العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

أثر الفقه الإسلامي في التهيئة العمرانية للمدن العريقة

زياد العراقي

:: مشرف ::
إنضم
21 نوفمبر 2011
المشاركات
3,614
الجنس
ذكر
التخصص
...
الدولة
العراق
المدينة
؟
المذهب الفقهي
المذهب الشافعي
أثر الفقه الإسلامي في التهيئة العمرانية للمدن العريقة

(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)


تقديم:من المعلوم عند علماء الحضارات أن العمران هو الوجه المادي لأية حضارة لذلك نجدهم يرجعون في دراسة الحضارات القديمة إلى آثارها العمرانية، فما تبقى من المدن العتيقة يعتبر تجسيدا ولاشك للمنظومة الثقافية –الحضارية التي أنتجتها، وعليه فلا يقل التراث الثقافي أهمية عن التراث العمراني في فهم طبيعة الحضارات الإنسانية، بل يعتبر الأول مفتاحا أساسيا لفهم الثاني لأنه هو الذي أنتجه ونظمه عبر مراحل التاريخ، حتى ترسخ عندهم أن "البنيان من شعار الأمصار"[1].هذه القاعدة هي الكفيلة بتفسير كثير من جوانب العلاقة بين العمارة الإسلامية، والتراث الإسلامي عموما وتحديدا العلاقة بين المدن العتيقة، والتراث الفقهي. ومن ثم توضيح ذلك الأثر لتعاليم الإسلام على العمارة وتخطيط المدن[2].فالدارس للتهيئة العمرانية القديمة للمدن العريقة كالمدينة المنورة وبغداد وفاس والقيروان ومراكش وحتى للآثار الإسلامية في غرناطة... يجد أنه كانت هناك منظومة قانونية مؤطرة لها، واكبت تطورات المجتمعات الحضرية الإسلامية على مدى التاريخ بالتقنين والتنظيم، والمتفحص للتراث الفقهي المالكي في مجال البنيان يتأكد من أن الفقه الإسلامي ذو طابع حضري[3]، فقد ألف فقهاء المالكية كتبا مستقلة في الارتفاق وأحكام العمارة، ذات قيمة قانونية جديرة بالدراسة. ونذكر من ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
كتاب القضاء في البنيان، للفقيه المالكي عبد الله بن عبد الحكم ( ت 271هـ)[4]، وهو من أقدم الكتب المؤلفة في أحكام البنيان.
كتاب " القضاء بالمرفق في المباني ونفي الضرر " للإمام عيسى بنموسى التطيلي ( ت 386هـ).

كتاب الإعلان بأحكام البنيان لمحمد بن إبراهيم المشهور بابن الرامي التونسي(ق8هـ).
ويضاف إلى هذه الكتب المستقلة في مجال التعمير و غيرها الكثير من المباحث المضمنة في الموسوعات الفقهية والنوازلية والتي تناولت أحكام البنيان والأقضية المتعلقة بها.وقد تطورت هذه المباحث حتى ظهر عند الفقهاء علم قائم بذاته اسمه: " علم عقود الأبنية " وعرفوه بأنه " علم يتعرف منه أحوال أوضاع الأبنية وكيفية إحكامها وطرق حسنها كبناء الحصون المحكمة وتنضيد المنازل البهية والقناطر المشيدة وأمثالها وأحوال كيفية شق الأنهار وتقنية القني[5] وسد البثوق[6] و إنباط[7] المياه ونقلها من الأغوار إلى النجود وغير ذلك..."[8]وحددوا منفعة هذا العلم في " عمارة المدن والمنازل والقلاع..."[9] على أساس جلب المنافع ودفع المضار.ويتحصل من هذا أن المدن الإسلامية كانت خاضعة في كلياتها و جزئياتها لأحكام فقهية سواء منها المنصوص عليه أو الاجتهادية منها والتي كانت في تجدد مستمر حسب التطور المجتمعي.وإذا ثبت هذا يمكن التساؤل عن إمكانية الاستفادة من التراث الفقهي لفك ألغاز المدن العتيقة وذلك عن طريق البحث في الثروة الفقهية في مجال العمران وإعادة ترميم المدن القديمة وفق صورتها الأولى والحفاظ على أشكالها الأصلية؟كما يمكن البحث في إمكانية استثمار ذلك التراث الفقهي في تأسيس الإرشاد السياحي على أساس علمي يعرف بالتراث العمراني بناء على تفسيرات علمية مستقاة من المنظومة القانونية والثقافية التي أنتجت هذا العمران؟ويحاول هذا البحث الإسهام في معالجة هذا الموضوع من خلال الكشف عن بعض الجوانب ذات البعد العمراني في التراث الفقهي الإسلامي، وذلك بتقديم بعض الشواهد من التقنين الفقهي لمجال التعمير والدالة على مدى أهمية التراث الفقهي في تفسير التهيئة العمرانية القديمة، وسنتناول ذلك عبر خمسة مطالب:
المطلب الأول: بعض القواعد الفقهية المنظمة للتهيئة العمرانية القديمة
المطلب الثاني: التراث الفقهي ومراعاة شروط سلامة البناء و الطرق.
المطلب الثالث:
التراث الفقهي ومراعاة الشروط الصحية في التهيئة العمرانية
المطلب الرابع: التراث الفقهي والحفاظ على المجال البيئي للمدينة
المطلب الخامس
: التهيئة العمرانية القديمة واحترام الخصوصيات وحرمات الدور السكنية.

