العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الإمام أحمد قبل المحنة وبعدها

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

فلا شك أن محنة القول بخلق القرآن كانت ذات آثار كبيرة في التاريخ الإسلامي. وقد تصدر الإمام أحمد بن حنبل، رحمه الله تعالى، أهل السنة، فقهاء ومحدثين، في مجابهة هذه المحنة، وكان حامل لوائهم، حتى قال المزني: "أبو بكر يوم الردة، وعمر يوم السقيفة، وعثمان يوم الدار، وعلي يوم صفين، وأحمد بن حنبل يوم المحنة". ومن آثار هذه المحنة ارتفاع قدر الإمام أحمد وعلو مكانته بين أهل العلم من أهل السنة. يُذكر عن بشر الحافي أن أحمد بعد المحنة "صار رئيس حزب عظيم من أحزاب الإسلام". ومن آثار هذه المكانة التي تبوأها أحمد، رحمه الله، أنه كان إذا قال مقالة في رجل وحذر منه انطفأ ضوؤه وخبا نجمه وانفض الناس من حوله، كالحسين بن علي الكرابسي الفقيه صاحب الشافعي. قال الخطيب في ترجمته: "حديثه يعز جدا، لأن أحمد بن حنبل كان يتكلم فيه بسبب مسألة اللفظ، وهو أيضا كان يتكلم في أحمد، فتجنب الناس الأخذ عنه". وقال ابن عديّ: "سمعت محمد بْن عبد الله الصَّيرفيّ الشّافعيّ يقول لهم، يعني التّلامذة: اعتبِروا بهذين: حُسَيْنِ الكرابيسيّ، وأبو ثور. فالحسين فِي علمه وحِفْظه، وأبو ثور لا يعشُرُه فِي علمه، فتكلَّم فِيهِ أحمد بْن حنبل فِي باب اللّفظ فسقط، وأثنى على أَبِي ثور، فارتفع للزومه السنة". ومن الذين تكلم فيهم أحمد أيضا داود بن علي الظاهري، ومما جاء في ترجمة داود: "أنه كان في مجلسه أربعمائة صاحب طَيْلَسان أخضر" وأنه "انتهت إليه رياسة العلم ببغداد" وأنه "كتب اثني عشر ألف ورقة"، ومع كل هذا فقد قال الخطيب: "فِي كُتُبه حديثٌ كثير، لكنّ الرواية عَنْهُ عزيزة جدًا". قلت ولا يستبعد أن يكون كلام أحمد فيه، بالإضافة إلى انتحاله الظاهر، هو الذي حط من شأنه، وجعل الناس ينفضُّون ولا يروون عنه.

وقد كتب الشيخ أبو غدة رسالة لطيفة في أثر مسألة القول بخلق القرآن في صفوف الرواة والمحدثين، كشف فيها عن مدى تأثير هذه الفتنة في علماء الجرح والتعديل، ومنهم الإمام أحمد رحمه الله تعالى، من حيث اختلال موضوعية نقدهم للرجال الذين أجابوا في الفتنة تقية أو توقفوا أو قالوا بأن اللفظ مخلوق.

وأما عن تأثير المحنة في أحمد من الناحية الفقهية، فقد رأى الدكتور عبد المجيد محمود في كتابه الرائق "الاتجاهات الفقهية عند المحدثين" أن أحمد بعد المحنة بدا مستقلا في الفقه وحمل لواء فقه المحدثين، بعد أن كان قبل ذلك يأخذ برأي الشافعي ومالك. وبناء عليه رأى عبد المجيد محمود أن أحمد بعد المحنة صار أبعد عن الرأي وألصق بالظاهر على طريقة المحدثين. وأشار د. عبد المجيد أيضا إلى أن الحنابلة شيء مختلف عن الإمام أحمد لأنهم وسعوا المذهب، بالتخريجات والأقيسة والتفريعات مقتفين في ذلك أتباع المذاهب الأخرى.

