وضاح أحمد الحمادي
:: متخصص ::
- إنضم
- 31 مارس 2009
- المشاركات
- 1,279
- الإقامة
- عدن
- الجنس
- ذكر
- الكنية
- أبو عبد الرحمن
- التخصص
- لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
- الدولة
- اليمن
- المدينة
- عدن
- المذهب الفقهي
- شافعي
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه:
وبعد :
استحسنت طلب الدكتور الفاضل أيمن علي صالح تتبع اعتراضات الإمام ابن الفخار في كتابه (الإنتصار) وعرضها على سبيل التتابع ، وأرجو ـ وكما ذكر الدكتور أيضاً ـ أن ينظر فيها الإخوة ويشاركوا فيها.
اختار محقق كتاب (الإنتصار) أن صاحبه الإمام ابن الفخار صنفه رداً على ابن حزم الظاهري مستشهداً بأمور منها أنه وصف المردود عليه بالشافعي ، وهذه كانت حالة ابن حزم رحمه الله قبل أن ينتقل إلى مذهب أهل الظاهر ، وأنه مع هذه النسبة خالف مذهب الشافعي في مسائل وبالنظر إلى هذه المسائل التي ذكرها ابن الفخار موافقة لمذهب ابن حزم رحمه الله بعد انتقاله كما ذكره المحقق في مقدمته وفي ثنايا الكتاب ، بالإضافة إلى التشابه بين عبارات المردود عليه التي نقلها ابن الفخار من عبارات ابن حزم في (المحلى) سواءً كان التشابه في المضمون فقط أو كاد يكون تطابقاً.
وهذا رأي قوي في ظني ، لذا أظن أنه ينبغي عند حل الإشكالات عدم إغفال كلام ابن حزم رحمه الله ، وتمييز ما هو من مذهب الشافعي فيكون هو مقصودنا بهذه الأجوبة ، وما كان منه رأياً لابن حزم أو المردود عليه من حيث هو مخالف لمذهب الشافعي من جهة فينظر فيه ويحل إشكاله شأنه شأن الإشكالات التي يضعفها المصنف نفسه ، ومن حيث هو مردود عليه فهذا لا أذكره إلا بحسب النشاط وعدمه إذ لم يكن له تعلق بمذهب الشافعي.
فنقول :
قال الإمام ابن الفخار رحمه الله : "ثم بدأ هذا المتعسف الجاهل بما أورده أهل العلم من الأئمة الماضين ، وألزمهم مخالفة ما أورده من الأحاديث الثابتة بسوء فهمه ، وقلة درايته ، وما لم يحط به خبرا ، فقال : باب خلافهم ـ يعني مالكاً ـ للنبي صلى الله عليه وسلم فيما أحبوا"
أقول : إن كان المردود عليه ابن حزم ـ كما هو الظاهر ـ فالأولى تقدير إرادته المالكية لا مالك ، وكأن ابن الفخار رحمه الله قدَّرَ مالكاً ليُسْتَقْبَحَ القول ويستهجن . والله أعلم ، لكن ديدن ابن حزم في عامة كتبه أن لا يعمد إلى إمام باسمه بالتقذيع ، بل إما أتباعه أو يُعَمِّي ولا يصرح بإسم ، وربما وقع له التصريح باسم إمام مقذعاً مستهجناً قوله بما لا يليق.
مسألة (1) : هذه أول المسائل التي ذكرها ابن الفخار ولم يعنونها بمسألة كما فعل بما يليها ، قال رحمه الله ، نقل رحمه الله عن المعترض قوله : " خالفوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا شرب الكلب من إناء أحكم، فليغسله سبع مرات) فقال مالك رحمه الله : لا يغسل إلا بالماء وحده ، ولا يلقى الطعام الذي ولغ فيه ، فخصوا حديث النبي صلى الله عليه وسلم فيما أرادوا ، ولم يستعملوه في عمومه كما جاء ، وإذا جاز لغيرهم أن يقول : بل يهرق الطعام وحده ، ويترك الماء ولا يهرق ، وهو أعذر ، لأن الماء جاء الحديث أنه لا ينجس ، ما لم يتغير ريحه ، أو لونه ، أو طعمه ، والطعام ينجس بأقل [...]"
