العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

لا يجب الإطعام على من لم يطق الصيام.

رشيد لزهاري حفوضة

:: مطـًـلع ::
إنضم
8 يناير 2012
المشاركات
103
الإقامة
الوادي/ الجزائر
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد البر
التخصص
ماستر دراسات قرآنية و آداب إسلامية
الدولة
الجزائر
المدينة
الوادي
المذهب الفقهي
مالكي
[h=1] لقد كنت منذ مدة طويلة و أنا أفكر في أمر الذين لا يقدرون على الصيام كأصحاب الأمراض المزمنة و المسنين العجزة و كنت أقول : كيف يكلفون بالصوم و هم غير قادرين ابتداءً ؟! ثم كيف يطعمون بدل الصوم و هم غير مكلفين ؟! و كنت أقول: الآية التي يستدل بها الموجبون للإطعام منسوخة لأنها وردت في معرض التدرج في تشريع الصيام كما ثبت في الصحيح …ثم هي تتحدث عن الذين (يطيقونه) أي يقدرون عليه لكن بمشقة و ليس الذين لا يطيقونه كما فسرت ؟! حتى وقفت على كلام للإمامين ابن عبد البر في الإستذكار و ابن حزم في المحلى وافق ما كنت مقتنعاً به و هأنذا أنقل عن الإمامين ما قالاه في الموضوع مع إسقاط لبعض التفاصيل أو الاستطرادات بغرض الاختصار:[/h]1- يقول الإمام أبو عمر يوسف بن عبد البر الأندلسي في الاستذكار :
" - قال أبو عمر : الاحتجاج بهذه الأقوال يطول ، وقد أكثروا فيها ، والصحيح في النظر - والله أعلم - قول من قال : إن الفدية غير واجبة على من لا يطيق الصيام ؛ لأن الله تعالى لم يوجب الصيام على من لا يطيقه ؛ لأنه لم يوجب فرضا إلا على من أطاقه ، والعاجز عن الصوم كالعاجز عن القيام في الصلاة ، وكالأعمى العاجز عن النظر لا يكلفه ، وأما الفدية فلم تجب بكتاب مجتمع على تأويله ، ولا سنة يفقهها من تجب الحجة بفقهه ، ولا إجماع في ذلك عن الصحابة ، ولا عن من بعدهم ، والفرائض لا تجب إلا من هذه الوجوه والذمة بريئة .
- قالوا : أحب أن لا يوجب فيها شيء إلا بدليل لا تنازع فيه . والاختلاف عن السلف في إيجاب الفدية موجود ، والروايات في ذلك عن ابن عباس مختلفة . وحديث علي لا يصح عنه ، وحديث أنس بن مالك يحتمل أن يكون طعامه عن نفسه تبرعا وتطوعا ، وهو الظاهر في الأخبار عنه في ذلك ." صفحة:(361-362-363)
فرأي أبن عبد البر إذن لا صوم عليهم و لا كفارة(فدية) لانعدام الدليل.
2- يقول الإمام أبو محمد علي بن حزم الأندلسي:
" 770- مسألة : - والحامل ، والمرضع ، والشيخ الكبير كلهم مخاطبون بالصوم فصوم رمضان فرض عليهم ، فإن خافت المرضع على المرضع قلة اللبن وضيعته لذلك ولم يكن له غيرها ، أو لم يقبل ثدي غيرها ، أو خافت الحامل على الجنين ، أو عجز الشيخ عن الصوم لكبره : أفطروا ولا قضاء عليهم ولا إطعام ، فإن أفطروا لمرض بهم عارض فعليهم القضاء" . صفحة:410
و يقول:" وأما الشيخ الذي لا يطيق الصوم لكبره فالله تعالى يقول { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } فإذا لم يكن الصوم في وسعه فلم يكلفه . وأما تكليفهم إطعاما فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } فلا يجوز لأحد إيجاب غرامة لم يأت بها نص ولا إجماع" .صفحة:411
……………….و يقول:" قال أبو محمد : وأما نحن فلا حجة عندنا في غير النبي صلى الله عليه وسلم .
