العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

ملخص لآراء المعتزلة الأصولية

إنضم
12 يناير 2010
المشاركات
863
الجنس
ذكر
الكنية
أبو مُـعـاذ
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
خميس مشيط
المذهب الفقهي
حنبلي
يقول الدكتور الضويحي في نتائج بحثه : آراء المعتزلة الأصولية دراسة وتقويما

الحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات، والصلاة والسلام على المؤيد بالمعجزات الباهرات، وعلى آله وصحبه أفضل البريات، وبعد:
فله الحمد والمنة، وله الفضل على إتمام النعمة، حيث استكملت هذه الرسالة أبوابها وفصولها ومباحثها ومطالبها ومسائلها، عبر خطة علمية مرسومة ومنهج علمي مدروس.
وإذْ بلغ البحث نهايته، فإن المناسب أن أسرد النتائج التي توصلت إليها على النحو التالي:
1- كانت نشأة المعتزلة مع بداية القرن الثاني الهجري بالبصرة في أواخر العصر الأموي.
2- المؤسس الحقيقي لمذهب الاعتزال هو واصل بن عطاء الغزال وصاحبه عمرو بن عبيد.
3- لا يصح قول من قال: إن المعتزلة سموا بذلك نسبة إلى الصحابة الذين اعتزلوا الفتنة بين علي ومعاوية رضي الله تعالى عنهما، وذلك لأن هؤلاء الصحابة الكرام رضي الله عنهم، لم يسموا معتزلة بالمعنى الاصطلاحي الذي نفهمه من مدلول هذه الكلمة، وإنما سموا بذلك بالمعنى اللغوي الدال على التنحي عن الفتن طلباً للسلامة من الإثم وصوناً للدماء.
والصحيح في ذلك أنهم سمّوا معتزلة لاعتزال واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد مجلس الحسن البصري رحمه الله تعالى.
4- يتفرع المعتزلة إلى فرعين رئيسين، هما:
(أ) فرع البصرة، ومن أبرز من يمثل هذا الفرع: واصل بن عطاء، عمرو بن عبيد، عثمان الطويل، أبو الهذيل العلاف، أبو بكر الأصم، معمر بن عباد، النظام، الشحام، الجاحظ، أبو علي الجبائي، أبو هاشم الجبائي.
(ب) فرع بغداد، ومن أبرز من يمثل هذا الفرع: بشر بن المعتمر، أبو موسى المردار، أحمد بن أبي دؤاد، ثمامثة بن الأشرس، جعفر بن حرب، جعفر بن مبشر، الإسكافي، عيسى بن الهيثم، الخياط، أبو القاسم الكعبي.
5- من الأسباب التي دفعت المعتزلة للاشتغال بعلم الكلام معايشتهم للجماعات غير المسلمة التي تكونت داخل المجتمع الإسلامي كالمزدكيين، والإثنينية، والديصانية، والسمنية، وغيرهم، وذلك لدحض شبهاتهم عن طريق مقارعة الحجة بالحجة.
6- المعتزلة لا يجدون في أنفسهم حرجاً من تسميتهم بهذا الاسم، بل إنهم يفخرون به ويجعلونه وسام شرف لهم، بحجة أن الله تعالى ما ذكره في كتابه إلا في الاعتزال عن الشر.
7- يطلق على المعتزلة عدة أسماء كالعدلية، والموحدة، والمعطلة، والقدرية، والجهمية، والثنوية، والواردية، والحرقية، والمفنية، والملتزقة، والقبرية، وغير ذلك.
8- للمعتزلة أصول خمسة عليها مدار مذهبهم ومعتقدهم، لا يستحق أحد من الناس اسم الاعتزال عندهم حتى يستكملها في نفسه، وهي: التوحيد، العدل، الوعد والوعيد، المنزلة بين المنزلتين، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
9- التوحيد عند المعتزلة يقوم بنيانه على إنكار الصفات، والقول بخلق القرآن، وإنكار رؤية الله تعالى في الآخرة.
