عبد الرحمن بكر محمد
:: قيم الملتقى المالكي ::
- إنضم
- 13 يونيو 2011
- المشاركات
- 373
- الجنس
- ذكر
- الكنية
- أبو أنس
- التخصص
- الشريعة والقانوزن
- الدولة
- مصر
- المدينة
- القاهرة
- المذهب الفقهي
- المالكي
الحمد لله رب العالمين له الحمد الحسن والثناء الجميل، وبعد فنقطة الانطلاق هنا مقالة سمعتها من الدكتور عبد الستار الحلوجي وهي قوله: (المحقق -أي: في مجال البحث الشرعي- كالمحقق الجنائي يبحث ويفحص، ويضع الأدلة بجوار بعضها ليصل في نهاية الأمر لنتيجة) اهـ.
قلت: كلام متين يحتاج لتوضيح، فما زال المرؤ يتعلم ويتعلم في مجال التحقيق وغيره، كما قال ربنا: {وفوق كل ذي علم عليم}. فعلًا نحتاج لجيل جديد من المحققين يجمعون بين أصالة الأوائل وأمانة النقل، وبين متطلبات العصر الحديثة من استخدام الحاسوب وغيره من الوسائل الجديدة التي لم تكن لدى هؤلاء، إن الأمل يحدو الإنسان ليرى مثل الشيخ أحمد والشيخ محمود شاكر والشيخ عبد السلام هارون والدكتور الطناحي أؤلئك الجيل الفريد الذي تشرأب له العنق تطلعًا أن يرزنا الله بأمثالهم فكم عانينا في زمننا من سرقة العلم واستسهال التكسب من عمل التحقيق، فصار الكل يزعم أنه باحث ومحقق، حتى حق فينا قول الشاعر: تصدر للتحقيق كل مهوسٍ ... بليدٍ تسمى بالفقيه المدرس
فحق لأهل العلم أن يتمثلوا ... ببيت قديمٍ شاع في كل مجلس
لقد هزلت حتى بدا من هزالها ... كلاها وحتى سامها كل مفلس
فقد صحف بعضهم قوله: (للتدريس) بقولهم: (للتحقيق).
وصدقوا فقد صارت صنعة المفاليس سواءً ماديًّا أو علميلًا، وصرنا كما قال الأول: إن البغاث بأرضنا يستنسر، فترى من لا يعرف مهنة التحقيق يأتي بكم من المخطوطات ليحقق كتابًا، وما درى أن العبرة بالاختيار والانتخاب لهذه المخطوطات مما هو معلوم من قواعد التحقيق، أو يأتي البعض فيخرج كتابًا ويظن أن هذا هو التحقيق، وسأتعرض هنا لنموذجين للتحقيق قد اختلفت مع أصحابهم في ما صنعوه بالكتاب رغم علو قامتهم، وذياع صيتهم، ولكن لابد من تأصيل منهج النقد في زمن غابت فيه الضوابط، فصار من يختلف معك خصمك، وصار مكن ينتقدك عدوك، وغبنا عن المنهج العلمي الذي أصله علي رضي الله عنه حين تكلم عن معاوية وأصحابه فقال: (إخواننا بغوا علينا) فيا ليتنا نرجع لذلك المعين النبوي، أؤلئك الذين اختارهم ربنا لصحبة نبيه، وهم أحب الناس إليه، وأرضاهم لربهم، وأتقاهم له، وأخشاهم له، وأرغبهم فيما عنده، وأزهدهم فيما في أيديهم، أعود فأقول: كل يدعي وصلًا بليلى، فقد عشت مع كتابين مرحلة من عمري أولهما كتاب مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين لأبي الحسن الأعري بتحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، وذلك حين كنت أكتب بحثًا حول منهج الرافضة، وقد سميته (الحراب الثاقبة في هدم عقيدة الرافضة) وسبب اعتمادي على الكتاب كونه لأحد المتقدمين حيث توفي سنة 330 هـ، وكونه تعرض للرافضة بالبيان والإيضاح لعقيدتهم، وإذا بي أجد مفاجأة مدوية وقعت على رأسي وقوع المصائب العظام؛ إذ إنني قد سألت واستخبرت عن أفضل الطبعات فدلني إخواني على تحقيق الشيخ محمد محي الدين عبد