ورغم الجهد الطيب الذي بذله د. عبد المجيد في كتابه عن فقه المحدثين إلا أني ينتابني الشك فيما قرره بشأن الإمام أحمد حول موقفه من الرأي قبل المحنة وبعدها. والذي يبدو لي هو عكس ما قرره تماما، وذلك أن أحمد، بعد الاجتماع بالشافعي والتفقه على يديه، لا بد أن يتأثر بالشافعي نفسه فيكون أكثر ليونة تجاه الرأي، وقد ظل يوصي، رحمه الله تعالى، بكتب الشافعي التي ألفها بمصر. وذكر الطوفي عن بعض الحنابلة أن آخر أمر الإمام أحمد كان إحسان القول في أبي حنيفة، رحمه الله تعالى. فهذا كله يشير إلى أن أحمد، رحمه الله تعالى، قد اقترب أكثر في آخر عهده من منهج باقي الأئمة الفقهاء، وابتعد، نوعا ما، عن فقه المحدثين المقتصر على رواية النصوص والآثار والترجيح أو التخيير بينها، مع الإقلال من التفريع والقياس. والله أعلم.
 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الإمام أحمد قبل المحنة وبعدها

بارك الله فيك وأحسن إليك
وأنا إلى رأيكم أميَل فيما يتعلق بالميل إلى الرأي بعد الفتنة ، لكنه رأي أهل الحديث.
أما فقه أهل الحديث فظني أنه لا فرق بينه وبين فقه غيرهم ، ومن نظر في فتاوى المحدثين كابن أبي ليلة ومالك وسفيان الثوري وشريك بن عبدالله وأضرابهم ، رآهم أعمل بالرأي من أحمد ، وكذا المتأخرين منهم كإسحاق بن راهويه وابن المنذر، لا يراهم يختلفون كثيراً عن الشافعي وأحمد ، وغيرهم كالترمذي وأبي داود وابن أبي حاتم وأبو زرعة ، هم في الغالب تبع لبعض الأئمة ، لكن لما لم يكن لأكثر المحدثين مصنفات فقهية ، ولم يهتم غيرهم بجمع فتاواهم ، لم يعرف عنهم إلى آراؤهم المدونة في كتب الحديث الموضوعة على هيئة عناوين للأبواب أو آراء مصرح بها في آخر الباب ، لكن هذا يعطيك فقههم فيما فيه نص ، ولا يسعهم إلا العمل بما رووه وصح عندهم مع الترجيح بين الروايات في حال كانت هناك ثم روايات متعارضة . أما المسائل الفقهية التي لم يرد فيها نص ولا تعرف إلا بالقياس على ما ورد فيه نص ونحوه من الاجتهاد ، فهذا لا وجود له ، لأن ما لا رواية فيه لا يمكن تسطيره في كتب الرواية عند من قصد بكتابه المرفوع خاصة كنحو أصحاب الأمهات سوى البخاري.
وفقه أحمد وإسحاق خير دليل على فقه المحدثين وما فيه من رأي ، وفي عبارات بعض المحدثين ما يرشدك إلى تبنيهم العمل ببعض الرأي كثناء المحدثين على بعض من يعمل بالرأي كمالك والشافعي رحمهما الله ، فإن الثناء عليهم بالفقه يدل على ارتضاء المُثني فقهَهم ، فلعله لو نقلت فتاوى هذا الذي يثني عليهم لما خرج عنها أو عن منهاجها ولما وجدت إلا كفتاوى من أثنى عليه أو وجدت منسوجة على منواله.

أظن فقه أهل الحديث مظلوم من جهتين :
الأول : من جهة أنه لم يدون فقه كثير منهم.
والثاني : جعل الفقه التصرف في الأحكام بالأقيسة والآراء المستنبطة ، ووسم العاملين بالأثر بعدم الفقه.
أما الثاني فاعتقادي أن الأمر بالعكس ، وأنه كلما كان الرجل بالرأي أعمل ـ والمراد بالرأي هنا استنباط الأحكام بعيداً عن النصوص ـ كان عن الفقه أبعد ، وكلما كان الرجل بالحديث أعلم كان إلى الفقه أقرب ، لكن بعد الاستواء في المعرفة بالأحاديث أو بعد معرفتها من غير نظر إلى استوائهم في مدى معرفتهم بها ، يتفاضلون في معرفتهم بكيفية استنباط الأحكام مما عرفوه من النصوص ، وذلك لأن كثيراً من النصوص ظاهرها التعارض ، وكثير منهما يدل على الحكم دلالة خفية ، وبعضها قد يروى بالمعنى بحيث يوهم الظاهر خلاف المقصود منه ، وغير ذلك مما قد يعوق الناظر عن معرفة الحكم المقصود به ، فيظهر هنا تفاوت الفقهاء في التوفيق والاستنباط.
ومن هنا يتميز أحمد ، فلو قارنته ببعض من قلت معرفته بالحديث ـ بالنسبة إلى أحمد ـ وبعض من عظمت معرفته به ، علمت أن الفقه فقه أحمد ، فإن قليل الرواية لا يملك ما يستنبط منه ، وكثيرها يتبع أحمد ، فقد روي عن أبي حاتم أنه تحدى المحدثين أن يغربوا عليه بحديث فما استطاعوا ، ومع ذلك يقول : رأي أحمد عندي سنة. أو معناه.
والله سبحانه أعلم
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,140
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
رد: الإمام أحمد قبل المحنة وبعدها

