العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

القياس على القياس

إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
871
الكنية
أبو الأمين
التخصص
أصول الفقه
المدينة
باريس
المذهب الفقهي
أصول مالكية
قال الشريف التلمساني في مفتاح الوصول :

الشرط الرابع : أن لا يكون الأصل المقيس عليه عليه فرعا عن أصل اخر.

واعلم ان هذا الشرط قد اعتبره الاصوليون ونقلوا عن الحنابلة وأبي عبد الله البصري من المعتزلة انه ليس بشرط، وهو عندنا في المذهب ليس بشرط، بل يجوز عندنا القياس على أصل ثبت حكمه بالقياس على أصل اخر، ومثاله قياس جمهور أصحابنا قول القائل لزوجته "أنت طالق رأس الشهر ثم انهم يحتجون على حكم الأصل بقياسه على نكاح المتعة والعلة في ذلك أن المعنى المقصود من النكاح وهو المودة وحسن الألفة والعشرة لا يفضي إليه النكاح إلا بالتأبيد ،أما توقع الفراق عند حصول الأجل قطعا، أو ظنا فذلك مخل لما يقصد من النكاح، وهو المودة وحسن الألفة، وهذا المعنى لما لم يكن هو المقصود منه ما لا يخل بالمالك كالهبة والاستخدام، جاز تعليق العتق بأجل محقق.

والأصوليون يرون أن العلة الجامعة بين الوسط وأحد الطرفين : إن كانت بعينها موجودة في الطرف الآخر فذلك الوسط لغو، وذلك مثل : من يقيس السفرجل على التفاح في الربا، بجامع الطعم فإذا منع له حكم الربا في التفاح أثبته بالقياس على البر فيقال له : جعل التفاح أصلا لغو، بل كان ينبغي أن تقيس السفرجل على البر وتستغني عن ذكر التفاح.

وهؤلاء يرون أن ركن الدليل لايجوز ان يكون لغوا.

وأما إن كانت العلة بين الوسط و أحد الطرفين غير العلة بين الوسط والطرف الآخر : فإن الوصف الجامع بين الأصلين غير موجود في الفرع ولا يصح الحاقه بالوسط، والوصف الجامع بين الفرعين ليس هو العلة في الفرع الوسط، فلا يكون علة في الفرع المقيس.

ومثاله لو قاس قائس الطحلب والمكث إذا تغير بهما الماء، على ما تغير بالتراب الجاري هو عليه، في الطهورية بجامع غلبة التغير وضرورة الحاجة اليه، فإذا منع له حكم الأصل قاسه على الماء إذا صب في الماء فإنه طهور فالجامع طهورية المخالط. اهــ

يمكن توضيح مسألة قياس فرع عن فرع عن أصل بالمثال التالي :

مثال ذلك أن يقاس الحمار على الهر في السؤر بعلة الطواف لحديث كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ دَخَلَ فَسَكَبَتْ لَهُ وَضُوءًا ، فَجَاءَتِ الْهِرَّةُ فَشَرِبَتْ ، فَأَصْغَى لَهَا الإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ ، وَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ " . (الموطأ)

إذن الحمار يأخذ حكم الهر بالقياس فهو طواف مثله فالهر أصل و الحمار فرع و العلة الطواف.

ثم يأت قائل فيقول أقيس البغل على الحمار في السؤر فالعلة الجامعة بين البغل و الحمار لا تخلو من أمرين :

- أن تكون نفسها العلة الجامعة بين الحمار و الهر أي يقول القائل أقيس البغل على الحمار بعلة الطواف فهذا لغو عند أهل الأصول ذلك أنه يقاس مباشرة البغل على الهر فلا نحتاج للحمار بينهما لأن العلة التي نريد القياس عليها أي الطواف موجودة في الأصل و هو الهر.

- الأمر الثاني أن تكون العلة التي نريد استعمالها بين البغل و الحمار ليست هي نفس العلة الموجودة بين الحمار و الهر كأن نقول نقيس البغل على الحمار في السؤر بعلة الركوب فالركوب غير الطواف المذكور سابقا و هنا يقول الشريف التلمساني : (واما ان كانت العلة بين الوسط واحد الطرفين غير العلة بين الوسط والطرف الاخر) أي أن العلة بين البغل و الحمار غير العلة بين الحمار و الهر (فان الوصف الجامع بين الاصلين غير موجود في الفرع ولا يصح الحاقه بالوسط ) أي أن العلة التي يدور عليها الحكم و هي الطواف غير موجودة في الفرع الأخير و هو البغل فما دام العلة غير موجودة فهذا القياس غير صحيح لأن علة الركوب لا تدور عليها طهارة السؤر بل العلة هي الطواف لذلك قال الشريف التلمساني (فان الوصف الجامع بين الاصلين) أي العلة الجامعة بين الأصل الأول و هو الهر و الأصل الثاني و هو الحمار ( غير موجود في الفرع) أي غير موجودة في الفرع الأخير و هو البغل (ولا يصح الحاقه بالوسط) فلا يصح إلحاق البغل بالوسط و هو الحمار لأن علة الركوب لا يدور عليها الحكم.

(والوصف الجامع بين الفرعين ليس هو العلة في الفرع الوسط ) أي العلة الجامعة بين الفرعين و هما البغل و الحمار هي غير العلة الموجودة في الوسط و هو الحمار و العلة المقصودة هي العلة التي يدور عليها الحكم و هي الطواف.

(فلا يكون علة في الفرع المقيس ) أي علة الطواف لا تكون في الفرع الأخير و هو البغل.

(ومثاله لو قاس قائس الطحلب والمكث اذا تغير بهما الماء على ما تغير بالتراب الجاري هو عليه في الطهورية بجامع غلبة التغير وضرورة الحاجة اليه،) الماء الذي يمكث مدة ينتن و كذلك إذا اختلط به الطحلب مال لونه للخضرة فيقول القائل هو طاهر و إن تغير ريحه كالماء الماكث أو تغير لونه كالماء المختلط بالطحلب و ذلك قياسا على الماء المختلط بالتراب فالماء لا يكاد ينفك من التراب و الناس تحاج إليه فيكون الأصل هنا هو الماء المخلط بالتراب و الفرع هو الماء المخلط بالطحلب أو الماكث و العلة هي غلبة التغير و الحاجة إليه.

فيقول المخالف لكن لا أسلم لك بالأصل و هو طهورية الماء المختلط بالتراب فيقول له هو عندي طاهر و دليل ذلك قياس هذا الماء المختلط بالتراب بالماء المضاف إليه ماء فكما أن الماء المضاف إليه ماء طاهر لأن كلاهما طاهر فكذلك الماء المضاف إليه التراب طاهر فالتراب طاهر و الماء طاهر.

فيكون هنا قد قاس الماء المختلط بالتراب على الماء المضاف إليه الماء بعلة الطهورية و يكون كذلك قاس الماء المختلط بالطحلب و الماكث على الماء المضاف إليه التراب بعلة الحاجة إليه و هنا يكون قاس فرعا على فرع على أصل بعلتين مختلفتين فالأصل و هو الماء المضاف إليه الماء و العلة الطهورية و الفرع الأول هو الماء المضاف إليه التراب و الفرع الأخير هو الماء الماكث و الماء الذي فيه طحلب و العلة التي يريد القياس عليها هي الضرورة و الغلبة و هي غير العلة الأولى و هي الطهورية فيقول له المخلاف لا أسلم لك قياس الفرع الأخير على الفرع الوسط لأن العلة التي يدور عليها الحكم هي غير العلة الجامعة بين الفرع الوسط و الأصل و الله أعلم
 
أعلى