المحيد، مع عظم قامة الرجل ومعرفة الجميع له ولقدره؛ فإذا بي أجد الشيخ لا يعتمد على مخطوط ولا يذكر من أين أتى بالنص الذي ذكره ونسبه لأبي الحسن، مع بعض الأخطاء المنهجية في التحقيق، ثم الكتاب الثاني كتاب (زاد المعاد في هدي خير العباد) لابن قيم الجوزية، حيث يشاع في الناس أن أفضل طبعات الكتاب طبعة المحققين شعيب وعبد القادر الأرنؤوط، وأتيت بالكتاب واستوقفتني مقدمته التحقيقة، فإذا بالشيخين يقولان في المقدمة ما نصه: (وقد سبق للكتاب أن طبع أكثر من مرة، ولكنه في كل هذه الطبعات لم يأخذ حظه من التحقيق والتصحيح والتمحيص، فجائت كلها مليئة بالخطأ والصحيف والتحريف وسوء الإخراج وعدم العناية بتحقيق نصوصه الحديثية ... إلخ). فقلت في نفسي يا حبذا أن نرى ذلك عمليًّا، فرأيتهما وقد اعتمدا على نسختين ناقصتين، وما يظهر لكل ذي لب أنهم قد اعتمدوا في الجزأ الناقص على المطبوع، ولم يشيرا لذلك، فأين ما زعما من مصائب وطوام في المطبوع، ولو لم يشيرا لذلك، ألا يتنافى هذا مع الأمانة العلمية، والله المستعان، وللأسف فقد وقع طالب العلم بين المطرقة والسندان: مطرقة -أو إن شئت فسمها مقصلة- الناشرين والمحققين، وسندان الفقر والعوز والحاجة، فلا أدري لم لا يقوم الأفذاذ بنقد النشرات العلمية في زمننا، ولا يقومون بما أوجب الله عليهم؛ إذ هم من أهل العلم {لتبيننه للناس ولا تكتمونه} فترى طالب العلم محجمًا عن ذكر ذلك، مترفعًا عن نقد هؤلاء، في حين يعلو نجمهم، وتزكو ريحهم بثناء الجاهلين عليهم، فينالون أعلى المنازل، وأرفع الدرجات، فهذا الشيخ الفاضل المحقق، وذاك الدكتور العبقري، وثالثهم محقق الزمان، والله المستعان؛ إنني إذ أكتب هذا لأشحذ همم إخواني على نقد الباطل والنصيحة لله ورسوله، وعدم السكوت على الخطأ من باب النصح لمن أخطأ، وتبيين الحق لمن جهل، نريد جيلًا جديدًا يرفع راية كادت تسقط -أسأل الله ألا تسقط- وحديثًا كاد يخفت، وأذكر نفسي وإياكم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ... ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله) متفق عليه، واللفظ للبخاري. أسأل الله أن نكون منهم نقول الحق لا نخشى لومة لائم.
قلت: كلام متين يحتاج لتوضيح، فما زال المرؤ يتعلم ويتعلم في مجال التحقيق وغيره، كما قال ربنا: {وفوق كل ذي علم عليم}. فعلًا نحتاج لجيل جديد من المحققين يجمعون بين أصالة الأوائل وأمانة النقل، وبين متطلبات العصر الحديثة من استخدام الحاسوب وغيره من الوسائل الجديدة التي لم تكن لدى هؤلاء، إن الأمل يحدو الإنسان ليرى مثل الشيخ أحمد والشيخ محمود شاكر والشيخ عبد السلام هارون والدكتور الطناحي أؤلئك الجيل الفريد الذي تشرأب له العنق تطلعًا أن يرزنا الله بأمثالهم فكم عانينا في زمننا من سرقة العلم واستسهال التكسب من عمل التحقيق، فصار الكل يزعم أنه باحث ومحقق، حتى حق فينا قول الشاعر: تصدر للتحقيق كل مهوسٍ ... بليدٍ تسمى بالفقيه المدرس
فحق لأهل العلم أن يتمثلوا ... ببيت قديمٍ شاع في كل مجلس
لقد هزلت حتى بدا من هزالها ... كلاها وحتى سامها كل مفلس
فقد صحف بعضهم قوله: (للتدريس) بقولهم: (للتحقيق).