أقول : أول دعاوى المعترض أن مالك لم يأمر بالتسبيع إلا إذا ولغ الكلب في إناء فيه ماء ، فإن ولغ في إناء فيه سمن مثلاً فلا يغسل ، واعترض عليه بأن الحديث عام فلم يذكر ماء من غيره بل علق بحصول الولوغ في الإناء .
ولم يتكلم المعترض في طهارة ما ولغ في الكلب أصلاً حتى يحتاج إلى رد ، ومع ذلك فقد عمد ابن الفخار إلى الإطالة في بيان أن الكلب طاهر وما ولغ فيه طاهر وأن التسبيع تعبد ، وهذا لا يفيده في الجواب ، فإن الأمر بالتسبيع عام ، فلو وجب تسبيع غسل إناء الماء تعبداً فكذلك إناء السمن وعامة المائعات ، وإن كان التسبيع في الماء لنجاسته فكذلك.
وهذا يسقط عامة ما ذكر سوى ما فرق به بين الماء والطعام ، وسيأتي ، لكن نجمل فنقول : إن التسبيع من الولوغ إن كان لنجاسته فلا فرق بين شراب وطعام ، وإن كان تعبداً ففي إدخال رأسه في الإناء عموماً وذكر الولوغ أغلبي .
فإن قيل : جره إلى أكل الطعام لا يصح إلا بالتعليل ولو الصوري ، والفرض أنه تعبدي.
قلنا : وكذلك قصره على الماء مع عموم لفظ الحديث لا يكون إلا بالتعليل ، والفرض أنه تعبدي.
وبهذا يظهر أن المعترض غير محتاج إلى رد جواب ابن الفخار لعدم تعرض الأخير له أصلاً ، بل تركه وعمد إلى الرد على غيره.
لكن لما كان جوابه يعم الشافعية فإننا نتتبعه ونرى ما فيه كلامه.
قال ابن الفخار : "الجواب عن ذلك أن مالكاً قال في رواية ابن القاسم عنه في سماعه ـ وهي أصح الرواية عنه ـ : (إذا ولغ في طعام ، أو شرب في إناء غُسِلَ الإناء سبعاً في جميع ذلك وأكل الطعام ، واستعمل الماء ، لأنه طاهر ، أو أهريق ، وأما الطعام فلا يلقى) ووجب غسل الإناء تعبداً "
وأخطأ رحمه الله في نقله رواية ابن القاسم رحمه الله كما بينه المحقق ، ونصها : "إنْ كَانَ يُغْسَلُ فَفِي الْمَاءِ وَحْدَهُ وَكَانَ يُضَعِّفُهُ، وَكَانَ يَقُولُ: لَا يُغْسَلُ مِنْ سَمْنٍ وَلَا لَبَنٍ وَيُؤْكَلُ مَا وَلَغَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ وَأَرَاهُ عَظِيمًا أَنْ يَعْمِدَ إلَى رِزْقٍ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ فَيَلْقَى الْكَلْبَ وَلَغَ فِيهِ" (المدونة) 1/115 ط دار الكتب العلمية.
فبان صحة اعتراض المعترض ، وصحة احتجاجه بعموم الحديث.
وقول ا لمعترض : "وإذا جاز لغيرهم أن يقول : بل يهرق الطعام وحده ، ويترك الماء ولا يهرق ، وهو أعذر ، لأن الماء جاء الحديث أنه لا ينجس ، ما لم يتغير ريحه ، أو لونه ، أو طعمه ، والطعام ينجس بأقل [...]"
بناه على القول بنجاسة الكلب ، وعلى أن المائع ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة ، وبأنه قد ورد في الماء أنه لا ينجس إلا إن تغير ، فمن هذه الجهة لو وجد من عكس فالعاكس أولى بالعذر.
