العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

مفاهيم ومصطلحات لها ارتباط بالمنهج المقاصدي 5- مفهوم العقل

إنضم
22 يونيو 2011
المشاركات
15
الكنية
bennanikarim
التخصص
الأصول والمقاصد
المدينة
فاس
المذهب الفقهي
المالكي
مفاهيم ومصطلحات لها ارتباط بالمنهج المقاصدي


لا شك في أن من أهمّ الطرق الموصلة إلى العلم "معرفة اصطلاحات أهله" ، وأن المصطلح هو "اللبنة الأولى من كل علم، بما هو مدار كل علم، به يبدأ وإليه ينتهي" ، بل إذا شئنا الحقيقة فإن"المصطلح هو العلم. ذلك قول يجري مجرى القاعدة في جميع العلوم، وللعلم الشرعي منها خصوص أيُّ خصوص، من حيث ينفرد فيه المصطلح بِمَيِّزَاتٍ تجعله أكثر اكتنازا بما هو تصورات وقضايا وإشكالات" .
وإذا أردنا أن نحدّد للمقاصد مصطلحات ومفاهيم نجعل له بها حدا يتميز عن غيره ونستوعب ماهيته ونقف عند خصوصيته ، فلا يمكننا أن نبتعد عن المصطلحات التالية في فهم واستيعاب المنظومة المقاصدية من خلالها ، وهي :الفكر والعقل والنظر والاجتهاد والاستنباط والفقه .... وما ينتمي إليها من مفاهيم أخرى ، تخدم نفس المعنى .

5 ـ مفهوم العقل
العقل في اللغة يأتي على معان تدور بين الربط والإحكام والتحصن والحبس، ثم أطلق على الْحِجَا واللُّبّ. قال الرازي: "العقل الْحِجْرُ والنُّهَى". وعَقَلَ من باب ضَرَب، والمعقل الملجأ" . و"عقلتَ البعير عقلا (...) أن تثني وظيفه مع ذراعه، فتشدهما في وسط الذراع بحبل (...) وعقلت القتيل عقلا، أديت ديته، وعقلت الشيء تدبرته، وعقل الدواءُ البطنَ أمسكه (...) واعتقلت الرجل حبسته (...)" .
وقيل في تعريفه إنه "الغريزة التي يتهيأ بها الإنسان لفهم الخطاب" . فهو إذن" القوة المدركة التي تُعقل بها الحقائق، وتتميز بها الأشياء، أو العلم بصفات الأشياء من حسنها وقبحها، وكمالها ونقصها، أو العلم بخير الخيرين وشر الشرين، وكلها معان متقاربة. وأجمعُها أنه "نور إلهي تُدرِك به النفس العلوم الضرورية والنظرية" ، كما قال الشريف الجرجاني رحمه الله تعالى: "وقيل نور في القلب يعرف الحق والباطل، والصحيح أنه جوهر مجرد يدرك الغائبات بالوسائط، والمحسوسات بالمشاهدة" .
وآيات القرآن التي تحض على العقل والتعقل تبلغ 49 آية، إضافة إلى أكثر من 200 آية تتحدث عن مفاهيم لها ارتباطات قويّة وأساسية بمفهوم العقل، كالفكر والتفكر، والفقه والتفقه، والتدبر والحكمة...وكلّها مصطلحات ومفاهيم توصلنا إلى المنهج المقاصدي الرصين.
فالعقل إذن مرتكز الدعوة في النفس الإنسانية، به يعرف صالح الأشياء ويميزها، وبه يفهم الخطاب الشرعي، وينظر في تنزيله بكيفية منسجمة مع روحه وأهدافه ، ولا سبيل إلى معرفة كل ذلك إلا بالعقل، فقد "خلق الله تعالى العقل، وجعل من وظائفه أن يَفهم عنه، ويعقل دينه وشرعه، فلا يجوز في حقه أن يرد شيئا من الوحي كتابا وسنة، بحجة أنه يخالف قضية العقل، بل الشريعة كلها بأخبارها وأحكامها، ليس فيها ما يعلم بطلانه بالعقل، بل العقل يشهد بصحتها على الإجمال والتفصيل:
أما الإجمال: فمن جهة شهادة العقل بصحة النبوة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ما يخبر به من الكتاب والحكمة.
وأما التفصيل: فمسائل الشريعة ليس فيها ما يرده العقل، بل كل ما أدركه العقل من مسائلها، فهو يشهد له بالصحة تصديقا وتعضيدا، وما قصر العقل عن دَرْكِهِ من مسائلها، فهذا لِعِظَمِ الشريعة وتفوقها. ومع ذلك فليس في العقل ما يمنع وقوع تلك المسائل، التي عجز العقل عن دَرْكِهَا، فالشريعة قد تأتي بما يُحَيِّرُ العقول، لا بما تُحِيلُهُ العقول" .
لهذا نصّ عدد من العلماء على أهمية ربط منظور العقل بفهم النصوص، فنجد من المتقدمين ابن حبيب الأندلسي (ت238هـ) الذي أبان عن أهمية النظر والعقل حين نقل عن الإمام مالك في الواضحة قوله: "ولا أرى خصال القضاء تجمع اليوم في أحد، فإن اجتمع منها خصلتان العلم والورع وُلِّيَ". وقال ابن حبيب معلقا: "فإن لم يكن معه علم وكان معه عقل وورع يُكتفى بالعقل، فبه يسأل وبه خصال الخير كلها، وبالورع يقف، فإن طلب العلم وجده، وإن طلب العقل إذا لم يكن فيه لم يجده" . فالعقل هو ثمرة الفكر ونتيجته، وبه يتحصل ما هو مجهول ويلاحظ ما هو معقول بسرعة بديهة وحسن تدبر وتأمل .
فحاجة المقاصد إلى استعمال العقل أمر ضروري وبديهي ، لأنه السبيل إلى التعرف على مناطات الأحكام ومواقع العلل، كما أنه ضرورته تتأسس من بنائه على مفهوم النظر والفكر وعدم اقتصاره على مفهوم الفقه من حيث احتراز العلم بالأحكام الشرعية عن الوقوع في جهالة قراءة النصوص الجزئية خارج إطارها الشرعي.
والحمد لله رب العالمين
 
أعلى