المطلب الأول: بعض القواعد الفقهية المنظمة للتهيئة العمرانية القديمة.إن المدن القديمة ولاسيما مدن العصور الإسلامية منها لم تبن على غير ميزان ولا قانون وإنما كنت خاضعة لمنظومة فقهية تجيب عن إشكالاتها ونوازلها كلما تطلب الأمر ذلك، وهذه المنظومة تدور أحكامها على قواعد فقهية مقاصدية عامة كانت محل تنزيل من قبل فقهاء العمران قديما ويمكن إجمالها في أربع قواعد:
دفع المضار و جلب المصالح
تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة عند التعارض

ارتكاب أخف الضررين

تحكيم العرف
وفيما يلي سوف نتطرق بإيجاز لعلاقة كل قاعدة بتنظيم العمران مع تذييلها ببعض الأمثلة.
1- دفع المضار و جلب المصالح بنى الفقهاء استنباط أغلب الأحكام المتعلقة بالعمارة والبنيان على دفع الضرر، معتمدين في ذلك على الأدلة الشرعية المتضافرة على وجوب منع الضرر، ومن ذلك الحديث النبوي:" لا ضرر ولا ضرار "[10] الذي استدلوا به في أغلب مسائل الارتفاق، وقد اقترن مبحث الارتفاق عند المالكية بمنع الضرر واتضح ذلك في عنونتهم للمباحث المتعلقة بذلك كما ورد عند الفقيه ابن جزي الغرناطي(ت741هـ) في الباب الخامس عشر حيث أفرده للحديث عن " المرافق ومنع الضرر "[11].وقد ارتكزوا على هذه القاعدة في جميع أمور الارتفاق ومن أمثلة ذلك: منع الدباغ يؤذي جيرانه برائحة دباغة المنتنة ومنع الفرن والحمام، والأندر[12] قرب الجنان...[13] و جميع ما يضر بالمجال العمراني كما سيأتي بيانه في المحاور اللاحقة.
2- تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة عند التعارض:إن المصالح الواجب مراعاتها تنقسم من حيث العموم والخصوص إلى مصالح خاصة منفعتها تابعة لآحاد المكلفين، ومصالح عامة تعود منفعتها على عامة المكلفين، وفي مجال العمران يقع في بعض الأحيان التعارض بين هذين النوعين من المصلحة، إلا أن الفقهاء حسموا هذا التعارض منذ القديم لصالح المصالح العامة نظرا لقوة أدلتها و عموم نفعها، و مثال ذلك منعهم التوسع في الارتفاقات الشخصية على حساب الطرق والأفنية العامة، وقد استدلوا على هذا بما ورد من " أن حدادا ابتنى كيرا في سوق المسلمين... فمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه فرآه، فقال لقد انتقصتم السوق ثم أمر به فهدمه "[14].وعلى هذا ذهب الإمام أشهب المالكي (ت204هـ) إلى أن للسلطان أن يأمر بهدم ما اعتدي به على الطريق العامة " ولا ينبغي لأحد التزيد من طريق المسلمين كان في الطريق سعة أو لم يكن، كان مضرا ما تزيد أو لم يكن مضرا يؤمر بهدمه"[15].وقد استدلوا أيضا على تقديم المصلحة العامة و عدم الاعتداء عليها بقضاء عمر رضي عنه بالأفنية لأرباب الدور يعني بالانتفاع للمجالس والمرابط والمساطب وجلوس الباعة فيها للبياعات الخفيفة و منع حيازتها بالبنيان و التحظير[16].3
- ارتكاب أخف الضررين
انعقد الإجماع الفقهي على قاعدة وجوب ارتكاب أخف الضررين عند التقابل[17]، وأصبحت صالحة للتطبيق في جميع مجالات الحياة، وبالأخص في مجال البنيان والعمران، حيث تم الاستناد إليها في كثير من الأحكام ومثالها: القضاء على الجار بأن يأذن لجاره في أن يدخل الأجراء والبنائين من داره لأجل إصلاح جداره الكائن من جهته ارتكابا لأخف الضررين وهما دخول دار الجار وضرورة الإصلاح ودخول دار الجار أخف، ويؤخذ من هذا أن منزل كنيف الجار إذ كان في دار جاره فإنه يقضي على الجار في أن يأذن لجاره بإدخال العملة في داره "[18].4- تحكيم العرف:العُرْفُ في اللغة ضد النكر[19]، وفي الاصطلاح: " العرف ما استقرت النفوس عليه بشهادة العقول وتلقته الطبائع بالقبول "[20] و هو عبارة عما يتعارفه الناس بينهم[21].ويعتبر العرف من أهم أدلة التشريع التي يلجأ إليها المجتهدون في إجراء أحكام الفقه على الواقع في كثير من المجالات كالأحوال الشخصية، و أبواب المعاملات و غيرها، و بتتبع مباحثهم في العمران ألفيناهم معتمدين على هذه القاعدة أشد الاعتماد ولاسيما في فض النزاع بين المتخاصمين على الحقوق الارتفاقية حيث ورد في بعض الكتب الفقهية:" وإذا تنازعا جدارا بين دارين حكم به لمن يشهد له العرف بأن له فيه من التصرف ما يفعله الملاك في أملاكهم من الرباط ومعاقد القمط[22] ووجوه الآجر واللبن وما أشبه ذلك"[23].


 

زياد العراقي

:: مشرف ::
إنضم
21 نوفمبر 2011
المشاركات
3,614
الجنس
ذكر
التخصص
...
الدولة
العراق
المدينة
؟
المذهب الفقهي
المذهب الشافعي
رد: أثر الفقه الإسلامي في التهيئة العمرانية للمدن العريقة