وهذا مناف للتوحيد الذي عليه أهل السنة والجماعة، فالتوحيد عندهم يقوم على إثبات الصفات كما يليق بجلال الله من غير تكييف ولا تمثيل ولا تعطيل، وعلى القول بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود، وعلى إثبات رؤية الله تعالى في الدار الآخرة.
10- العدل عند المعتزلة يقوم على إنكار خلق الله تعالى لأفعال العباد، وعلى إيجاب فعل الصلاح والأصلح على الله تعالى، وعلى ترتيب الثواب والعقاب بمجرد استحسان العقل واستقباحه دون أن يتوقف ذلك على الشرع.
وهذا بلا شك يتنافى مع معتقد أهل السنة والجماعة، فمن معتقدهم أن الله تعالى خالق كل شيء ومن ذلك أفعال العباد، وأنه لا يجب عليه شيء إلا ما أوجبه على نفسه بإيجابه هو، وأن الثواب والعقاب على الحسن والقبيح موقوف على الشارع.
11- يرى المعتزلة في أصل (الوعد والوعيد) أنه يجب على الله تعالى أن يفعل ما وعد به وما توعد عليه، فيجب عليه إثابة المطيع ومعاقبة العاصي، وإلا لزم الخلف والكذب في وعده ووعيده، ولزم منه فساد التدبير.
وهذا مخالف لما يعتقده أهل السنة والجماعة، فهم يعتقدون أنه يجب على الله تعالى أن يفي بما وعد به، لا على أنه من باب الاستحقاق والمعاوضة، وإنما لكونه سبحانه صادقاً لا يكذب في وعده.
ويعتقدون أن عدم معاقبة العاصي لا يعدُّ خلفاً في الوعيد، وإنما هو تكرم وتفضل وإحسان.
12- حقيقة (المنزلة بين المنزلتين) عند المعتزلة: أن مرتكب الكبيرة لا يستحق أن يطلق عليه اسم الإيمان والإسلام، لأن في إطلاق ذلك عليه تشريفاً له، وهو ليس أهلاً لهذا التشريف بسبب إعراضه وعصيانه، ولا يستحق أيضاً أن يطلق عليه اسم الكفر والنفاق، لأن أحكام الكفار والمنافقين لا تجري عليه، وإذا انتفى عليه اسم الإيمان والإسلام، واسم الكفر والنفاق، استحق أن يسمى فاسقاً.
ولا يختلف أهل السنة مع المعتزلة في تسمية مرتكب الكبيرة فاسقاً، ولكنهم يختلفون معهم في القول بتخليده مع الكفار في النار، لأن معتقد أهل السنة والجماعة أن الفاسق لا يخرج بفسقه من الإسلام ولا يخلّد في النار، وإنما حكمه إلى الله تعالى إن شاء غفر له وإن شاء عذبه ثم يخرجه من النار إلى الجنة.
13- المعروف عند المعتزلة على قسمين: واجب، ومندوب. فالأمر بالواجب واجب، وبالمندوب مندوب، وأما المنكر فكله عندهم من باب واحد في أنه يجب النهي عن جميعه عند استكمال شروط الأمر والنهي.
وهذا صحيح، لأن المندوب ليس بواجب أصلاً حتى يجب الأمر به.
14- يجب عند المعتزلة معالجة المنكر بالتدرج من الأسهل إلى الأصعب، ولا يجوز العكس. وهذا مخالف لأمره صلى الله عليه وسلم في تغيير المنكر الذي يدل على البدء بالأشد ثم ما دونه.
15- لأصول المعتزلة الخمسة العقيدة أثرها الكبير على آرائهم الأصولية، وبخاصة العدل والتوحيد.
16- يرى المعتزلة أن العقول لا يجوز أن تتفاوت بأصل الفطرة، وإنما تتفاوت بالعوارض، وهذا لا يعتد به.
