د. فؤاد بن يحيى الهاشمي
:: مشرف سابق ::
- إنضم
- 29 أكتوبر 2007
- المشاركات
- 9,059
- الكنية
- أبو فراس
- التخصص
- فقه
- المدينة
- جدة
- المذهب الفقهي
- مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
أحكام الأدوية في الشريعة الإسلامية
لـ
حسن الفكي
لـ
حسن الفكي
(خاتمة الكتاب)
1. إن الله تبارك وتعالى خلق الأدواء لحكم عظيمة من أظهرها الابتلاء والاختبار. وجعل لتلك الأدواء أدوية تقاومها قبل وقوعها، وتدافعها بعد وقوعها، علم ذلك من علم وجهله من جهله، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا.
2. إن الاحتراز من الداء والتوقي عنه، واتخاذ الحيطة والحذر، وما شرع الله من وسائل، هذا أمر مشروع دلت عليه قواعد الشرع، وقال به أهل العلم.
3. إن القول الوسط في شأن العدوى: أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فالداء لا يعدي بطبعه كما كان يظنه أهل الجاهلية، وكما يعتقده أهل الكفر اليوم. لكن يمكن أن ينتقل الداء من المريض إلى السليم عن طريق المخالطة ونحوها، وهذا من قدر الله وسنته الكونية، ولو شاء ألا ينتقل لم ينتقل.
4. إن الإسلام جاء بصلاح الأرواح والأبدان. وعناية الإسلام بصحة الأبدان تظهر في كثير من تعاليمها وآدابه و أحكامه، وهي وسائل وقائية، يسعد بها من فقهها. يظهر ذلك جليا في أمره بالطهارة وخصال الفطرة، وإباحة الطيبات وتحريم الخبائث.
5. إن الدواء حقيقة هو: كل ما يستخدمه الإنسان، من عين مباحة نافعة ، أو سبب شرعي، لأجل الوقاية، أو دفع المرض أو تقليله. وهذا أولى من تعريفات الدوائيين، الذين أهملوا الجانب الإلهي في الدواء أعني الأسباب الشرعية غير المحسوسة، مع أنها أقوى وسائل لدفع المرض، كما أشرت إليه في موضعه.
6. إن الإنسان عرف الدواء منذ فجر التاريخ بما أودعه الله فيه من فطرة فاحصة، وبما ألهمه إياه ودله عليه، عرف ذلك كل الأمم و الشعوب، وإن كانت الأمة الإسلامية لها الريادة في ذلك، وقد خلف المسلمون كثيرا من المآثر التي لا يزال يستقي الناس إلى اليوم من معينها، وأصبحت أساسا لعلوم الطب والدواء.
7. إن الصيدلي المسلم يجب أن يكون قدوة في العلم والعمل، وأن يتحلى بكريم السجايا وجميل الخصال، وأن يجتنب الغش والكذب ونحو ذلك من خصال الشر، وليعلم أنه داعية إلى الله وأنه على ثغرة من هذا الدين الحنيف، وأن الله سائله يوم القيامة عما أسلف في هذه الدار.
8. إن مصادر الدواء المحسوس تتنوع ما بين مباح وممنوع شرعا، والممنوع لا يخلو أمره من إحدى حالتين:
الحالة الأولى: أن يحتفظ بصفاته المحرمة في الدواء المنتج، وهذا إما أن يكون كحولا، أو لا فإن كان كحولا كان هذا الدواء حراما قطعا، لا يتداوى به في اختيار ولا اضطرار، بل لم يكن في الواقع دواء، وإن ظن أنه كذلك، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم في الخمر: (لا ، إنها ليست بدواء، ولكنها داء). وإن لم يكن كحولا، بل كان غير ذلك من المواد النجسة ، فهو حرام في حال السعة، لكن يجوز التداوي به عند الضرورة.
الحالة الثانية: أن يتحول المحرم إلى عين مباحة. فالدواء حينئذ دواء مباح، لكن يبقى النظر بعد ذلك: هل يجوز استخدام العين النجسة أو الحرام لتحضير الدواء إذا كانت ستستحيل إلى عين مباحة طاهرة، أو تنتزع بعد تحضير الدواء للاستغناء عنها؟ هذا ينبني على مسألتي: الانتفاع بالنجاسات، وتخليل الخمر. والذي يترجح والعلم عند الله جواز الاستفادة من النجاسات، دون تخليل الخمر، وعليه يبنى الحكم.
9. إن تعاطي الدواء على سبيل الوقاية أو على سبيل العلاج، كل ذلك جائز، وهذا مقتضى الأدلة الشرعية، كما أوضحته في موضعه.
10. إن الشرع الحنيف نبه على أنواع من الأدوية، ونوه على فعاليتها، وأرشد إلى الاجتهاد لطلب مكنوناتها، وقد تجلت كثير من أسرار الشرع الحنيف من خلال التجارب والأبحاث التي قام بها بعض الدارسين والباحثين. كما نبه على أنواع منها تشتمل على محاذير شرعية . وقد ذكرت بعضا من هذه وبعضا من تلك.
11. إن الكحول هو روح الخمر وعلة إسكارها، وقد أقحمه من لا خلاق له من الكفار وغيرهم من مصنعي الأدوية في معظم الأدوية دون حاجة لذلك، بل هناك العديد من البدائل الشرعية التي تقوم مقامه، بل وأحسن منه أحيانا.
12. إن مما استجد من نوازل العلاج قضية غرس الأعضاء، وقد عرضت لها وأطلت البحث فيه نسبيا، والذي اتضح لي فيها ما يلي:
أ- إن الغرس الذاتي لا إشكال فيه.
ب- إن الغرس من الغير: إن كان من الأموات فمقتضى الأدلة وقواعد الشرع جوازه، وقد بينت وجه ذلك.
ج- إن الغرس من الغير: إن كان من الأحياء، فالأرجح منعه، وما ذكره المجيزون من حجج فهي ضعيفة.
د- إن موت الدماغ المعروف عند الأطباء ليس موتا شرعيا، ولا تترتب عليه أحكام الموت الشرعي، وميت الدماغ حكمه حكم الحي المعصوم يحرم الاعتداء عليه.
13- إن الرقى الشرعية أمثل أنواع الدواء وقاية وعلاجا لو أحسن الناس أخذها، بل من الأدواء ما لا يجدي فيه غير الرقى الشرعية، وأن ذلك مما لا يعرفه الطب الطبائعي. غير أن من الناس من غلا في أمرها وفتح أبوابا بدعية، واتخذ الرقى وسيلة للاعتداء على أعراض الناس وأموالهم. وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
14- إن مدارس الطب النفسي قد فشلت في غالب أحوالها لما عملت بمعزل عن نور النبوة. وأن طريقة الإسلام في معالجة الأدواء النفسية هي الحق الذي لا محيد عنه، وفيها البلسم الشافي للعلل النفسية.
15- إن الأدوية وخاصة العقاقير تخلف آثارا محسوسة على المكلفين، أي على أبدانهم وأرواحهم، وأخرى غير محسوسة، أعني على طاعتهم. وأن الآثار المحسوسة مضمونة في الجملة. وأما الآثار المعنوية أي الآثار التي تكون على الطاعة، فشملت نوازل فقهية مهمة هذه من أبرزها:
أ- المنظار الذي يكون من أسفل من قبل أو دبر لا ينقض الطهارة لذاته. ومثله الأدوية التي تعطى من أسفل كالتحميل، والحقن الشرجية، ووضع الإصبع للفحص.
ب- سحب الدم من المريض لا ينقض الوضوء.
ج- الدواء الذي يذهب العقل يفسد الوضوء.
د- إعطاء الدم لا يؤثر في صحة الصلاة. وكذا غرس العضو.
ه- المنظار العلوي أو السفلي لا يبطل الصيام. وكذا الفحص بالإصبع ونحوه.
و- الأدوية التي تكون على الجراح لا تفسد الصوم، ولو كانت جائفة أو مأمومة.
ز- الغسيل الكلوي(الإنفاذ الخلبي/البريتوني) يفسد الصوم على الأظهر نظراً لدخول الجلوكوز إلى الدم.
ح- الإبر الوريدية إن كانت علاجية لا تفسد الصوم، وإن كانت مغذية تفسده.
ط- إعطاء المريض الدم يفسد صومه. وكذا الغسيل الكلوي(الإنقاذ الدموي) من جهة اصطحاب الدم الجلوكوز معه.
ي- الأرجح في سحب الدم أنه لا يفسد الصوم.
هذا وقد اتضح لي ضرورة اهتمام المسلمين بمجال الدواء، خاصة وهم أهل السبق في كل خير، وفي شريعتهم إشارات عديدة لضروب من الأدوية، فكيف يكون غيرهم أسبق منهم في ما كان كذلك؟ ومع هذا فإن أكثر الاكتشافات والأبحاث في الأدوية الآن تجرى في بلاد الغرب، حتى ما اختص منها بالتنبيه عليه الشرع الحنيف، كالحبة السوداء والعسل وغيرهما كثير.
كما اتضح لي وجوب سعي الأمة لإيجاد مصانع مستقلة تقوم على أساس الشرع حتى لا تدخل على المسلمين المواد المحرمة في أدويتهم، كالخمر والخنزير ضمن الأدوية التي يصنعها أهل الكفر الذين لا يحرمون ما حرم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وحتى لا تكون الأدوية حكرا لأعدائنا فيتخذونها سلاحا ضدنا، وحتى لا تذهب أموال الأمة المصروفة في الدواء إلى خزائن الكفار. والأمة والحمد لله قادرة على ذلك كله بما وهبها الله من خيرات وفيرة، لكنها تحتاج إلى صدق وإخلاص وهمة وعزيمة وإحساس بعظم المسؤولية.
عسى أن يعي أهل الشأن في الأمة الحبيبة هذا ويعملوا لتحقيقه، فيتقي المسلمون شر ما هم واقعون فيه الآن، والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد و على آله وصحبه وسلم.
المصدر: الدرر السنية.