المطلب الثاني: التراث الفقهي و مراعاة شروط سلامة البناء والطرق. إن احترام شروط سلامة البناء تفاديا للأضرار المتوقعة كان من الأمور البديهية في التقنين الفقهي لمسائل العمران، حيث حرص الفقهاء على ضبط الإجراءات في مجال البنيان وما يتصل به وفق قواعد العمارة السليمة احتياطا من الكوارث و الجوائح، ولهذا الغرض ركزوا على ضوابط كثيرة للسلامة نذكر منها:
1- احترام تحمل الأسقف عند بناء الطوابق: لقد عرف البناء ذو الطوابق المتعددة عند الحضارات القديمة، ولما كان الخشب هو المستعمل غالبا في السقف، وكان سريع التعرض للهشاشة والتآكل، نص الفقهاء على ضرورة مراعاة تحمل الجدران والسقف للطوابق، لقد سئل الإمام ابن القاسم(ت191هـ) وهو من أكابر المالكية عن صاحب الطابق العلوي إذا أراد أن يبني فوقه وأراد صاحب الطابق السفلي منعه، فقال:" أما البنيان الخفيف الذي لا يضر به فذلك له، وأما ما خيف منه الضرر عليه فيمنع منه و يخلى بينه و بين ما لم يخف منه "[24]. وبناء على التخوف من ثقل الطوابق على السقف الخشبي ذهب الإمام أشهب من المالكية إلى أنه حتى و لو:" انكسرت خشبة من العلو أدخل مكانها مثلها و ليس له أن يدخل أثقل منها مما يضره "[25].
2- وجوب هدم الجدران المهددة بالسقوط: وبناء على قاعدة دفع الضرر ما أمكن بنى الفقهاء أغلب توقعاتهم في مجال البناء حيث نصوا على عدم التساهل تجاه المخاطر المحدقة نتيجة تهالك البنايات و الجدران، و في هذا سئل الإمام ابن القاسم عن "جدار بين دار رجل و دار جاره مال ميلا شديدا حتى خيف انهدامه أترى للسلطان إذا شكا ذلك جاره وما يخاف من أذاه و ضرره أن يأمر صاحبه بهدمه؟ قال: نعم، واجب عليه أن يأمره بهدمه "[26].
3- منع إمالة الجدران و هدمها في حالة وقوع المخالفة: وفي سياق احترام قواعد البناء السليمة لم يسمح الفقه البتة ببعض الخلل في شيء من البنيان حيث سئل الإمام ابن القاسم أيضا عن " الرجل يبني بنيانا مستعليا فيعوجه في العلاء و يميله إلى هواء غيره فيبني الذي له الهواء في أرضه فإذا انتهى إلى العوج منعه و لم يستطع أن يقيم حائطه إلا بهدم العوج هل ترى أن يهدم ذلك، قال: نعم و ليس له أن يدخل في هواء غيره "[27]. و هذا الحكم الفقهي لازم لأمرين: أحدهما: منع الاعتداء على حقوق الغير المتمثلة هنا على هوائه أي مجال بنائه. والأمر الثاني أن الجدران المائلة في الغالب ما تكون مظنة السقوط، فحفاظا على احترام شروط السلامة ينبغي تقويمها. ولا عبرة في الفقه المالكي بالمصاريف التي تم إنفاقها على ذلك الجدار المبني مخالفا لأحكام البنيان حيث قيل لابن القاسم:" إن الهدم يكون فيه تلف نفقة عظيمة قد أنفقت على ذلك البنيان، قال يهدم كانت النفقة ما شاءت أن تكون "[28]
4- ضابط اتخاذ الرفوف: كان من مستلزمات الفن المعماري القديم إقامة الرفوف والشرفات المطلة على الطرق العامة إلا أنها لم تكن تقام على غير ميزان و إنما ضبط الفقه شروطها أيضا حيث سئل الإمام عبد السلام سحنون المالكي(ت240هـ) عن " الرفوف والعساكر تطل على الطريق هل يمنع من ذلك عاملها؟ قال: لا، لم تزل هذه حال العساكر والرفوف يتخذها الناس ويطلون بها على الطريق فلا أرى أن يمنع أحد من ذلك ما لم يضر بأحد"[29]. ومن بين الشروط التي اشترطوها في الرفوف العلو على الطريق لئلا تسبب ضررا للمارين تحتها أو قربها أو بمحاذاتها من راكب أو راجل أو صاحب حمل، فإن لم تعل و كانت تضر بمن مر تحتها وقربها فقد رأى علماء المالكية أن تهدم و ينحى الضرر فيها عن الناس في طرقهم[30].
5- قدر سعة الطرق: ربط الفقهاء بين قدر سعة الطريق ونوعية استعمالها، وسطروا قاعدة عظيمة كانت الأصل في تفاوت طرق المدن القديمة في الاتساع و الضيق، مفادها كما ورد عند بعض الفقهاء:" أن يترك للناس من سعة الأزقة والطرق بقدر ما يمر بها أوسع وأعظم شيء يمر في أزقتهم فلا يضر ذلك مثل البعير بأعظم ما يكون من المحامل، وبالعجلة ونحو ذلك مما ينتفع به وليس في ذلك عندنا قدر إلا قدر الانتفاع " [31]. وبناء على هذه القاعدة ميزوا بين ثلاثة أنواع من الطرق و حددوا مقادير سعتها: طريق الأقدام [32]: وعرضها سبعة أذرع فإن كان أقل من ذلك زيد فيه من أرض الناس حتى يكون سبعة أذرع[33]، و ذلك بناء على حديث: إذا اختلف الناس في الطريق فحدها سبعة أذرع"[34] طريق المواشي و الأبقار: عرضها عشرون ذراعا.[35] طريق المخدع[36]: فقد حدد بأربعة أذرع [37].
6- منع تضييق الطرق: أجمع الفقهاء على منع تضييق الطرق العامة بالاقتطاع منها بناء على ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من اقتطع من طريق المسلمين أو أفنيتهم شبرا من الأرض طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين "[38] وبناء على ذلك منع الإمام مالك قسمة الفناء والمراح الذي يكون أمام الدور على جانب الطريق لأن "ذلك مما للناس عامة فيه المنفعة، وربما تمتلئ الطريق بأهلها وبالدواب فيميل المائل الراكب والراجل وصاحب الحمل عن الطريق إلى تلك الأفنية والرحاب التي على الأبواب فيتسع بها فليس لأهلها تضييقها ولا تغييرها عن حالها"[39] كما منع الفقهاء أن تتخذ فيها حوانيت[40]. و قال ابن حبيب المالكي (ت238هـ): "سألت مطرفا وابن الماجشون عن الرجل يبني أبرجة في الطريق ملصقة بجداره هل يمنع من ذلك ويؤمر بهدمها إذا فعل ذلك فقالا لي: نعم ليس له أن يحدث في الطريق شيئا ينتقصه به وإن كان ما أبقى من الطريق واسعا لمن سلكه "[41]
7- منع حفر الطريق أو الإضرار به: لذلك أكدوا على وجوب إتقان تغطية حفرة المرحاض (الكنف) في الطريق: حيث سئل الإمام سحنون عن الكنف يتخذ في الطريق ويحفرها الرجل قرب داره ثم يغطيها هل يمنع من ذلك أم لا؟ فأجاب: " إذا غطاها وأتقن غطاها وسواها بالطريق حتى لا يضر ذلك بأحد فلا أرى أن يمنع "[42]
8- منع قطع الطريق بالهدم أو غيره من الحواجز: حيث أكد فقهاء المالكية أنه " إذا هدم الرجل داره فليس له أن ينزل نقضه و ما هدم في الطريق إذا كان ذلك يضر بالمارة"[43] وذهبوا إلى أن ما نتج عن الهدم من تراب و أوساخ...يجب على صاحبه أن يستأجر له موضعا[44] يرميه فيه تفاديا للإضرار بطرقات المدينة.