شكر الله لكم د. أيمن
بودي رعاكم الله أن تقوموا بموضوعٍ مستقل عن الأئمة والمذاهب في ظل نقلكم الآتي:

وأشار د. عبد المجيد أيضا إلى أن الحنابلة شيء مختلف عن الإمام أحمد لأنهم وسعوا المذهب، بالتخريجات والأقيسة والتفريعات مقتفين في ذلك أتباع المذاهب الأخرى.
ومدارستكم للموضوع بما يخرج لنا بنتائج وثيقة ...
وفقكم الله، وأعانكم ...
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: الإمام أحمد قبل المحنة وبعدها

شكر الله لكم د. أيمن
بودي رعاكم الله أن تقوموا بموضوعٍ مستقل عن الأئمة والمذاهب في ظل نقلكم الآتي:


ومدارستكم للموضوع بما يخرج لنا بنتائج وثيقة ...
وفقكم الله، وأعانكم ...
وشكر لكم وأحسن إليكم.
ما أشرتم إليه جِد مهم، وهو حقيق بالبحث، ومن الممكن أن تُكتب فيه رسالة علمية لقياس الفجوة بين فقه كل إمام وما آل إليه المذهب بعد.
فيدور في خلدي مثلا أن أصحاب مالك كابن الفرات وابن القاسم ومن ثم سحنون هم الذين أثروا ـ بل ربما أغرقوا ـ مذهب مالك بالرأي، وكثروا فيه الأقوال، وإلا فمالك كان مقتصدا في الرأي، وحتى لو ذهب إلى شيء منه فيكون اتباعا لفقهاء المدينة، على طريقته في الموطأ عندما يذكر رأيا يعقبه بقوله (فهذا أحسن ما سمعت). ثم هناك أقوال غريبة جدا تفرد بها ابن القاسم تخالف المشهور المتواتر عن مالك في الموطأ الذي درسه مالك وتلاه على الناس لعشرات السنين، والملاحظ أن هذه الأقوال غالبا ما توافق فقهاء الرأي من أهل العراق، مثل القول بأن الزنا ينشر حرمة النكاح.
وأما الشافعي فقد استطاع أتباعُه (من أهل المعاني) أن يخففوا من حدة النزعة الظاهرية في فقهه. ووسيلتهم في ذلك كانت تخريج الأقوال من خلال الفروع ثم جعلها بمصاف الأقوال المنصوصة، ولإمام الحرمين، والغزالي من بعدُ، أثر كبير، في نظري، في تخفيف حدة النزعة الظاهرية القوية في المذهب. وقد استغرب كثيرون كثرة الأقوال والوجوه في المذهب الشافعي، مع أنه الوحيد الذي دون مذهبه، وقد كان ذلك أدعى إلى أن تقل فيه الأقوال لا أن تكثر. وأصحاب أحمد كذلك أكثروا من ذكر الروايات والأقوال عنه تخريجا من فتاواه ونصوصه وإيماءاته وإشاراته وأفعاله. أما أبو حنيفة فتأثير الشيخين في مذهبه ظاهر جدا خصوصا محمد بن الحسن وهذا لا يعوز إلى شرح.
ومع هذا يظل ما قلنا هنا فرضية تحتاج إلى بحث لإثباتها أو نقضها. وإذا أثبتت فما هو حجمها وتأثيرها. والله أعلم.
 
إنضم
26 ديسمبر 2011
المشاركات
919
الإقامة
البحرين
الجنس
ذكر
الكنية
أبو روان
التخصص
الفقه
الدولة
البحرين
المدينة
المحرق
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: الإمام أحمد قبل المحنة وبعدها

بارك الله فيكم يا دكتور أيمن ..
وقد ذكرتني بشخص كان يقول بأن من المسائل الخلافية ما لا ثمرة له ، وذلك مثل : مسألة خلق القرآن !!!
وأظن أن من يقول هذا الكلام .. لم يفهم ما معنى ثمرة الخلاف .. فربما يظن بأن هناك ثمرة حقيقية تخرج من تفاح أو برتقال بعد المسألة .. والله المستعان ..

أحسن الله إليكم .. ونفع بعلمكم ..
 
