أبو حزم فيصل بن المبارك
:: عضو مؤسس ::
- إنضم
- 27 مارس 2008
- المشاركات
- 365
- التخصص
- أصول الفقه
- المدينة
- قسنطينة
- المذهب الفقهي
- حنبلي
* السؤال : ماهي الأسباب الداعية إلى شهوة التجريح بلا دليل ؟
والجواب : أن الدافع لا يخلو :
* إما أن يكون الدافع (( عداوة عقدية في حسبانه )) فهذا لأرباب التوجهات الفكرية ، والعقدية المخالفة للإسلام الصحيح في إطار السلف .
وهؤلاء هم الذين ألقوا بذور هذه الظاهرة في ناشئتنا .
* أو يكون الدافع من تلبيس إبليس ، وتلاعبه في بعض العباد بداء الوسواس ، وكثيرا ما يكون في هؤلاء الصالحين من نفث فيهم أهل الأهواء نفثة ، فتمكنت من قلوبهم ، وحسبوها زيادة في التوقي الورع ، فطاروا بها كل مطار حتى أكلت أوقاتهم ، واستلهمت جهودهم ، وصدتهم عما هم بحاجة إليه من التحصيل ، والوقوف على حقائق العلم والإيمان .
ولهذا كثرت أسئلتهم عن فلان ، وفلان ، ثم تنزلت بهم الحال إلى الوقوع فيهم .
وكأن ابن القيم – رحمه الله تعالى – شاهد عيان لما يجري في عصرنا إذ يقول10 :
" ومن العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام ، والظلم ، والزنا ، والسرقة ، وشرب الخمر ، ومن النظر المحرم ، وغير ذلك .
ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه ، حتى نرى الرجل يشار إليه بالدين ، والزهد ، والعبادة ، وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله لا يلقي لها بالا ، وينزل بالكلمة الواحدة منها أبعد ، بين المشرق والمغرب .
وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات ولا يبالي ما يقول )انتهى .
* أو يكون الدافع : (( داء الحسد والبغي والغيرة )) وهي أشد ما تكون بين المنتسبين إلى الخير والعلم ، فإذا رأى المغبون في حظه من هبوط منزلته الاعتبارية في قلوب الناس ، وجفولهم لهم عنه ، بجانب مــا كتب الله لأحد أقرانه من نعمة – هو منهــــا محروم - ، من القبول في الأرض ، وانتشار الذكر ، والتفاف الطلاب حوله ، أخذ بتوهين حاله ، وذمه بما يشبه المدح ، فلان كذا إلا أنه …
وقد يسلك – وشتان بين المسلكين – صنيع المتورعين من المحدثين في المجروحين كحركات التوهين ، وصيغ الدعاء التي تشير إلى المؤاخذات ، والله يعلم أنه لا يريد إلا التمريض ، يفعل هذا كمدا من باب الضرب للمحظوظين بوساوس المحرومين .
وكل هذا من عمل الشيطان .
ومن هنا تبتهج النفس بدقة نظر النقاد ؛ إذ صرفوا النظر عما سبيله كذلك من تقادح الأقران .
ولهذا تتابعت كلمات السلف كما روى بعضا منها ابن عبدالبر – رحمه الله تعالى – بأسانيده في : (( جامعه )) عن ابن عباس –ر ضي الله عنهما – ومالك بن دينار ، وابن حازم – رحمهم الله تعالى – ومنها :
" خذوا العلم حيث وجدتم ، ولا تقبلوا قول الفقهاء بعضهم على بعض ، فإنهم يتغايرون تغاير التيوس في الزريبة " .
وقال أبي حازم :
" العلماء كانوا فيما مضى من الزمان إذا لقي العالم من هو فوقه في العلم كان ذلك يوم غنيمة ، وإذا لقي من هو مثله ذاكره ، وإذا لقي من هو دونه لم يزه عليه حتى كان هذا الزمان ، فصار الرجل يعيب من هو فوقه ابتغاء أن ينقطع منه حتى يرى الناس أنه ليس به حاجه إليه ، ولا يذاكر من هو مثله ، ويزهى على من هو دونه ، فهلك الناس " .
وصدق النبي - - فيما رواه حواري رسول الله - - وابن عمته : الزبير بن العوام – رضي الله عنه – أن رسول الله - - قال :
" دب إليكم داء الأمم قبلكم : الحسد ، والبغضاء ، البغضاء هي الحالقة ، لا أقول تحلق الشعر ، ولكن تحلق الدين ، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا , ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أنبئكم بما يثبت ذلك لكم : أفشوا السلام بينكم ".
* أو الدافع : (( عداوة دنيوية )) فكم أثارت من تباغض وشحناء ، ونكد ، ومكابدة ، فهؤلاء دائما في غصة من حياتهم ، وتحرق على حظوظهم ، ولا ينالون شيئا .
" وإنما أهلك الناس الدرهم والدينار " .
واللبيب يعرف شرح ذلك .
وعلى كل حال فإن الهوى هو الذي يحمل الفريقين على هذه الموبقات ، وقد يجتمع في الإنسان أكثر من دافع .
وأشدهم طوعا للهوى ، أكثرهم إغراقا في هذه الدوافع ؛ إذ إن إصدار أي حكم لا يخلو من واحد من مأخذين لا ثالث لهما :
1- الشريعة : وهي المستند الحق وموئل (( العدل )) ، وماذا بعد الحق إلا الضلال .
2- الهوى : وهو المأخذ الواهي الباطل المذموم ، ولا يترتب عليه حق أبدا .
والهوى – نعوذ بالله منه – هو أول فتنة طرقت العالم ، وباتباع الهوى ضل إبليس ، وبه ضل كثير من الأمم عن اتباع رسلهم وأنبيائهم كما في قصص القرآن العظيم ؛ ولهذا حكم الله – وهو أعدل الحاكمين – أنه لا أحد أضل ممن اتبع هواه ، فقال سبحانه :
{ ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله } [ القصص : 50 ]
وقال تعالى
{ ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب } [ ص : 66 ]
ولذلك قيل للمائلين عن سبيل القصد أهل الأهواء ) ؛ وذلك لاتباعهم الهوى ، أو لأنها تهوي بأهلها في النار .
* وإذا كان أهل الأهواء قد نجحوا في نفثتهم المحمومة هذه ، ففتح الأغرار بها كوة على علمائهم ، فإن اللادينيين قد حولوها إلى باب مفتوح على مصراعيه ، فألحقوا كل نقيصة ، وسخرية في كل متدين وعبد صالح ، وأما العلماء فقد جعلوهم (( وقود البلبلة وحطب الاضطراب )) .
بقلم
بكر بن عبد الله أبو زيد
رحمة الله عليه
والجواب : أن الدافع لا يخلو :
* إما أن يكون الدافع (( عداوة عقدية في حسبانه )) فهذا لأرباب التوجهات الفكرية ، والعقدية المخالفة للإسلام الصحيح في إطار السلف .
وهؤلاء هم الذين ألقوا بذور هذه الظاهرة في ناشئتنا .
* أو يكون الدافع من تلبيس إبليس ، وتلاعبه في بعض العباد بداء الوسواس ، وكثيرا ما يكون في هؤلاء الصالحين من نفث فيهم أهل الأهواء نفثة ، فتمكنت من قلوبهم ، وحسبوها زيادة في التوقي الورع ، فطاروا بها كل مطار حتى أكلت أوقاتهم ، واستلهمت جهودهم ، وصدتهم عما هم بحاجة إليه من التحصيل ، والوقوف على حقائق العلم والإيمان .
ولهذا كثرت أسئلتهم عن فلان ، وفلان ، ثم تنزلت بهم الحال إلى الوقوع فيهم .
وكأن ابن القيم – رحمه الله تعالى – شاهد عيان لما يجري في عصرنا إذ يقول10 :
" ومن العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام ، والظلم ، والزنا ، والسرقة ، وشرب الخمر ، ومن النظر المحرم ، وغير ذلك .
ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه ، حتى نرى الرجل يشار إليه بالدين ، والزهد ، والعبادة ، وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله لا يلقي لها بالا ، وينزل بالكلمة الواحدة منها أبعد ، بين المشرق والمغرب .
وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات ولا يبالي ما يقول )انتهى .
* أو يكون الدافع : (( داء الحسد والبغي والغيرة )) وهي أشد ما تكون بين المنتسبين إلى الخير والعلم ، فإذا رأى المغبون في حظه من هبوط منزلته الاعتبارية في قلوب الناس ، وجفولهم لهم عنه ، بجانب مــا كتب الله لأحد أقرانه من نعمة – هو منهــــا محروم - ، من القبول في الأرض ، وانتشار الذكر ، والتفاف الطلاب حوله ، أخذ بتوهين حاله ، وذمه بما يشبه المدح ، فلان كذا إلا أنه …
وقد يسلك – وشتان بين المسلكين – صنيع المتورعين من المحدثين في المجروحين كحركات التوهين ، وصيغ الدعاء التي تشير إلى المؤاخذات ، والله يعلم أنه لا يريد إلا التمريض ، يفعل هذا كمدا من باب الضرب للمحظوظين بوساوس المحرومين .
وكل هذا من عمل الشيطان .
ومن هنا تبتهج النفس بدقة نظر النقاد ؛ إذ صرفوا النظر عما سبيله كذلك من تقادح الأقران .
ولهذا تتابعت كلمات السلف كما روى بعضا منها ابن عبدالبر – رحمه الله تعالى – بأسانيده في : (( جامعه )) عن ابن عباس –ر ضي الله عنهما – ومالك بن دينار ، وابن حازم – رحمهم الله تعالى – ومنها :
" خذوا العلم حيث وجدتم ، ولا تقبلوا قول الفقهاء بعضهم على بعض ، فإنهم يتغايرون تغاير التيوس في الزريبة " .
وقال أبي حازم :
" العلماء كانوا فيما مضى من الزمان إذا لقي العالم من هو فوقه في العلم كان ذلك يوم غنيمة ، وإذا لقي من هو مثله ذاكره ، وإذا لقي من هو دونه لم يزه عليه حتى كان هذا الزمان ، فصار الرجل يعيب من هو فوقه ابتغاء أن ينقطع منه حتى يرى الناس أنه ليس به حاجه إليه ، ولا يذاكر من هو مثله ، ويزهى على من هو دونه ، فهلك الناس " .
وصدق النبي - - فيما رواه حواري رسول الله - - وابن عمته : الزبير بن العوام – رضي الله عنه – أن رسول الله - - قال :
" دب إليكم داء الأمم قبلكم : الحسد ، والبغضاء ، البغضاء هي الحالقة ، لا أقول تحلق الشعر ، ولكن تحلق الدين ، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا , ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أنبئكم بما يثبت ذلك لكم : أفشوا السلام بينكم ".
* أو الدافع : (( عداوة دنيوية )) فكم أثارت من تباغض وشحناء ، ونكد ، ومكابدة ، فهؤلاء دائما في غصة من حياتهم ، وتحرق على حظوظهم ، ولا ينالون شيئا .
" وإنما أهلك الناس الدرهم والدينار " .
واللبيب يعرف شرح ذلك .
وعلى كل حال فإن الهوى هو الذي يحمل الفريقين على هذه الموبقات ، وقد يجتمع في الإنسان أكثر من دافع .
وأشدهم طوعا للهوى ، أكثرهم إغراقا في هذه الدوافع ؛ إذ إن إصدار أي حكم لا يخلو من واحد من مأخذين لا ثالث لهما :
1- الشريعة : وهي المستند الحق وموئل (( العدل )) ، وماذا بعد الحق إلا الضلال .
2- الهوى : وهو المأخذ الواهي الباطل المذموم ، ولا يترتب عليه حق أبدا .
والهوى – نعوذ بالله منه – هو أول فتنة طرقت العالم ، وباتباع الهوى ضل إبليس ، وبه ضل كثير من الأمم عن اتباع رسلهم وأنبيائهم كما في قصص القرآن العظيم ؛ ولهذا حكم الله – وهو أعدل الحاكمين – أنه لا أحد أضل ممن اتبع هواه ، فقال سبحانه :
{ ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله } [ القصص : 50 ]
وقال تعالى
{ ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب } [ ص : 66 ]
ولذلك قيل للمائلين عن سبيل القصد أهل الأهواء ) ؛ وذلك لاتباعهم الهوى ، أو لأنها تهوي بأهلها في النار .
* وإذا كان أهل الأهواء قد نجحوا في نفثتهم المحمومة هذه ، ففتح الأغرار بها كوة على علمائهم ، فإن اللادينيين قد حولوها إلى باب مفتوح على مصراعيه ، فألحقوا كل نقيصة ، وسخرية في كل متدين وعبد صالح ، وأما العلماء فقد جعلوهم (( وقود البلبلة وحطب الاضطراب )) .
بقلم
بكر بن عبد الله أبو زيد
رحمة الله عليه