 

زياد العراقي

:: مشرف ::
إنضم
21 نوفمبر 2011
المشاركات
3,614
الجنس
ذكر
التخصص
...
الدولة
العراق
المدينة
؟
المذهب الفقهي
المذهب الشافعي
رد: أثر الفقه الإسلامي في التهيئة العمرانية للمدن العريقة

المطلب الثالث: التراث الفقهي ومراعاة الشروط الصحية في التهيئة العمرانية إن من بين المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية حفظ النفس الإنسانية من جميع جوانبها، و لما كان الجانب الصحي من أعظمها أصر الفقهاء على مراعاته في تقنينهم لكثير من أمور المدينة و من ذلك:
1- تدبير مجاري المياه: فقد ثبت عند الخبراء أن المياه المستعملة حمالة للأضرار الصحية الكثيرة إذ هي مورد القاذورات و مجمع النجاسات لذلك نظم الفقه المالكي مجاري المياه في المدينة عبر تدابير إجرائية حيث منع إجراء مياه الدور في الطرق و الشوارع و يدل على ذلك أن الإمام سحنون عندما سئل هل يجوز للرجل فتح كوة[45] في سكك المسلمين لإخراج مائه في السكة فأجاب: لا [46]. و منع الفقه المالكي أيضا تصريف المياه على صورة يلحق ضررا بالجيران و بجدرانهم حيث اعتبروا ذلك من الضرر المتفق عليه[47]. و هذا كله يدل على أنهم التزموا طريقة أخرى لتصريف المياه المستعملة، و لربما هي طريقة المجاري التحتية من أنابيب و قنوات تفاديا لظهور الأوساخ و ما ينجم عنها من الروائح و الأذى. و ميز الفقه المالكي هنا بين ماء الدور الذي لا ينبغي إخراجه في الطريق العامة، و بين ماء المطر الذي يجوز إجراؤه خارج الدور و لو صب في الطريق لأن ضرره لابد منه و هو أمر غالب.[48] على أنهم أكدوا على وجوب اتخاذ الميازيب لتصريف ماء المطر[49].

2- كنس المراحيض و إصلاحها: و المراحيض هي أيضا كانت محل عناية فقهية خدمة لحفظ النفس الإنسانية حيث سئل الإمام ابن القاسم عن "المرحاض إذا اعتل و هو لصاحب العلو أو لصاحب الأسفل، قال: على صاحب الأسفل بنيان ما كان في الأسفل حتى يبلغ به السقف، و على الذي له العلو بنيان الخشب "[50] وفي كنسها أكد فقهاء المالكية على وجوب ذلك و في حالة وقوع نزاع بين الشركاء في بئر الكنيف فيمن يتحمل مصاريف تنظيفه، أجاب الفقهاء بأن نفقة ذلك توزع على الشركاء على قدر الجماجم الموجودة في كل دار [51]. وعند كراء صاحب الدار لداره كان يفرض كنس التراب و حفرة المرحاض على رب الدار إلا أن يشترطه على المكتري.[52] ومن هنا نستنتج أن الناس في المدن القديمة كانوا يشتركون في بئر المرحاض. وكانوا قديما يعتمدون نظام تصريف مياه الواد الحار بهذه الطريقة.
3- تدبير الضوء والشمس و الهواء: من المعلوم عند الأطباء أن الضوء والشمس ضروريان للسكن الصحي وقد تنبه السادة الفقهاء لذلك قديما وأجازوا إحداث الكوات[53] والنوافذ في المنازل لدخول الضوء و الشمس بشرط عدم الإضرار بالجيران: حيث سئل بعض أئمة المالكية عن الرجل يفتح الكوة في جداره مع كراهية جاره لذلك، و الكوة عالية لا تنال إلا بسلم فأجاب: إذا لم يكن في ذلك ضرر على جاره فلا أرى بأسا بفتحها لأنها منفعة[54]. وجاء في كتاب الذخيرة للقرافي:" وقال بعض أصحابنا يمنع من سد الطاقات ببنيانه وكذلك إذا أوجب لظلام المنزل أو منع الهواء"[55]


 

زياد العراقي

:: مشرف ::
إنضم
21 نوفمبر 2011
المشاركات
3,614
الجنس
ذكر
التخصص
...
الدولة
العراق
المدينة
؟
المذهب الفقهي
المذهب الشافعي
رد: أثر الفقه الإسلامي في التهيئة العمرانية للمدن العريقة

