العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

العلمانية الانحلالية ومنظومة القيم الإسلامية

ابوجاسم الظاهري

:: مخالف لميثاق التسجيل ::
إنضم
10 فبراير 2008
المشاركات
1
بسم الله الرحمن الرحيم

العلمانية الانحلالية ومنظومة القيم الإسلامية.

كـتـبـه : الـهيـثـم زعـفـان .


قضية الصراع القيمي بين العلمانية والإسلام هي في الأساس صراع عقدي بين حق وباطل، وبين منهج صالح وفاسد، وليست مجرد اختلافات إيديولوجية كما يحلو لبعضهم تسميتها.

فعملية الدفع بين العلمانية والإسلام عملية مستمرة؛ وبدهي أن يكون هناك منتصر، وحتمًا سيكون الإسلام بإذن الله. لكن حتى يمكن الوصول إلى هذه النقطة الفاصلة ينبغي معرفة الكيفية التي تمكنت بها العلمانية من اختراق منظومة القيم الإسلامية؛ فالعلمانيون اجتهدوا في نشر ثقافة الانحلال بين فئات المجتمع مستثمرين في ذلك كافة الوسائل المتاحة. ومعظم القائمين على هذه اللعبة الانحلالية يحرصون على التظاهر بتمسكهم بالقيم الإسلامية التي هي عندهم لا تخرج عن دائرة الأذكار القولية التي ليست لها أية ثمرة تكليفية في حياتهم العملية.
فهذا أحد كبار المخرجين السينمائيين الذي اكتشف قطاعاً عريضاً من ممثلات الإغراء العربيات وصنفت بعض أفلامه في فئات البورنو يقول في مذكراته: «أنا واحد من الناس المؤمنين بشكل خطير وتام، ولا أزال وسأظل متمسكًا بالقيم والتقاليد، وأنا حتى الآن إذا أردت السفر إلى الإسكندرية وقلت ذلك لابنتيّ، فإنهما تقولان لي: لا إله إلا الله، فأرد عليهما: محمد رسول الله، وأما مساء كل يوم، وقبل أن أنام أقرأ فاتحة الكتاب ثم أتشهد بالشهادتين... !»

هذا في وقت سيطرت فيه السينما على الساحة الإعلامية وكان لمخرجيها اليد الطولى في توجيه الثقافة الإنحلالية؛ فما هو الواقع في ظل التقنية الحديثة والسماوات المفتوحة؟

دعونا نبدأ القضية من جذورها.

■ القيم الإسلامية:

المدقق للدراسات التي تتناول موضوع القيم الإسلامية يلحظ أنها في تحديدها لماهية المفهوم ضمت شمول الدين الإسلامي كله.. لذلك فمن الموضوعية التيقن بأن القيم الإسلامية هي الدين الإسلامي نفسه.

يقول اللواء دكتور فوزي طايل ـ عليه رحمة الله ـ «يلحظ الباحث أن فقهاء المسلمين لم يفردوا أبوابًا خاصة بالقيم؛ لأن القيم الإسلامية هي الدين ذاته؛ فهي الجامع للعقيدة والشريعة والأخلاق، والعبادات والمعاملات، ولمنهاج الحياة والمبادئ العامة للشريعة، وهي العُمُد التي يقام عليها المجتمع الإسلامي؛ فهي ثابتة ثبات مصادرها، وهي معيار الصواب والخطأ، بها يميز المؤمن الخبيث من الطيب، ويرجع إليها عند صنع القرارات واتخاذها.. وهي التي تحدث الاتصال الذي لا انفصام له بين ما هو دنيوي وما هو أخروي في كل مناحي الحياة»(1).

ومن هنا.. فإن أية محاولات لخلخلة منظومة القيم الإسلامية الثابتة، أو طرح مبادرات من هنا أو هناك لجعل تلك المنظومة قابلة لاستيعاب قيم مستمدة من معطيات العقل البشري والخبرات المجتمعية ذات المرجعيات الإلحادية والفاسدة.. كل ذلك يعد محاربة صريحة للدين الإسلامي، ومن ثَمَّ فإن التصدي لهذه المحاربة هو فرض عين على كل من يدرك معالم هذه المشكلة.

وأبرز الفيروسات النشطة في ساحة المعركة ما يطلق عليه تسترًا «العلمانية». فما هي العلمانية؟

العلمانية «تقابلها في اللغة الإنجليزية كلمة (secularism) وأصلها اللاتيني هو (saecular) ويعني «الدهر» (Age) أو العالم (world) أو الزمن (The time). والعلماني عكس الديني ويستخدم اصطلاحًا للإشارة إلى مدخل للحياة ينفصل تمامًا عن الدين ويتشكل كلية باهتمامات «زمنية دنيوية»(2).