وأما الرواية عن ابن عباس : أنه كان يقرؤها ( وعلى الذين يطوقونه ) فقراءة لا يحل لأحد أن يقرأ بها ; لأن القرآن لا يؤخذ إلا عن لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن احتج بهذه الرواية فليقرأ بهذه القراءة وحاش الله أن يطوق الشيخ ما لا يطيقه .
وقد صح عن سلمة بن الأكوع ، وعن ابن عباس نسخ هذه الآية كما ذكرنا في هذا الباب ، وفي باب صوم المسافر ، وأنها لم تنزل قط في الشيخ ، ولا في الحامل ، ولا في المرضع وإنما نزلت في حال وقد نسخت وبطلت . والشيخ ، والعجوز اللذان لا يطيقان الصوم فالصوم لا يلزمهما قال الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } وإذا لم يلزمهما الصوم فالكفارة لا تلزمهما ، لأن الله تعالى لم يلزمهما إياها ولا رسوله صلى الله عليه وسلم والأموال محرمة إلا بنص أو إجماع ؟"صفحة:415
فرأي ابن حزم إذن لا صوم عليهم و لا كفارة(فدية) لانعدام الدليل.
و الخلاصة :
منشأ الخلاف هو فهم الآية الكريمة :(وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين)
فالقائلون بالإطعام يرونها محكمة و هي تعني عندهم الحامل و المرضع و الشيخ الكبير فيرون عليهم الإطعام مع اختلافهم في الحامل و المرضع…
و الذين يرونها منسوخة و هو الصحيح الوارد في الصحيح,لا يرون الإطعام مع تفصيل…
و الذي أراه - و الله أعلم- :
أن الذي لا يقدر على الصوم لذهاب عقله(الشيخ الخَرِف) أو الشيخ الكبير الذي لا يتحمل جسمه الصوم لهرمه أو الضعيف الذي لا يستطيع الصوم أو صاحب المرض المزمن الذي يخبره طبيب ثقة بأن الصوم يضره أو يكون قد جرب ذلك بنفسه ,هؤلاء غير مكلفين بالصوم لأنهم لا يقدرون عليه و لو تجشموه فربما هلك بعضهم فلا إطعام على واحد منهم و ليس هناك دليل يلزمهم بالصيام و لا بدله و هو الكفارة بل الشرع يقرر أنه :" لا يكلف الله نفسا إلا وسعها",و في سياق الحديث عن الصيام قال تعالى:"يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر"
و الآية لا علاقة لها بهؤلاء لأنها تتحدث عن أفراد في مرحلة قد مضت خفف عنهم للتدريب على الصيام تدرجاً في التشريع, و لفظة (يطيقونه) يستطيعونه بمشقة و ليس نفي الاستطاعة مطلقاً فالاستدلال بها ههنا غير سائغ و الله أعلم.
أما الذين يستطيعون الصيام و لكن بمشقة غير مضرة و كلفة غير مهلكة فأرى أنه يجب على أحدهم الصوم ما أطاقه و لا يجوز له الفطر و الإطعام…و إن لم يطقه فهو كالصنف الأول الذين يسقط عنهم الصوم. لأنه لا دليل على ذلك و الآية وردت في غير شأنهم.. و لو ترك الحبل على الغارب تشجع الكثيرون على الفطر و الإطعام و ليس لذلك ضابط …وقد تفطن مالك - رضي الله عنه- إلى التفريق بين القادر و غير القادر فقد قال ابن عبد البر:" إلا أن مالكا يستحب للشيخ الذي يقدر على الصيام إذا قدر على الفدية بالطعام أن يطعم عن كل يوم مدا لمسكين من قوته، ولا يرى ذلك عليه واجبا عليه ."
فكأنه أعمل الآية كما أعملت أول ما نزلت ,لكن قوله بالاستحباب لا دليل عليه و لعله فهمه من فعل أنس رضي الله عنه كما فهمه ابن عبد البر و الله أعلم.
و عليه لو فدى المفطر غير القادر على الصيام كما فعل أنس رضي الله عنه فحسن و لكن لا يجب عليه…و الله أعلم.
 
أعلى