المطلب الرابع: التراث الفقهي والحفاظ على المجال البيئي للمدينة اعتنى الفقهاء بالحفاظ على البيئة انطلاقا من النصوص القرآنية و السنية الواردة في الحث على حفظ العمارة و منع التخريب، و من خلال الاجتهاد في استنباط أحكام تؤطر مجال العمران في ضوء الشروط البيئية السليمة، فبناء على قاعدة دفع الضرر حاولوا تناول المجال البيئي من زاوية تأثيره على ضروريات الناس في الحياة، فأكدوا على وجوب حفظها و عدم إلحاق الضرر بها، و اعتبروا البيئة الحصن الواقي لاستمرار الحياة البشرية، لذلك حاولوا إبعاد المنشآت الصناعية خارج المدينة[56]، كما حافظوا على حريم و أفنية الدور و الطرقات بما فيها من حدائق و جنان و مياه و ضبطوا ذلك كله بأحكام و جزاءات ضمنت استمرار سلامة البيئة في الحواضر الإسلامية.و فيما يلي سوف نورد بعض إجراءاتهم في هذا السياق:
1- تدبير الصناعات: إذا كانت المدينة الحديثة قد استحدث أحياء صناعية بعيدة نسبيا عن السكان لتفادي الإضرار بالناس، فإن المدينة الإسلامية اتخذت قديما هذا الإجراء حيث منع الفقهاء في فتاويهم وأقضيتهم إقامة الحمامات والأفران والطواحين والمدابغ والحدادة...وسط الدور السكنية، قال الإمام سحنون في الذي يتخذ في جوار الرجل الأفران والحدادين فيضر ذلك بجاره، فإنه يمنع من ذلك ويقضى عليه به[57]، كما سئل الإمام ابن القاسم عن رجل له عرصة إلى جانب دار قوم فأراد أن يتخذ في تلك العرصة حماما أو فرنا أو موضعا لرحى فأبى عليه الجيران...، فكان رأيه أن ما كان من ذلك يحدث ضررا على الجيران من الدخان و ما أشبهه فمن حق الجيران أن يمنعوه [58].
وقد بنوا منعهم هذا على قاعدة دفع الضرر، و حددوا الضرر المتوقع من الصناعات في جملة أمور منها:
الدخان و الغازات: فمما يؤثر على الشروط الصحية والبيئية الغازات المنبعثة من الصناعات و قد تنبه الفقهاء قديما و منعوا إقامة المصانع وسط الدور السكنية لتفادي ما ينبعث منها من النفايات السائلة و الغازية كالدخان الذي يطلقه الفرن لتذويب المعادن، والحمام...فهو عندهم ممنوع إذا كان ذلك وسط السكان ويضر بهم.[59]
الرائحة الكريهة: اعتنى العلماء المسلمون منذ القديم بما يؤثر على المجال البيئي بما في ذلك الروائح حتى أن الفيلسوف الطبيب الكندي ألف كتابا عنونه بـ"الأدوية المشفية من الروائح المؤذية"،و ذهب كثير من فقهاء المذهب المالكي كابن الماجشون(ت212هـ) و مطرف(ت220هـ) و أصبغ (ت225هـ) إلى أن الدباغ إذا كان يؤذي جيرانه بريح دباغه و نتنه، يمنع من ذلك.[60]
الصوت المزعج: حيث ورد في الفقه المالكي منع إقامة الصناعات المحدثة للأصوات المزعجة وسط الساكنة، كمن يجعل في داره رحى يضر دويها بجاره[61].
التسبب في تصدع الجدران: حيث ذهب الإمام ابن القاسم إلى منع أن تتخذ الأرحية قرب الدور السكنية ملتصقة بهم إذا كانت تضر بجدران الحيطان [62]. و ذهبوا تبعا لهذه الأضرار إلى منع المتكاري لحانوت أن يجعل منها محلا لأمثال هذه الصناعات حيث ورد في المدونة الكبرى: "أن الرجل يكتري الحانوت من الرجل ولم يسم له ما يعمل فيها و عمل فيها الحدادة أو القصارة أو الطحانة...قال ابن القاسم: إذا كان ذلك ضررا على البنيان أو فسادا للحانوت فليس له أن يعمله "[63] و بناء على هذه الأضرار المتوقعة من الصناعات أوجبوا إبعادها من السكان، و قرروا تخصيص مجال لها مع مراعاة أنواعها، لذلك عرفت أحياء في المدن العتيقة بأسماء مشتقة من الصناعة المتخذة فيها، كدرب الدباغين، و درب العطارين، و الصباغين و الجيارين و الحدادين و النجارين... و قد استثنى بعض الفقهاء من الأفران الفرن المخصص للطبخ حيث يسمح به أن يقام وسط السكان إذ ذلك تتوقف عليه مصلحتهم حتى أن بعض الفقهاء اعتبر هروب الناس و خلو الحي الذي يوجد فيه الفرن من السكان جائحة بالنسبة لمكتريه ينبغي أن يحط عنه من الكراء بقدر ذلك [64].
2- احترام نباتات الأفنية: الأفنية مفردها فناء " وهي ما فضل عن المارة من طريق واسع نافذ "[65] و في الغالب كان الناس يغرسون فيها بعض الأشجار و النباتات لتشكل مجالا أخضر يضفي بعض الجمالية على دورهم، و قد منع الفقه الاعتداء على هذه النباتات حيث "سئل ابن رشد عمن غرس في فناء رجل وردا واستغله فقام صاحب الفناء يطلب زوال الورد وقيمة ما اغتل، فأجاب ابن رشد بأنه لاحق للقائم على غارس الورد في الفناء على ما مضى من المدة لأن الأفنية ليست فيها حقية الأملاك وإنما هو مقدم في الانتفاع بها إن احتاج وليس له أن يمنع الجار إن استغنى عنه "[66]. و قد ذهب الإمام ابن عرفة الورغمي التونسي (ت748هـ) إلى أن " من شكا شجرة بدار جاره أن يتطرق إليه منها أنه ليس له قطعها بخلاف ما دخل من أغصانها في داره "[67]
3- عدم إقامة ما يؤثر على الجنان: ومنع بعض المالكية إحداث الأندر حول الجنان لأنه يضره بتبن التذرية كإحداث الحمام والفرن[68].
4- الحفاظ على المجال الأخضر: قال ابن حبيب المالكي:" الشعارى المجاورة للقرى والمتوسطة بينها لا يقطع الإمام منها شيئا لأنها ليست كالعفاء من الأرض التي لعامة المسلمين إنما هي حق من حقوقهم كالساحة للدور... لأن إقطاعها ضرر بهم في قطع مرافقهم منها التي كانوا يختصون بها لقربهم"[69]. والشعارى هي الشجر المختلط أو الأرض ذات الشجر[70]. كما أنهم حرصوا على الحفاظ على نظافة ضفاف الأنهار و خلوها من أي بناء فصرحوا أنه "لا يجوز لأحد البناء على شاطىء النهر للسكنى ولا لغيرها إلا القناطر المحتاج إليها "[71]


 

زياد العراقي

:: مشرف ::
إنضم
21 نوفمبر 2011
المشاركات
3,614
الجنس
ذكر
التخصص
...
الدولة
العراق
المدينة
؟
المذهب الفقهي
المذهب الشافعي
رد: أثر الفقه الإسلامي في التهيئة العمرانية للمدن العريقة