إنضم
16 نوفمبر 2009
المشاركات
3
التخصص
شريعة - أصول فقه
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
-
رد: الإمام أحمد قبل المحنة وبعدها

فيدور في خلدي مثلا أن أصحاب مالك كابن الفرات وابن القاسم ومن ثم سحنون هم الذين أثروا ـ بل ربما أغرقوا ـ مذهب مالك بالرأي، وكثروا فيه الأقوال، وإلا فمالك كان مقتصدا في الرأي، وحتى لو ذهب إلى شيء منه فيكون اتباعا لفقهاء المدينة، على طريقته في الموطأ عندما يذكر رأيا يعقبه بقوله (فهذا أحسن ما سمعت). ثم هناك أقوال غريبة جدا تفرد بها ابن القاسم تخالف المشهور المتواتر عن مالك في الموطأ الذي درسه مالك وتلاه على الناس لعشرات السنين، والملاحظ أن هذه الأقوال غالبا ما توافق فقهاء الرأي من أهل العراق، مثل القول بأن الزنا ينشر حرمة النكاح
مما يحسن ذكره هنا وهو يفسر هذا الذي ظهر لكم -ولا أحسبه يخفى عليكم-: خبر أسد بن الفرات المشهور حين أتى مالكا فأكثر عليه المسائل فكأنه ضجر منه وأشار عليه أن يذهب إلى العراقيين إن أراد ذلك، ففعل، فأتى محمد بن الحسن وتفقه عليه، ثم حمل كتبه عن محمد بن الحسن وذهب بها إلى عبد الرحمن بن القاسم فسأله أن يجيبه فيها على مذهب مالك، فكان يلقي عليه المسألة من مسائل أبي حنيفة فيجيب فيها بمذهب مالك، فألف من ذلك الأسدية، والأسدية هي التي حررها سحنون بعد ذلك وأعاد عرضها على ابن القاسم فجوّدها وصححها وألف منها كتابه العظيم: المدونة.
أقول: فهذا يفسر تأثر فقه ابن القاسم وأصحابه بفقه أبي حنيفة ورأيهم؛ لأن مسائلهم كانت تعرض عليه، بل إن في المدونة إشارات من سحنون لا تخفى فيها رد على مذاهب أبي حنيفة مما يدل على حضورها عنده.
وأيضا: فإن مصطلح (الاستحسان) لم أجده ثابتا عن مالك، ولا عن أحد من أصحابه العراقيين والمدنيين، وإنما جاء في كلام المصريين، ابن القاسم وأشهب وأصبغ بن الفرج، ومعلوم أن حرف الاستحسان إنما كان يتكلم به أبو حنيفة وأصحابه، فهذا يؤكد تأثرهم بفقه أبي حنيفة وأصحابه، والله أعلم.
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: الإمام أحمد قبل المحنة وبعدها

مما يحسن ذكره هنا وهو يفسر هذا الذي ظهر لكم -ولا أحسبه يخفى عليكم-: خبر أسد بن الفرات المشهور حين أتى مالكا فأكثر عليه المسائل فكأنه ضجر منه وأشار عليه أن يذهب إلى العراقيين إن أراد ذلك، ففعل، فأتى محمد بن الحسن وتفقه عليه، ثم حمل كتبه عن محمد بن الحسن وذهب بها إلى عبد الرحمن بن القاسم فسأله أن يجيبه فيها على مذهب مالك، فكان يلقي عليه المسألة من مسائل أبي حنيفة فيجيب فيها بمذهب مالك، فألف من ذلك الأسدية، والأسدية هي التي حررها سحنون بعد ذلك وأعاد عرضها على ابن القاسم فجوّدها وصححها وألف منها كتابه العظيم: المدونة.
أقول: فهذا يفسر تأثر فقه ابن القاسم وأصحابه بفقه أبي حنيفة ورأيهم؛ لأن مسائلهم كانت تعرض عليه، بل إن في المدونة إشارات من سحنون لا تخفى فيها رد على مذاهب أبي حنيفة مما يدل على حضورها عنده.
وأيضا: فإن مصطلح (الاستحسان) لم أجده ثابتا عن مالك، ولا عن أحد من أصحابه العراقيين والمدنيين، وإنما جاء في كلام المصريين، ابن القاسم وأشهب وأصبغ بن الفرج، ومعلوم أن حرف الاستحسان إنما كان يتكلم به أبو حنيفة وأصحابه، فهذا يؤكد تأثرهم بفقه أبي حنيفة وأصحابه، والله أعلم.
أحسنتم، لكن الاستحسان ثابت تطبيقا في فقه مالك وإن سلمنا بعدم ثبوت الاصطلاح عنه. والله أعلم.
 
أعلى