والصحيح أن العقول تتفاوت بأصل الخلقة، بدليل أن الله تبارك وتعالى جعل شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل، وأن النبي صلى الله عليه وسلم وصف عقل المرأة بالنقصان.
17- العقل عند المعتزلة يدرك في الأشياء الحسن والقبح، ويرتب على ذلك الثواب والعقاب دون حاجة إلى الشرع.
والصحيح أن العقل يقوى على إدراك الحسن والقبح في الأشياء، وأما الثواب والعقاب على ذلك فهما موقوفان على ورود الشرع.
18- العقل عند المعتزلة يدرك وجوب شكر المنعم تعالى قبل مجيء الشرع، ومن لم يشكر فإنه آثم.
والحق في ذلك أن العقل السليم يدرك أن الله تعالى هو صاحب الفضل والإنعام على جميع العباد، فيكون مستوجباً للشكر وللمحامد كلها، إلا أن ذلك الإدراك لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب قبل ورود الشرع.
19- الحق عند أهل السنة والجماعة أن أوامر الله تبارك وتعالى لا تخلوا من مصالح، إلا أنها على سبيل التفضيل والإنعام، لا على سبيل الإيجاب والإلزام.
20- يرى المعتزلة أن الأمر بالأشياء على طريق التخيير يفيد وجوب جميعها، لتساويها في وجه الوجوب.
والراجح أنه لا يفيد وجوب جميعها، بل يفيد وجوب واحد منها لا بعينه، ويتعين بفعل المكلف.
21- يرى المعتزلة عدم جواز أن يكون المحرم أحد أمرين لا بعينه، فإذا ورد النهي متعلقاً بأشياء على جهة التخيير، اقتضى المنع من الكل، بحجة أن كل واحد منهما إذا قبح، فجميعه قبح لا محالة.
والراجح أنه يجوز ورود النهي متعلقاً بأشياء على وجه التخيير، ويقتضي حينئذ تحريم واحد لا بعينه، ويتعين باختيار المكلف، وليس في ذلك ما يقبح، فالرجل يقبح في حقه الجمع بين الأختين في عقد واحد، لكن لا يقبح في حقه العقد على إحداهما.
22- يرى الكعبي أن المباح مأمور به شرعاً، وهو وسيلة لترك المحرم، وترك المحرم واجب، فما أدى إليه يكون واجباً.
والراجح في ذلك: أن المباح ليس بواجب شرعاً لكونه مأذوناً فيه ومخيراً بين فعله وتركه من غير إشعار بثواب على الفعل، أو عقاب على الترك، ولو كان واجباً لعوقب على تركه.
23- لا تصح نسبة القول إلى القاضي عبدالجبار بأن امتثال الأمر لا يدل على إجزاء المأمور به، بل إنه صرح في كتابه (المغني) بأن امتثال الأمر يدل على إجزاء المأمور به.
24- يرى أبو هاشم أن كف النفس عن المنهي عنه ليس بفعل، مع صرف النظر عن التلبيس بضد من أضداده، لأن تارك الزنا يمدح عند العقلاء على ذلك وإن لم يخطر بباله فعل الضد.
والراجح في ذلك: أن الكف فعل، فيكون التكليف في المنهي عنه تكليفاً بفعل يكون ضد المنهي عنه وهو الامتناع.
25- يرى المعتزلة أن المكره الملجأ لا يدخل تحت التكليف، لأنه غير مختار لما يفعل، فهو محمول على ما أقدم عليه، والمحمول على الشيء لا يثاب.
والراجح في ذلك: أن الإكراه على الأقوال يكون عذراً في إسقاط الإثم ورفع التكليف.
أما الإكراه على الأفعال، فإن بلغ درجة كون المُكرَه كالآلة في يد المُكرِه، فإن هذا الإكراه مسقط التكليف، لكونه مسقطاً للرضا ومفقداً للقدرة والاختيار.
