زياد العراقي
:: مشرف ::
- إنضم
- 21 نوفمبر 2011
- المشاركات
- 3,614
- الجنس
- ذكر
- التخصص
- ...
- الدولة
- العراق
- المدينة
- ؟
- المذهب الفقهي
- المذهب الشافعي
أثر الفقه الإسلامي في التهيئة العمرانية للمدن العريقة
(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)
تقديم:من المعلوم عند علماء الحضارات أن العمران هو الوجه المادي لأية حضارة لذلك نجدهم يرجعون في دراسة الحضارات القديمة إلى آثارها العمرانية، فما تبقى من المدن العتيقة يعتبر تجسيدا ولاشك للمنظومة الثقافية –الحضارية التي أنتجتها، وعليه فلا يقل التراث الثقافي أهمية عن التراث العمراني في فهم طبيعة الحضارات الإنسانية، بل يعتبر الأول مفتاحا أساسيا لفهم الثاني لأنه هو الذي أنتجه ونظمه عبر مراحل التاريخ، حتى ترسخ عندهم أن "البنيان من شعار الأمصار"[1].هذه القاعدة هي الكفيلة بتفسير كثير من جوانب العلاقة بين العمارة الإسلامية، والتراث الإسلامي عموما وتحديدا العلاقة بين المدن العتيقة، والتراث الفقهي. ومن ثم توضيح ذلك الأثر لتعاليم الإسلام على العمارة وتخطيط المدن[2].فالدارس للتهيئة العمرانية القديمة للمدن العريقة كالمدينة المنورة وبغداد وفاس والقيروان ومراكش وحتى للآثار الإسلامية في غرناطة... يجد أنه كانت هناك منظومة قانونية مؤطرة لها، واكبت تطورات المجتمعات الحضرية الإسلامية على مدى التاريخ بالتقنين والتنظيم، والمتفحص للتراث الفقهي المالكي في مجال البنيان يتأكد من أن الفقه الإسلامي ذو طابع حضري[3]، فقد ألف فقهاء المالكية كتبا مستقلة في الارتفاق وأحكام العمارة، ذات قيمة قانونية جديرة بالدراسة. ونذكر من ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
• كتاب القضاء في البنيان، للفقيه المالكي عبد الله بن عبد الحكم ( ت 271هـ)[4]، وهو من أقدم الكتب المؤلفة في أحكام البنيان.
• كتاب " القضاء بالمرفق في المباني ونفي الضرر " للإمام عيسى بنموسى التطيلي ( ت 386هـ).
• كتاب الإعلان بأحكام البنيان لمحمد بن إبراهيم المشهور بابن الرامي التونسي(ق8هـ).ويضاف إلى هذه الكتب المستقلة في مجال التعمير و غيرها الكثير من المباحث المضمنة في الموسوعات الفقهية والنوازلية والتي تناولت أحكام البنيان والأقضية المتعلقة بها.وقد تطورت هذه المباحث حتى ظهر عند الفقهاء علم قائم بذاته اسمه: " علم عقود الأبنية " وعرفوه بأنه " علم يتعرف منه أحوال أوضاع الأبنية وكيفية إحكامها وطرق حسنها كبناء الحصون المحكمة وتنضيد المنازل البهية والقناطر المشيدة وأمثالها وأحوال كيفية شق الأنهار وتقنية القني[5] وسد البثوق[6] و إنباط[7] المياه ونقلها من الأغوار إلى النجود وغير ذلك..."[8]وحددوا منفعة هذا العلم في " عمارة المدن والمنازل والقلاع..."[9] على أساس جلب المنافع ودفع المضار.ويتحصل من هذا أن المدن الإسلامية كانت خاضعة في كلياتها و جزئياتها لأحكام فقهية سواء منها المنصوص عليه أو الاجتهادية منها والتي كانت في تجدد مستمر حسب التطور المجتمعي.وإذا ثبت هذا يمكن التساؤل عن إمكانية الاستفادة من التراث الفقهي لفك ألغاز المدن العتيقة وذلك عن طريق البحث في الثروة الفقهية في مجال العمران وإعادة ترميم المدن القديمة وفق صورتها الأولى والحفاظ على أشكالها الأصلية؟كما يمكن البحث في إمكانية استثمار ذلك التراث الفقهي في تأسيس الإرشاد السياحي على أساس علمي يعرف بالتراث العمراني بناء على تفسيرات علمية مستقاة من المنظومة القانونية والثقافية التي أنتجت هذا العمران؟ويحاول هذا البحث الإسهام في معالجة هذا الموضوع من خلال الكشف عن بعض الجوانب ذات البعد العمراني في التراث الفقهي الإسلامي، وذلك بتقديم بعض الشواهد من التقنين الفقهي لمجال التعمير والدالة على مدى أهمية التراث الفقهي في تفسير التهيئة العمرانية القديمة، وسنتناول ذلك عبر خمسة مطالب:
المطلب الأول: بعض القواعد الفقهية المنظمة للتهيئة العمرانية القديمة
المطلب الثاني: التراث الفقهي ومراعاة شروط سلامة البناء و الطرق.