المطلب الخامس: التهيئة العمرانية القديمة واحترام الخصوصيات وحرمات الدور السكنية. اهتم الفقه في التهيئة العمرانية القديمة بالخصوصيات فقرر أن لكل بنيان حريم ينبغي احترامه، والحريم في فقه التعمير هو المجال المكاني المحيط بالبناء أو الطريق أو المدينة يترك كاحتياط للتوسع فيه عند الحاجة لذلك تحدثوا عن أنواع كثيرة من الحريم قال أحد فقهاء المالكية:"وحريم البئر ما حوله فهو يختلف بقدر كبر البئر وصغرها وشدة الأرض ورخاوتها، وحريم الدار مدخلها ومخرجها ومواضع مضابطها وشبه ذلك وحريم الفدان حواشيه ومدخله ومخرجه، وحريم القرية موضع محطبها ومرعاها"[72] و لهذا الحريم أحكام تدور في أغلبها على ضوابط استغلاله على وجه لا يضر بالمصلحة العامة، حيث اعتبره الفقهاء متضمنا لمنفعة عمومية حتى ولو كان في ملكية خاصة كأفنية الدور مثلا. و في هذا الإطار اعتبروا حريم المدينة ممنوع الاستغلال إلا بإذن من الدولة بعد نظرها في مصلحة ذلك، حتى ولو لم يكن هذا الحريم في ملكية أحد ورد في كتاب القوانين الفقهية: " ومن أحيا أرض موات فهي له، والموات هي الأرض التي لا عمارة فيها ولا يملكها أحد، وإحياؤها يكون بالبناء والغرس والزراعة والحرث وإجراء المياه فيها وغير ذلك فإن كانت قريبة من العمران افتقر إحياؤها إلى إذن الإمام بخلاف البعيدة من العمران"[73] وفي جانب احترام الخصوصيات ركز الفقه على احترام المساجد باعتبارها بيوت الله التي تجب العناية بها، والحفاظ على قدسيتها، كما ركز الفقه الإسلامي ـ وانسجاما مع أحكام الشرع ـ على حرمات الدور السكنية مخافة الاطلاع على عورات الناس وأسرارهم الشخصية وخصوصياتهم فكان تصميم البنايات المخصصة للسكن على نمط خاص يمنع انتهاك الحرمات والعورات، وفيما يلي سوف نتطرق لبعض الأحكام المسطرة في هذا الباب:
1- احترام خصوصية المساجد: إن المسجد بوصفه المكان المخصص لعبادة الله وأداء الصلاة الواجبة حاز مكانة عظيمة في تهيئة المدن العريقة، وتدل على ذلك شساعة أفنية المساجد قديما، و مركزيتها في المدينة حتى سميت بأسماء تشعر بذلك كـ" المسجد الأعظم " و المسجد الكبير " و احتلت أماكن محترمة وسط الحواضر ممثلة الرمزية الدينية و الروحية لها، وهذا ما مثله جامع القرويين[74]، وجامع الكتبية[75] وغيرهم عبر التاريخ، وقد منع الفقهاء بناء المساكن فوقها، معللين ذلك بحفظ خصوصيتها الدينية و مرتبتها الروحية، حيث سئل الإمام مالك " عن المسجد يبنيه الرجل ويبني فوقه بيتا يرتفق به، قال: ما يعجبني ذلك لأنه يصير مسكنا يجامع فيه ويأكل " [76] كما أنهم يعتبرون علوه حريما[77] له لا ينبغي أن ينتهك. قال القرافي: " وأجاز العلو مسجدا ويسكن السفل ولم يجز العكس لأن ما فوق المسجد له حرمة المسجد لأن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كان إذا بات على ظهر المسجد لا يقرب فيه امرأة "[78] وفي المقابل جوز الفقه المالكي اتخاذ المساجد المعلقة " قال مالك: وجائز أن يكون البيت تحت المسجد ويورث البنيان التي تحت المسجد ولا يورث المسجد إذا كان صاحبه قد أباحه للناس"[79].
2- الحفاظ على حرمات الدور السكنية: لقد جاءت المدن العتيقة مجسدة للمبادئ الفقهية في كثير من تصاميمها ولاسيما تلك المبادئ المتعلقة بحفظ الخصوصيات و احترام الحياة الشخصية، و قد كان الفقه صارما جدا بمنع أي إخلال بهذا المبدأ و يدل على ذلك ما جاء في المدونة من أنه " يمنع فتح الكوة يكشف منها الجار، وكتب عمر رضي الله عنه أن يوقف على سرير فإن نظر إلى ما في دار جاره منع نفيا للضرر وإلا فلا لأنه تصرف في ملكه "[80] ومثل هذا المنع هو الذي يفسر كون النوافذ في المدن القديمة كانت صغيرة و عالية، كما أن الدور القديمة مفتوحة من حيث الداخل، و لكن مغلقة من حيث الخارج.


 

زياد العراقي

:: مشرف ::
إنضم
21 نوفمبر 2011
المشاركات
3,614
الجنس
ذكر
التخصص
...
الدولة
العراق
المدينة
؟
المذهب الفقهي
المذهب الشافعي
رد: أثر الفقه الإسلامي في التهيئة العمرانية للمدن العريقة

خاتمة: حاولت في هذا البحث الكشف عن العلاقة التي كانت قائمة بين الفقه الإسلامي وكيفية تشييد المدن العريقة، وقد تبين من خلال بعض ما أوردت أن التهيئة العمرانية في الحواضر الإسلامية العريقة كانت خاضعة في جلها لأحكام الفقه وذلك من عدة جوانب أجملناها في خمسة: أحدها الانضباط للقواعد الفقهية الكبرى الدائرة على دفع المضار، وجلب المصالح، والجانب الثاني: تم التركيز فيه على أحكام سلامة البناء واتساع الطرق، والجانب الثالث دارت أحكامه على مراعاة الشروط الصحية في البنيان، والجانب الرابع كان خادما للحفظ على الجانب البيئي للمدينة، أما الجانب الخامس فتطرقت فيه لتمسك الفقهاء المسلمين على ضرورة مراعاة الخصوصيات والحرمات في تصميم البنايات السكنية. ومن خلال ما تم التطرق له يستنتج الناظر أنه مازالت العلاقة بين التراثين الفقهي والعمراني مجالا طريا للدراسة والبحث، وبدون التعمق في الكشف عن كثير من جوانبها تبقى أسرار التهيئة العمرانية العتيقة مخفية لما يستفاد منها، وما ورد في هذا المقال هو قليل من كثير من مظاهر التنظير الفقهي الإسلامي للعمران، ويحتاج الموضوع إلى بحث لاستثمار نتائجه في تنمية المجال السياحي العمراني وترشيده على أسس علمية تستند إلى التراث الفقهي بوصفه المنظومة القانونية المنظمة لذلك العمران، وتجاوز تلك الطرق المتبعة في الإرشاد السياحي غير المعتمدة في كثير منها على الكفاءة العلمية المطلوبة.
[1] - شهاب الدين القرافي المالكي ، الذخيرة ، تحقيق محمد حجي, دار الغرب الإسلامي ، ط 1994 ، بيروت , ج 2 ص : 339.
[2] - د.م.يحيى وزيري ، العمارة الإسلامية و البيئة ،، المجلس الوطني للثقافة و الفنون و الآداب , سلسلة كتب عالم المعرفة ، عدد يونيو 2004, الكويت، ص: 27 .
[3] - Juan Martos Quesada , El mundo jurídico en AL-ANDALUS , Delta Publicaciones Universitarias, Primera edición ,2005 ,Madrid , P.17.
[4] - انظر: ابن فرحون اليعمري المالكي ،الديباج المذهب ، دار الكتب العلمية , ط.د.ت ، بيروت,ج1ص:134.
[5] - القُنِـيُّ: جمع قناة وهي الآبار التـي تُـحفر فـي الأرض متتابعة لـيستـخرج ماؤها ويَسيح علـى وجه الأَرض ، انظر : انظر ابن منظور ، لسان العرب ،دار صادر ، ط1 ،د. ت ، بيروت ، ج 15 ص 204.
[6] - البثوق جمع بثق ، و البثق هو منبعث الماء ، انظر ابن منظور ، المصدر السابق ، ج10ص:12.