وإن لم يبلغ هذه الدرجة، وإنما وقف عند حدود التهديد والوعيد، فإنه لا يكون مسقطاً للتكليف، لكونه لم يفقد إلا الرضا فقط مع وجود القدرة والاختيار.
26- يرى المعتزلة أن الفعل الحادث في حال حدوثه ليس مأموراً به.
وهذا يعني أن الأمر لا بد أن يتوجه قبل المباشرة، ولا فرق عندهم بين أن يكون المأمور متمكناً من الفعل من حين الأمر إلى وقت الفعل أو غير متمكن من حين الأمر.
والراجح في ذلك: أن التكليف بالفعل كما يكون متوجهاً قبل المباشرة، فإنه يكون متوجهاً حال المباشرة أيضاً، لأن المكلف كما صرح السلف مستطيع قبل الفعل وحين الفعل.
27- يرى أبو علي بن خلاد أن التعبد بالتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يكون في العبادات فقط، لأن ما سوى العبادات يكون له فيها مصلحة من دوننا، فلا يجب علينا التأسي به فيها.
والحق في ذلك: أن الأصل في جميع أفعاله صلى الله عليه وسلم التعبد باتباعها والتقرب إلى الله عز وجل بالتأسي بها من قبل الأمة إلا ما نهض الدليل على بيان الخصوصية فيه، لكونه عليه الصلاة والسلام لا يفعل إلا الأكمل والأفضل والأرضى لله تبارك وتعالى، لاستشعاره أنه مشرع لأمته.
28- يرى أبو علي الجبائي أن الخبر لا يقبل إذا كان راويه واحداً، أما إذا رواه اثنان عدلان عن اثنين، فإنه يجب العمل به.
والراجح في ذلك: أن خبر الواحد إذا انفرد العدل بروايته وجب قبوله والعمل به، لأنه يسعنا ما وسع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح، حيث عملوا بخبر الواحد العدل، ولم يشترطوا التعدد لقبوله والعمل بمقتضاه.
29-يرى النظام أن الإجماع ليس حجة شرعية متبعة، لجواز وقوع الخطأ من الأمة، ومن يجوز عليهم وقوع الخطأ لا يكون إجماعهم حجة.
والحق في ذلك: أن الإجماع حجة شرعية متبعة، إذ الشارع الحكيم قد شهد لهذه الأمة بالعصمة من الضلال، فيكون ما اتفقت عليه كلمتهم حجة قاطعة لأنه حق والحق أحق أن يتبع.
30- يرى عبد الله البصري أنه لا يجوز إثبات الإجماع بخبر الواحد، بحجة أن الإجماع أصل مقطوع به، وخبر الواحد لا يفيد إلا الظن، فلا يجوز إثبات القطعي بالظني.
والراجح في ذلك: أنه يجوز إثبات الإجماع بخبر الواحد، ويكون حينئذ ظناً يجب العمل به، لأنه إذا ثبت وجوب العمل بخبر الواحد فلا فرق بين أن يرد بحصول إجماع يتضمن حكماً من الأحكام، وبين أن يرد بحصول قول من جهة الرسول عليه الصلاة والسلام يفيد حكماً، من حيث وجوب الأخذ بذلك الحكم ووجوب العمل بمقتضى هذا الخبر.
31- يرى النظام وبعض المعتزلة البغداديين أن القياس ليس حجة شرعية، بدليل أن الشارع فرق بين المتفقين وجمع بين المفرقين، وهذه طريقة يمتنع القياس بها.
والحق في ذلك: أن القياس حجة شرعية متبعة، وذلك لإجماع المسلمين سلفاً وخلفاً على العمل به في الجملة وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون الأربعة، وغيرهم من فقهاء الصحابة وأئمة التابعين وأتباعهم، مما لا يدع مجالاً بإنكار حجيته في بناء الأحكام الشرعية الاجتهادية.