المطلب الثالث: التراث الفقهي ومراعاة الشروط الصحية في التهيئة العمرانية
المطلب الرابع: التراث الفقهي والحفاظ على المجال البيئي للمدينة
المطلب الخامس: التهيئة العمرانية القديمة واحترام الخصوصيات وحرمات الدور السكنية.
المطلب الأول: بعض القواعد الفقهية المنظمة للتهيئة العمرانية القديمة.إن المدن القديمة ولاسيما مدن العصور الإسلامية منها لم تبن على غير ميزان ولا قانون وإنما كنت خاضعة لمنظومة فقهية تجيب عن إشكالاتها ونوازلها كلما تطلب الأمر ذلك، وهذه المنظومة تدور أحكامها على قواعد فقهية مقاصدية عامة كانت محل تنزيل من قبل فقهاء العمران قديما ويمكن إجمالها في أربع قواعد:
• دفع المضار و جلب المصالح
• تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة عند التعارض
• ارتكاب أخف الضررين
• تحكيم العرفوفيما يلي سوف نتطرق بإيجاز لعلاقة كل قاعدة بتنظيم العمران مع تذييلها ببعض الأمثلة.
1- دفع المضار و جلب المصالح بنى الفقهاء استنباط أغلب الأحكام المتعلقة بالعمارة والبنيان على دفع الضرر، معتمدين في ذلك على الأدلة الشرعية المتضافرة على وجوب منع الضرر، ومن ذلك الحديث النبوي:" لا ضرر ولا ضرار "[10] الذي استدلوا به في أغلب مسائل الارتفاق، وقد اقترن مبحث الارتفاق عند المالكية بمنع الضرر واتضح ذلك في عنونتهم للمباحث المتعلقة بذلك كما ورد عند الفقيه ابن جزي الغرناطي(ت741هـ) في الباب الخامس عشر حيث أفرده للحديث عن " المرافق ومنع الضرر "[11].وقد ارتكزوا على هذه القاعدة في جميع أمور الارتفاق ومن أمثلة ذلك: منع الدباغ يؤذي جيرانه برائحة دباغة المنتنة ومنع الفرن والحمام، والأندر[12] قرب الجنان...[13] و جميع ما يضر بالمجال العمراني كما سيأتي بيانه في المحاور اللاحقة.
2- تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة عند التعارض:إن المصالح الواجب مراعاتها تنقسم من حيث العموم والخصوص إلى مصالح خاصة منفعتها تابعة لآحاد المكلفين، ومصالح عامة تعود منفعتها على عامة المكلفين، وفي مجال العمران يقع في بعض الأحيان التعارض بين هذين النوعين من المصلحة، إلا أن الفقهاء حسموا هذا التعارض منذ القديم لصالح المصالح العامة نظرا لقوة أدلتها و عموم نفعها، و مثال ذلك منعهم التوسع في الارتفاقات الشخصية على حساب الطرق والأفنية العامة، وقد استدلوا على هذا بما ورد من " أن حدادا ابتنى كيرا في سوق المسلمين... فمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه فرآه، فقال لقد انتقصتم السوق ثم أمر به فهدمه "[14].وعلى هذا ذهب الإمام أشهب المالكي (ت204هـ) إلى أن للسلطان أن يأمر بهدم ما اعتدي به على الطريق العامة " ولا ينبغي لأحد التزيد من طريق المسلمين كان في الطريق سعة أو لم يكن، كان مضرا ما تزيد أو لم يكن مضرا يؤمر بهدمه"[15].وقد استدلوا أيضا على تقديم المصلحة العامة و عدم الاعتداء عليها بقضاء عمر رضي عنه بالأفنية لأرباب الدور يعني بالانتفاع للمجالس والمرابط والمساطب وجلوس الباعة فيها للبياعات الخفيفة و منع حيازتها بالبنيان و التحظير[16].3
- ارتكاب أخف الضررين انعقد الإجماع الفقهي على قاعدة وجوب ارتكاب أخف الضررين عند التقابل[17]، وأصبحت صالحة للتطبيق في جميع مجالات الحياة، وبالأخص في مجال البنيان والعمران، حيث تم الاستناد إليها في كثير من الأحكام ومثالها: القضاء على الجار بأن يأذن لجاره في أن يدخل الأجراء والبنائين من داره لأجل إصلاح جداره الكائن من جهته ارتكابا لأخف الضررين وهما دخول دار الجار وضرورة الإصلاح ودخول دار الجار أخف، ويؤخذ من هذا أن منزل كنيف الجار إذ كان في دار جاره فإنه يقضي على الجار في أن يأذن لجاره بإدخال العملة في داره "[18].4- تحكيم العرف:العُرْفُ في اللغة ضد النكر[19]، وفي الاصطلاح: " العرف ما استقرت النفوس عليه بشهادة العقول وتلقته الطبائع بالقبول "[20] و هو عبارة عما يتعارفه الناس بينهم[21].ويعتبر العرف من أهم أدلة التشريع التي يلجأ إليها المجتهدون في إجراء أحكام الفقه على الواقع في كثير من المجالات كالأحوال الشخصية، و أبواب المعاملات و غيرها، و بتتبع مباحثهم في العمران ألفيناهم معتمدين على هذه القاعدة أشد الاعتماد ولاسيما في فض النزاع بين المتخاصمين على الحقوق الارتفاقية حيث ورد في بعض الكتب الفقهية:" وإذا تنازعا جدارا بين دارين حكم به لمن يشهد له العرف بأن له فيه من التصرف ما يفعله الملاك في أملاكهم من الرباط ومعاقد القمط[22] ووجوه الآجر واللبن وما أشبه ذلك"[23].
(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)
تقديم:من المعلوم عند علماء الحضارات أن العمران هو الوجه المادي لأية حضارة لذلك نجدهم يرجعون في دراسة الحضارات القديمة إلى آثارها العمرانية، فما تبقى من المدن العتيقة يعتبر تجسيدا ولاشك للمنظومة الثقافية –الحضارية التي أنتجتها، وعليه فلا يقل التراث الثقافي أهمية عن التراث العمراني في فهم طبيعة الحضارات الإنسانية، بل يعتبر الأول مفتاحا أساسيا لفهم الثاني لأنه هو الذي أنتجه ونظمه عبر مراحل التاريخ، حتى ترسخ عندهم أن "البنيان من شعار الأمصار"[1].هذه القاعدة هي الكفيلة بتفسير كثير من جوانب العلاقة بين العمارة الإسلامية، والتراث الإسلامي عموما وتحديدا العلاقة بين المدن العتيقة، والتراث الفقهي. ومن ثم توضيح ذلك الأثر لتعاليم الإسلام على العمارة وتخطيط المدن[2].فالدارس للتهيئة العمرانية القديمة للمدن العريقة كالمدينة المنورة وبغداد وفاس والقيروان ومراكش وحتى للآثار الإسلامية في غرناطة... يجد أنه كانت هناك منظومة قانونية مؤطرة لها، واكبت تطورات المجتمعات الحضرية الإسلامية على مدى التاريخ بالتقنين والتنظيم، والمتفحص للتراث الفقهي المالكي في مجال البنيان يتأكد من أن الفقه الإسلامي ذو طابع حضري[3]، فقد ألف فقهاء المالكية كتبا مستقلة في الارتفاق وأحكام العمارة، ذات قيمة قانونية جديرة بالدراسة. ونذكر من ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
• كتاب القضاء في البنيان، للفقيه المالكي عبد الله بن عبد الحكم ( ت 271هـ)[4]، وهو من أقدم الكتب المؤلفة في أحكام البنيان.