وتوضح موسوعة العلوم السياسية أن «العلمانية على المستوى الشخصي (هي رفض الفرد أن تتشكل معاملاته السياسية بمصادر لا يكون لإرادته الحرة المباشرة دخل في تشكيلها وصياغتها. وعلى المستوى العام تعني العلمانية المذهب الذي يؤمن بضرورة إبعاد المؤسسات الدينية والمناصب الدينية عن ممارسة أي تأثير أو لعب أي دور في أي من مجالات الحياة العامة بما في ذلك التعليم والتشريع والإدارة وشؤون السياسة والحكم )(3).

ويذهب عدد من الباحثين إلى أن العلمانية تُعد موقفًا (يفترض أن تكون المعايير التي يخضع لها الإنسان في تعامله مع الإنسان وفي تنظيمه لشؤون حياته السياسية والاقتصادية والقانونية هي معايير مستمدة من الدنيا لا الدين»(4).

لاحظ بعض رموز العلمانية في عالمنا الإسلامي أن الإسلاميين فطنوا إلى حقيقة الدعوة العلمانية وواجهوها ونجحوا في صناعة رأي عام مضاد لهذه الدعوة.. فقام هؤلاء الفقهاء بطرق مبادرات ذات غطاء شتوي يستر أكثر مما يستره الغطاء الصيفي، ومن ثم يكون في عالمنا الإسلامي فريقان علمانيان يستخدمان سلاحاً مزدوجاً في ساحة المعركة.

أ - فريق رافض للتراث ومتجاوز له «شبلي شميل» «يعقوب صروف»، «فرح أنطون» الذي دعا إلى اعتماد العلم في كافة شؤون الحياة، و «سلامة موسى الذي لعب دورًا هامًا في مجال تقديم الرؤى العلمانية في الثقافة المصرية والعربية وكان من أبرز المؤثرين في أفكار ما يطلق عليهم لقب «النخبة»، أدونيس، محمود درويش، البياتي، جابر عصفور، وغيرهم.

ب - فريق آخر يسعى لإعادة قراءة التراث وتأويله ومن أبرزهم «محمد أركون، حسين أحمد أمين، محمد عابد الجابري، حسن حنفي الذي يقول «الشريعة الإسلامية وضعية، والإسلام دين علماني في جوهره، والفقه متغير بتغير الحاجات والمصالح، فلِمَ الخوف من التشريع والجرأة فيه؟ هم رجال ونحن رجال ـ يقصد فقهاء الأمة ـ نتعلم منهم ولا نقتدي بهم»(5).

■القيم من وجهة نظر العلمانيين:

القيم عند العلمانيين تقوم على مبدأ «الحرية» فكل فرد تكفل له الحرية القيام بأي شيء يحقق أهدافه بغض النظر عن الاعتراضات على ما يقوم به من أفعال.

أما الجائز وغير الجائز فيتم تحديده من خلال مبدأ «نسبية القيم» وهذا المبدأ له عدة ركائز أو خصائص:

أولاً: النسبية المكانية للقيم: «لما كان لكل ثقافة معاييرها الخاصة بها فإن «المــرغــوب فيه» يختلف تبعًا لذلك من ثقافة إلى ثقافة، ومن ثم تختلف القيم من ثقافة إلى ثقافة»(6).

معلوم أن العلمانية تطرح لنا الثقافة الغربية بكل ما فيها من مضامين، ومن ثم فإن الحلال والحرام عندهم بمنظور الثقافة الغربية؛ بمعنى لا قيمه له. فما هو الواقع؟ الإجابة يقدمها د. إبراهيم الخولي الذي يقول: «المجتمع العلماني نفض يده من الالتزام بحلال أو حرام نفضًا كاملاً من نقطة البدء الأولى على مستوى النظم والشعوب السابق في كتابه (الانهيار): «نحن أصبحنا مجتمع إباحة الاستباحة، الفرد في الولايات المتحدة استباح كل شيء ولم يعد في قاموسه كلمة حرام أو محرم، بهذا لا تستقيم حضارة ولا تستمر. السفينة كلها تغرق ولا يملك أحد إنقاذها! وإنقاذها مرهون بالعودة إلى الدين والأخلاق!(7).