32- يرى أبو الهذيل العلاف أن القياس لا يسمى ديناً، بحجة أن اسم الدين لا يقع إلا على ما هو ثابت مستمر، وكيف يسمى القياس ديناً وهو من فعل القائس؟
والحق في ذلك: أن القياس من الدين لورود الأمر الشرعي بالتعبد به، وانعقاد الإجماع في الجملة على العمل بمقتضاه، وكل ما كان مأموراً به شرعاً ومجمعاً عليه من قبل الأمة، فهو من الدين.
33- يرى أبو هاشم أنه لا يجوز إثبات الحكم في شيء بالقياس إلا وقد ورد النص بإثباته فيه على الجملة، فيكون القياس دالاً على تفصيل الحكم، فلو لم يكن إرث الأخ ثابتاً في الجملة، لما جاز إثبات إرثه مع الجد بالقياس.
والراجح في ذلك: جواز القياس على الأصل وإن لم ينص على القياس عليه وذلك لأن الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم كانوا يستعملون القياس في مسائل كثيرة وإن لم يكن عليه نص في الجملة، وعملهم هو الحجة في إثبات القياس.
34- يرى المعتزلة أن العلة مؤثرة بنفسها، بمعنى أنها الموجب للحكم بذاتها، بناء على جلب مصلحة، أو دفع مفسدة.
والحق في ذلك: أن العلة لا تؤثر بنفسها في الأحكام، وإنما المؤثر الحقيقي فيها هو الشارع الحكيم وحده، بدليل أن قبول ورود الشرع، لم تكن هذه العلل مؤثرة بنفسها، فالإسكار قبل تحريم الشارع للخمر، لم يكن علة موجبة للتحريم ولا لإقامة الحد على الشارب والسرقة قبل تحريمها شرعاً لم تكن موجبة للقطع، وكذلك لم يكن الزنا قبل تحريمه شرعاً موجباً للرجم أو الجلد، وهكذا.
35- النسخ في اللغة يطلق بإزاء معنيين، هما الإزالة والنقل.
إلا أنه حقيقة في الإزالة لأنها تقتضي تغيير الحكم الأول عما كان عليه، ومجاز في النقل لأنه يبقى الأول على ما كان عليه دون أي تغيير.
36- النسخ عند المتقدمين يختلف عنه عند المتأخرين.
فهو عند المتقدمين يطلق عليه تقييد المطلق، وتخصيص العام، وبيان المجمل، كما يطلقونه على رفع الحكم الشرعي المتقدم بدليل شرعي متأخر.
37- لا يصح تعريف النسخ اصطلاحاً بالبيان، إذ لا يلزم من كل بيان أن يكون نسخاً.
38- لا يصح تعريف النسخ اصطلاحاً بالإزالة لأن النسخ حقيقة في الرفع.
39- التعريف الراجح للنسخ في اصطلاح المتأخرين هو: رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم، بخطاب متراخ عنه.
وذلك لأنه أقل التعريفات مطعناً.
40- يرى أبو مسلم الأصبهاني أنه لا يحسن نسخ الشرائع شرعاً، بحجة أنه يفضي إلى البداء وهو الجهل.
والحق في ذلك: أن النسخ جائز عقلاً وواقع شرعاً، ولا مانع من نسخ الشرائع بعضها ببعض، فقد حصل إجماع المسلمين سلفاً وخلفاً على أن شريعتنا المطهرة ناسخة لجميع الشرائع السماوية السابقة، وأجمعوا على وقوع النسخ في كثير من أحكام الشريعة الإسلامية.
41- يرى المعتزلة أنه يمتنع نسخ وجوب معرفة الله تعالى، وشكر المنعم، ونسخ تحريم الكفر والظلم والكذب، لأن الأفعال لها صفات نفسية تقتضي حسنها وقبحها، فلا يمكن نسخها.
