رد: الزواج بنيه التحليل هل الخلاف فيه معتبر وقوى ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الماوردي :ونكاح المحلل باطل وصورتها في امرأة طلقها زوجها ثلاثاً حرمت بهن عليه إلا بعد زوج ، فنكحت بعده زوجاً ليحلها للأول ، فيرجع إلى نكاحها فهذا على ثلاثة أقسام :
القسم الأول : أن يشترطا في عقد النكاح أن يتزوجها على أنه إذا أحلها بإصابة للزوج الأول فلا نكاح بينهما فهذا نكاح باطل . وقال أبو حنيفة : النكاح صحيح والشرط باطل .
[1]
والدليل على بطلانه : حديث ابن مسعود رضي الله عنه : " لَعَنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ له "
[2].
وأخرج ابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي عن عُقْبَةُ بن عَامِرٍ قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " ألا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ؟ " قالوا : بَلَى يا رَسُولَ اللَّهِ ، قال : " هو الْمُحَلِّلُ لَعَنَ الله الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ له "
[3]. وبالنظر إلى هذا الحديث نجد أنه يدل على تحريم التحليل ؛ لأن اللعن إنما يكون على ذنبٍ كبير.
أما عن علة التحريم ؛ فلأن نكاح التحليل لم يقصد به ما يقصد بالنكاح من السكن والمودة والرحمة وغيرها من المقاصد التي تبنى عليها الأسرة في الإسلام ؛ إنما قصد به تحليلها للمطلق الأول ، بصورة نكاح ، لا بحقيقته ، فلم يتضمن غرضاً من أغراضه التي شرع لها ، وأيضاً : فمن حيث كان لأجل الغير ، لا يمكن فيه البقاء معها عرفاً أو شرطاً ، فلم يمكن أن يكون نكاحاً يمكن استمراره ، وأيضاً فالنص بمنعه عتيد ، فيوقف عنده. ولأنه نكاح على شرط إلى مدة فكان أغلظ فساد من نكاح المتعة من وجهين :
أحدهما : جهالة مدته .
والثاني : أن الإصابة فيه مشروطة لغيره فكان بالفساد أخص ، ولأنه نكاح شرط فيه انقطاعه قبل غايته فوجب أن يكون باطلاً . أصله : إذا تزوجها شهراً ، أو حتى يطأ أو يباشر .
والقسم الثاني : أن يتزوجها ويشترط في العقد أنه إذا أحلها للزوج الأول طلقها ، ففي النكاح قولان :
أحدهما : - وهو قوله في القديم ، ' والإملاء ' - أن النكاح صحيح ، ولأنه لو تزوجها على أن لا يطلقها كان النكاح جائزاً .
والقول الثاني : - نص عليه في الجديد من ' الأم ' وهو الأصح - أن النكاح باطل ، لأنه باشتراط الطلاق أصبح مؤقتاً والنكاح ما تأبد ، ولم يتوقف ، وبهذا المعنى فرقنا بين أن يشترط فيه أن لا يطلقها فيصح ، لأنه مؤبد ، وإذا شرط أن يطلقها لم يصح ، لأنه مؤقت .
والقسم الثالث : أنه يشترط ذلك عليه قبل العقد ، ويتزوجها مطلقاً من غير شرط لكنه ينوي ، ويعتقده ، فالنكاح صحيح لخلو عقده من شرط يفسده ، وهو مكروه ؛ لأنه نوى فيه ما لو أظهره أفسده ، ولا يفسد بالنية ، لأنه قد ينوى ما لا يفعل ويفعل ما لا ينوي ، وأبطله مالك واستحبه أبو حنيفة .