ثانيًا: النسبية الزمانية للقيم: «أي أنها تختلف وتتغير في المجتمع الواحد بما يطرأ على نظمه من تطور وتغير، وهي في تطورها وتغيرها تخضع للمناسبات الاجتماعية في التاريخ كما تخضع لظروف الوسط الثقافي الذي توجد فيه»(8).

إطلاق خاصية النسبية الزمانية بهذه الصورة يوضح سبب تقدير الاتجاه العلماني للنظرية الداروينية. كما أن الخاصية تمكن أصحاب هذا الاتجاه من وصف القيم الإسلامية بأنها غير صالحة لمواكبة التطورات؛ وعليه ـ كما يرون ـ فإن مدة صلاحيتها انتهت ويجب استبدالها بقيم جديدة صالحة لملابسات الحقبة.

ثالثاً: صلاحية القيم: «إن كل ما تصطلح الثقافة على أنه خير يخضع دائمًا في اختياره إلى مبلغ فائدته الاجتماعية لهذه الثقافة بالذات؛ فالقيم تكون صالحة أو فاسدة تبعًا لدرجة قدرتها أو عدم قدرتها على إشباع الحاجات الأساسية، البيولوجية والاجتماعية للناس في الثقافة المعينة»(9).

قول «ديوي وهمبر»: إن الخير والشر والمرغوب فيه أو غير مرغوب فيه، هو ما تقرر الثقافة (والثقافة وحدها هي الحكم) أنه كذلك فالحر والأخذ بالثأر، وقتل أسرى الحرب، واحتكار الأقلية لأرض والدكتاتورية، كل هذه أمور تكون مرغوبًا فيها وذات قيمة إذا قررت الثقافة ذلك. فالقيم إذن نسبية إلى طبيعة الإنسان كما تتضح هذه الطبيعة في فعله وتفاعله الاجتماعي الثقافي»(10).

وكما ذكر فإن الثقافة التي يدعو إليها العلمانيون عندنا هي ثقافة غربية انحلالية، ومن ثم وفي ضوء خاصية «صلاحية القيم «تكون تلك الثقافة هي الحكم على تصرفات الإنسان في عالمنا الإسلامي علاوة على ذلك فإنه كلما زادت انحلالية الثقافة اتسعت دائرة المرغوب، وهو في هذه الحالة انحلالي بطبعه وسائل العلمانيين ذات التأثير المباشر في اهتزاز منظومة القيم نجح الاستمرار الأجنبي في صناعة فئة «أطلق عليها «نخبوية» تتبوأ مناصب قيادية داخل المجتمعات الإسلامية عقولهم في الغرب وأصابعهم على أزرار صنع القرار، وفي ذات الوقت تم سحب النشاط رويدًا رويدًا من تحت أقدام العلماء والمخلصين للأمة الإسلامية.

يقول «جون ل. إسبوزيتو «في كتابه: (التهديد الإسلامي.. خرافة أم حقيقة): «تمثلت النتيجة الرئيسية للتحديث في ظهور نخب جديدة وتشعب مطرد في المجتمع المسلم، تلخص في نظمها التعليمية والقانونية. فالتعايش بين المدارس الدينية التقليدية والمدارس العلمانية الحديثة - ولكل منها منهجها ومعلموها وأوساطها الخاصة - قد أنتج طبقتين برؤيتين عالميتين متنافرتين: أقلية نخبوية حديثة غربية الهوى، وأغلبية أكثر محافظة ذات توجه إسلامي، كما أن العملية فتتت الأسس التقليدية لسلطة الزعماء الدينيين وقوتهم؛ بينما ارتفعت طبقة جديدة من النخب الحديثة المدربة إلى المواقع المهمة في الحكم والتعليم والقضاء، وهي مواقع كانت على الدوام ملكًا للعلماء (مشايخ الإسلام)(11).

■ أساليب العلمانيين في الهدم:

وكان من أبرز المجالات التي تم التركيز عليها منذ بداية اللعبة «التعليم والإعلام» لما لهما من تأثير مباشر في صناعة وبرمجة أجيال جديدة تردد وتطبق عملياً العلمانية الانحلالية.

ففي مجال التعليم تم اتباع عدة خطوات مدروسة وطبقت بمنتهى الدقة ومنها:

- حصر التعليم الديني وحصاره مادياً ومعنويًّا، ولعل واقع الأزهر في مصر والزيتونة في تونس خير دليل على ما آل إليه التعليم الديني في عالمنا الإسلامي.