وهذا صحيح، لأن شريعة أحكم الحاكمين الصادرة ممن لا يأمر بالفحشاء، تأبى أن تأمر بالظلم والكفر والكذب، وأن تنهى عن العدل والشكر والصدق، بل العقل السليم لا يتصور وقوع ذلك فيها أبداً، فهي شريعة محكمة جاءت من لدن حكيم خبير لا يتعارض فيها نقل صريح مع عقل صحيح.
42- يرى المعتزلة أنه لا يجوز نسخ العبادة قبل التمكن من فعلها، لما يترتب على ذلك من الأمر بما لا فائدة فيه وهو عبث.
والحق في ذلك: جواز نسخ العبادة قبل التمكن من فعلها، إذ لا يلزم منه العبث لكون المصلحة متحققة وهي الابتلاء والاختبار.
43- لا يصح ما نقله أكثر الأصوليين عن المعتزلة أنهم يرون عدم جواز نسخ التلاوة دون الحكم والعكس.
وتحقيق القول في ذلك: أن جمهور المعتزلة يرون جواز ذلك، ولم يخالف منهم إلا النزر اليسير وصفوا بأنهم شواذ.
44- يرى المعتزلة أنه يشترط في الأمر إرادة الآمر امتثال المأمور للمأمور به، بحجة أن الأمر لا يتميز عما ليس بأمر إلا بالإرادة.
والصحيح في ذلك: أن الأمر يتميز بالصيغة الموضوعية له في أصل اللغة وهي الدالة على الرتبة والاستعلاء.
45- يرى المعتزلة أنه لا يجوز أن يأمر الله تعالى المكلف بما يعلم أنه لا يمكن منه أو لا يفعله، وذلك لاستحالة وقوع الفعل منه، فيكون التكليف بذلك قبيحاً.
والحق في ذلك الجواز لأنه تكليف مفيد تظهر فائدته في عزم المكلف على الامتثال فيطيع ويثاب، أو الامتناع فيعصي ويستحق العقاب.
46- يرى المعتزلة أن المأمور لا يجوز أن يكون معدوماً، إذ من شرط الأمر عندهم وجود المأمور.
والحق في ذلك: جواز توجه الأمر للمعدوم لتقدير وجوده على الصفة التي يصح معها التكليف، لثبوت ذلك بالنص والإجماع.
فنحن مأمورون بما أمر به الصحابة الموجودون زمن الخطاب، مع أننا كنا معدومين حين ذاك، إذ لو لم نكن مأمورين بما أمروا به لعدم وجودنا زمن الخطاب، للزم أن يبعث الله تعالى إلينا رسولاً آخر يبلغنا أمره، وهذا محال بالإجماع لثبوت أنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم.
47- يرى بعض المعتزلة أنه لا يجوز ورود الأمر بالعبادة قبل مجيء وقتها، لأن في ذلك إعلاماً للمكلف بالبقاء حتى وقت دخول تلك العبادة وهذا إغراء له بالمعاصي فيتنافى مع الحكمة.
والراجح في ذلك: جواز ورود الأمر بالعبادة قبل مجيء وقتها، إذ لا ضرر في ذلك على المكلف بقدر ما فيه من مصلحة له، بحيث يوطن نفسه ويهيؤها لمباشرة العبادة إذا حان وقتها.
48- يرى المعتزلة أنه لا يجوز تأبيد الأمر إلى غير غاية، بحجة أن إدامة التكليف يفضي إلى جعل المكلف ملجأ إلى فعل ما كلف به وذلك يزيل التكليف.
والصحيح في ذلك: جواز تأبيد الأمر إلى غير غاية، لأن الأصل في أوامر الله تعالى وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم وجوب امتثال المكلف لها أبداً ما دام حياً قادراً.