وصدقوا فقد صارت صنعة المفاليس سواءً ماديًّا أو علميلًا، وصرنا كما قال الأول: إن البغاث بأرضنا يستنسر، فترى من لا يعرف مهنة التحقيق يأتي بكم من المخطوطات ليحقق كتابًا، وما درى أن العبرة بالاختيار والانتخاب لهذه المخطوطات مما هو معلوم من قواعد التحقيق، أو يأتي البعض فيخرج كتابًا ويظن أن هذا هو التحقيق، وسأتعرض هنا لنموذجين للتحقيق قد اختلفت مع أصحابهم في ما صنعوه بالكتاب رغم علو قامتهم، وذياع صيتهم، ولكن لابد من تأصيل منهج النقد في زمن غابت فيه الضوابط، فصار من يختلف معك خصمك، وصار مكن ينتقدك عدوك، وغبنا عن المنهج العلمي الذي أصله علي رضي الله عنه حين تكلم عن معاوية وأصحابه فقال: (إخواننا بغوا علينا) فيا ليتنا نرجع لذلك المعين النبوي، أؤلئك الذين اختارهم ربنا لصحبة نبيه، وهم أحب الناس إليه، وأرضاهم لربهم، وأتقاهم له، وأخشاهم له، وأرغبهم فيما عنده، وأزهدهم فيما في أيديهم، أعود فأقول: كل يدعي وصلًا بليلى، فقد عشت مع كتابين مرحلة من عمري أولهما كتاب مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين لأبي الحسن الأعري بتحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، وذلك حين كنت أكتب بحثًا حول منهج الرافضة، وقد سميته (الحراب الثاقبة في هدم عقيدة الرافضة) وسبب اعتمادي على الكتاب كونه لأحد المتقدمين حيث توفي سنة 330 هـ، وكونه تعرض للرافضة بالبيان والإيضاح لعقيدتهم، وإذا بي أجد مفاجأة مدوية وقعت على رأسي وقوع المصائب العظام؛ إذ إنني قد سألت واستخبرت عن أفضل الطبعات فدلني إخواني على تحقيق الشيخ محمد محي الدين عبد المحيد، مع عظم قامة الرجل ومعرفة الجميع له ولقدره؛ فإذا بي أجد الشيخ لا يعتمد على مخطوط ولا يذكر من أين أتى بالنص الذي ذكره ونسبه لأبي الحسن، مع بعض الأخطاء المنهجية في التحقيق، ثم الكتاب الثاني كتاب (زاد المعاد في هدي خير العباد) لابن قيم الجوزية، حيث يشاع في الناس أن أفضل طبعات الكتاب طبعة المحققين شعيب وعبد القادر الأرنؤوط، وأتيت بالكتاب واستوقفتني مقدمته التحقيقة، فإذا بالشيخين يقولان في المقدمة ما نصه: (وقد سبق للكتاب أن طبع أكثر من مرة، ولكنه في كل هذه الطبعات لم يأخذ حظه من التحقيق والتصحيح والتمحيص، فجائت كلها مليئة بالخطأ والصحيف والتحريف وسوء الإخراج وعدم العناية بتحقيق نصوصه الحديثية ... إلخ). فقلت في نفسي يا حبذا أن نرى ذلك عمليًّا، فرأيتهما وقد اعتمدا على نسختين ناقصتين، وما يظهر لكل ذي لب أنهم قد اعتمدوا في الجزأ الناقص على المطبوع، ولم يشيرا لذلك، فأين ما زعما من مصائب وطوام في المطبوع، ولو لم يشيرا لذلك، ألا يتنافى هذا مع الأمانة العلمية، والله المستعان، وللأسف فقد وقع طالب العلم بين المطرقة والسندان: مطرقة -أو إن شئت فسمها مقصلة- الناشرين والمحققين، وسندان الفقر والعوز والحاجة، فلا أدري لم لا يقوم الأفذاذ بنقد النشرات العلمية في زمننا، ولا يقومون بما أوجب الله عليهم؛ إذ هم من أهل العلم {لتبيننه للناس ولا تكتمونه} فترى طالب العلم محجمًا عن ذكر ذلك، مترفعًا عن نقد هؤلاء، في حين يعلو نجمهم، وتزكو ريحهم بثناء الجاهلين عليهم، فينالون أعلى المنازل، وأرفع الدرجات، فهذا الشيخ الفاضل المحقق، وذاك الدكتور العبقري، وثالثهم محقق الزمان، والله المستعان؛ إنني إذ أكتب هذا لأشحذ همم إخواني على نقد الباطل والنصيحة لله ورسوله، وعدم السكوت على الخطأ من باب النصح لمن أخطأ، وتبيين الحق لمن جهل، نريد جيلًا جديدًا يرفع راية كادت تسقط -أسأل الله ألا تسقط- وحديثًا كاد يخفت، وأذكر نفسي وإياكم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ... ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله) متفق عليه، واللفظ للبخاري. أسأل الله أن نكون منهم نقول الحق لا نخشى لومة لائم.