[7] - أي الوصول إليها و استخراجها ، انظر المصدر السابق ، ج7ص: 410.

[8] - صديق بن حسن القنوجي، أبجد العلوم، تحقيق عبد الجبار زكار ، دار الكتب العلمية, 1978 ، بيروت,ج 2ص:384.
[9] - المصدر السابق نفسه.
[10] - الحديث أخرجه الإمام مالك في الموطأ ، كتاب الأقضية ، باب القضاء في المرفق ، رقم : 1234. قال العلامة الزرقاني في معنى هذا الحديث : " لا ضرر خبر بمعنى النهي أي لا يضر الإنسان أخاه فينقصه شيئا من حقه ، ولا ضرار بكسر أوله فعال أي لا يجازي من ضره بإدخال الضرر عليه بل يعفو فالضرر فعل واحد والضرار فعل اثنين ، فالأول إلحاق مفسدة بالغير مطلقا والثاني إلحاقها به على وجه المقابلة أي كل منهما يقصد ضرر صاحبه بغير جهة الاعتداء بالمثل" محمدبن عبد الباقي الزرقاني(ت1122هـ) ، شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك ، دار الكتب العلمية , ط1 ، 1411هـ, بيروت , لبنان ,ج 4 ص:40 .
[11] - ابن جزي الغرناطي ، القوانين الفقهية ، ط.د.ت, ج 1ص:223.
[12] - الأَندَرُ: البَـيْدَرُ ، انظر : ابن منظور ، المصدر السابق : ج 5 ص 200 .

[13] - أبو عبد الله العبدري ، التاج والإكليل ، دار الفكر, ط2، 1398هـ ، بيروت ,ج 5ص:164.
[14] - الشيخ أبو عبد الله الحطاب ، مواهب الجليل، دار الفكر, ط2 ،1398هـ، بيروت ,ج5ص:153 . و انظر: محمد عرفة الدسوقي, حاشية الدسوقي، تحقيق محمد عليش ، دار الفكر, ط .د.ت ، بيروت ,ج 2ص:38.
[15] - الشيخ أبو عبد الله الحطاب:ج5ص:153.
[16] - أبو عبد الله العبدري , المصدر السابق , ج 5ص:152. و التحظير هو الإحاطة لمنعها على غيره و جعل الأرض كالحظيرة ، انظر ابن منظور ، المصدر السابق، ج4ص: 203 .
[17] - أبو عبد الله العبدري , المصدر السابق , ج 6ص:249.
[18] - محمد عرفة الدسوقي ، المصدر السابق, ج 3ص:367.
[19] - محمد بن أبي بكر الرازي ، مختار الصحاح ، تحقيق محمود خاطر ، مكتبة لبنان ناشرون , طبعة جديدة ، 1415/1995 ، بيروت , ج1ص: 179.
[20] - علي بن محمد الجرجاني ، التعريفات ، تحقيق إبراهيم الأبياري ، دار الكتاب العربي , ط1، 1405 ، بيروت, ج 1ص:193.
[21] - محمد بن أبي الفتح البعلي الحنبلي ، المطلع ، تحقيق محمد بشير الأدلبي ، المكتب الإسلامي ، ط1 ، 1401/1981 ، بيروت , ج 1ص:264 .
[22] - " الخشب التي تجعل في أركان الحيطان لتشدها " انظر: ابن جزي الغرناطي ،المصدر السابق ,ج 1ص:223.
[23] - القاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي (ت 362هـ) ، التلقين ، تحقيق محمد ثالث سعيد الغاني, المكتبة التجارية ، ط1، 1415 ، مكة المكرمة , ج 2ص:433.
[24] - الإمام عيسى بن موسى التطيلي ، القضاء بالمرفق في المباني و نفي الضرر, تحقيق محمد النمينج ، منشورات المنظمة الإسلامية للتربية و العلوم و الثقافة –إيسيسكو-, 1420هـ/1999م ، ص :97 .
[25] - الإمام عيسى بن موسى التطيلي ، المصدر السابق ، ص:97.
[26] - المصدر السابق ، ص: 141.
[27] - المصدر السابق ، ص: 142-143.
[28] - الإمام عيسى بن موسى التطيلي ، المصدر السابق , ص: 143.
[29] - المصدر السابق ، ص: 96.
[30] - المصدر السابق نفسه .
[31] - المصدر السابق ,ص: 171.
[32] - الإمام عيسى بن موسى التطيلي ، المصدر السابق ، ص:170-171.
[33] - " وقوله : سبعة أذرع الذي يظهر أن المراد بالذراع قدر ذراع الآدمي فيعتبر ذلك بالمعتدل وقيل ذراع البنيان المتعارف " انظر : الشيخ أبو عبد الله الحطاب ,المصدر السابق, ج 5ص:170.
[34] - البخاري ، الجامع الصحيح ، كتاب المظالم و الغصب ، باب إذا اختلفوا في الطريق الميتاء ، رقم: 2293.