49- يرى قدماء مشايخ المعتزلة أن الأمر بالشيء ليس نهياً عن ضده، لأنه القول بأن الأمر بالشيء نهي عن ضده، يفضي إلى أن يسمى الأمر نهياً عن الحقيقة، وهذا باطل.
والراجح في ذلك: أن الأمر بالشيء نهي عن ضده بطريق المعنى لا بطريق الصيغة، بمعنى أن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده.
50- يرى أبو هاشم أن الفعل ذا الوجهين لا يصح أن يتعلق به النهي، وإلا لزم من ذلك أن يكون الشيء الواحد مأموراً منهياً، وذلك محال.
والراجح في ذلك: عدم استحالة انقسام النوع الواحد من الأفعال إلى واجب وحرام، بحيث يكون مأموراً به من وجه ومنهي عنه من وجه آخر وذلك لأن الجهة منفكة بين مورد الأمر والنهي، فلا يؤدي إلى التناقض والتضاد.
51- يرى جمهور المعتزلة أن النهي لا يقتضي فساد المنهي عنه مطلقاً لا في العبادات ولا في المعاملات، بحجة أن لفظ النهي لغوي وفساد العبادة شرعي، فلا يجوز أن يكون موضوعاً له.
والراجح في ذلك: أن النهي يقتضي فساد المنهي عنه في العبادات والمعاملات على السواء، لأن كل ما نهى الله عنه وحرمه في بعض الأحوال وأباحه في حال أخرى إنما كان لمصلحة فيما أباحه أولاً ولمفسدة فيما حرمه ثانياً، وإلا فإن الحرام لا يكون صحيحاً نافذاً كالحلال بحيث يترتب عليه الحكم كما يترتب على الحلال ويحصل به المقصود كما يحصل به.
52- يرى أبو علي الجبائي أن الجمع المنكر يحمل على الاستغراق من جهة الحكمة، لأن حمله على ذلك حمل له على جميع حقائقه، فكان أولى من حمله على البعض.
والراجح في ذلك: أن الجمع المنكر يحمل على أقل الجمع، لأن الجمع المنكر لا يتبادر منه الاستغراق عند الإطلاق.
53- يرى بعض المعتزلة أنه لا يجوز أن يسمع الله تعالى المكلف الخطاب العام المخصوص دون أن يسمعه الدليل المخصص، لأنه لو جاز ذلك لكان إغراء للمكلف بالجهر باعتقاد استغراقه، وهذا قبيح.
والراجح في ذلك: جواز إسماع الله تعالى المكلف الخطاب العام المخصوص دون إسماعه المخصص، وذلك لأن كثيراً من نصوص القرآن الكريم قد وردت عامة في لفظها، وتأخر بيان خصوصها عن موردها فترة من الزمن.
54- يرى أبو علي وأبو هاشم أن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن متعبداً بالاجتهاد في شيء من الشرعيات، لأن الله تعالى نفى عن رسوله صلى الله عليه وسلم أن ينطق بالهوى، فكان ما ينطق به وحياً منزلاً.
والراجح: جواز تعبد النبي صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد في الحوادث التي لم يرد بها نص، لأنه إن كان المانعون من ذلك قد منعوه خشية أن يجتهد صلى الله عليه وسلم فيخطئ، فليس الخطأ في الاجتهاد من الخطأ الذي يتنزه عنه منصب النبوة حتى يقال بعدم جواز تعبده بذلك.
وإن كان منعهم من ذلك حرصاً على حماية مصالح المكلف وصوناً له من الوقوع في المفسدة، فإن ذلك مردود بأن اجتهاده صلى الله عليه وسلم بعناية الله تبارك وتعالى عن الخطأ والزلل.
55- يرى موسى بن عمران أنه يجوز أن يفوض الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم أو للعالم الحكم بما شاء، لأنه إذا جاز أن يفوض الله المكلف بأن يختار واحدة من خصال الكفارة، جاز أن يفوض إليه الحكم بواحد من الأحكام بحسب اختياره.