- الابتعاث إلى الخارج.. والذي أدى إلى صناعة قادة جدد أثروا في مسار الأمة وفي صناعة الأجيال، ولنا في رفاعة الطهطاوي وقاسم أمين وطه حسين وغيرهم أبلغ الأمثلة على تاثير نظام البعثات في العقول.

- انتشار المدارس الأجنبية في البلاد الإسلامية «وقد نجح التعليم الأجنبي في اختراق جميع مؤسسات الدول من القمة إلى القاع: مرة بالفكر الذي لقنه دائرة واسعة من الناس، ومرة أخرى حين نجح في دعم مجموعة ممن تبناهم بعد تخرجهم وعمل على إبرازهم من خلال وسائل الإعلام؛ لأنه نجح في اختراق الفكر الذي يحكم حركة هذه المؤسسات؛ وذلك حين نجح في زلزلة معاني العقيدة الراسخة داخل المجتمع عن طريق طائفة رباها، ثم نجح في تسليط الضوء عليها والسعي في التمكين لها داخل المؤسسات»(12).

- تمييع المناهج العلمية: وذلك من خلال إدخال النظريات الباطلة وطمس الحقائق وتزييف المناهج واللعب في المناهج الإسلامية باسم التطوير (13).

- نشر الاختلاط بين الجنسين والذي أدى إلى اختلال قيمة الغيرة، وأدى إلى تطور أنماط العلاقة بين الشباب مع وضعهم في حالة إثارة مستمرة مع القضاء شبه التام على مصطلح «الأجنبي» بين الشباب داخل أسوار الجامعة وخارجها في أحيان كثيرة.

- أما عن مجال الإعلام فيتضح بصورة جلية أثر العلمانية المباشر فيه؛ وذلك لاتساع دائرته ووصوله لأطراف لم تلتحق بالتعليم، أو أنهت علاقتها بالتعليم ومناهجه والقائمين عليه.

والعلمانية استطاعت من خلال وسائل الإعلام المتعددة سواء المقروءة أو المسموعة أو المرئية الوصول إلى أبعد النقاط المحرمة وبث السموم المميتة، وكان من أبرز ما اعتمدت عليه مخاطبة غرائز الإنسان؛ لأنها أيسر الطرق في شرخ جدار المنظومة القيمية، وكان من أحدث ما استثمرته العلمانية الانحلالية «الدش» و «والأنترنت».

■العلمانية بين الدش والأنترنت:

نجح الدش في جعل الكرة الأرضية قرية واحدة ينقل عبر قنواته كافة الأحداث العالمية في حينها من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال حتى الجنوب، ولا ينكر أحد أهمية ذلك.

لكن في الوقت ذاته هناك العشرات من القنوات الإباحية، وكذلك القنوات التي تعرض الأفلام غير المراقبة والأغاني المصورة المقززة والتي نجحت في نشر ثقافة الغربي وجعلها واقعًا ملموسًا وسط شرائح غيبت عنها الضوابط الشرعية التي في ضوئها يتم إنبات الثمرة التكليفية.

لعلاج موضوع الدش ذهب فريق من المجتمع الإسلامي بمنع الدش بصورة كلية مثلما فعل سكان أحد الأحياء في مدينة عربية؛ حيث اتفقوا على عدم تركيب أجهزة «الدش» فوق منازلهم، ودعم سكان هذا الحي تلك الاتفاقية بالتعاون مع مكاتب العقار الموجودة داخل الحي السكني بوضع شرط إضافي هو عدم تركيب دش بالمنزل المؤجر لأي ساكن جديد(14).

فريق آخر يرى الاستفادة من المواد الجادة في الدش مع تشفير القنوات غير المرغوبة من خلال التحكم الشخصي.

أما قضية الإنترنت فهي قضية معقدة وشائكة، فالنت سبب ونتيجة لانهزام القيم في الوقت ذاته. فهو نتيجة؛ لأن التعامل معه بالمنطق السفلي الجنسي جاء رد فعل لتفريغ محتوى القلب المتعامل مع الحاسوب مسبقًا من خلال المناخ العلماني مما جعله مهيأً للغوص في أعماق المواد الانحلالية الهائلة على شاشة النت.

كما أنه سب؛ لأنه مجال خصب للعلمانيين يخاطبون من خلاله قطاعاً عريضاً من الشباب، فيبثون له ما يصبون إليه من سموم.