• كتاب " القضاء بالمرفق في المباني ونفي الضرر " للإمام عيسى بنموسى التطيلي ( ت 386هـ).
• كتاب الإعلان بأحكام البنيان لمحمد بن إبراهيم المشهور بابن الرامي التونسي(ق8هـ).ويضاف إلى هذه الكتب المستقلة في مجال التعمير و غيرها الكثير من المباحث المضمنة في الموسوعات الفقهية والنوازلية والتي تناولت أحكام البنيان والأقضية المتعلقة بها.وقد تطورت هذه المباحث حتى ظهر عند الفقهاء علم قائم بذاته اسمه: " علم عقود الأبنية " وعرفوه بأنه " علم يتعرف منه أحوال أوضاع الأبنية وكيفية إحكامها وطرق حسنها كبناء الحصون المحكمة وتنضيد المنازل البهية والقناطر المشيدة وأمثالها وأحوال كيفية شق الأنهار وتقنية القني[5] وسد البثوق[6] و إنباط[7] المياه ونقلها من الأغوار إلى النجود وغير ذلك..."[8]وحددوا منفعة هذا العلم في " عمارة المدن والمنازل والقلاع..."[9] على أساس جلب المنافع ودفع المضار.ويتحصل من هذا أن المدن الإسلامية كانت خاضعة في كلياتها و جزئياتها لأحكام فقهية سواء منها المنصوص عليه أو الاجتهادية منها والتي كانت في تجدد مستمر حسب التطور المجتمعي.وإذا ثبت هذا يمكن التساؤل عن إمكانية الاستفادة من التراث الفقهي لفك ألغاز المدن العتيقة وذلك عن طريق البحث في الثروة الفقهية في مجال العمران وإعادة ترميم المدن القديمة وفق صورتها الأولى والحفاظ على أشكالها الأصلية؟كما يمكن البحث في إمكانية استثمار ذلك التراث الفقهي في تأسيس الإرشاد السياحي على أساس علمي يعرف بالتراث العمراني بناء على تفسيرات علمية مستقاة من المنظومة القانونية والثقافية التي أنتجت هذا العمران؟ويحاول هذا البحث الإسهام في معالجة هذا الموضوع من خلال الكشف عن بعض الجوانب ذات البعد العمراني في التراث الفقهي الإسلامي، وذلك بتقديم بعض الشواهد من التقنين الفقهي لمجال التعمير والدالة على مدى أهمية التراث الفقهي في تفسير التهيئة العمرانية القديمة، وسنتناول ذلك عبر خمسة مطالب:
المطلب الأول: بعض القواعد الفقهية المنظمة للتهيئة العمرانية القديمة
المطلب الثاني: التراث الفقهي ومراعاة شروط سلامة البناء و الطرق.
المطلب الثالث: التراث الفقهي ومراعاة الشروط الصحية في التهيئة العمرانية
المطلب الرابع: التراث الفقهي والحفاظ على المجال البيئي للمدينة
المطلب الخامس: التهيئة العمرانية القديمة واحترام الخصوصيات وحرمات الدور السكنية.
المطلب الأول: بعض القواعد الفقهية المنظمة للتهيئة العمرانية القديمة.إن المدن القديمة ولاسيما مدن العصور الإسلامية منها لم تبن على غير ميزان ولا قانون وإنما كنت خاضعة لمنظومة فقهية تجيب عن إشكالاتها ونوازلها كلما تطلب الأمر ذلك، وهذه المنظومة تدور أحكامها على قواعد فقهية مقاصدية عامة كانت محل تنزيل من قبل فقهاء العمران قديما ويمكن إجمالها في أربع قواعد:
• دفع المضار و جلب المصالح
• تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة عند التعارض
• ارتكاب أخف الضررين
• تحكيم العرفوفيما يلي سوف نتطرق بإيجاز لعلاقة كل قاعدة بتنظيم العمران مع تذييلها ببعض الأمثلة.