وهذا أيضاً ظاهر في العذر لكنه باطل أيضاً لما تقدم من عموم قوله صلى الله عليه وسلم (إذا ولغ الكلب) ومن أن الولوغ إنما يكون في المائعات ، فيدخل عليه النقض بالنص أيضاً ، أما ما ورد في عدم تنجس الماء ما لم يتغير ففيما زاد على القلتين لمفهوم حديث (إذا بلغ الماء قلتين) ، ولا يعترض عليه بكونه مفهوم إذ الراجح أن المفهوم حجة وهو من دلالات النص ، فإن قيل : منطوق حديث (الماء طهور لا ينجسه شيء) مقدم على مفهوم حديث القلتين .
قلنا : لا تعارض بين عموم وخصوص ، ولا ترجيح مع عدم التعارض.
وقد يجاب أيضاً ـ لا على مذهب الشافعية ـ بأن حديث القلتين في حمل الخبث وحديث (لا ينجسه شيء) في انقلاب الماء الطهور نجساً ، فنحن نسلم أن الماء لا يصير نجساً ونمنع كونه لا يحمل النجاسة بل يحملها إن كان دون قلتين ويحيلها إن كان فوق القلتين.
والله أعلم.
قال ابن الفخار : "وكذلك وقع التغليظ في ولوغها في الإناء لغسله سبعاً ، تغليظاً عليهم وتعبداً ، لا لنجاسة"
قلنا : كلامه مشعر بالفرق بين التغليظ والتعبد ، وعليه نقول : إن كان التغليظ من أجل أن الوالغ كلب ، فكذلك الآكل ، فهلا سويتم ، وإن كان التعبد من أجل ورود النص فقد ورد في كل ولوغ فهلا تعبدتم.
قال رحمه الله : "ولا أن ما شرب فيه قد نجس بولوغه ، بدليل الكتاب ، والسنة ، والدليل ، فأما الكتاب فقوله عز وجل : {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} التي الكلب أخذها {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ} وإنما تمسك بأفواهها ، فقد أباح كل ما أمسكت ، ولم يأمر بغسل ما أمسكت {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} فدل ذلك على طهارتها"
أقول : هذا كما تقدم ليس فيه جواب على اعتراض المعترض ، فإن المعترض لم يعب على المالكية القول بطهارة ما في الإناء ، بل تخصيصهم الحديث بغير مخصص ، فإنه قال : "فخصوا حديث النبي صلى الله عليه وسلم فيما أرادوا ، ولم يستعملوه في عمومه كما جاء" فلا يسقط اعتراضه بكون التسبيع من أجل النجاء أم لا ، بل قد صرح المعترض بأن اعتراضه من أجل تخصيص المالكية الماء ، أفتراهم يزعمون أن الماء مخصوص بتنجسه دون غيره ، فهذا خروج عن قولهم بالتعبد ، أو أنه مخصوص بالتعبد ، فهو تخصيص للحديث بقول مالك ، وهو معنى قول المعترض :"خلافهم للنبي واستعمالهم حديثه فيما أحبوا" مراده استعماله الحديث فيما وافق قول إمامهم دون ما خالفه.
ثم نقول : ونحن نسأل هنا ، ما وجه الدلالة في الآية ؟
إن قال العموم ؟
قلنا : فإن أرسلته على طير فجاء به فإذا هو غراب ، فهل نأكله ونقول {وما كان ربك نسيا} ؟
فإن قال : قد جاء تحريمه في غير هذا الموضع.
قلنا : وكذلك موضع ما أمسك الكلب ، فإنه جاء ما يدل على نجاسته وسيأتي ، فإن أمكن تطهير موضع ما أمسك أكلناه وإلا رميناه.