قضية الإنترنت مشكلتها أنها تضم ثقافة جيلين.. جيل تعامل مع وسائل الإعلام من خلال المقروء والمسموع والمرئى ويتمثل في جيل «الآباء» وجيل قدمت له كافة الوسائل في جهاز واحد وهو «جيل الأبناء».

فجيل الآباء معظمه ليست لديه القابلية النفسية للقيام بدور المتعلم كي يستطيع التعامل مع الحاسوب؛ لكنه يحرص على تطوير أداء جيل الأبناء مع حرص الغالبية من الآباء على توفير جهاز حاسوب في بيته للأبناء، ويعملون على توفير جو من الهدوء لتحقيق أكبر قدر من الاستفادة... لكن هناك فجوة هامة ينبغي التنبيه عليها.. الجيل الجديد نشأ في جو تتوغل فيه العلمانية الانحلالية في كافة ذرات الهواء الذي يتنفسونه، ومن ثم تم خلخلة المنظومة القيمية لدى معظم هذا الجيل... وفجأة جلس أمام جهاز بضغطة زر واحد فقط تظهر أمامه قائمة بأكثر من ألف موقع إباحي يدخل أيها شاء، وبضغطة أخرى على نفس الزر. وهذا العدد من المواقع المخصصة للمراهقين فقط دون الكبار كما أوضح ذلك تقرير لشركة (netvalue) الأمريكية في الوقت ذاته إذا دخل الأب على الابن بصورة مفاجئة يستطيع الابن بضغطة زر واحد أن يحول الشاشة من منظر خلاعي إلى شكل معقد يوضح خريطة الجينيوم البشري، فيشفق الأب على حجم المجهود الذي يبذله الابن في التحصيل العلمي.

الإشكالية السابقة يمكن ضبطها من خلال عدة إجراءات منها:

1 - العمل دوماً على توضيح مخاطر العروض الإباحية على عقيدة الأبناء.

2 - تيسير وتشجيع الزواج المبكر حتى ولو في مراحل التعليم.

3 - مراقبة الأبناء جيداً أثناء تعاملهم مع الحاسوب مع وضع الجهاز في مكان واضح لكافة أفراد الأسرة.

4 - أن يقوم الآباء بتعلم كيفية عمل المسح التاريخي للمواقع التي دخلها الأبناء لمعرفة توجهاتهم وليستشعروا أن هناك مراقبة فعلية.

5 - هناك برامج ماحية للبرامج غير المرغوب فيها يمكن برمجتها على الحاسوب والتي تعرف باسم «(WEB BLOKER) يمكن من خلالها حجب المواقع السيئة بقدر الإمكان.

القضية الأخطر في مجال الإنترنت والتي جاءت عن كسر جدار الحياء بين الذكر والأنثى مع ضرب مصطلح «الشخص الأجنبي» في العمق من خلال دعاوى الاختلاط وحقوق المرأة وعملها، والتي بذل فيها العلمانيون مجهودات كبيرة حتى وصلوا لهذه النتيجة التي تعرف بـ «المحادثة» أو «الدردشة» أو بمعنى أدق «الشات» وهو عبارة عن فتى يتحدث مع فتاة لعدة ساعات من خلال الحاسوب باستخدام وسائل ثلاث: البرقيات المكتوبة، والاتصال الصوتي، والكاميرا الحية. وليتخيل المرء ما هو الحديث المتوقع لأجنبيين هُيئت لهما مثل هذه الظروف! بل الأصعب من ذلك هناك مجموعات من العلمانيين الانحلاليين أنشؤوا مواقع للدردشة الإباحية لا تستخدم إلا في المحادثات الجنسية فقط، ونسبة الإقبال العربي عليها عالية جداً، ويا ليت الأمر يتوقف عند ذلك، بل يمتد إلى المقابلات الخارجية ليتم تصديق الفعل الانحرافي عملياً، وهناك الكثير من القصص الواقعية لفتيات وقعن ضحايا هذا الشات، ولعل ذلك يفسر ما ذكره د. إبراهيم جوير الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود في جريدة الوطن السعودية: «أنه خلال السنوات العشر الماضية ارتفعت نسبة اللقطاء بشكل لافت للنظر بالسعودية؛ ففي زيارته الأولى لدور رعاية الأيتام قبل 12 سنة كان 75% من سكان الدار من الأيتام الذين فقدوا أحد الوالدين، أما عند زيارته الأخيرة للدور وجد أن 96% منهم من فئة اللقطاء(15).