1- دفع المضار و جلب المصالح بنى الفقهاء استنباط أغلب الأحكام المتعلقة بالعمارة والبنيان على دفع الضرر، معتمدين في ذلك على الأدلة الشرعية المتضافرة على وجوب منع الضرر، ومن ذلك الحديث النبوي:" لا ضرر ولا ضرار "[10] الذي استدلوا به في أغلب مسائل الارتفاق، وقد اقترن مبحث الارتفاق عند المالكية بمنع الضرر واتضح ذلك في عنونتهم للمباحث المتعلقة بذلك كما ورد عند الفقيه ابن جزي الغرناطي(ت741هـ) في الباب الخامس عشر حيث أفرده للحديث عن " المرافق ومنع الضرر "[11].وقد ارتكزوا على هذه القاعدة في جميع أمور الارتفاق ومن أمثلة ذلك: منع الدباغ يؤذي جيرانه برائحة دباغة المنتنة ومنع الفرن والحمام، والأندر[12] قرب الجنان...[13] و جميع ما يضر بالمجال العمراني كما سيأتي بيانه في المحاور اللاحقة.
2- تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة عند التعارض:إن المصالح الواجب مراعاتها تنقسم من حيث العموم والخصوص إلى مصالح خاصة منفعتها تابعة لآحاد المكلفين، ومصالح عامة تعود منفعتها على عامة المكلفين، وفي مجال العمران يقع في بعض الأحيان التعارض بين هذين النوعين من المصلحة، إلا أن الفقهاء حسموا هذا التعارض منذ القديم لصالح المصالح العامة نظرا لقوة أدلتها و عموم نفعها، و مثال ذلك منعهم التوسع في الارتفاقات الشخصية على حساب الطرق والأفنية العامة، وقد استدلوا على هذا بما ورد من " أن حدادا ابتنى كيرا في سوق المسلمين... فمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه فرآه، فقال لقد انتقصتم السوق ثم أمر به فهدمه "[14].وعلى هذا ذهب الإمام أشهب المالكي (ت204هـ) إلى أن للسلطان أن يأمر بهدم ما اعتدي به على الطريق العامة " ولا ينبغي لأحد التزيد من طريق المسلمين كان في الطريق سعة أو لم يكن، كان مضرا ما تزيد أو لم يكن مضرا يؤمر بهدمه"[15].وقد استدلوا أيضا على تقديم المصلحة العامة و عدم الاعتداء عليها بقضاء عمر رضي عنه بالأفنية لأرباب الدور يعني بالانتفاع للمجالس والمرابط والمساطب وجلوس الباعة فيها للبياعات الخفيفة و منع حيازتها بالبنيان و التحظير[16].3
- ارتكاب أخف الضررين انعقد الإجماع الفقهي على قاعدة وجوب ارتكاب أخف الضررين عند التقابل[17]، وأصبحت صالحة للتطبيق في جميع مجالات الحياة، وبالأخص في مجال البنيان والعمران، حيث تم الاستناد إليها في كثير من الأحكام ومثالها: القضاء على الجار بأن يأذن لجاره في أن يدخل الأجراء والبنائين من داره لأجل إصلاح جداره الكائن من جهته ارتكابا لأخف الضررين وهما دخول دار الجار وضرورة الإصلاح ودخول دار الجار أخف، ويؤخذ من هذا أن منزل كنيف الجار إذ كان في دار جاره فإنه يقضي على الجار في أن يأذن لجاره بإدخال العملة في داره "[18].4- تحكيم العرف:العُرْفُ في اللغة ضد النكر[19]، وفي الاصطلاح: " العرف ما استقرت النفوس عليه بشهادة العقول وتلقته الطبائع بالقبول "[20] و هو عبارة عما يتعارفه الناس بينهم[21].ويعتبر العرف من أهم أدلة التشريع التي يلجأ إليها المجتهدون في إجراء أحكام الفقه على الواقع في كثير من المجالات كالأحوال الشخصية، و أبواب المعاملات و غيرها، و بتتبع مباحثهم في العمران ألفيناهم معتمدين على هذه القاعدة أشد الاعتماد ولاسيما في فض النزاع بين المتخاصمين على الحقوق الارتفاقية حيث ورد في بعض الكتب الفقهية:" وإذا تنازعا جدارا بين دارين حكم به لمن يشهد له العرف بأن له فيه من التصرف ما يفعله الملاك في أملاكهم من الرباط ومعاقد القمط[22] ووجوه الآجر واللبن وما أشبه ذلك"[23].