فإن قال : أردت بالعموم ، في الممسوك فلا يخص منه رأس من رجل ولا موضع من آخر ؟
قلنا : أرأيت إن أرسلته على أرنب فجاء برجله فقط والأرنب حي ، أفيجوز أكله ؟
إن قال : لا ، للنهي عنه في موضع آخر.
قلنا : وكذلك موضع فِيْهِ فيما أمسك ، لما تقدم ويأتي.
ثم نقول : أتراه لو أمسك حيواناً فأنْهَرَ دماً كثيراً ، أتراه يجوز أكل ذلك الدم لعدم الأمر بغسله في الآية {وما كان ربك نسيا} ؟
فإن قال : لا ؟
قلنا : فما معنى استدلالكم بالآية إن كنت لا تسلمون بعمومها لا في جنس الصيد ولا في نفس المصيد ؟
فإن قال : إنما أردنا عمومه في الصيد حيث لا نص يخالف ، وليس ثمة نص على موضع ما أمسك الكلب .
قلنا : فخصمك يزعم مجيئه فيه ، فبطل الإستدلال بالآية قبل إبطال الدليل المدعى .
ثم نقول : إن الآية دالة على عدم العموم من وجهين ، الأول : من جهة قوله سبحانه { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ} ، ولم يقل {فكلوا ما أمسكن} فدل على التبعيض ، والثاني من جهة قوله { أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} وليس منها موضع ما أمسك الكلب ، ألا تراه صلى الله عليه وسلم أمر بإراقة ما ولغ فيه الكلب ولا كان ما يمسك به الكلبُ الصيدَ طيباً ما أمر صلى الله عليه وسلم بإراقته !
فإن قالوا : لم يقل مالك بإراقته .
قلنا : قاله من هو حجة على مالك وغيره ، ولم يخصه بالماء { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} ، وجوابكم هذا مصداق قول المعترض : "واستعماله ـ أي الحديث ـ فيما أحبوا"
وقال رحمه الله : "وأما من السنة : فأمره صلى الله عليه وسلم بغسل الإناء سبعاً ، دل على أن ذلك لغير النجاسة إلا تعبداً تعبد الله به لنهيه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم لأن النجاسة لم يأتِ في غسلها توقيت من عدد ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الحائض بغسل دم الحيض ، ولم يوقت فيه شيئاً ، وكذلك أمر المقداد بغسل المذي من فرجه ، ولم يوقت فيه شيئاً ، وكان اسم الغسل يقع على غسلة وأكثر ، فكانت الأنجاس كلها قياساً على دم الحيض والمذي لموافقتها معاني الغسل"
أقول : هذا الكلام أخذه من الإمام الشافعي رحمه الله ـ والله أعلم ـ ، فإنه قال : "... فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بغسل دم الحيضة ولم يوقِّتْ فيه شيئا ، وكان اسم الغسل يقع على غسله مرة وأكثر ... فكانت الأنجاس كلها قياساً على دم الحيضة ؛ لموافقته معاني الغسل والوضوء في الكتاب والمعقول ، ولم نقسه على الكلب لأنه تَعَبُّدْ" انتهى من الأم 1/18 – 20.
فألفاظه هي ألفاظ الشافعي بحروفها سوى نزر يسير لو تركه ما تغير شيء ، غير أن هذا الإستدلال غايته أن التسبيع تعبد ، فمن أين له أن الأمر بأصل الغسل كذلك ؟ ألا ترى الشافعي يصرح بأن التسبيع تعبد وقد استدل بالحديث على نجاسته ؟
وكلام ابن الفخار هنا ليس فيه جواب على المعترض أصلاً الذي عاب على المالكية تخصيصهم الحديث بالماء مع قولهم بطهارته وبأن الأمر في الحديث تعبد.