[35] - الإمام عيسى بن موسى التطيلي، المصدر السابق, ص: 171.
[36] - المخدع : وهو البـيت الصغير الذي يكون داخـل البـيت الكبـير، انظر: ابن منظور، المصدر السابق ، ج 8 ص 65 .

[37] - الإمام عيسى بن موسى التطيلي، المصدر السابق, ص: 171.
[38] ـ أبو القاسم الطبراني، المعجم الصغير، الطبعة الأولى ، 1405 – 1985، المكتب الإسلامي , دار عمار - بيروت , عمان، ج2، ص:297.

[39] - الإمام عيسى بن موسى التطيلي، المصدر السابق ، ص: 163 ، و انظر أيضا : ابن جزي الغرناطي ، المصدر السابق, ج 1ص:224.
[40] - الإمام عيسى بن موسى التطيلي، المصدر السابق , ص: 162.
[41] - الشيخ أبو عبد الله الحطاب , المصدر السابق , ج 5ص:155.
[42] - الإمام عيسى بن موسى التطيلي، المصدر السابق , ص: 172
[43] - المصدر السابق ، ص: 173.
[44] - المصدر السابق نفسه.
[45] - " الكوة بفتح الكاف وضمها والفتح أشهر وهي عبارة عن الطاق" انظر : الشيخ أبو عبد الله الحطاب , المصدر السابق, ج 5ص:160.
[46] - الإمام عيسى بن موسى التطيلي، المصدر السابق ,ص: 98 .
[47] - ابن جزي الغرناطي , المصدر السابق , ج 1ص:224 .
[48] - الإمام عيسى بن موسى التطيلي، المصدر السابق, ص: 98 .
[49] - المصدر السابق ، ص: 99 .
[50] - المصدر السابق ، ص: 104.
[51] - المصدر السابق نفسه ، و هذا رأي فريق من علماء المالكية ، انظر:ابن جزي الغرناطي, المصدر السابق, ج 1ص:223.
[52] - ابن مغيث الطليطلي ، المقنع في علم الشروط ، تقديم و تحقيق فرانثيكو خابيير أغيري شادابا ، المجلس الأعلى للأبحاث العلمية معهد التعاون مع العالم العربي ، 1994, مدريد ، ص :229 .
[53] ـ مفردها كوة وهي النافذة التي يدخل منها الهواء والضوء.

[54] - الإمام عيسى بن موسى التطيلي، المصدر السابق, ص: 108 .
[55] - شهاب الدين القرافي المالكي, المصدر السابق , ج 6 ص:175.
[56] - د.م.يحيى وزيري ، المرجع السابق , ص : 48.
[57] - الإمام عيسى بن موسى التطيلي، المصدر السابق , ص: 120.
[58] - الإمام عبد السلام سحنون المالكي ، المدونة الكبرى، دار صادر ، ط.د.ت ، بيروت , ج 14ص:529 . و انظر أيضا : الإمام عيسى بن موسى التطيلي ، المصدر السابق, ص: 120-121.
[59] - المصدر السابق ، ص: 121 . و انظر أيضا : ابن جزي الغرناطي , المصدر السابق , ج 1ص:224.
[60] - الإمام عيسى بن موسى التطيلي، المصدر السابق , ص: 121.
[61] - ابن جزي الغرناطي , المصدر السابق , ج 1ص:224.
[62] - الإمام عيسى بن موسى التطيلي، المصدر السابق , ص: 121.
[63] - الإمام عبد السلام سحنون المالكي , المصدر السابق , ج 11ص:523 . وانظر أيضا :ابن مغيث الطليطلي، المصدر السابق , ص: 233.
[64] - ابن مغيث الطليطلي ، المصدر السابق , ص: 234.
[65] - الشيخ الدردير ، الشرح الكبير ، تحقيق محمد عليش ، دار الفكر, ط.ت.خ , بيروت , ج 3 ص:368.
[66] - الشيخ أبو عبد الله الحطاب , المصدر السابق , ج 5ص:174.
[67] - أبو عبد الله العبدري , المصدر السابق , ج 5ص:174.
[68] - شهاب الدين القرافي المالكي , المصدر السابق , ج 6ص:175.
[69] - الشيخ أبو عبد الله الحطاب , المصدر السابق , ج 6ص:12.
[70] - المصدر السابق نفسه.
[71] - الشيخ أبو عبد الله الحطاب , المصدر السابق , ج 6ص:12.
[72] - ابن جزي الغرناطي , المصدر السابق , ج 1ص:222.
[73] - المصدر السابق نفسه .
[74] هو مسجد القرويين بفاس بالمغرب، أسسته فاطمة الفهرية سنة 245هـ.

[75] هو مسجد الكتبية بمراكش بالمغرب، بناه السلطان الموحدي عبد المومن بن علي الكومي.

[76] - عبد السلام سحنون ,المصدر السابق , ج 1ص:108 .وانظر أيضا : أبو عبد الله العبدري ,المصدر السابق, ج 6ص:13.
[77] - شهاب الدين القرافي المالكي, المصدر السابق , ج 6ص:188.
[78] - المصدر السابق نفسه .
[79] - أبو عبد الله العبدري , المصدر السابق , ج 6ص:13.
[80] - شهاب الدين القرافي المالكي , المصدر السابق , ج 6ص:175.


 

طارق موسى محمد

:: متفاعل ::
إنضم
5 أغسطس 2009
المشاركات
411
الإقامة
الاردن
الجنس
ذكر
التخصص
محاسبة
الدولة
الاردن
المدينة
الزرقاء
المذهب الفقهي
الحنفي
رد: أثر الفقه الإسلامي في التهيئة العمرانية للمدن العريقة

في ما يتعلق بالمساجد
لماذا نجد القبور داخل بعض المساجد؟
وكذلك الزخارف التي قد تلهي المصلي!
 
إنضم
21 مارس 2012
المشاركات
168
الجنس
ذكر
الكنية
أبو سعد المراكشي
التخصص
فقه النوازل المعاصرة
الدولة
المغرب
المدينة
مراكش
المذهب الفقهي
مالكي
رد: أثر الفقه الإسلامي في التهيئة العمرانية للمدن العريقة

جزاكم الله خيرا على الطرح الجميل
 
أعلى