د. فؤاد بن يحيى الهاشمي
:: مشرف سابق ::
- إنضم
- 29 أكتوبر 2007
- المشاركات
- 9,059
- الكنية
- أبو فراس
- التخصص
- فقه
- المدينة
- جدة
- المذهب الفقهي
- مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
تخصيص العلة بمعنى يقتضي التصحيح
هو عين الفقه
بل هو عين كل علم
بل هو عين كل نظر صحيح ورأي سديد
هو عين الفقه
بل هو عين كل علم
بل هو عين كل نظر صحيح ورأي سديد
تمهيد:
عنوان مثير!
أليس كذلك؟
ربما ينقدح في الذهن حال قراءة هذا العنوان أن فيه شيئا من المبالغة
وربما يكون الأمر كذلك
ولكن ماذا لو أخبرتكم أن قائل هذه العبارة هو عين الفقهاء وعين العلماء ابن تيمية الحراني
الذي قد يكون من أبرز سماته هو تحرير العبارة !
---------------------------------------------------
تخصيص العلة
اختلف أهل العلم في جواز تخصيص العلة على أقوال كثيرة، وكالعادة فقد استوفى ذكرها بدر الدين الزركشي في كتابه البحر المحيط
وفي أكثر من موضع ومن عدة زوايا.....
لكن أشهر هذه الأقوال:
1- هو المنع من تخصيصها مطلقا تنزيلا لها منزلة العلل العقلية المستلزمة لمعلولها.
2- أو جواز تخصيصها مطلقا كما هي طريقة متقدمة الأحناف في استعمال الاستحسان والاستثناء به من القياس العام من غير موجب، معتبرين أنه استثناء انقدح في ذهن المجتهد تقصر عبارته عنه.
3- أو جواز تخصيصها في بعض الأحوال:
أ*- كمن أجاز تخصيص العلة المنصوصة دون المستنبطة.
ب*- أو من عكس ذلك.
ت*- أو من أجاز تخصيصها لمعنى يقتضي التخصيص من فوات شرط أو وجود مانع.
وهذا المعنى الأخير هو الذي ذهب إليه ابن تيمية رحمه الله ونصره في مواضع من رسائله.
وقد تناول ابن تيمية الكلام على هذه المسألة بتوسع في ثلاث من رسائله:
1) بيان الدليل على بطلان التحليل
2) رسالة في الاستحسان
3) رسالة له في مجموع الفتاوى
وسأحاول في هذا الموضوع بحول الله وقوته أن ألخص كلامه وأجمع أطرافه ، سائلاً الله عز وجل أن ييسر وأن يعين.
فأقول مستعينا بالله:
1-فرَّق ابن تيمية رحمه الله بين نوعي العلة: العلة الموجبة والعلة المقتضية.
2-العلة الموجبة أوالتامة: هي التي يجب وجود معلولها عند وجودها، فهذه العلة يمتنع تخصيصها، ومتى انتقضت فسدت، ويدخل فيها ما يسمى جزء العله وشرط الحكم وعدم المانع فسائر ما يتوقف الحكم عليه يدخل فيها.
3-العلة المقتضيةوإن كانت ناقصة: هي ما مِنْ شأنها أن تقتضي ولكن بشرط أن تصادف محلا لا يعوق، فهذه تخصص إذا تخلف الحكم عنها لفقدان شرط أو وجود مانع، وينجبر النقص بالفرق وهو المعنى المقتضي للتخصيص.
4- إن كان تخلف العلة عن الحكم لا لفوات شرط ولا لوجود مانع كان ذلك دليل على فسادها.
5-القول بجواز تخصيص العلة إنما يرد في المحل الذي قام على صحة العلة فيه دليل كالتأثير والمناسبة، وأما إذا اكتفي فيها بمجرد الطرد الذي يعلم خلوه عن التأثير والسلامة عن المفسدات، فهذه تبطل بالتخصيص باتفاقهم، وأما الطرد المحض الذي يعلم خلوه عن المعاني المعتبرة، فذاك لا يحتج به عند أحد من العلماء المعتبرين.
6- ملاحظة القول بتخصيص العلة لفوات شرط أو لوجود مانع يدل على أنه أقرب إلى المعقول، وأشبه بالمنقول.
7- يدل على هذا القول تصرفات الصحابة والسلف من أئمة الفقهاء وغيرهم، ولا يشك من تأمل نظرهم ومناظرتهم:
أ- أنهم كانوا يخصون التعليل بوجود المانع.
ب*-وأنهم كانوا يجبرون النقض بالفرق بين الفرع وبين صورة النقض.
