رد: هل هناك فتوى تجيز لطالب العلم القصر في الصلاة مدى الدراسة؟!
في الرسالة السابقة تحرير نفيس لمذهب عبد الله بن عمر رضي الله أنقله للفائدة :
تحرير مذهب عبدالله بن عمر رضي الله عنه
وردت عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه أربع عشرة رواية في قصره للصلاة حال إقامته، منها ما هو من قوله، ومنها ما هو من فعله، وإليك بيانها:
أولاً: روى الإمام مالك، عن الزهري، عن سالم بن عبدالله أن عبدالله بن عمر كان يقول: أصلي صلاة مسافر ما لم أجمع مكثاً، وإن حبسني ذلك اثنتي عشرة ليلة [SUP](
[1])[/SUP].
ورواه عبدالرزاق، عن معمر وابن جريج، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر أنه قال: لو قدمت أرضاً لصليت ركعتين ما لم أجمع مكثاً، وإن أقمت اثنتي عشرة ليلة [SUP]([/SUP]
[2][SUP])[/SUP].
ورواه الإمام الطحاوي فقال: حدثنا يونس، قال: ثنا سفيان، عن الزهري به، ولفظه: أصلي صلاة مسافر ما لم أجمع إقامة، وإن مكثت ثنتي عشرة ليلة [SUP](
[3])[/SUP].
ورواه الطبري فقال: حدثنا يونس، أنبأنا سفيان، عن الزهري، به، بلفظه [SUP](
[4])[/SUP].
الحكم عليه:
رواة الأصل والمتابعات: ثقات وإسناده متصل فهو صحيح.
ثانياً: روى عبدالرزاق، عن عبدالله بن عمر، عن نافع أن ابن عمر كان يقول: إذا أجمعت أن تقيم اثنتي عشرة ليلة فأتم الصلاة [SUP](
[5])[/SUP].
الحكم عليه:
فيه عبدالله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب وهو ضعيف [SUP](
[6])[/SUP] لكن يشهد له ما قبله.
ثالثاً: روى عبدالرزاق، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، قال: كتب عبيد الله بنعمر إلى ابن عمر، وهو بأرض فارس: إنا مقيمون إلى الهلال، فكتب: أن أصلي [SUP](
[7])[/SUP] ركعتين [SUP](
[8])[/SUP].
الحكم عليه:
هشام بن حسان الأزدي أبو عبدالله البصري، ثقة من أثبت الناس في ابن سرين [SUP](
[9])[/SUP]، وبقية رجاله ثقات. فهو صحيح.
رابعاً: روى الطحاوي فقال: حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا روح، ثنا شعبة، عن حبان البارقي، قال: قلت لابن عمر، إني من بعث أهل العراق. فكيف أصلي؟
قال: إن صليت أربعاً، فأنت في مصر، وإن صليت ركعتين فأنت في سفر [SUP](
[10])[/SUP].
قال الطحاوي: فدل ذلك أن مذهبه كان في صلاة المسافر في الأمصار هكذا [SUP](
[11])[/SUP].
الحكم عليه:
- أبو بكرة هو: بكار بن قتيبة بن أسد بن عبيد الله البكراوي الثقفي. الحنفي كان على قضاء مصر. حدث عنه ابن خزيمة، وأكثر عنه الطحاوي. ذكره ابن حبان في الثقات.
وقال السهارنفوري في تراجم الأحبار: قال مولانا محمد يوسف: ثقة مأمون [SUP](
[12])[/SUP].
وقال الذهبي: القاضي الكبير العلامة المحدث، أبو بكرة، الفقيه الحنفي قاضي القضاة بمصر [SUP](
[13])[/SUP].
- روح بن عبادة القيسي، ثقة فاضل [SUP]([14][/SUP][SUP])[/SUP].
- حيان [SUP]([15][/SUP][SUP])[/SUP] بن إياس البارقي الواسطي، ويقال الأزدي. وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: شيخ واسطي صالح. وذكره ابن حبان في الثقات.
وقال السهارنفوري: ليس له عند الطحاوي إلا حديث الباب [SUP](
[16])[/SUP].
فالحديث رجاله ثقات وإسناده متصل، إلا أن أبا بكرة لم يوثقه أحد من المتقدمين فيما أعلم، ولكنه إمام في الفقه والقضاء والعدل بين الناس ومحدث كبير، فهو عدل في دينه رضا في سيرته.
خامساً: روى عبدالرزاق عن عمر بن ذر، قال: سمعت مجاهداً يقولك كان ابن عمر إذا قدم مكة فأراد أن يقيم خمس عشرة ليلة سرح ظهره، فأتم الصلاة [SUP](
[17])[/SUP].
ورواه أبو بكر بن أبي شيبة فقال: حدثنا وكيع، قال: ثنا عمرو [SUP](
[18])[/SUP] بن ذر، عن مجاهد قال: كان ابن عمر إذا أجمع على إقامة خمس عشرة سرح ظهره، وصلى أربعاً [SUP](
[19])[/SUP].
الحكم عليه:
عمر بن ذر بن عبدالله الهمداني المرهبي أبو ذر الكوفي. ثقة رمى بالإرجاء [SUP](
[20])[/SUP] وبقية رجاله أئمة.
سادساً: روى عبدالرزاق، عن عبدالله بن عمر، عن نافع أن ابن عمر أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة. قال: وكان يقول: إذا أزمعت إقامة أتم [SUP]([/SUP]
[21][SUP])[/SUP].
ورواه الطبري، فقال: حدثنا ابن حميد، حدثنا هارون بن المغيرة، عن داود بن قيس، عن نافع أن ابن عمر أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة ولم يستطرع أن يخرج من البرد، ولم يرد الإقامة [SUP](
[22])[/SUP].
الحكم عليه:
إسناد عبدالرزاق فيه عبدالله بن عمر وهو ضعيف، وتقدم.
وأما إسناد الطبري ففيه محمد بن حميد بن حبان الرازي، قال ابن حجر: حافظ، ضعيف. وكان ابن معين حسن الرأي فيه [SUP](
[23])[/SUP].
إلا أن أحدهما يشهد للآخر. فهو حسن لغيره.
سابعاً: روى الطبري فقال: حدثنا يونس، وأنبأنا سفيان، عن ابن أب ينجيح قال: أتيت سالما أسأله وهو عند باب المسجد، فقلت: كيف كان أبوك يصنع؟ قال: كان إذا صدر الظهر، وقال: نحن ماكثون، أتم الصلاة، وإذا قال: اليوم وغداً، قصر، وإن مكث عشرين ليلة [SUP](
[24])[/SUP].
الحكم عليه:
يونس هو: ابن عبدالأعلى بن ميسرة الصدفي، وسفيان هو: ابن عيينة. فرجاله ثقات.
ثامناً: روى الطبري فقال: حدثنا ابن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، قال: سمعت عبدالواحد المكي، يحدث عن سالم بن عبدالله بن عمر قال: كان ابن عمر إذا أجمع المقام أتم الصلاة، ولقد أقام بمكة شهراً يصلي ركعتين، فقيل له: لو صليت قبلها أو بعدها؟ قال: لو صليت قبلها أو بعدها لأتممت الصلاة [SUP](
[25])[/SUP].
الحكم عليه:
ابن المثنى هو: محمد بن المثنى بن عبيد العنزي، ثقة ثبت، ومحمد بن جعفر هو الهذلي البصري المعروف بغندر، ثقة صحيح الكتاب إلا أن فيه غفلة. وشعبة إمام، أما عبدالواحد المكي فهو لا بأس به، كذا في التهذيب والتقريب، فعلى هذا فالحديث حسن، والله أعلم.
تاسعاً: روى الطبري، فقال: حدثنا ابن حميد، حدثنا سلمة بنالفضل، عن ابن إسحاق، عن أبان بن صالح، عن سالم بن عبدالله، أن ابن عمر كان إذا قدم مكة فلم يدر أيظعن أم يقيم؟ قصر خمس عشرة ليلة، فإذا عرف أنه يقيم أتم الصلاة [SUP]([/SUP]
[26][SUP])[/SUP].
الحكم عليه:
ابن حميد هو: محمد بن حميد بن حبان، ضعيف كما قال ابن حجر. وقد تقدم.
أما سلمة بن الفضل فهو صدوق كثير الخطأ كما في التقريب.
أما محمد بن إسحاق، فصدوق يدلس، وقد عنعن.
لكن الحديث حسن للشواهد السابقة واللاحقة.
عاشراً: روى الطبري فقال: حدثنا هناد بن السري الحنظلي،حدثنا أبو الأحوص، عن حصين بن عبدالرحمن السلمي، قال: كان الشعبي معنا بواسط فحضرت صلاة، فدخلت منزلي، ثم خرجت، فقال: كم صليت؟ فقلت: أربعاً، فقال: لكني ما صليت غير ركعتين، رأيت عبدالله بن عمر بمكة ما يصلي إلا ركعتين حتى خرج منها [SUP](
[27])[/SUP].
الحكم عليه:
- هناد بن السري بن مصعب بن أبي بكر الحنظلي التميمي.
وقد نسبه الطبري إلى حنظل، وجاء في تهذيب نسبته إلى تميم، وأرى أنه الحنظلي التميمي، لأن حنظل بطن من بطون تميم كما في اللباب [SUP](
[28])[/SUP].
وهو ثقة كما في التقريب.
أبو الأحوص هو: سلام بن سليم الحنفي الكوفي. كما في ترجمة هناد بن السري في تهذيب الكمال. وهو ثقة متقن صاحب حديث كما في التقريب.
أما حصين بن عبدالرحمن السلمي فهو ثقة تغير حفظه بآخره كما في التقريب.
أحد عشر: روى الطبري فقال: حدثنا ابن المثنى، حدثنا مسلمة بن الصلت الشيباني، حدثنا علي بن المبارك، عن يحي بن أبي كثير، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان إذا قدم مكة فلبث بها سبعاً أو ثمانيا صلى صلاة المسافر إلا أن يصلي مع الإمام [SUP](
[29])[/SUP].
الحكم عليه:
فيه: مسلمة بن الصلت الشيباني البصري.
قال أبو حاتم: متروك، وقال الأزدي: ضعيف، وقال ابن عدي: لا يعرف وذكره ابن حبان في الثقات [SUP](
[30])[/SUP].
اثنا عشر: روى الطبري فقال: حدثنا ابن المثنى، حدثنا يحيى القطان عن عبيد الله، قال: أخبرني نافع أن ابن عمر كان يقصر الصلاة ما لم يجمع إقامة [SUP](
[31])[/SUP].
الحكم عليه:
جميع رواته ثقات، فهو صحيح.
ثلاثة عشر: روى الطبري فقال: حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا ابن أدريس، أنبأنا ليث، عن الشعبي، قال: أقمت بالمدينة ستة أشهر أو عشرة أشهر لا يأمرني ابن عمر إلا بركعتين. إلا أن أصلي مع قوم فأصلي بصلاتهم [SUP](
[32])[/SUP].
الحكم عليه:
محمد بن العلاء أبو كريب الهمداني الكوفي. الحافظ، وابن أديس هو عبدالله بن أدريس الأودي الكوفي ثقة.
أما ليث فهو: ليث بن أبي سليم بن زنيم متروك كما في التقريب.
أربعة عشر: روى الطبري فقال: حدثنا زيد بن أخرم الطائي، حدثني عبدالصمد، حدثنا شعبة، عن يحيى بن أبي إسحاق، عن القاسم بن مخيمرة، عن أبي صالح – أو – ابن صالح. قال: سألت عبدالله بن عمرو وقلت: أكون في زرعي وغنمي ستة أشهر، كيف أصلي؟ فقال: ركعتين، وسألت ابن الزبير فقال: مثل ذلك، وسألت ابن عمر فقال: مثل ذلك، فقلت: سبحان الله، أكون في زرعي وغنمي! فقال: سبحان الله صل ركعتين. ورواه الطبري أيضاً من طريق ابن المثنى، عن عبدالصمد، عن شعبة به إلا أنه قال: عن صالح أو عن ابن صالح [SUP](
[33])[/SUP].
الحكم عليه:
فيه أبو صالح أو ابن صالح أو صالح، كذا حصل الشك في الإسناد، ولم أستطع تحديده،ك ما أن محقق تهذيب الآثار الشيخ محمود محمد شاكر ذكر أنه لم يقف عليه. والله أعلم.
التوفيق بين هذه الروايات:
اختلف أهل العلم في تحديد مذهب عبدالله بن عمر رضي الله عنه لتعدد الروايات عنه، لأنه ربما وقف أحدهم على بعضها دون يقينها، فحدد مذهبه من خلال ما وقف عليه منها، وربما كان سبب ذلك ما أداه إليه اجتهاده بعد النظر فيها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد ذكره لرواية الأثرم بإسناده عن نافع أنه قال: ما كان ابن عمر يصلي بمكة إلا ركعتين إلا أن يرفع المقام، ولهذا أقام مرة اثنتي عشرة يصلي ركعتين، وهو يريد الخروج. قال شيخ الإسلام: وهذا يبين أنه كان يصلي قبل الموسم ركعتين مع أنه نوى الإقامة إلى الموسم، وكان ابن عمر كثير الحج. وكان كثيراً ما يأتي مكة قبل الموسم بمدة طويلة [SUP](
[34])[/SUP].
قلت: ما ذكره شيخ الإسلام من استنباط فيه نظر، لأن الروايات السابقة تتفق على أن ابن عمر إذا أجمع المقام أكثر من اثنى عشر يوماً أو خمسة عشر يوماً أتم سواء كان ذلك لأجل الموسم، أو لغيره، وإن أصرح ما يدل على هذا ما جاء في الروايتين الخامسة والتاسعة. وقد رأيت كثيراً من المعاصرين الذين ذهبوا إلى القول بقصر المسافر إذا أقام ما لم يرجع إلى وطنه أو يتخذ ما أقام به موطناً قد نسبوا إلى ابن عمر القول بهذا المذهب، ثم اكتفوا بالاحتجاج لهذا بقصره بأذربيجان، فهذه الرواية هي العمدة لديهم في تحديد مذهبه رضي الله عنه .
وأرى أن في هذا تقويلاً لهذا الصحابي ما لم يقله، ونسبته إلى مذهب لم يذهب إليه، كما أن فيه مخالفة للدقة العلمية، حيث لم يحددوا مذهبه بناء على جميع الروايات المختلفة التي صدرت عنه، ثم التوفيق بينها.
ولذا فلما وقف ابن حزم على هذه الروايات المختلفة ذهب إلى أنه لا يصح الاحتجاج بما روي عن ابن عمر رضي الله عنه في هذا الموضوع. لمخالفته نفسه ولمخالفة ابن عباس له [SUP]([/SUP]
[35][SUP])[/SUP].
وأرى أن قول ابن عمر رضي الله عنه موافق لمذهب الجمهور، وهو أن من عزم على الإقامة أتم، ومن لم يعزم قصر ولو طالت إقامته.
وأن قصره بأذربيجان لكونه لم يعزم على الإقامة، بل هو مكره عليها لحبس الثلج له، وهذا هو رأي الموفق ابن قدامة، كما هو صريح احتجاجه بما روى عن ابن عمر رضي الله عنه [SUP](
[36])[/SUP].
ثمن من خلال استعراضنا للروايات السابقة يمكن تحديد مذهبه في النقاط التالية:
- أنه إذا عزم على مكث اثنتي عشرة ليلة أو خمس عشرة ليلة أتم الصلاة، وإن لم يعزم قصر ولو مكث طويلاً.
- أن إقامته بأذربيجان لم تكن مقصودة بل مكره عليها.
- أن من مر بمصر فله أن يصلي أربعاً، لأنه في مصر، وله أن يقصر، لأنه مسافر لم يجمع على إقامة.
- أن من صلى مع الإمام المقيم فإنه يتم. والله أعلم.
([1]) الموطأ، باب صلاة المسافر ما لم يجمع مكثا 1/151.
([2]) مصنف عبدالرزاق 2/534.
([3]) شرح معاني الآثار 1/420.
([4]) تهذيب الآثار 1/247.
([5]) المصنف 2/534.
([6]) التقريب 314.
([7]) كذا في المصنف، ولعل الصواب: أن صلى ركعتين، بحذف الألف، حتى يستقيم الكلام.
([8]) المصنف 2/534.
([9]) التقريب 572.
([10]) شرح معاني الآثار 1/425.
([11]) المصدر السابق، 1/427.
([12]) ثقات ابن حبان 8/152، الأنساب 2/273. تراجم الأحبار 4/364.
([13]) السير 12/599.
([14]) التقريب 211.
([15]) حيان. بالياء في جميع المصادر التي وقفت عليها، ولكنه في شرح المعاني بالباء، والصواب: بالياء.
([16]) الجرح والتعديل 3/244، تاريخ البخاري 3/54، ثقات ابن حبان 4/170 تعجيل المنفعة 110 الأنساب 2/32، تراجم الأحبار 1/326.
([17]) مصنف عبدالرزاق 2/534.
([18]) كذا في المصنف والصواب، عمر. كما عند عبدالرزاق.
([19]) مصنف ابن أبي شيبة 2/455.
([20]) التقريب 412.
([21]) المصنف 2/533.
([22]) تهذيب الآثار 1/249.
([23]) التقريب 475.
([24]) تهذيب الآثار 1/247.
([25]) تهذيب الآثار 1/246.
([26]) المصادر السابق 1/248.
([27]) تهذيب الآثار، مسند عمر 1/245.
([28]) اللباب في تهذيب الأنساب 1/396.
([29]) تهذيب الآثار مسند عمر 1/248.
([30]) الجرح والتعديل 8/269، الثقات 9/180، الكامل 3/1157، اللسان 6/33.
([31]) تهذيب الآثار، مسند عمر 1/248.
([32]) المصدر السابق، 1/249.
([33]) تهذيب الآثار، مسند عمر، 1/245.
([34]) مجموع الفتاوى 24/142.
([35]) انظر المحلى 5/23.
([36]) انظر المغني 3/153، وما بعدها.