العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

إنعام النظر ببعض ما جاء في المجموعة الجديدة من جامع المسائل لشيخ الإسلام ابن تيمية

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمداً طيبا كثيرا مباركا فيه ملء السموات وملء والأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد وكلنا لك، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجدُّ
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.


أما بعد.


فهذه ورقات من المجموعة الجديدة من جامع المسائل في سلسلة آثار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقد تضمنت إجابة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن السؤال الذي ورد عليه في حكم دفع الأخ ما وجب عليه من الزكاة لأخيه، وقد احتوت كذلك على جوابه على من منع ذلك بحجة أن دفعها إليه يؤدي إلى أن يقي المزكي بها ماله وذلك بإسقاط النفقة عنه.
وكعادته أسهب ابن تيمية رحمه الله في بيان الوجوه والدلائل على صحة ما ذكر، وفي دفع الإيرادات والاعتراضات.
وكعادته أيضا أحسن ابن تيمية رحمه الله في ذكر جملة من النظائر التي تفيد ما ذكر من ناحية، وتلزم المخالف الذي يعتبر هذه الوجوه من ناحية أخرى.
وما انتهى إليه ابن تيمية رحمه الله كنتُ قبل أن أظفر بهذه الورقات، أجد في نفسي ميلا إليه وهو الجواز، ولكن يمنعني منه الاعتراض المشهور

فجاءت هذه الفتوى لتشرق بالبرهان الساطع حتى احتجب منه اعتراض المخالف و غار
....


وقد ذكر ابن تيمية رحمه الله كما في جواب الاعتراضات المصرية على الفتيا الحموية( ) في لفتة لطيفة:

أنه ليس كل من وجد العلم قدر على التعبير عنه والاحتجاج له، فالعلم شيء، وبيانه شيء آخر، والمناظرة عنه وإقامة دليله شيء ثالث، والجواب عن حجة مخالفه شيء رابع.

بل قد ذكر ابن تيمية رحمه الله في بعض كتبه:
أن طوائف من أهل العلم وقع منهم أن حصَّلوا معانٍ صحيحة في باب القدر لكن فاتهم أنه لم ينطقوا به فصيحا.
فرحمه الله وغفر له ورفع درجته، كما نسأله سبحانه أن يفقهنا في الدين وأن يعلمنا التأويل، وأن يزيدنا علما، وأن يفعنا بما يعلمنا وأن يعلمنا ما ينفعنا إنه هو العليم الحكيم، ربنا إنك سميع الدعاء.


مسألة ( )
في رجل فقير وعليه دين وله أخ لأبويه وهو غني، هل للغني دفع الزكاة لأخيه الفقير دون الأجانب؟ وهل يجوز له تعجيل الزكاة له سنة أو سنتين؟( )
جواب الشيخ تقي الدين أحمد بن تيمية