8-نسب ابن تيمية هذا القول إلى اثنين من الأصوليين، وهما أبو الحسين البصري المعتزلي وأبو بكر الجصاص الرازي.
9-قرر هذا القول جماعة من الأصوليين كالبيضاوي والهندي، وحرره الغزالي وبسط القول فيه [نقلته بتصرف من البحر المحيط للزركشي وبحث تخصيص العلة لمازن هنية]
10- أثنى ابن تيمية على هذه الطريقة حتى ذكر أنها هي عين الفقه، ثم استدرك فقال: إنها هي عين كل علم ثم لم ينتهي حتى اعتبرها هي عين كل نظر صحيح وكلام سديد .
11- من قال: إن العلة لا يجوز تخصيصها مطلقا لا لفوات شرط ولا لوجود مانع فهذا مخطئ قطعا، وقوله مخالف لإجماع السلف كلهم الأئمة الأربعة وغيرهم فإنهم كلهم يقولون بتخصيص العلة لمعنى يوجب الفرق، وكلامهم في ذلك أكثر من أن يحصر.
12- في المسألة قولان متطرفان من الجانبين :
13- قول من يجوز تخصيص العلة لا لمانع ولا لفوات شرط بل بمجرد دليل كما يخص العموم اللفظي.
14- وقول من يقول: إن العلة المنصوصة إذا تخصصت بطل كونها علة وعلم أنها جزء العلة .
15- فهذان قولان ضعيفان.
16- أكثر عقول الفقهاء بل أكثر عقول الناس بل عامة العقول التي لم يكدر صفاها رهج الجدل ترى صحة كون الشيء بصفة الاقتضاء , وإن كان معوقا عن عمله، وإن كان قد يخالف فيه بعض الناس إذا جردوا الأصول.
17- يرد على من ينازع في اعتبار تخصيص العلة ما يذكرونه من الاعتراض بالنص على قياس الأصول فإن هذا هو أحد أنواع تخصيص العلة، وهو تسليم منهم بأن العلة تقبل التخصيص في الجملة.
18- تخصيص العلة له استعمالان :
1- استعمال صحيح راجح.
2- واستعمال خطأ مرجوح.
1- الاستعمال الصحيح الراجح: هو ما كان التخصيص فيه لفرق مؤثر من فوات شرط أو وجود مانع.
2- والاستعمال الخطأ المرجوح: هو ما وقع فيه تخصيص العلة بمجرد دليل يدل على التخصيص وإن لم يبين اختصاص صورة النقض فقدان شرط أو وجود مانع.
19- العلة إن كانت مستنبطة: وخصت بنص ولم يبين الفرق المعنوي بين صورة التخصيص وغيرها فهذا أضعف ما يكون.
20- هذا هو الذي كان ينكره كثيرا الشافعي وأحمد وغيرهما على من يفعله مِنْ أصحاب أبي حنيفة وغيرهم.
21- السبب في ذلك: أن هذه العلة لم تعلم صحتها إلا بالرأي فإذا عارضها النص كان مبطلا لها، والنص إذا عارض العلة دل على فسادها كما أنه إذا عارض الحكم الثابت بالقياس دل على فساده بالإجماع.
22- إذا كانت العلة منصوصة: وقد جاء نص بتخصيص بعض صور العلة فهذا مما لا ينكره أحمد بل ولا الشافعي وغيرهما، كما إذا جاء نص في صورة ، ونص يخالفه في صورة أخرى، لكن بينهما شبه لم يقم دليل على أنه مناط الحكم، فهؤلاء يقرون النصوص، ولا يقيسون منصوصا على منصوص يخالف حكمه ، بل هذا من جنس الذين قالوا: {إنما البيع مثل الربا} وهذا هو الذي قال أحمد فيه: "أنا أذهب إلى كل حديث جاء، ولا أقيس عليه" أي لا أقيس عليه صورة الحديث الآخر، فأجعل الأحاديث متناقضة، وأدفع بعضها ببعض بل أستعملها كلها.
23- حقيقة هذا كله: أنه قد يثبت الحكم على خلاف القياس الصحيح في نفس الأمر، فمن يقول بالاستحسان من غير فارق مؤثر وبتخصيص العلة من غير فارق مؤثر وبمنع القياس على المخصوص يثبت أحكاما على خلاف القياس الصحيح في نفس الأمر.
وهذا هو الاستحسان الذي أنكره الأكثرون كالشافعي وأحمد وغيرهما:
وهم تارة ينكرون:
صحة القياس الذي خالفوه لأجل الاستحسان.
وتارة ينكرون:
مخالفة القياس الصحيح لأجل ما يدعونه من الاستحسان الذي ليس بدليل شرعي.