إن برنامج الشات يوفر ملايين الدولارات في التعاملات اليومية والاتصالات الشخصية النافعة؛ لكن الفكر العلماني نجح في تحويله إلى مسار يؤدي إلى السقوط في الهاوية، وفي أفضل أحوال السقوط يحدث ما صار يعرف بـ «إدمان الشات» وعلى الرغم من ذلك فإن هذا البرنامج يمكنه لعب دور كبير في مجال الدعوة الإسلامية؛ فأحد الشبان الإسلاميين وفقه الله من خلال برنامج الشات إلى هداية خمسة آلآف كافر إلى دين الإسلام - بارك الله في هذا الشاب وكلل خطواته المستمرة بالنجاح.

نقول: لماذا لا يقوم كل متقن للحاسوب من المحتسبين ذوي العقيدة الصحيحة بتخصيص ساعة يومية يدعو فيها غير المسلمين إلى الإسلام؟

إلى أصحاب ما يعرف بمقاهي الإنترنت لماذا تتحملون ذنوب مستأجري أجهزتكم ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما يروى عنه يقول: «أتدرون من الخاسر؟ قالوا: هو من باع آخرته بدنياه. قال: كلا؛ الخاسر هو من باع آخرته بدنيا غيره» صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

يمكن تحويل المقاهي القائمة وكذا استحداث ما يمكن أن نطلق عليه مراكز الدعوة بالحاسوب، وتكون مخصصة لخدمة الإسلام ولا يرتادها إلا صنفان:

الأول: شباب إسلاميون يدعون غير المسلمين إلى الإسلام.

الثاني: شباب يخدمون الإسلام بحثياً وعلمياً.

من الممكن تطبيق فكرة المراكز الدعوية السابقة من خلال الجمعيات الخيرية الإسلامية بأن يكون الشباب صحيحي العقيدة، وتكون وظيفتهم فقط دعوة غير المسلمين إلى الإسلام من خلال برنامج الشات مع الدخول لمواقع الدردشة العلمانية ومحاولة تصحيح مسار الفتيات والفتيان المغيبين.

كـتـبـه : الـهيـثـم زعـفـان .


---------------------------------

(1) فوزي محمد طايل: كيف نفكر استراتيجيًّا، مركز الإعلام العربي، القاهرة 1997، ص 30 ـ 31.

(2) محمد محمود ربيع (محرر) وآخرون «موسوعة العلوم السياسية «جامعة الكويت، 298.

(3) المرجع السابق، ص 298.

(4) نشأت عبد الفتاح: اليوتوبيا والجحيم، المركز القبطي للدراسات الاجتماعية، ص 79.

(5) حسن حنفي، محمد عابد الجابري: حوار المشرق والمغرب، دار توبقال للنشر، المغرب، 1990، ص 43 ـ 45.

(6) فوزية دياب: القيم والعادات الاجتماعية، مكتبة الأسرة، القاهرة 2003، ص 61.

(7) ندوة العلمانية والفن: الحلقة الثانية. مجلة البيان العدد 162.

(8) فوزي دياب، القيم والعادات الاجتماعية، مرجع سابق، ص 65.

(9) فوزية دياب: القيم والعادات الاجتماعية، المرجع السابق، ص 68.

(10) المرجع السابق ص 68 نقلاً عن: Dewe Humber : The Develo pment of Human Behavior . p . 713- 729

(11) جون ل. إسبوزيتو: التهديد الإسلامي.. خرافة أم حقيقة، ترجمة د. قاسم عبده قاسم، دار الشروق القاهرة، ط 2، 2002، ص 81.

(12) مهيمن عبد الجبار: التعليم الأجنبي.. مخاطر لا تنتهي، مجلة البيان، عدد 175، ربيع أول 1423هـ.

(13) للاستعلام حول علاقة العلمانية بالتعليم يمكن الرجوع إلى: عبد المنعم صبح أبو دنيا: العلمانية في التعليم أهدافها وآثارها ومقاومتها 2001م.

(14) جريدة الجزيرة الأحد 27 ذو الحجة 1419هـ.

(15) الوطن السعودية: السبت 1 شعبان 1424 هـ العدد 1093.
 
التعديل الأخير:
إنضم
28 ديسمبر 2007
المشاركات
677
التخصص
التفسير وعلوم القرآن
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
حنبلي
أبا جاسم حفظك الله ورعاك..

مقال ثريّ، ذو فكرة جادّة جميلة ..

أهلا بك بين إخوانك في هذا الملتقى المبارك ..أسأل الله أن ينفعكم وأن ينفع بكم، إنه كريم رحيم ودود ..
 
أعلى