والراجح في ذلك: أنه لا يجوز أن يفوض الله سبحانه وتعالى المكلف بأن يحكم بما شاء ويختار ما يريد، لأنه يلزم على هذا التفويض إبطال التعبد بالاجتهاد والتقليد، ويفضي إلى أن يستوي العامي بالعالم.
ولا يصح قياس هذه المسألة على الواجب المخير، فإن الخصال المشتمل عليها الواجب المخير لا تفويض فيها إذ الحكم محدد، وهو مأمور بأن يختار ما شاء مما حدده الشارع. وأما التفويض فمعناه أن تترك الحرية للمكلف بإنشاء ما أراد من الأحكام.
56- يرى بشر المريسي وكثير من معتزلة بغداد أن المخطئ في اجتهاده آثم، وذلك لأن الحق ممكن التدارك، إذ نصب الله تعالى عليه دليلاً يعرف به فمن أخطأ فليس بمعذور.
والحق في ذلك: أن الإثم مرفوع عن المجتهد المخطأ إذا اجتهد في أحكام الفروع التي ليس عليها دليل قاطع من نص أو إجماع، وأنه مأجور على اجتهاده لما بذله من جهد واستفراغ وسع، لثبوت ذلك بنصوص الكتاب والسنة.
57- يرى أبو بكر الأصم أن قضاء القاضي ينقض بالاجتهاد، لأن على الحق دليلاً فمن أخطأه تجاوز الحق إلى الباطل فينقض حكمه.
والراجح في ذلك عدم جواز نقض قضاء القاضي بالاجتهاد، لأن جواز النقض يؤدي إلى عدم استقرار الأحكام القضائية، فيفضي إلى أن يفقد الناس ثقتهم بالقضاة، فتفوت مصلحة نصب الحاكم.
58- يرى بعض المعتزلة أنه يجوز للمجتهد الاكتفاء بترجيح مذهب على مذهب من غير تمسك بما يستقل دليلاً، لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يكتفون في تفاوضهم بمسالك الترجيحات دون أن يمهدوا أدلة مستقلة، وهم الأسوة في ذلك.
والحق في ذلك عدم جواز الترجيح بلا دليل، وإلا لأصبح ضرباً من ضروب الهوى والتشهي، ولو كان الترجيح جائزاً بلا دليل لكان للعامي دخل كبير في مسائل الاجتهاد.
59- يرى المعتزلة البغداديون أنه لا يجوز للعامي تقليد المجتهد في فروع الشريعة بل يجب عليه النظر وطلب الدليل، لأن العامي لا يأمن أن يكون من قلده لم ينصح في الاجتهاد فيكون فاعلاً لمفسدة.
والحق في ذلك: أنه يجب على العامي تقليد المجتهد في فروع الشريعة، وذلك لعجزه وعدم تمكنه من معرفة الحكم بدليله، إذ أنه فاقد لأهلية الاجتهاد، وفاقد الشيء كيف يعطيه؟ ولأنه لو كلف العامي بالاشتغال بمسائل الاجتهاد لتعطلت سبل الحياة التي هي قوام الناس.
60- يرى القاضي عبد الجبار أنه لا يجوز أن يختار المكلف الأخف من فتوى المجتهدين المتساوين، لأن الشريعة قد دلت على أن الحق في الأشد دون الأخف.
والراجح في ذلك: أن المقلد مخير بأخذ ما شاء من أقوال المجتهدين عند التساوي في الأمور المعتبرة، وذلك لأن إلزامه بالأخذ بالقول الأشد لا دليل عليه، بل قد قام الدليل على خلاف ذلك، حيث صح عنه صلى الله عليه وسلم- وهو الأتقى والأخشى لله تعالى- أنه كان يختار أيسر الأمرين ما لم يكن إثماً.

وهنا رابط لتحميل الكتاب
http://www.mediafire.com/?b7k69j20x75oc0c
 
أعلى