ودليل الشافعية : ما رواه الشافعي عن سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن سيرين : " أَنَّ امْرَأَةً طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثَلاَثَاً وَكَانَ مِسْكِينٌ أَعْرَابِيٌّ يَقْعُدُ بِبَابِ المَسْجِدِ ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ : هَلْ لَكَ في امْرَأَةٍ تَنْكِحُهَا فَتَبِيتَ مَعَهَا اللَّيْلَةَ وَتُصْبِحَ فَتُفَارِقَهَا ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، فَكَانَ ذالِكَ ، فَقَالَتْ لَهْ امْرَأَتُهُ : إِنَّكَ إِذَا أَصْبَحْتَ فَإِنَّهُمْ سَيَقُولُونَ لَكَ : فَارِقْهَا ، فَلاَ تَفْعَلْ ذالِكَ فَإِني مُقِيمَةٌ لَكَ مَا تَرَى ، وَاذْهَبْ إِلى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَلَمَّا أَصْبَحَتْ أَتَوْهُ وَأَتَوْهَا ، فَقَالَتْ : كَلمُوهُ فَأَنْتُمْ جِئْتُمْ بِهِ ، فَكَلَّمُوهُ فَأَبَى ، فَانْطَلَقَ إِلى عُمَرَ فَقَالَ : إِلْزَمِ امْرَأَتَكَ فَإِنْ رَابُوكَ بِرَيْبٍ فَأْتِنِي ، وَأَرْسَلَ إِلى المَرْأَةِ الَّتِي مَشَتْ لِذالِكَ فَنَكَّلَ بها ، ثُمَّ كَانَ يَغْدُو على عُمَرَ وَيَرُوحُ في حُلَّةٍ فَيَقُولُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَاكَ يَاذَا الرُّقْعَتَيْنِ حُلَّةً تَغْدُو فِيهَا وَتَرُوحُ "
[4] ، فقد أمضى عمر رضي الله عنه النكاح فبطل به قول مالك في فساده ، ونكل عمر بالمرأة التي مشت فيه فدل على كراهته وفساد ما حكى عن أبي حنيفة من استحبابه.
[5]
مايترتب على بيان أقسام نكاح التحليل :
بعد أن عرفنا أقسام نكاح المحلل ،
فإن قلنا بصحته تعلق به أحكام النكاح الصحيح من ثبوت الحصانة ، ووجوب النفقة ، وأن يكون مخيراً فيه بين المقام ، أو الطلاق ، فإن طلق بعد الإصابة التامة فقد أحلها للزوج الأول ، فأما المهر فإن لم يتضمن العقد شرط يؤثر فيه فالمسمى هو المستحق ، وإن تضمن شرطاً يؤثر فيه كان المستحق مهر المثل دون المسمى ،
وإن قلنا بفساد العقد ، وإنه باطل فلا حد عليه فيه لأجل الشبهة لكن يعزر لإقدامه على منهى عنه ، ولا يثبت بالإصابة فيه حصانة ، ولا يستحق فيه نفقة ، ويجب فيه بالإصابة مهر المثل ، وهل يحلها للزوج الأول إذا ذاقت عسيلته وذاق عسيلتها أم لا ؟ على قولين :
أحدهما : - وهو قوله في القديم - أنه يحلها للأول ، واختلف أصحابنا في تعليله ، فقال بعضهم : ذوق العسيلة في شبهة النكاح تجري عليه حكم الصحيح من النكاح . وقال آخرون : اختصاصه باسم المحلل موجب لاختصاصه بحكم التعليل ، فعلى التعليل الأول تحل بالإصابة في كل نكاح فاسد من شغار ، ومتعة ، وبغير ولي ولا شهود .
وعلى التعليل الثاني : لا تحل بغير نكاح المحلل من سائر الأنكحة الفاسدة .
والقول الثاني : - وهو الجديد الصحيح - أنه لا يحلها للزوج الأول لا في نكاح المحلل ولا في غيره من الأنكحة الفاسدة حتى يكون نكاحاً صحيحاً ، لقول الله تعالى : ( حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ )
[6] وهذا ليس بزوج ، ولأن كل إصابة لم يتعلق بها إحصان لم يتعلق فيها إحلال الزوج كالإصابة بملك اليمين .
[7]
وينبغي الإشارة هنا إلى قول ابن تيمية رحمه الله الذي يبين فيه أن نكاح المحلل شر من نكاح المتعة فيقول : " نكاح المحلل شر من نكاح ، فإن نكاح المحلل لم يبح قط إذ ليس مقصود المحلل أن ينكح ، وإنما مقصوده أن يعيدها إلى المطلق قبله فهو يثبت العقد ليزيله وهذا لا يكون مشروعاً بحال ، بخلاف المستمتع ، فإن له غرضاً في الاستمتاع لكن التأجيل يخل بمقصود النكاح من المودة والرحمة والسكن ، ويجعل الزوجة بمنزلة المستأجرة فلهذا كان النية في نكاح المتعة أخف من النية في نكاح المحلل ".
[8]
[1] - الحاوي الكبير ج 9 ص 622 .
[2] - رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه . سبل السلام ج 3 ص 127 .
[3] - اللفظ لابن ماجة في السنن ، كتاب النكاح ، باب الْمُحَلِّلِ وَالْمُحَلَّلِ له برقم 1936 .
[4] - جامع الأحاديث ج 14 ص 297.
[5] - الحاوي الكبير ج 9 ص 621 .
[6] - سورة البقرة آية 230.
[7] - الحاوي الكبير ج 9 ص 621، 622 .
[8] - مجموع الفتاوى ج 32 ص 108.