العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

خبر بديع من أدب الاختلاف

عصام حسن دحلة

:: متابع ::
إنضم
20 ديسمبر 2011
المشاركات
7
الكنية
أبو الحسن
التخصص
شريعة إسلامية
المدينة
طرعان
المذهب الفقهي
الشافعي
أورد فضيلة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله في كتابه النافع الماتع "صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل " في الجانب الرابع في أخبارهم في الجوع والعطش في الهواجر : الأيام والساعات في الصفحة (219-221) في الفقرة (215) . خبراً من العجب العجاب في التزام الأدب والرعاية الشديدة للحقوق الإنسانية والواجبات الدينية ، مع الاختلاف في الرأي والمذهب . فاقرأ وتأمل ...
قال ابن نباتة المصري في : سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون وهو يترجم لإبراهيم بن سيار النظام البصري المعتزلي ، المولودسنة 185 والمتوفى سنة 221 أحد أذكياء العالم ، الذي قال فيه معاصره الجاحظ –والجاحظ هو من هو – الأوائل يقولون : في كل ألف سنةٍ رجلٌ لا نظير له ، فإن صح ذلك فإبراهيم النظام من اولئك .قال ابن نباتة : "حكى الجاحظ ، قال:تجاذبت يوماً وإبراهيم النظام حديث الطيرة. فقال لي: أخبرك أني جعت حتى أكلت الطين؟ وما صرت إلى ذلك حتى قلبت قلبي أتذكر ، هل ثم رجل أصيب عنده غداء أو عشاء؟ فما قدرت عليه ! وكان عليّ جبة وقميص ، فبعت القميص، ثم قصدت "الأهواز" وما أعرف بها أحداً ، وما كان ذلك ناشئاً إلا عن الحيرة والضجر، فوافيت الفرضة فلم أصب بها سفينه ، فتطيرت من ذلك. ثم إني رأيت سفينة في صدرها خرق وهشم فتطيرت أيضاً. فقلت للملاح: تحملني ؟ قال: نعم . قلت: ما اسمك ؟ قال: (دواداذ) وهو بالفارسية اسم الشيطان، فتطيرت وركبت معه. فلما قربت من الفرضة ، صحت : يا حمال ،ومعي لحاف سمل-عتيق بالٍ- ، ومضربة ، وبعض ما لابد لي منه، فكان أول حمال أجابني أعور!فقلت لبقار كان واقفاً: بكم تكري ثورك هذاإلى الخان؟ فلما أدناه مني إذا هو أغضب، فازددت طيرةإلى طيرة! وقلت في نفسي: الرجوع أسلم، ثم ذكرت حاجتي إلى أكل الطين! وقلت من لي بالموت! فلما صرت إلى الخان وأنا حائر ماذا أصنع ، إذ سمعت قرع باب البيت الذي أنا فيه. فقلت: من هذا ؟ فقال: رجل يريدك ، فقلت : من أنا ؟ فقال إبراهيم بن سيار النظام ، فقلت: هذا عدو أو رسول سلطان! ثم إني تحاملت وفتحت له الباب. فقال: أرسلني إليك (إبراهيم بن عبد العزيز)ويقول لك: إن كنا اختلفنا في المقالة ، فإنا نرجع بعد ذلك إلى حقوق الأخلاق والحرية ، وقد رأيتك حيث مررت بي على حالٍ كرهتها ، وينبغي أن تكون نزعت بك حاجة ، فإن شئت فأقم بمكانك مدة شهر أو شهرين ، فعسى نبعث إليك ببعض ما يكفيك زماناً من دهرك ، وإن اشتهيت الرجوع فهذه ثلاثون ديناراً فخذها وانصرف، وأنت أحق من عذر. قال: فورد علي أمر أذهلني .
أما واحدة : فإني لم أكن ملكت قبل ذلك في جميع دهري ثلاثين ديناراً.
والثانية : أنه لم يطل مقامي وغيبتي عن أهلي .
والثالثة : ما بيني لي من الطيرة أنها باطل . قال فضيلة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة -رحمهالله - والرابعة : -وقد فاتت النظام- وهي تعدل الثلاثة مجتمعة عندي وتفوقها ، وهي ذلك النبل النبيل والفهم الأصيل ، لحقوق الأخلاق والحرية والإنسانية ، فلم تمنع مخالفة النظام في المقالة والرأي والمذهب إبراهيم بن عبد العزيز : أن يسعفه عند محنته وإملاقه وأن يمد له يد العون والمروءة والإنقاذ . فتباعده منه كان لله تعالى ، من اجل الاختلاف في المقالة والرأي وصلته له من أجل رعاية حقوق الإنسانية والحرية ، وهي لله تعالى أيضاً ، وكل ذلك من الإسلام ، فانحراف النظام في رأيه ،لا يمنع من القيام بأداء حق المروءة إليه ، فما أجمل الفهم للشريعة وأحكامها ، وماأجمل تنزيلها منازلها في الرضا والغضب ، والقرب والبعد ، والحب والكره ، مع الصديق والعدو : ((لا وكس ولا شطط)) ورحمة الله تعالى على ذلك الإنسان العالم النبيل ، ما اعمق إدراكه للإسلام ! وليمت كمداً وحنقاً أولئك الجهال المتفاقهون ، والمتعالمون الفارغون .
ثم عقب فضيلة الشيخ محمد عوامة حفظه الله على هذا الخبر بعد أن أوردالقصة وتعليق فضيلة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله في كتابه -ادب الاختلاف في مسائل العلم والدين- فقال : ومن أجل الرعاية لحقوق الإنسانية والحرية : كان هذا الموقف النبيل من عبد الله بن أبي ربيعة لما أرسلته قريش مع عمرو بن العاص رضي الله عنه –وكانا آنذاك على دين قريش- أرسلتهما إلى النجاشي ليفسدا قلبه على من هاجر إليه من الصحابة رضي الله عنهم .قال عمرو بن العاص لعبد الله بن ابي ربيعة في أحد مواقفه :"لأنبئهم غداً عيبهم عندهم - أي عيب المسلمين عند النجاشي وأصحابه- ثم أستأصل خضراءهم! فقال عبد الله بن ابي ربيعة وكان أخا لأبي جهل لأمه لا تفعل فإن لهم ارحاماً وإنكانوا قد خالفونا" .

فإنا لله وإنا إليه راجعون من حال هذا الزمان الذي أصبح فيه الاختلاف في الفروع والمسائل الفقهية سبباً إلى خلاف بين القلوب والأرواح وحتى أصبحت كثير من صفحات الكتب حلبة للصراع مع المخالفين وميدان للتهم والتشهير .
 
أعلى