وتارة ينكرون:
صحة الاثنين فلا يكون القياس صحيحا ولا يكون ما خالفوه لأجله صحيحا بل كلا الحجتين ضعيفة وإنكار هذا كثير في كلام هؤلاء.
24- القول بالاستحسان المخالف للقياس لا يمكن إلا مع القول بتخصيص العلة .
ولذلك فقد تناقض من قال بالاستحسان ثم أنكر القول بتخصيص العلة، أما الأحناف القائلين بهما معا، و الشافعية المنكرين لهما معا فإن قولهما مطرد في هذا الباب.
25- صور الاستحسان المعدول بها عن سنن القياس يقاس عليها عند أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم إذا عرف المعنى الذي لأجله ثبت الحكم فيها.
وذكروا عن أصحاب أبي حنيفة أنه لا يقاس عليها، فإن المعدول به عن سنن القياس لا يجب أن يكون لفارق معنوي فلا يقاس عليه لأن من شرط القياس وجود العلة وتفريقها.
26- طرق ابن تيمية رحمه الله مسألة تخصيص العلة من جهتين:
1- من جهة أصولية محضة: وهي الحديث عن العلة نفسها وعن أنواعها وعن مدى اطرادها وتخصيصها.
2- ومن جهة فقهية فروعية، وهو النظر في الصور المعينة والبحث في استواءها وافتراقها في الصفات المؤثرة في الشرع.
والطريقة الثانية هي طريقة عكسية في تناول المسألة، فإن كانت الجهة الأولى قد تناولت المسألة على طريقة التدلي من الأعلى إلى الأسفل ومن الأصول إلى الفقه فإن الجهة الثانية تناولتها على طريقة الترقي من الأسفل إلى الأعلى، ومن الفقه إلى الأصول.
وهذا يدل على أمرين:
1- على وضوح المسألة عند ابن تيمية رحمه الله حتى تبدَّى له مخ عظمها.
2- وعلى معالجته لفروعها التطبيقية العملية حتى استطاع أن يلج بيت الأصوليين من نافذة الفقهاء.
27- تقوم الطريقة الثانية على إحدى أمور ثلاثة:
1- إما أن يعلم استواء الصورتين في الصفات المؤثرة في الشرع.
2- وإما أن يعلم افتراقهما.
3- وإما أن لا يعلم واحد منهما.
والمقصود بالعلم هو:
1- أن يقوم الدليل على التماثل والاستواء.
2- أو الاختلاف والافتراق.
3- أو لا يقوم على واحد منهما.
26- متى ثبت الحكم في بعض الصور دون بعض ولم تختص صورة النقض بفرق معنوي فإنه يعلم بذلك أن العلة باطلة؛ فإن انتقاض العلة يوجب بطلانها فإن الشارع حكيم عادل لا يفرق بين المتماثلين فلا تكونان الصورتان متماثلتين ثم يخالف بين حكميهما بل اختلاف الحكمين دليل على اختلاف الصورتين في نفس الأمر.
27-يظهر فساد العلة المستنبطة من خلال النظر في أمرين اثنين:
1- مخالفة العلة للنص.
2- افتقار العلة إلى المصدر المصحح لها.
وهذا لا يرد في العلل المنصوصة لأنها لا تكون إلا حقا بخلاف المسنتنبطة التي قد يقع فيها الغلط إما في الاعتبار وإما في الاستعمال.
28- من أسباب انتقاض العلة المستنبطة التي جاء من النص ما يعارضها:
1-أن معنى هذه العلة المستنبطة لم ينص الشارع على علته، ولا دل لفظ الشرع على عموم المعنى فيه.
2-أن التعليل بها إنما هو لمناسبة أو لمشابهة ظنها الرائي مناط الحكم.
3- أنه إن لم يعلم أن مورد النص مختص بمعنى يوجب الفرق فإنه يجوز أن تكون العلة معنىً آخر، أو أن يكون ذلك المعنى بعض العلة، وحينئذ فلا يفترق الحكم من جميع موارد ما ظنه علة.
29- إن لم يبين المعلل بين صورة النقض وبين غيرها فرقا مؤثرا بطل تعليله:
1- فإن الحكم اقترن بالوصف تارة كما في الأصل.
2- وتخلف عنه تارة كما في الأصل.
3- ويختلف عنه تارة كما في صورة النقض
والمستدل: إن لم يبين أن الفرع مثل الأصل دون صورة النقض فلم يكن إلحاقه بالأصل في ثبوت الحكم أولى من إلحاقه بصورة النقض في انتفائه لأن الوصف موجود في الصور الثلاث وقد اقترن به الحكم في الواحدة دون الأخرى وشككنا في الصورة الثالثة.
التعديل الأخير: