العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

فتوى صادمة للإجماع في تهنئة الكافر بعيد الكريسمس (رد على الشيخ حاتم)

ناصر علي العلي

:: متخصص ::
إنضم
1 ديسمبر 2008
المشاركات
34
الجنس
ذكر
التخصص
أصول
الدولة
البلاد
المدينة
بلد الله
المذهب الفقهي
متبع

فتوى صادمة للإجماع في تهنئة الكافر بعيد الكريسمس



طالعتُ فتوىً غريبةً شاذَّةً للشيخ حاتم العوني الشريف هداه الله في جواز تهنئة النصراني بعيد رأس السنة إذا كانت تهنئته في عيده الديني بما لا يدل على الرضا عن دينه ولا بنحوه من المعاني الباطلة, كعبارة: عيد سعيد. هكذا قال.
وفي حقيقة الأمر أكتب هذا الردَّ في عُجالةٍ سريعةٍ والمقام لا يتَّسع الآن لبسط المسألة، ولعلَّ الله يُيَسِّر عودةً لمزيد تفصيلٍ وبيانٍ.
لكني أحسب ابتداءً أن هذه الفتوى الشاذة - على ما فيها من طوامّ - قد خرقت الإجماع من جهتين:
* أولاً: قول الشيخ حاتم في سياق كلامه: ((فإذا استحضرنا ذلك, واستحضرنا أن عيد رأس السنة عند النصارى ليس كلُّه عيدًا دينيًّا...إلخ ))
السؤال: من أين جئتَ - يا شيخ حاتم - بأن عيدهم ليس كلُّه دينيًّا؟ وكم نسبة هذا "الديني" في عيدهم؟ أهو 90% فيكون الحكم للغالب، أم 10% فلا حكم للنادر؟
ومن سبقك إلى هذا القول؟
لا تقلْ: الواقع الآن يحكي أنها قد اكتنفتها تغييرات وتطورات وتعديلات حتى لم تبقَ على سابق هيئتها الأولى.
فأنت تعلم قبل غيرك أن الشأن هكذا في البدع والضلالات، وإلا فدعْنا نَقُلْ: لا يهودية ولا نصرانية اليوم لكثرة طُرُوِّ التحريف والتغيير والتبديل.
* ثانيًا: من أين جئت يا شيخ حاتم في التهنئة المحظورة بقيد "الرضا بدينه"؟
من سبقك إلى هذا؟
إن هذا القيد ليس إلا فَهْمًا فهمه الشيخ حاتم؛ محاولةً منه صَرْفَ أفهام الناس عن كلام العلماء الراسخين في العلم عن مطلق تحريم تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية.
ولعلّه غاب عن الشيخ التفريق الدقيق الذي أشار إليه بعض العلماء، وهو: إنْ كانتْ تهنئةُ الكافر قُصِد بها الرضا بدينه وتعظيمُ عيده فهي كفرٌ، وإلا فمعصيةٌ محرَّمةٌ قبيحةٌ كتهنئته بالسجود للصليب.
[مسألة: مسلمٌ قال لذمِّيٍّ في عيدٍ من أعيادهم: "عيد مبارك" هل يكفر، أم لا؟
أجاب شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني الشافعي: إن قال المسلم للذميِّ ذلك على قَصْدِ تعظيم دينهم وعيدهم حقيقةً فإنه يكفر. وإن لم يقصد ذلك وإنما جرى على لسانه، فلا يكفر بما قال من غير قصد] انظر: الملحق بكتاب ”مسألة في الكنائس“ لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 139.
وقول البلقيني في فتواه "لا يكفر" ليس معناه فلا يأثم؛ لأنه عبَّر بجريان التهنئة على اللسان من غير قصدٍ، وما دون الكفر هو المعصية لا الإباحة. ونظير هذا قوله صلى الله عليه وسلم: «من حلف بغير الله فقد أشرك»، إن قصد الحالف تعظيم المحلوف به فقد أشرك شركًا أكبر، وإن لم يقصد ذلك فلا يكفر، لكنه عصى الله معصيةً كبيرةً.
* ولتقريب المسألة:
لو رأى شخصٌ شاربًا لخمرٍ أو زانيًا بامرأةٍ متلبِّسًا بالمعصية - ولو كان كافرًا - فقال له: فِعلٌ سعيدٌ أو معصيةٌ سعيدةٌ، وأنا لستُ راضيًا بهذه المعصية، أفيكون هذا القول منه صوابًا؟!
نعوذ بالله من هذا الضلال.
إذنْ فمن المقرَّر والمجمع عليه أن عيد النصارى بمناسبة ميلاد المسيح عليه السلام عيدٌ دينيٌّ كفريٌّ شركيٌّ كلُّه بِرُمَّته وأصلِه وفصلِه، ولو كان غالب النصارى لا يستحضرون في جميعه المعاني الدينية - كما قال الشيخ حاتم - فهذا لا يغيِّر من الحقائق شيئًا.
فإن لم يسلِّمْ الشيخ حاتم عفا الله عنه بهذا، يكون قد خرق الإجماع بلا شك، وجاء بقولٍ فيه تدليسٌ على الناس بإلقاء متشابهاتٍ فرارًا من محكمات.
قال الإمام ابن القيِّم: ((وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصَّة به فحرامٌ بالاتفاق. مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول: عيدٌ مباركٌ عليك، أو تَهْنَأُ بهذا العيد ونحوه. فهذا إن سلم قائله من الكفر، فهو من المحرمات)) أحكام أهل الذمَّة 1/441.
وقال الشيخ العثيمين: ((تهنئة الكفار بعيد الكريسمس أو غيره من أعيادهم الدينية حرامٌ بالاتفاق)) مجموع فتاوى الشيخ العثيمين 3/45.
فإن سلَّم الشيخ بأن عيد الكريسمس من أعيادهم الدينية، لَزِمه السؤال التالي:
أفليس "عيد سعيد" = كفر سعيد؟؟؟.
* أيُّ معنىً سينقدحُ في نفس الكافر إذا هنَّأه مسلمٌ بعيده السعيد، ولو لم يرضَ عن دينه وعيده؟!
إنَّ الكافر لن تنتابَهُ سوى مشاعر الغِبطة والبهجة بهذه التهنئة الرقيقة للعيد؟! شاء من شاء وأبى من أبى.
قال الشيخ العثيمين: ((وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حرامًا، وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم؛ لأن فيها إقراراً لما هم عليه من شعائر الكفر، ورضا به لهم، وإنْ كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه، لكن يحرم على المسلم أن يرضى بشعائر الكفر أو يهنِّئ بها غيره؛ لأن الله تعالى لا يرضى بذلك...)) مجموع فتاوى الشيخ العثيمين 3/45.
أما التأويل البعيد بأنَّ "عيد سعيد" معناها دعاءٌ للكافر بأن تكون حياتُه خاليةً من المنغِّصات، فإن فطانة المسلم ينبغي أن تنأى به عن تحيُّنِ مناسبةِ عيدِ الكريسمس لإسداء هذه التهنئة بالسلامة من المنغِّصات!!
وأيُّ مُنَغِّصٍ تكاد السماواتُ يتفطَّرنَ منه وتنشقُّ الأرض وتَخِرُّ الجبال هدًّا أنْ دَعَوا للرحمن ولداً !!
* ومن غرائب فتوى الشيخ حاتم أصلحه الله: جعلُهُ الأصلَ في جواز التهنئة قولَ النبيِّ عليه الصلاة والسلام لهرقل: السلام على من اتبع الهدى.
وهذا أشبه ما يكون تلمُّسًا للمخارج والحيل، فمع وجود الفرقِ الواسع بين الحالين، والبَوْنِ الشاسع بين المناسبتين، كان يلزمه تصحيح عبارته المطلقة في التهنئة بــــ: عيد سعيد لمن اتبع الهدى.
وما مَثَلُ الشيخ حاتم في صنيعه هذا، وتصيُّدِه لنصوصٍ يتمُّ توظيفُها في غير مكانها إلا كمَثَل بعضِ الأشياخ الممَيِّعين لعقيدة الولاء والبراء، إذْ راح أحدُهم يستدلُّ بقول الله الكريم: { وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } على جواز بل استحباب تهنئة النصارى بأعيادهم.
* أما مسألة التلطف مع الكافر بحسن المعاملة وجمال العبارة فمسألةٌ أخرى. فاللطف والإحسان مع الكافر غير الحربيِّ من محاسن ديننا في استمالة قلبه للإسلام. بينما مسألةُ التهنئة بشعائرهم الدينية مسألةٌ عقديةٌ دينيةٌ متَّصلةٌ بالبراءة من كلِّ الشعائر الكفرية التي لا تجوز المهادنة ولا المداهنة فيها. قال الشيخ العثيمين: ((ومن فعل شيئاً من ذلك فهو آثم، سواء فعله مجاملةً أو تودُّدًا أو حياءًا أو لغير ذلك من الأسباب؛ لأنه من المداهنة في دين الله، ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بدينهم)). مجموع فتاوى الشيخ العثيمين 3/46.
المسلم حينما يقرأ مثل هذه الآراء الشاطحة يشعر أنها إنكساراتٌ وهزائمُ أمام الكافر (شرِّ البريَّة) في زمنِ ربيعٍ عربيٍّ عَجِب الكافرُ فيه من انتصارات المسلم (خير البريَّة).
وإلا فإنها تكريسٌ لما عُرِف عن الشيخ حاتم غفر الله له في طروحاته وتحوُّلاته الأخيرة المتمثِّلة في المروق من مألوف الفتاوى السائدة ولو كانت مستندةً للدليل والبرهان بحجة الهروب من ربقة التقليد والتعصُّب، ولكن بكلِّ أسفٍ إلى حالة تتبُّعِ الشواذِّ والغرائب، والتنقيرِ عن المخارج والحيل، كالمستجير من الرمضاء بالنار.
لستُ أدري ماذا بقي في جعبة الشيخ لم يُخرجه للناس حتى الآن، وآمل ألا تكونَ الأيامُ حبلى، والله المستعان، نسأل الله لنا وله وللمسلمين الهداية والتوفيق.


ناصر العلي
جامعة أم القرى










 
أعلى