الحديث، سمي بـ "مسند الشافعي" وأحكام القرآن والناسخ والمنسوخ، وكتاب القسامة، وكتاب الجزية، وقتال أهل البغي، وسبيل النجاة،
كما له ديوان شعر طبع كثيرا.
** تلاميذه: وهم كثر، نذكر منهم الأبرز والأشهر:
فمن تلاميذه في الحجاز:
• محمد بن إدريس
• إبراهيم بن محمد بن العباس بن عثمان بن شافع المطلبي
• موسى بن أبي الجارود المكي المشهور بأبي الوليد
• أبو بكر الحميدي
ومن تلاميذه في العراق:
• أحمد بن حنبل
• إبراهيم بن خالد الكلبي أبو ثور
• أبوعلي الحسين بن على بن يزيد الكرابيسي
• محمد بن الحسن بن الصباح الزعفراني أبوعلي
• أبوعبدالرحمن احمد بن محمد بن يحيى الأشعري البصري
ومن تلاميذه في مصر:
• أبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي
• إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل المزني
• الربيع المرادي.
• الربيع بن سليمان الجيزي
• يونس بن عبد الأعلى الصدفي
• حرملة بن يحيى بن حرملة التجيبي
• محمد بن عبد الله بن عبد الحكم
** صفاته وتقريظ أهل العلم له:
كان الشافعي مشهوراً بتواضعه، كما كان عابدا يقسم الليل ثلاثة أجزاء: ثلثا للعلم، وثلثاً للعبادة. وثلثاً للنوم.
قال الربيع: كان الشافعي يختم القرآن في رمضان ستين مرة كل ذلك في الصلاة.
وقال الحسن الكرابيسي: بت مع الشافعي غير ليلة فكان يصلي نحواً من ثلث الليل فما رأيته يزيد على خمسين آية، فإذا أكثر فمائة آية، وكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل الله لنفسه ولجميع المسلمين والمؤمنين، ولا يمر بآية عذاب إلا تعوذ فيها وسأل النجاة لنفسه وللمؤمنين، وكأنما جمع له الرجاء والخوف معاً.
قال أحمد بن يحيى بن الوزير: خرج الشافعي يوماً من سوق القناديل فتبعناه فإذا رجل يسفه على رجل من أهل العلم، فالتفت الشافعي إلينا وقال: نزهوا أسماعكم عن استماع الخنا كما تنزهون ألسنتكم عن النطق به، فإن المستمع شريك القائل، وإن السفيه لينظر إلى أخبث شيء في إنائه فيحرص أن يفرغه في أوعيتكم ولو ردت كلمة السفيه لسعد رادها كما شقي بها قائلها.
قال الحميدي: خرج الشافعي إلى اليمن مع بعض الولاة فانصرف إلى مكة بعشرة آلاف درهم فضرب له خباء في موضع خارجاً عن مكة فكان الناس يأتونه، فما برح من موضعه ذلك حتى فرقها كلها.
وخرج من الحمام مرة فأعطى الحمامي مالاً كثيراً.
وسقط سوطه من يده مرة فرفعه إنسان إليه فأعطاه جزاء عليه خمسين ديناراً.
ويدل على قوة زهده وشدة خوفه من الله تعالى واشتغال همته بالآخرة ما روي أنه روى سفيان بن عيينة حديثاً في الرقائق فغشي على الشافعي فقيل له: قد مات، فقال: إن مات فقد مات أفضل أهل زمانه.
وروى عبد الله بن محمد البلوي قال: كنت أنا وعمر بن نباتة جلوساً نتذاكر العباد والزهاد فقال لي عمر: ما رأيت أورع ولا أفصح من محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه: خرجت أنا وهو والحارث بن لبيد إلى الصفا وكان الحارث تلميذ الصالح المري فافتتح يقرأ وكان حسن الصوت، فقرأ هذه الآية عليه " هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون " فرأيت الشافعي وقد تغير لونه واقشعر جلده واضطرب اضطراباً شديداً وخر مغشياً عليه فلما أفاق جعل يقول: أعوذ بك من مقام الكاذبين وإعراض الغافلين، اللهم لك خضعت قلوب العارفين وذلت لك رقاب المشتاقين، إلهي هب لي جودك وجللني بسترك واعف عن تقصيري بكرم وجهك.
وحدث محمد بن عبد الله المصري قال : كان الشافعي أسخى الناس بما يجد.
قال عمرو بن سواد السرجي : كان الشافعي أسخى الناس عن الدنيا والدرهم والطعام، فقال لي الشافعي: أفلست في عمري ثلاث إفلاسات، فكنت أبيع قليلي وكثيري، حتى حلي ابنتي وزوجتي ولم أرهن قط.
قال الربيع: كان الشافعي إذا سأله إنسان يحمرّ وجهه حياء من السائل، ويبادر بإعطائه.
** وفاته:
قبل وفاة الشافعي ظهر فيه مرض البواسير وهو في مصر، وبسبب هذا المرض ما انقطع عنه النزيف، وربما ركب فسال الدم من عقبيه، وكان لا يبرح الطست تحته وفيه لبدة محشوه، وما لقي أحد من السقم مالقي، فالنزيف أنهكه وأعنته.
وقد ترك الشافعي في مدة مرضه هذه (أربع سنوات) ما يملأ آلاف الورق من العلم، مع وصلة الدروس والأبحاث والمناظرات والمطالعات في الليل والنهار.
قال الربيع بن سليمان: أقال الشافعي ها هنا أربع سنين، فأملى ألفا وخمسمائة ورقة، وخرج كتاب "الأم" ألفي ورقة وكتاب "السنين" وأشياء كثيرة، كلها في أربع سنين.
توفّي الشافعي وقت صلاة العشاء ليلة الجمعة بعد أن صلى المغرب، ودفن بعد العصر يوم الجمعة 30 رجب سنة 204 هـ، وقبره في مصر.
ولما أخذ إلى مثواه الأخير، حمل على الأعناق من القاهرة في مصر حتى مقبرة بني زهرة.
يقول النووي عن قبره:"وقبره بمصر عليه من الجلال، وله من الاحترام ما هو لائق بمنصب ذلك الإمام".
وقد أمر الناصر صلاح الدين الأيوبي بعمل تابوت خشبي لقبر الشافعي مزخرف مؤرخ عليه سنة 574 هـ كما وقد بُني على قبره قبة جددّها الناصر صلاح الدين الأيوبي ِ
نقلا عن الموسوعة الحرة ويكبيديا؛ بتصرف بسيط
حسب الرسول الطيب الشيخ
Hasbo1969@gmail.com