نعم، يجوز له أن يدفع إليه من زكاته ما يستحقه مثله من الزكاة، وهو أولى من أجنبي ليس مثله في الحاجة، ويجوز تعجيل الزكاة.
وذلك لأن نصوص الكتاب والسنة تتناول القريب والبعيد في الإعطاء من الزكاة، وامتاز إعطاء القريب بما فيه من الصلة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدقتك على المسكين صدقة، وصدقتك على ذي الرحم صدقة وصلة". والصدقة في الصلة أفضل من الصدقة المجردة.
والذين منعوا من إعطاء الزكاة له قالوا: نفقته واجبة على الأخ، فيكون مستغنيا بها، فلا يعطيه ما يقوم مقام النفقة الواجبة.
وهذا القول ضعيف لوجوه:
أحدها: أنه قد لا تكون النفقة واجبة عليه، بأن لا يكون للزكي فضل ينفقه على أخيه، وهذا حال كثير من الناس. فإذا حُرِم الصدقة مع النفقة كان هذا ضد مقصود الشارع.
الثاني: أن يقال: هب أن نفقته واجبة عليه، فإنما ذلك بشرط أن لا يكون قادرا على الكسب وأن يطالب بها، فإذا كان متمكنا من أخذ الزكاة واختار ذلك لم تجب النفقة في هذا الحال.
كما لو اختار أخذ الزكاة من أجنبي، فإن النفقة لا تجب في هذا الحال إجماعاً. وليس أن يُمنع من الزكاة لأجل وجوب النفقة بأولى من أن يُمنع من النفقة لأجل وجوب الزكاة بل هذا أولى، لأن الصدقة مال أباحه الله له ولأمثاله، فإذا كان قادرا عليه لم يكن به حاجة إلى النفقة، والنفقة إنما وجبت عند العجز عن الاكتساب، وأخذ الزكاة من جملة وجوه الاكتساب.
وكما أن الصدقة لا تحل لغني ولا لذي مرَّة سوي، فهو أيضا لا يستحق النفقة.
الوجه الثالث: لو وجبت نفقته على غيره، وامتنع ذلك الغير من إعطائها كان له أخذ الزكاة بالاتفاق.
فهذا القريب لو قدر امتناعه من الإنفاق لم يحرم على هذا أخذ زكاته. ولا يقال: الزكاة لم تسقط عن ذلك ، بل غاية ما يقال: إنه عاص بترك النفقة.
الرابع: أن يقال: لا ريب أنه يجب إغناء هذا الفقير، فإما أن يغنيه قريبه من ماله وإما من الزكاة فالواجب إما الإنفاق عينا وإما الزكاة عينا وإما أحدهما، وإيجاب الإنفاق عينا مع تمكن المحتاج من أخذ الزكاة ومع اختياره لذلك لا يقول به أحد، وأما إيجاب إعطاء الزكاة عينا مع اختيار رب المال أن يصل رحمه من ماله فلا يقول به أحد، فمتى اختار الفقير أخذ الزكاة فله ذلك، ومتى اختار الغني صلته من ماله فله ذلك إذا اختار الفقير، ولو أراد الفقير أن لا يقبل الصلة وقال: لا أخذ إلا من الزكاة فله ذلك.
وإن أراد المطالبة بالنفقة وقال: لا أريد إلا النفقة دون الزكاة فهذا فيه نظر ونزاع
وأما إذا اتفقا على الصلة جاز بالاتفاق، فكذلك إذا اتفقا على الإعطاء من الزكاة هوجائز أيضاً.
كما لو كان الغني يعطيه من صدقة موقوفة أو من صدقة هو وكيل فيها أو ولي عليها.
فإن قيل: إذا أعطاه وقى بها ماله، وقد ذكر الإمام أحمد عن سفيان ابن عيينة قال: كان العلماء يقولون: لا يقي بها ماله، ولا يحابي بها قريبا، ولا يدفع بها مذمة.
قيل: هذا إنما يكون إذا كان القريب من عياله فيعطيه ما يستغني به عن النفقة المعتادة، ففي مثل هذه الصورة لا يجزئه على الصحيح، وهو المنقول عن ابن عباس وغيره، أفتوا بأنه إذا كان من عياله لم يعطه ما بدفع به الإنفاق عليه.
حتى لو كان متبرعا بالإنفاق على رجل لم يكن له أن يعطيه ما يقي به ماله، لأنه هنا دفع عن نفسه بالزكاة، فأخرجها لغرضه لا لله، والزكاة عليه أن يخرجها لله، وإن لم يكن هذا واجبا بالشرع، لكن العادات لازمة لأصحابها.
والمحاباة أن يعطي القريب وهناك من هو أحق منه، وأما إذا استويا في الحاجة وأعطاه لم يكن هذا محاباة.
وهذا بخلاف ما إذا لم تكن عادته الإنفاق على الأخ، فإن وجوب النفقة عليه مشروط بعدم قدرته على الأخذ من الزكاة واختيار ذلك، فمتى كان قادرا على الأخذ مريدا له لم يستحق في هذه الحال نفقة.
كما لو حصل ذلك مع غني أجنبي، فإنه إذا اختار الأخذ من زكاته لم يجب عليه أخيه في هذه الحال الإنفاق عليه.
الوجه الخامس:
أن يقال: لو أعطي الزكاة للإمام فأعطى الإمام أخاه من ذلك جاز، وكذلك لو أعطاها لمن يقسمها بين المستحقين فأعطاه أخاه، فكذلك إذا قسمها هو.
وسبب ذلك أن الزكاة يجب صرفها إلى الله تعالى، الذي يثيب صاحبها والفقراء يأخذونها من الله، لا يستحق أرباب الأموال عليهم معاوضة.
فهو كما أعطى الإمام من بيت المال وناظر الوقف من الوقف، وإذا كان كذلك فأخذه من زكاة قريبه وغيره سواء، كأخذه من مال ينظُر عليه قريبه، سواء كان سلطانيا أو وقفا أو نذرا.
يدل على ذلك أن أبا طلحة لما قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أحب أموالي إلي بَيْرَحَاء، وإنها صدقة لله أرجو برَّها وذُخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث شئت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني أرى أن تجعلها في الأقربين".
فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بجعلها في الأقربين بعد أن جعلها لله وخرج عنها.

والله سبحانه أعلم.
 
أعلى