ثم قال : "ودليل آخر : أن الكلب إذا ولغ في غير إناء مما لا يقع عليه اسم إناء من سائر الظروف لم يغسل سبعاً ولا مرة ، بدليل الحديث الثابت الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه ، وهو الراوي لغسل الإنا من ولوغ الكلب ، قال أبو هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن رجلاً رأى كلباً يأكل الثرى من العطش ، فأخذ الرجل خفه ، فجعل يغرف له فيه حتى أرواه ، فشكر الله له فأدخله الجنة) فقد جاء هذا الحديث ولم يذكر غسل الخف فيه ، والخف لا يقع عليه اسم إناء ، فلما خص الإناء بالغسل دون الخف ، ولم يقع عليه إسم إناء ، دل على طهارة الكلب ، لأنه لو كان نجساً ، لم يكن لتخصيص الإناء الذي يستعمله الناس لمياههم دون الخف تخصيص"
أقول : سبقه إلى هذا الإستدلال الإمام البخاري وقال ابن حزم رحمه الله ، في (المحلى) : "وَشَغَبَ بَعْضُهُمْ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ الَّذِي فِيهِ الْمَغْفِرَةُ لِلْبَغِيِّ الَّتِي سَقَتْ الْكَلْبَ بِخُفِّهَا. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْخَبَرَ كَانَ فِي غَيْرِنَا، وَلَا تَلْزَمُنَا شَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا. وَأَيْضًا فَمَنْ لَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ الْخُفَّ شُرِبَ فِيهِ مَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَمْ يُغْسَلْ، وَأَنَّ تِلْكَ الْبَغِيَّ عَرَفَتْ سُنَّةَ غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ؟ وَلَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْبَغِيُّ نَبِيَّةً فَيُحْتَجُّ بِفِعْلِهَا، وَهَذَا كُلُّهُ دَفْعٌ بِالرَّاحِ وَخَبْطٌ يَجِبُ أَنْ يُسْتَحَى مِنْهُ.
وَيُجْزِئُ غَسْلُ مَنْ غَسَلَهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ صَاحِبِهِ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ – (فَاغْسِلُوهُ) فَهُوَ أَمْرٌ عَامٌّ"
وفيه الجواب الكافي عما أورده ابن الفخار رحمه الله ، وبنحوه أجاب الحافظ في (الفتح) وزاد : " وَمَعَ إِرْخَاءِ الْعِنَانِ لَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صَبَّهُ فِي شَيْءٍ فَسَقَاهُ أَوْ غَسَلَ خُفَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَلْبَسْهُ بَعْدَ ذَلِكَ" وهكذا قال غير واحد.
قال ابن الفخار : "وأما من الدليل : بأنه لو كان لا يوجد مأمور يغسل إلانجساً ، لكان كما قال المخالف ، ولكنك ترى مأموراً بغسل غير نجس ، مثل : الجنب ، والمحدِث والمحرم المتطيب ، والحائض والنفساء ..."
أقول : فإن جاز عندكم تسبيع الطاهر وإراقته فهلا قلتم به بولوغ الكلب في جميع المائعات عملاً بالحديث كما قتلموه في الماء من غير مخصص.
ثم هذا مما لا ينبغي الإستدلال به ، فإن تحقيق المناط هنا يقضي أن الغسل من أجل إزالة النجاسة أو أثرها ، وإلا لامتنع عليه الاستدلال على نجاسة المذي ودم الحيض بالأمر بغسلهما ، وقد تقدم استدلاله على نجاستهما بأمره صلى الله عليه وسلم بغسلهما.
ويشهد لها رواية (فأريقوه) فإنه يدل على أن ما ولغ فيه الكلب لم يبقَ حلالاً طيباً كما كان ، ألا ترى مالك يقول : "وَأَرَاهُ عَظِيمًا أَنْ يَعْمِدَ إلَى رِزْقٍ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ فَيَلْقَى الْكَلْبَ وَلَغَ فِيهِ" وهو يدل على أنه فهم من الحديث الأمر بالإراقة ، ولكنه استعظمه فأوله.
ونحن نوافقه ونقول : لولا أنه تنجس لكان هذا عظيماً في بادي الرأي.
يتبع ...
التعديل الأخير: