العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

تعريف بطبعة مركز نجيبويه لكتاب خواتم الذهب على المَنْهَج المُنْتَخَب في قواعد المذهب (المالكي)

إنضم
10 يناير 2012
المشاركات
9
الكنية
أبو الهيثم الشهبائي
التخصص
دراسات إسلامية
المدينة
دبلن
المذهب الفقهي
مالكي
من مقدمة التحقيق لكتاب خواتم الذهب على المَنْهَج المُنْتَخَب في قواعد المذهب (المالكي) الصادر عن مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث:
=== ===
أقول – مستعيناً بالله تعالى – بعد حمده كما ينبغي لجلاله، والصلاة والسلام على نبيِّه المصطفى وصحبه وآله:
منذ ظهور العناية بالقواعد الفقهية عند العلماء كان للسادة المالكيَّة سبقٌ في التصنيف فيها، حيث يُعتَبَر كتابُ "أصول الفُتيا في الفقه على مذهب مالك"، لمحمد بن حارث الخشني المالكي المتوفى سنة 361 هـ، من أوائل المصَنَّفات التي عُنيَت بجمع القواعد الفقهيَّة في المذهب.
ولكن الطفرة الكبرى للتصنيف في قواعد الفقه عند المالكيَّة ظهرت في القرن السابع الهجري فما بعدَه، حيثُ وضع عز الدين بن عبد السلام كتابه"قواعد الأحكام في مصالح الأنام"، و صنَّف محمد بن عبد الله راشد القفصي التونسي - من فقهاء المالكيَّة - كتاب"المذَهَّب في ضبط قواعد المذْهَب".
وفي القرن الثامن الهجري ظهر الكتاب الأشهر في القواعد الفقهية عند المالكيَّة وهو كتاب "القواعد" لأبي عبد الله محمد بن أحمد المقَّري التلمساني، المتوفى سنة 756هـ.
وبلغ التأليف في القواعد القمَّة عند المالكيَّة في القرن العاشر الهجري حيث صنَّف أحمد بن يحيى بن محمد الونشريسي، المتوفى سنة 914هـ كتابَه الشهيرَ بإيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك، وفي نفس الفترة ظهرت منظومة أبي الحسن الزقاق التجيني المسمَّاة "المنهج المنتخب إلى قواعد المذهب"، وكان بين العَمَلَين من التشابُه ما حمل البعض على اعتبار المنهج نظماً للمسالك.
*** *** ***
المنهج المنتخب؛ نظمٌ من عشرين وستمائة بيت في القواعد الفقهية على مذهب الإمام مالك، قال عنه شارحُه أبو العبَّاس المنجور: "... وهو مع صغر حجمه، وكثرة علمه، وسهولة حفظه، لا يوجد له في بابه فيما علمتُ نظيرٌ" .
ونصَّ الناظم رحمه الله على موضوع نظمه والعنوان الذي ارتضاه له، فقال في مطلَعه بعد الحمدلة والتصلية:
وبعدُ فَالْقَصْدُ بِهَذَا الرَّجَزِ * نَـظْمُ قَـوَاعِدَ بِـلَفْظٍ مُـوْجَزِ
مِمَّا انْتَمَى إِلَى الإِمَامِ ابنِ أَنَسْ * وصَحْبِهِ ومَا لَدَيْهِم مِنْ أُسُسْ
مَعَ نُبَذٍ مِمَّا عَلَيْهَا قُرِّرَا * أُومِـي لَـهَا فَقَطُ كَيْ أَخْتَصِرَا
إلى أن قال:
سَـمَّيْتُهُ بِالمَنْهَجِ المُنْتَخَبِ * إِلَى أُصُولٍ عُزِيَتْ للمَذهَبِ
ووعد رحمه الله بشرح النَّظْم، فقال:
وبَعْدَ أَنْ يَكْمُلَ إِنْ شَاءَ الإِلَهُ * أُتْـبِعُهُ شَرْحاً مُبَيِّناً حَلاهُ
فـمَـنْ أَرَادَ كَـتْبَهُ مُـنْفَرِدَا * فَـغَـيْرُ مَـمْنُوعٍ لَـهُ مَـا قَـصَدَا
ومَنْ أَرَادَ أَكْمَلَ الغَايَاتِ * لَـمْ يَـفْصِلْ الـشَّرْحَ عَنِ الأَبْيَات
قال الأمزوري: هَذَا وَعْدٌ منه بالشرح، وقد تُوُفِّيَ رحمه الله، قبلَ إكماله. قاله ولدُه.
*** *** ***
المراد بالقواعد في منظومة الزقَّاق هو: الأمرُ الكليُّ، وهي عنده – بحسب ما ذكَرَه الأمزوري - على قسمين:
- الأول: ما هو أصل لأمهات مسائل الخلاف.
- والثاني: ما هو من أصول المسائل، فيقصد بقواعده ذِكرَ النظائرِ فقط لا مع الإشارة إلى خلاف، وهذا في غالبها.
وقد بدأ الناظم رحمه الله بالقسم الأول، إلى الفصل الذي صَدْرُه البيت:
إعطاءُ ما وُجِدَ حُكْم ما عُدِم * أوعكسُهُ أصلٌ لذاك ما عُلِم
فجعل الكلام على هذا البيت وما بعده بدايةً للقسم الثاني، وهو ما قصد فيه ذِكر النظائر والفروع التي تدخل تحت أصل واحد، من غير إشارة إلى الخلاف.
*** *** ***
وبظهور "المنهج المنتخب" انصرفت عناية العلماء في عصر ناظِمِهِ والعصور التي تَلَته إلى العناية بهذا النَّظم شرحاً وتتميماً وحفظاً وتدريساً، حتى صار عليه المعوَّلُ في المدارس العتيقة بالمغرب، والمحاضِر الشَّنْقِيطِيَّة العريقة.
ومن مظاهر العناية بنظم الزقَّاق كثرةُ ما وضعه العلماء عليه من شروح وحواشٍ وتعليقاتٍ وطُرَر، ومن ذلك:
  • شرح المنهج المنتخب، للعلامة أبي العباس أحمد بن علي الفاسي، المعروف بالمنجور (ت 995 ﻫ)، وهو أشهر شروح "المنهج" وأكثرها فوائد، وعليه اعتماد الشرَّاح بعدَه.
وللمنجور اختصارٌ لهذا الشرح سمَّاه "المختصر المذَهَّب من شرح المنهج المنتخب"، وله - أيضاً - شرحٌ على مختصره سمَّاه "شرح المختصر من ملتقط الدرر".
  • الإسعاف بالطلب، للشيخ أبي القاسم بن محمد بن أحمد التواني، من علماء المالكية بليبيا، و "الإسعاف" اختصارٌ لشرح المنجور على "المنهج المنتخب".
  • شفاء الغليل على المنهج المنتخب، للعلامة السيد محمد بن علي بن سعيد السوسي.
  • شرح الشيخ محمد الأمين بن أحمد زيدان الشنقيطي على "المنهج المنتخب".
  • إعداد المُهَج للاستفادة من المنهج، للشيخ أحمد بن أحمد المختار الجكني الشنقيطي، وقد رتَّب فيه شرح الشيخ محمد الأمين رحمه الله، وذكر في خطبته أنه نسبه لنفسه مخافة أن يُطالبَ فيه أحد من ورثة الشيخ محمد الأمين.
  • تكميل المنهج، لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد الفاسي، الشهير بميارةَ (ت1072ﻫ)، وهو نظمٌ يشتمل على ستمائة وواحد وسبعين بيتاً، وضعها ميَّارةُ تتميماً لمنظومة الزقاق، ثمَّ وضع عليها - بنفسه - شرحاً سماه "الروض المبهج في تكميل المنهج"، وشرَح التكملة - أيضاً - الشيخُ محمد يحي بن المختار الولاتي رحمه الله.
*** *** ***
وما نقدِّم له ونقدِّمه اليومَ للسادة المتفقهة على مذهب إمام دار الهجرة شرحٌ لطيفٌ على "المنهج"، من تأليف الشيخ الفقيه عبد الواحد بن القاضي محمَّد بن إبراهيم الأمزوري الهلالي، المتوفى بعد سنة 1250 هـ، وهو مصنَّفٌ وجيزٌ، سهلُ العبارة، بعيدٌ عن التعقيد، لا يملُّه القارئ الفقيه، ولا يستعصي فهمه على الطالب النبيه، وقد عَرَضتُه على غير واحد من فقهاء المذهب المعاصِرين فأُعجِبوا به، وأثنَوا عليه خيراً، وأوصَوا باعتماده الأساتذةَ المحصِّلين، و الطلبة الحريصين، فكان لما سمعتُه ولمستُه منهم، إضافة إلى ما بلغني عنهم، أثرٌ في تحفيزي على المضيِّ قُدُماً في تحقيقه، حتى كان لي ما أردت بفضل الله وحُسن توفيقه.
*** *** ***
أمَّا صاحبُ الخواتمِ الفقيهُ عبدُ الواحد الأمْزوريُّ الهلاليُّ، فلم نقف في المصادر التي وصلتنا على ما يروي الغليل ولا ما يشفي العليل في ترجمته، ولا في ترجمة والده القاضي محمَّد رحمه الله، اللهم إلا نُتَفاً أَوْرَدَها المختارُ السوسيُّ رحمه الله، حيث قال في (ص: 203) من كتابه "رجالات العِلم العربي في سوس" ما نصُّه:
محمد بن إبراهيم الأمزَّاوري (1) العبلاوي علامة جليلٌ، له شُفُوفٌ عظيمٌ في عصره، تمكَّنَ في الفِقهيَّات, وتضَلَّعَ في المعارف؛ فيخضع له أبو زيد الجشتيمي ومَن دونه، له حاشيةٌ على البخاري, وهو الذي رفع إليه أبو زيد ذلك السؤال الفقهي المشهور (2), ولا ندري من أحواله الشخصية ما تستحقه ترجمته، ولعله أخذ عن الهُوزِيوي، وفاته ربما تخطت 1250هـ.
عبد الواحد وَلَدُه : علامةٌ كبيٌر كوالِدِه، وهو الذي تولى جواب ذلك السؤال، لأن السؤال صادف والدَه مريضاً متوفى، ولا نعلم من أحواله شيئاً، ولا متى توفي بعد والده.اهـ.
وأورد المختار السوسي في المعسول (6/55-57)رسالةً قصيرةً من أبي زيد الجشتيمي إلى شيخه القاضي محمد بن إبراهيم - وكانت عنده سَرِيَّةٌ - يداعِبُه فيها ويعاتِبُه على ترك الزواج، وبعدَها نصُّ السؤال المذكور آنفاً، وعقَّب المختار بقوله: " لم نعرف عن هذا القاضي محمد بن إبراهيم إلا ما قدمناه، ولا نعرف شيئاً الآن عن حياته ولا عن أشياخه، مع أنه كما ترى عظيم في علمه وفي مكانته، وخصوصاً حين تولى القضاء في بلده ... وقد ضلَّت عنا الآن أخبارُ القاضي الأمزَّاوري ... وكما خفيَ علينا وقتُ وفاة محمد بن إبراهيم، خفيَ علينا - أيضاً - وقت وفاة ابنه عبد الواحد، وحفيدِه محمد بن عبد الواحد، وكلهم علماء مذكورون، ثم علمت أن للجدِّ محمد بن إبراهيم حاشيةٌ على البخاري، وهذا البيت من بيوتات العلم السوسيَّة التي لم تُسطَّر أخبارُها كما ينبغي بعد، وبعض أحفادهم يقطنون الآن بالرباط، ويسمون أولاد الشِّلْح (3)، وقد سألتُهم فإذا هم يجهلون أخبار الأجداد"
*** *** ***
وفي خطبة الأمزوري رحمه الله لكتاب "الخواتم" – على وجازتها - نقف على إشاراتٍ هامة من بينها:
  • أن المؤلف رحمه الله تتلمذ على والده، فقرأ عليه "المنهَج المنتخَب" لأبي الحسن الزَّقَّاق، واستشارَه في تأليف "الخواتم" فأقرَّه ، وأشار عليه بالنقل من شرح أبي العباس المنجور، فامتثل المؤلِّف إشارةَ والدِه.
  • أن بداية تأليف "الخواتم" كان بوضع المؤلِّف حَاشِيَةً على نُسْخَتِه، قال أنَّه علَّق فيها "كَلِمَاتٍ تُكمِل إشارَتَه، وتُفَكِّكُ عبارَتَه".
  • يُعتبَر كتابُ "الخواتم" اختصاراً لشرح المنجور على "المنهج"، مع زيادات يسيرةٍ عليه من غيره، على ما أشار إليه المؤلف في قوله: "ولم أنقل – أي من شرح المنجور - غالباً بالمعنى، وربما زِدْتُ من كلام غيره شيئاً يسيراً".
  • نصَّ الأمزوري رحمه الله على تسمية كتابه وفقاً لما وقع في جميع النسخ الخطيَّة للكتاب، حيث ختم خطبته بين يدي الكتاب بقوله: "... وسميته بِخواتم الذهب على المَنْهَج المُنْتَخَب، أسأل الله تعالى أن ينفع به، إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جَدِيْر".
*** *** ***
أما مخطوطات كتاب "الخواتم" فهي عزيزة المنال، ولا وجود لها في الخزانات العامة في المملكة المغربية ولا خارجها، وقد يجد الباحث المتتبِّع – كما وجدنا - شيئاً منها في الخزانات الخاصَّة التي يصعُب الوصول إلى معظمها.
وقد اعتمدنا في تحقيق الكتاب على نُسختَين لا نَعلَمُ – ولا نَستبعِدُ - وجودَ ثالثةٍ لهما:
  • الأولى؛ نمتلك أصلَها المخطوط، وهو مُودَع في خزانتنا الخاصة (مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث)، وهي نُسخَة تامَّةٌ سليمةٌ من الطمسِ والقرضِ والبياضِ والخروم وآثار عاديات الزَّمَن، وقد كُتِبَت بخط مغربيٍّ كبير واضحٍٍ أسود المداد، إلا كلمات استهلالية وأبيات المتن المشروح فقد كتبت بمداد أحمر.
تقع هذه النسخة في (128) لوحة، وفي ختامها يقول الناسخ ما نصُّه: «انتهى بحمد الله بيد كاتبه لنفسه ثم لمن شاء الله بعده عبدُ ربِّه الحسنُ بن عبد الرحمن الدرقاوي ... بتاريخ 21 من رمضان عام 1296تاب الله عليه ووالديه وأشياخه آمين».
  • والثانيةُ وافانا بصورتها الأستاذُ حسن تقي الدين ابنُ الطالب عن أصلٍ مخطوطٍ يُحفَظُ في الخزانة المسعوديَّة بالسوس، وقد رمزنا لها بالرمز (خ1)، وهي مكتوبة بخط مغربي دقيقٍ أسود المداد.
تقع هذه النسخة في (53) لوحة، وفي ختامها يقول الناسخ ما نصُّه: «انتهى هذا الشرح المبارك بتوفيق الله وإعانته فالحمد لله والشكر على ذلك. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولأشياخنا ولأقاربنا ولأحبتنا وللمحسنين إلينا ولمن له حق علينا وعلى والدينا ولجمع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات على يد ناسخه عن خطّ ثقة من خطّ مقيده لنفسه ولمن شاء الله بعده من إخوانه بتاريخ أواخر جمادى الثاني أعني وقت الضحى من يوم السابع والعشرين من عام 1294 عبيد ربه وأفقر الورى إلى الله مبارك بن محمد بن الحاج مبارك النعماني ثم البريمي القاري بتمكدشت في هذا الوقت حرسها الله من كل مكروه لطف الله به لطفاً يليق بحاله، بجاه النبي وآله، صلى الله عليه وسلم، آمين والحمد لله رب العالمين».
*** *** ***
تنبيهٌ: وصلتنا من أحد أصدقائنا الكرام صورةٌ للشَّطر الثاني من النُسخَة ذاتِها التي رمزنا لها بالرمز (خ1) مع تتمَّةٍ للقدر الساقط من أوَّلها بخطٍ حديثٍ على ورق مسطَّر، وبَلَغَنَا لاحقاً أنَّ (خ1) كانت محفوظة في كراريسَ مفكَّكةٍ، فظنَّ من صَوَّرها أن في صدرِِها نقصاً، فأتمَّه من نُسخَة أُخرى، ثم أُعيدَ ترتيبُ محتويات الخزانة التي صُوِّرَت منها، فعُثر أثناء الترتيب على القدر المفقود من المخطوط، فألحق به حتى اكتمل.
وقد رجعنا – استئناساً – في بعض المواضع إلى صورة ما كُتِب بخط حديث، ورمزنا له عند الإحالة إليه بالرمز (خ2)، علماً بأنه يبدأ من بداية الكتاب، وينتهي بنهاية قول الشارح رحمه الله: " العَرْضُ إذا استحق منه جزء شائع - والعرض مما ينقسم - فإن كان المستحقُّ النصفَ فأقلَّ فلا يكون للمشتري إلا الرجوعُ بقيمة ما استحقَّ، وإن كان أكثرَ من النِّصف فهومخيرٌ"، وذلك في شرحه للبيتَين (197) و ( 198) من المنظومة.
*** *** ***
أمَّا عملنا في التحقيق فمن أبرز عناصره:
  • نسخُ الكتاب من النسخة الواقعة في ملكنا، ثمَّ مطابقة ما تم نسخه على الأصل المنسوخ منه، وبعد ذلك مقابلة الكتاب بتمامه على نُسخَة الخزانة المسعوديَّة، مع الاستئناس في مواضح قليلة بالتتمة الحديثة لما تُوُهِّمَ سقوطه من بداية نُسخَة الخزانة المسعوديَّة، ولم نعتبرها نُسخَة قائمة بذاتها نظراً لتوافقها مع نسخة المسعوديَّة حتى في بدايات اللوحات ونهاياتها، فضلاً عن مواضع السقط والزيادة.
  • التزامُ قواعد الرسم الإملائي المعاصر، وتحليةُ النص بما يُحتاج إليه من علامات الوقف والترقيم، وضبط ما قد يُشكِل من ألفاظه وعباراته بالشَّكل.
  • مقابلة مَتْن المنظومة بما في شرح "المنهج المنتخب" بتحقيق محمَّد الشيخ محمَّد الأمين، معتمدين في ذلك على الطبعة الأولى لدار عبد الله الشنقيطي بمكة المكرمة، وعالم الكتب في بيروت، سنة 1423هـ/2003م، مع إحالة كلِّ بيتٍ من أبيات النَّظم إلى موضعه في الشرح المذكور، وإثبات ما قد يقع من فوارقَ معتبرةٍ بين ما لدينا وبين ما حقَّقه محقِّقُ الشرح حفظه الله ونفع به، وعدم الوقوف عند ما لا شأن له من الفوارق.
  • اعتماد منهج النص المختار في ضبط متن الكتاب ، حيث اخترنا مما اختلفت فيه النُّسختان ما بدا لنا أرجَح من غيره، وأقرب إلى مراد المؤلف :، وأثبتنا في الحواشي السفليَّة ما يفيد القارئَ الوقوفُ عليه من اختلاف عبارات وألفاظ النُّسخَتَين، علماً بأننا ضربنا صفحاً عن كثير من الفوارق التي لا تؤثر في المعنى، ولا تعكِّر على سياق الكلام.
  • ضبطُ أبيات منظومة "المنهج" بالشكل الكامل، وترقيمها ترقيماً تسلسلياً من أولها إلى منتهاها، وإثبات الرقم التسلسلي لكل بيتٍ على يمينه.
  • إثبات أرقام لوحات المخطوط بحسب النُسخَة الواقعة في ملكنا (ن)، ونُسخَة الخزانة المسعوديَّة (خ1)، وجعلُ الأرقامَ في أوائل اللوحات لا في أواخرها، مع التمييز بين وجوهِها وظهورِها بالإشارة إلى الأولى بالحرف (أ)، وإلى الثانية بالحرف (ب)، وإن صادفَت بداية اللوحة موضعاً داخل النظم راعينا التنسيق بالإشارة إلى موضع بداية اللوحة في الهامش عوضاً عن جعلها في المَتْن.
  • تمييزُ الآيات القرآنية عن باقي نصّ الكتاب بكتابتها برسم المصحف العثمانيّ، ووَضْعِ كلٍّ منها ضِمنَ قوسَين مزهَّرَين، وتخريجِها من المصحف الشريف؛ بذِكر رقمها مسبوقاً باسم السورة، وجعلنا ذلك محصوراً ضمن معكوفتين في صُلب الكتاب.
  • تخريج الأحاديث النبوية الواردة في الشرح وفقَ قواعد التخريج المعتمدة عند أهل التخريج ودراسة الأسانيد.
  • التعريف بأكثر الأعلام المذكورين في الكتاب، وخاصَّة أعلام المذهب المالكي؛ لكونهم المقصودين أصالةً في الكتاب بضبط أسمائهم وألقابهم، وذِكر بعض أخبارهم وآثارهم، وتوثيق التراجم بالإحالة إلى كتب الطبقات وأعلام المذهب.
  • عزو ما تيسر من عزوه النُّقول والأقوال التي أوردها المؤلف إلى مصادرها، بالرجوع إلى أتيح لنا الرجوع إليه من المصادر المخطوطة والمطبوعة.
  • إلحاقُ مَتْن منظومة "المنهج المنتخَب" مجرَّدةً من الشرح في آخر الكتاب المحقَّق تسهيلاً على من أرادها للحفظ أو الدراسة.
  • تذييلُ الكتاب بثبت فيه ما اعتمدنا عليه من مصادر التوثيق ومراجع التحقيق، وإردافها بفهارس عِلميَّة - تقرِّب فحواه ممَّن رآه - آخرها فهرس الفهارس، وما قبلَه فهرس الموضوعات.
*** *** ***
هذا، وإننا إذ نقدِّم خواتم الأمزوري الذهبيَّة على ما وفَّقَنا الله إليه في تحقيقها، لنسأله تعالى أن يتقبل عملنا فيها بقبول حسن، وأن يعمَّ مؤلِّفَه ومحقِّقَه - وأعوانَه - وناشِرَه وناظِرَه بجزيل الثواب وعظيم المِنن، وأن يُجزل له العطاء والثواب، ويجعل ما قدَّموه وِجاءً له من العذاب يوم الحساب، وأن يوفِّق أحياءهم إلى خَيرَي القول والعمل، وأن يعصمهم من الفتنة والضلالة والزَّلل، وأن يختم لهم بالصالحات عند بلوغ الأجل.
والحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات.
وكتب
أحمد بن عبد الكريم نجيب
كان الله له ولوالديه، ولمن أمَّن على دعائه
أو آزره وشد على يديه، ونسأ له في أجله
حتى يتوب عليه

أغادير (حاضرة إقليم سوس بجنوب المغرب)
في الثاني عشر من صفر الخَير 1433 هـ.
الموافق للسابع من كانون الثاني (يناير/جانفي) 2012 م.

[h=1][/h]=== هوامش وإحالات====
  1. كذا عند المختار السوسي، وفي النسخ الخطية للخواتم: (الأمزوري) بدون ألف قبل الواو، ولعلَّها نسبة إلى قبيلة معروفة بسوس، أو إلى بلدة (إموزوار) الواقعة جنوبيَّ المغرب؛ بين مراكش وأغادير، وهي من بلاد الأمازيغ.
  2. قال محقِّقُه أبو الهيثم الشهبائي كان الله له: السؤال المذكور هو سؤالٌ عن مسائل تتعلق بالدَّين والسعاية والوصايا نظمَه وبعث به الفقيه أبو زيد عبد الرحمن بن عبد الله الجزولي الجشتيمي إلى الشيخ القاضي محمد بن إبراهيم الأمزوري وهو في مرض الموت، فأجاب عنه ولده عبد الواحد – صاحب الخواتم – رحمهم الله جميعاً، ومنهما نسخةٌ مخطوطة يمتلكها ويعمل على تحقيقها ويسعى لنشرها الأخ الأستاذ حسن بن محمد تقي الدين ابنُ الطالب السوسي، وقد وقفتُ على شيء منها ومن عمله في تحقيقها فوجدُته حسناً من حَسَنٍ.
  3. في اللغة الدارجة للمغاربة اليوم يطلَق لفظ (الشِّلح) وجمعُه (شلوحٌ) على الناطق بالشِّلحة، وهي لغة الأمازيغ في المغرب الأقصى.
مقدِّمة التحقيق
أقول – مستعيناً بالله تعالى – بعد حمده كما ينبغي لجلاله، والصلاة والسلام على نبيِّه المصطفى وصحبه وآله:
منذ ظهور العناية بالقواعد الفقهية عند العلماء كان للسادة المالكيَّة سبقٌ في التصنيف فيها، حيث يُعتَبَر كتابُ "أصول الفُتيا في الفقه على مذهب مالك"، لمحمد بن حارث الخشني المالكي المتوفى سنة 361 هـ، من أوائل المصَنَّفات التي عُنيَت بجمع القواعد الفقهيَّة في المذهب.
ولكن الطفرة الكبرى للتصنيف في قواعد الفقه عند المالكيَّة ظهرت في القرن السابع الهجري فما بعدَه، حيثُ وضع عز الدين بن عبد السلام كتابه"قواعد الأحكام في مصالح الأنام"، و صنَّف محمد بن عبد الله راشد القفصي التونسي - من فقهاء المالكيَّة - كتاب"المذَهَّب في ضبط قواعد المذْهَب".
وفي القرن الثامن الهجري ظهر الكتاب الأشهر في القواعد الفقهية عند المالكيَّة وهو كتاب "القواعد" لأبي عبد الله محمد بن أحمد المقَّري التلمساني، المتوفى سنة 756هـ.
وبلغ التأليف في القواعد القمَّة عند المالكيَّة في القرن العاشر الهجري حيث صنَّف أحمد بن يحيى بن محمد الونشريسي، المتوفى سنة 914هـ كتابَه الشهيرَ بإيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك، وفي نفس الفترة ظهرت منظومة أبي الحسن الزقاق التجيني المسمَّاة "المنهج المنتخب إلى قواعد المذهب"، وكان بين العَمَلَين من التشابُه ما حمل البعض على اعتبار المنهج نظماً للمسالك.
*** *** ***
المنهج المنتخب؛ نظمٌ من عشرين وستمائة بيت في القواعد الفقهية على مذهب الإمام مالك، قال عنه شارحُه أبو العبَّاس المنجور: "... وهو مع صغر حجمه، وكثرة علمه، وسهولة حفظه، لا يوجد له في بابه فيما علمتُ نظيرٌ" .
ونصَّ الناظم رحمه الله على موضوع نظمه والعنوان الذي ارتضاه له، فقال في مطلَعه بعد الحمدلة والتصلية:
وبعدُ فَالْقَصْدُ بِهَذَا الرَّجَزِ * نَـظْمُ قَـوَاعِدَ بِـلَفْظٍ مُـوْجَزِ
مِمَّا انْتَمَى إِلَى الإِمَامِ ابنِ أَنَسْ * وصَحْبِهِ ومَا لَدَيْهِم مِنْ أُسُسْ
مَعَ نُبَذٍ مِمَّا عَلَيْهَا قُرِّرَا * أُومِـي لَـهَا فَقَطُ كَيْ أَخْتَصِرَا
إلى أن قال:
سَـمَّيْتُهُ بِالمَنْهَجِ المُنْتَخَبِ * إِلَى أُصُولٍ عُزِيَتْ للمَذهَبِ
ووعد رحمه الله بشرح النَّظْم، فقال:
وبَعْدَ أَنْ يَكْمُلَ إِنْ شَاءَ الإِلَهُ * أُتْـبِعُهُ شَرْحاً مُبَيِّناً حَلاهُ
فـمَـنْ أَرَادَ كَـتْبَهُ مُـنْفَرِدَا * فَـغَـيْرُ مَـمْنُوعٍ لَـهُ مَـا قَـصَدَا
ومَنْ أَرَادَ أَكْمَلَ الغَايَاتِ * لَـمْ يَـفْصِلْ الـشَّرْحَ عَنِ الأَبْيَات
قال الأمزوري: هَذَا وَعْدٌ منه بالشرح، وقد تُوُفِّيَ رحمه الله، قبلَ إكماله. قاله ولدُه.
*** *** ***
المراد بالقواعد في منظومة الزقَّاق هو: الأمرُ الكليُّ، وهي عنده – بحسب ما ذكَرَه الأمزوري - على قسمين:
- الأول: ما هو أصل لأمهات مسائل الخلاف.
- والثاني: ما هو من أصول المسائل، فيقصد بقواعده ذِكرَ النظائرِ فقط لا مع الإشارة إلى خلاف، وهذا في غالبها.
وقد بدأ الناظم رحمه الله بالقسم الأول، إلى الفصل الذي صَدْرُه البيت:
إعطاءُ ما وُجِدَ حُكْم ما عُدِم * أوعكسُهُ أصلٌ لذاك ما عُلِم
فجعل الكلام على هذا البيت وما بعده بدايةً للقسم الثاني، وهو ما قصد فيه ذِكر النظائر والفروع التي تدخل تحت أصل واحد، من غير إشارة إلى الخلاف.
*** *** ***
وبظهور "المنهج المنتخب" انصرفت عناية العلماء في عصر ناظِمِهِ والعصور التي تَلَته إلى العناية بهذا النَّظم شرحاً وتتميماً وحفظاً وتدريساً، حتى صار عليه المعوَّلُ في المدارس العتيقة بالمغرب، والمحاضِر الشَّنْقِيطِيَّة العريقة.
ومن مظاهر العناية بنظم الزقَّاق كثرةُ ما وضعه العلماء عليه من شروح وحواشٍ وتعليقاتٍ وطُرَر، ومن ذلك:
  • شرح المنهج المنتخب، للعلامة أبي العباس أحمد بن علي الفاسي، المعروف بالمنجور (ت 995 ﻫ)، وهو أشهر شروح "المنهج" وأكثرها فوائد، وعليه اعتماد الشرَّاح بعدَه.
وللمنجور اختصارٌ لهذا الشرح سمَّاه "المختصر المذَهَّب من شرح المنهج المنتخب"، وله - أيضاً - شرحٌ على مختصره سمَّاه "شرح المختصر من ملتقط الدرر".
  • الإسعاف بالطلب، للشيخ أبي القاسم بن محمد بن أحمد التواني، من علماء المالكية بليبيا، و "الإسعاف" اختصارٌ لشرح المنجور على "المنهج المنتخب".
  • شفاء الغليل على المنهج المنتخب، للعلامة السيد محمد بن علي بن سعيد السوسي.
  • شرح الشيخ محمد الأمين بن أحمد زيدان الشنقيطي على "المنهج المنتخب".
  • إعداد المُهَج للاستفادة من المنهج، للشيخ أحمد بن أحمد المختار الجكني الشنقيطي، وقد رتَّب فيه شرح الشيخ محمد الأمين رحمه الله، وذكر في خطبته أنه نسبه لنفسه مخافة أن يُطالبَ فيه أحد من ورثة الشيخ محمد الأمين.
  • تكميل المنهج، لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد الفاسي، الشهير بميارةَ (ت1072ﻫ)، وهو نظمٌ يشتمل على ستمائة وواحد وسبعين بيتاً، وضعها ميَّارةُ تتميماً لمنظومة الزقاق، ثمَّ وضع عليها - بنفسه - شرحاً سماه "الروض المبهج في تكميل المنهج"، وشرَح التكملة - أيضاً - الشيخُ محمد يحي بن المختار الولاتي رحمه الله.
*** *** ***
وما نقدِّم له ونقدِّمه اليومَ للسادة المتفقهة على مذهب إمام دار الهجرة شرحٌ لطيفٌ على "المنهج"، من تأليف الشيخ الفقيه عبد الواحد بن القاضي محمَّد بن إبراهيم الأمزوري الهلالي، المتوفى بعد سنة 1250 هـ، وهو مصنَّفٌ وجيزٌ، سهلُ العبارة، بعيدٌ عن التعقيد، لا يملُّه القارئ الفقيه، ولا يستعصي فهمه على الطالب النبيه، وقد عَرَضتُه على غير واحد من فقهاء المذهب المعاصِرين فأُعجِبوا به، وأثنَوا عليه خيراً، وأوصَوا باعتماده الأساتذةَ المحصِّلين، و الطلبة الحريصين، فكان لما سمعتُه ولمستُه منهم، إضافة إلى ما بلغني عنهم، أثرٌ في تحفيزي على المضيِّ قُدُماً في تحقيقه، حتى كان لي ما أردت بفضل الله وحُسن توفيقه.
*** *** ***
أمَّا صاحبُ الخواتمِ الفقيهُ عبدُ الواحد الأمْزوريُّ الهلاليُّ، فلم نقف في المصادر التي وصلتنا على ما يروي الغليل ولا ما يشفي العليل في ترجمته، ولا في ترجمة والده القاضي محمَّد رحمه الله، اللهم إلا نُتَفاً أَوْرَدَها المختارُ السوسيُّ رحمه الله، حيث قال في (ص: 203) من كتابه "رجالات العِلم العربي في سوس" ما نصُّه:
محمد بن إبراهيم الأمزَّاوري (1) العبلاوي علامة جليلٌ، له شُفُوفٌ عظيمٌ في عصره، تمكَّنَ في الفِقهيَّات, وتضَلَّعَ في المعارف؛ فيخضع له أبو زيد الجشتيمي ومَن دونه، له حاشيةٌ على البخاري, وهو الذي رفع إليه أبو زيد ذلك السؤال الفقهي المشهور (2), ولا ندري من أحواله الشخصية ما تستحقه ترجمته، ولعله أخذ عن الهُوزِيوي، وفاته ربما تخطت 1250هـ.
عبد الواحد وَلَدُه : علامةٌ كبيٌر كوالِدِه، وهو الذي تولى جواب ذلك السؤال، لأن السؤال صادف والدَه مريضاً متوفى، ولا نعلم من أحواله شيئاً، ولا متى توفي بعد والده.اهـ.
وأورد المختار السوسي في المعسول (6/55-57)رسالةً قصيرةً من أبي زيد الجشتيمي إلى شيخه القاضي محمد بن إبراهيم - وكانت عنده سَرِيَّةٌ - يداعِبُه فيها ويعاتِبُه على ترك الزواج، وبعدَها نصُّ السؤال المذكور آنفاً، وعقَّب المختار بقوله: " لم نعرف عن هذا القاضي محمد بن إبراهيم إلا ما قدمناه، ولا نعرف شيئاً الآن عن حياته ولا عن أشياخه، مع أنه كما ترى عظيم في علمه وفي مكانته، وخصوصاً حين تولى القضاء في بلده ... وقد ضلَّت عنا الآن أخبارُ القاضي الأمزَّاوري ... وكما خفيَ علينا وقتُ وفاة محمد بن إبراهيم، خفيَ علينا - أيضاً - وقت وفاة ابنه عبد الواحد، وحفيدِه محمد بن عبد الواحد، وكلهم علماء مذكورون، ثم علمت أن للجدِّ محمد بن إبراهيم حاشيةٌ على البخاري، وهذا البيت من بيوتات العلم السوسيَّة التي لم تُسطَّر أخبارُها كما ينبغي بعد، وبعض أحفادهم يقطنون الآن بالرباط، ويسمون أولاد الشِّلْح (3)، وقد سألتُهم فإذا هم يجهلون أخبار الأجداد"
*** *** ***
وفي خطبة الأمزوري رحمه الله لكتاب "الخواتم" – على وجازتها - نقف على إشاراتٍ هامة من بينها:
  • أن المؤلف رحمه الله تتلمذ على والده، فقرأ عليه "المنهَج المنتخَب" لأبي الحسن الزَّقَّاق، واستشارَه في تأليف "الخواتم" فأقرَّه ، وأشار عليه بالنقل من شرح أبي العباس المنجور، فامتثل المؤلِّف إشارةَ والدِه.
  • أن بداية تأليف "الخواتم" كان بوضع المؤلِّف حَاشِيَةً على نُسْخَتِه، قال أنَّه علَّق فيها "كَلِمَاتٍ تُكمِل إشارَتَه، وتُفَكِّكُ عبارَتَه".
  • يُعتبَر كتابُ "الخواتم" اختصاراً لشرح المنجور على "المنهج"، مع زيادات يسيرةٍ عليه من غيره، على ما أشار إليه المؤلف في قوله: "ولم أنقل – أي من شرح المنجور - غالباً بالمعنى، وربما زِدْتُ من كلام غيره شيئاً يسيراً".
  • نصَّ الأمزوري رحمه الله على تسمية كتابه وفقاً لما وقع في جميع النسخ الخطيَّة للكتاب، حيث ختم خطبته بين يدي الكتاب بقوله: "... وسميته بِخواتم الذهب على المَنْهَج المُنْتَخَب، أسأل الله تعالى أن ينفع به، إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جَدِيْر".
*** *** ***
أما مخطوطات كتاب "الخواتم" فهي عزيزة المنال، ولا وجود لها في الخزانات العامة في المملكة المغربية ولا خارجها، وقد يجد الباحث المتتبِّع – كما وجدنا - شيئاً منها في الخزانات الخاصَّة التي يصعُب الوصول إلى معظمها.
وقد اعتمدنا في تحقيق الكتاب على نُسختَين لا نَعلَمُ – ولا نَستبعِدُ - وجودَ ثالثةٍ لهما:
  • الأولى؛ نمتلك أصلَها المخطوط، وهو مُودَع في خزانتنا الخاصة (مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث)، وهي نُسخَة تامَّةٌ سليمةٌ من الطمسِ والقرضِ والبياضِ والخروم وآثار عاديات الزَّمَن، وقد كُتِبَت بخط مغربيٍّ كبير واضحٍٍ أسود المداد، إلا كلمات استهلالية وأبيات المتن المشروح فقد كتبت بمداد أحمر.
تقع هذه النسخة في (128) لوحة، وفي ختامها يقول الناسخ ما نصُّه: «انتهى بحمد الله بيد كاتبه لنفسه ثم لمن شاء الله بعده عبدُ ربِّه الحسنُ بن عبد الرحمن الدرقاوي ... بتاريخ 21 من رمضان عام 1296تاب الله عليه ووالديه وأشياخه آمين».
  • والثانيةُ وافانا بصورتها الأستاذُ حسن تقي الدين ابنُ الطالب عن أصلٍ مخطوطٍ يُحفَظُ في الخزانة المسعوديَّة بالسوس، وقد رمزنا لها بالرمز (خ1)، وهي مكتوبة بخط مغربي دقيقٍ أسود المداد.
تقع هذه النسخة في (53) لوحة، وفي ختامها يقول الناسخ ما نصُّه: «انتهى هذا الشرح المبارك بتوفيق الله وإعانته فالحمد لله والشكر على ذلك. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولأشياخنا ولأقاربنا ولأحبتنا وللمحسنين إلينا ولمن له حق علينا وعلى والدينا ولجمع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات على يد ناسخه عن خطّ ثقة من خطّ مقيده لنفسه ولمن شاء الله بعده من إخوانه بتاريخ أواخر جمادى الثاني أعني وقت الضحى من يوم السابع والعشرين من عام 1294 عبيد ربه وأفقر الورى إلى الله مبارك بن محمد بن الحاج مبارك النعماني ثم البريمي القاري بتمكدشت في هذا الوقت حرسها الله من كل مكروه لطف الله به لطفاً يليق بحاله، بجاه النبي وآله، صلى الله عليه وسلم، آمين والحمد لله رب العالمين».
*** *** ***
تنبيهٌ: وصلتنا من أحد أصدقائنا الكرام صورةٌ للشَّطر الثاني من النُسخَة ذاتِها التي رمزنا لها بالرمز (خ1) مع تتمَّةٍ للقدر الساقط من أوَّلها بخطٍ حديثٍ على ورق مسطَّر، وبَلَغَنَا لاحقاً أنَّ (خ1) كانت محفوظة في كراريسَ مفكَّكةٍ، فظنَّ من صَوَّرها أن في صدرِِها نقصاً، فأتمَّه من نُسخَة أُخرى، ثم أُعيدَ ترتيبُ محتويات الخزانة التي صُوِّرَت منها، فعُثر أثناء الترتيب على القدر المفقود من المخطوط، فألحق به حتى اكتمل.
وقد رجعنا – استئناساً – في بعض المواضع إلى صورة ما كُتِب بخط حديث، ورمزنا له عند الإحالة إليه بالرمز (خ2)، علماً بأنه يبدأ من بداية الكتاب، وينتهي بنهاية قول الشارح رحمه الله: " العَرْضُ إذا استحق منه جزء شائع - والعرض مما ينقسم - فإن كان المستحقُّ النصفَ فأقلَّ فلا يكون للمشتري إلا الرجوعُ بقيمة ما استحقَّ، وإن كان أكثرَ من النِّصف فهومخيرٌ"، وذلك في شرحه للبيتَين (197) و ( 198) من المنظومة.
*** *** ***
أمَّا عملنا في التحقيق فمن أبرز عناصره:
  • نسخُ الكتاب من النسخة الواقعة في ملكنا، ثمَّ مطابقة ما تم نسخه على الأصل المنسوخ منه، وبعد ذلك مقابلة الكتاب بتمامه على نُسخَة الخزانة المسعوديَّة، مع الاستئناس في مواضح قليلة بالتتمة الحديثة لما تُوُهِّمَ سقوطه من بداية نُسخَة الخزانة المسعوديَّة، ولم نعتبرها نُسخَة قائمة بذاتها نظراً لتوافقها مع نسخة المسعوديَّة حتى في بدايات اللوحات ونهاياتها، فضلاً عن مواضع السقط والزيادة.
  • التزامُ قواعد الرسم الإملائي المعاصر، وتحليةُ النص بما يُحتاج إليه من علامات الوقف والترقيم، وضبط ما قد يُشكِل من ألفاظه وعباراته بالشَّكل.
  • مقابلة مَتْن المنظومة بما في شرح "المنهج المنتخب" بتحقيق محمَّد الشيخ محمَّد الأمين، معتمدين في ذلك على الطبعة الأولى لدار عبد الله الشنقيطي بمكة المكرمة، وعالم الكتب في بيروت، سنة 1423هـ/2003م، مع إحالة كلِّ بيتٍ من أبيات النَّظم إلى موضعه في الشرح المذكور، وإثبات ما قد يقع من فوارقَ معتبرةٍ بين ما لدينا وبين ما حقَّقه محقِّقُ الشرح حفظه الله ونفع به، وعدم الوقوف عند ما لا شأن له من الفوارق.
  • اعتماد منهج النص المختار في ضبط متن الكتاب ، حيث اخترنا مما اختلفت فيه النُّسختان ما بدا لنا أرجَح من غيره، وأقرب إلى مراد المؤلف :، وأثبتنا في الحواشي السفليَّة ما يفيد القارئَ الوقوفُ عليه من اختلاف عبارات وألفاظ النُّسخَتَين، علماً بأننا ضربنا صفحاً عن كثير من الفوارق التي لا تؤثر في المعنى، ولا تعكِّر على سياق الكلام.
  • ضبطُ أبيات منظومة "المنهج" بالشكل الكامل، وترقيمها ترقيماً تسلسلياً من أولها إلى منتهاها، وإثبات الرقم التسلسلي لكل بيتٍ على يمينه.
  • إثبات أرقام لوحات المخطوط بحسب النُسخَة الواقعة في ملكنا (ن)، ونُسخَة الخزانة المسعوديَّة (خ1)، وجعلُ الأرقامَ في أوائل اللوحات لا في أواخرها، مع التمييز بين وجوهِها وظهورِها بالإشارة إلى الأولى بالحرف (أ)، وإلى الثانية بالحرف (ب)، وإن صادفَت بداية اللوحة موضعاً داخل النظم راعينا التنسيق بالإشارة إلى موضع بداية اللوحة في الهامش عوضاً عن جعلها في المَتْن.
  • تمييزُ الآيات القرآنية عن باقي نصّ الكتاب بكتابتها برسم المصحف العثمانيّ، ووَضْعِ كلٍّ منها ضِمنَ قوسَين مزهَّرَين، وتخريجِها من المصحف الشريف؛ بذِكر رقمها مسبوقاً باسم السورة، وجعلنا ذلك محصوراً ضمن معكوفتين في صُلب الكتاب.
  • تخريج الأحاديث النبوية الواردة في الشرح وفقَ قواعد التخريج المعتمدة عند أهل التخريج ودراسة الأسانيد.
  • التعريف بأكثر الأعلام المذكورين في الكتاب، وخاصَّة أعلام المذهب المالكي؛ لكونهم المقصودين أصالةً في الكتاب بضبط أسمائهم وألقابهم، وذِكر بعض أخبارهم وآثارهم، وتوثيق التراجم بالإحالة إلى كتب الطبقات وأعلام المذهب.
  • عزو ما تيسر من عزوه النُّقول والأقوال التي أوردها المؤلف إلى مصادرها، بالرجوع إلى أتيح لنا الرجوع إليه من المصادر المخطوطة والمطبوعة.
  • إلحاقُ مَتْن منظومة "المنهج المنتخَب" مجرَّدةً من الشرح في آخر الكتاب المحقَّق تسهيلاً على من أرادها للحفظ أو الدراسة.
  • تذييلُ الكتاب بثبت فيه ما اعتمدنا عليه من مصادر التوثيق ومراجع التحقيق، وإردافها بفهارس عِلميَّة - تقرِّب فحواه ممَّن رآه - آخرها فهرس الفهارس، وما قبلَه فهرس الموضوعات.
*** *** ***
هذا، وإننا إذ نقدِّم خواتم الأمزوري الذهبيَّة على ما وفَّقَنا الله إليه في تحقيقها، لنسأله تعالى أن يتقبل عملنا فيها بقبول حسن، وأن يعمَّ مؤلِّفَه ومحقِّقَه - وأعوانَه - وناشِرَه وناظِرَه بجزيل الثواب وعظيم المِنن، وأن يُجزل له العطاء والثواب، ويجعل ما قدَّموه وِجاءً له من العذاب يوم الحساب، وأن يوفِّق أحياءهم إلى خَيرَي القول والعمل، وأن يعصمهم من الفتنة والضلالة والزَّلل، وأن يختم لهم بالصالحات عند بلوغ الأجل.
والحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات.
وكتب
أحمد بن عبد الكريم نجيب
كان الله له ولوالديه، ولمن أمَّن على دعائه
أو آزره وشد على يديه، ونسأ له في أجله
حتى يتوب عليه

أغادير (حاضرة إقليم سوس بجنوب المغرب)
في الثاني عشر من صفر الخَير 1433 هـ.
الموافق للسابع من كانون الثاني (يناير/جانفي) 2012 م.

[h=1][/h]=== هوامش وإحالات====
  1. كذا عند المختار السوسي، وفي النسخ الخطية للخواتم: (الأمزوري) بدون ألف قبل الواو، ولعلَّها نسبة إلى قبيلة معروفة بسوس، أو إلى بلدة (إموزوار) الواقعة جنوبيَّ المغرب؛ بين مراكش وأغادير، وهي من بلاد الأمازيغ.
  2. قال محقِّقُه أبو الهيثم الشهبائي كان الله له: السؤال المذكور هو سؤالٌ عن مسائل تتعلق بالدَّين والسعاية والوصايا نظمَه وبعث به الفقيه أبو زيد عبد الرحمن بن عبد الله الجزولي الجشتيمي إلى الشيخ القاضي محمد بن إبراهيم الأمزوري وهو في مرض الموت، فأجاب عنه ولده عبد الواحد – صاحب الخواتم – رحمهم الله جميعاً، ومنهما نسخةٌ مخطوطة يمتلكها ويعمل على تحقيقها ويسعى لنشرها الأخ الأستاذ حسن بن محمد تقي الدين ابنُ الطالب السوسي، وقد وقفتُ على شيء منها ومن عمله في تحقيقها فوجدُته حسناً من حَسَنٍ.
  3. في اللغة الدارجة للمغاربة اليوم يطلَق لفظ (الشِّلح) وجمعُه (شلوحٌ) على الناطق بالشِّلحة، وهي لغة الأمازيغ في المغرب الأقصى.
 

سيدي محمد ولد محمد المصطفى ولد أحمد

:: قيم الملتقى المالكي ::
إنضم
2 أكتوبر 2010
المشاركات
2,243
التخصص
الفقه المقارن
المدينة
كرو
المذهب الفقهي
مالكي
رد: تعريف بطبعة مركز نجيبويه لكتاب خواتم الذهب على المَنْهَج المُنْتَخَب في قواعد المذهب (المالكي)

جزاكم الله خيرا
لقد اشتقنا لهذه الطبعة للكتاب بسبب هذه المقدمة المنبئة بمزايا مسيلة للعاب
ونسأل الله أن ييسر لنا نسخة منه في القريب العاجل وينفعنا به
الطفرة الكبرى للتصنيف في قواعد الفقه عند المالكيَّة ظهرت في القرن السابع الهجري فما بعدَه، حيثُ وضع عز الدين بن عبد السلام كتابه"قواعد الأحكام في مصالح الأنام"
عز الدين شافعي المذهب أليس كذلك ؟
 

سمية

:: فريق طالبات العلم ::
إنضم
22 سبتمبر 2008
المشاركات
508
التخصص
فقه وأصوله
المدينة
00000
المذهب الفقهي
00000
رد: تعريف بطبعة مركز نجيبويه لكتاب خواتم الذهب على المَنْهَج المُنْتَخَب في قواعد المذهب (المالكي)

و صنَّف محمد بن عبد الله راشد القفصي التونسي - من فقهاء المالكيَّة - كتاب"المذَهَّب في ضبط قواعد المذْهَب".

اسمح لي أستاذي الفاضل أن أرحب بكم في الملتقى الفقهي عمومًا، وفي ملتقى المالكية على الخصوص.
وأن أثني على جهودكم الجبارة في إخراج تراث المالكية إلى النور.
وأن أعلق على ما اقتبسته من مقدمة تحقيقكم، بأن كتاب المذهب في ضبط قواعد المذهب، لابن راشد: هو كتاب في الفروع الفقهية، وليس في القواعد الفقهية، فابن راشد يقول في مقدمة الكتاب:" وضعت هذا المجموع في علم الفروع لينتفع به المبتدئ...".
يقول الشيخ أبو الأجفان عليه رحمة الله-في مقدمة تحقيقه للكتاب:"من الذين لم يطلعوا على الكتاب من حرفوا اسمه بما أوهم أنه كتاب في القواعد الفقهية، مثل: البرهان بن فرحون الذي ورد عنده الكتاب باسم: المذهب في ضبط قواعد المذهب...فالمؤلف ابن راشد يقول في المقدمة: سميته بالمذهب في ضبط مسائل..."1/120.

ونرحب بكم مرة ثانية، ونرجو أن لا نعدم مشاركاتكم، وأن تفيدونا بخبراتكم، وجزاكم المولى عنا كل خير.
 
إنضم
10 يناير 2012
المشاركات
9
الكنية
أبو الهيثم الشهبائي
التخصص
دراسات إسلامية
المدينة
دبلن
المذهب الفقهي
مالكي
رد: تعريف بطبعة مركز نجيبويه لكتاب خواتم الذهب على المَنْهَج المُنْتَخَب في قواعد المذهب (المالكي)

الأخت سمية: أوافقك تماماً على ما ذهبت إليه، فهو عين الصواب.
الأخ سيدي محمد: نعم هو شافعي، وللعلم فإن عند المالكية قصور في التصنيف في أصول الفقه جعل السادة الشافعية يسدون الخلة عندهم، فابن الحاجب شافعي الأصل، وكذا العز، وابن دقيق العيد، وهؤلاء الثلاثة أكثر من يعول المالكية على مصنفاتهم في الأصول، وهو ما يجعلنا نذهب مذهب من قال: إن أصول المالكية هي أصول الشافعية، مع زيادة عمل أهل المدينة والتوسع في سد الذرائع. والله أعلم وأحكم.
 
إنضم
10 يناير 2012
المشاركات
9
الكنية
أبو الهيثم الشهبائي
التخصص
دراسات إسلامية
المدينة
دبلن
المذهب الفقهي
مالكي
رد: تعريف بطبعة مركز نجيبويه لكتاب خواتم الذهب على المَنْهَج المُنْتَخَب في قواعد المذهب (المالكي)

فائدة: من التداخل اللفظي في أسماء مصنفات المالكية استعمال لفظ (القواعد) للإشارة إلى قواعد الإسلام (أركانه وشيء من فقه العبادات فيه) بدلاً من الإشارة إلى القواعد الفقهية.
تأمل مثلاً: قواعد عياض، وقواعد الباجي، وقواعد القفصي.
 
أعلى