وضاح أحمد الحمادي
:: متخصص ::
- إنضم
- 31 مارس 2009
- المشاركات
- 1,277
- الإقامة
- عدن
- الجنس
- ذكر
- الكنية
- أبو عبد الرحمن
- التخصص
- لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
- الدولة
- اليمن
- المدينة
- عدن
- المذهب الفقهي
- شافعي
مقاصد الشريعة
قد ردد كثيرٌ من المختصين بهذا العلم أن المتقدمين لم يعرفوا أو لم يهتموا بتعريف المقاصد الشرعية باعتبار شقيها ، وإن استحضروها أثناء اجتهاداتهم.
كذا ذكره الريسوني واليوبي والخادمي وجميلة تلوت وغيرهم.
وفي هذا نظر ، أولاً ، إذا قلنا : إن المتقدمين لم يعرفوا مقاصد الشريعة ، فإما أن يكون قد تكلموا فيما يرادفه وعرفوه أو لا يكون ، ولا تصح دعواهم أن العلماء قديماً إنما اهتموا باستحضار مقاصد الشريعة عند الاجتهاد فقط إلا على القول الثاني ، أي بأنهم لم يعرفوا مقاصد الشريعة ولا عرفوا ما يرادفها ، فحينئذٍ لا يبقى لهم إلا استعماله والنظر فيه حال الاجتهاد وتنزيل الأحكام.
أما إذا قلنا أنهم تكلموا عن مصطلحات مرادفة للمقاصد الشرعية ، فحينئذٍ لم يفتهم من علم المقاصد النظري إلا الاصطلاح الحادث اليوم (مقاصد الشريعة) فقط ، ويكونوا قد تكلموا فيه كما تكلم فيه من بعدهم ، فقصر عملهم على استحضار المقاصد الشرعية عند الاجتهاد خطأ محض ، لجواز أن يكونوا قد قعدوا لعلم المقاصد القواعد ووضعوا له القوانين تحت ذلك الاصطلاح المرادف .
فهل فعلوا؟
يقول الدكتور الخادمي : (كان قدامى العلماء يعبرون عن كلمة (مقاصد الشريعة) بعتبيرات مختلفة ، وكلمات كثيرة تتفاوت من حيث مدى تطابقها مع مدلول المقاصد الشرعية ومعناها ومسماها) (الاجتهاد المقاصدي) 1/47
وفي (علم المقاصد الشرعية) ص 14-15 يقول : (لم يوجد عند العلماء الأوائل تعريف واضح محدد أو دقيق لمقاصد الشريعة ، وإنما وجدت كلمات وجمل لها تعلق ببعض أنواعها وأقسامها ، وببعض تعبيراتها ومرادفاتها ...)
وهذا تصريح بأن المتقدمين قد تكلموا في المقاصد الشرعية تحت مسميات أخرى.
لكن في كلامه أيضاً ما يفيد أن لعلم المقاصد مفهوم واضح محدد دقيق عند المعاصرين ، بخلافه عند المتقدمين ، وهذا مأخوذ من مفهوم كلامه (لم يوجد عند العلماء الأوائل ...)
وفي الحقيقة لا يمكن وصف كلام المتقدمين بأنه (يقرب ويبعد أو يتعلق) بعلم المقاصد اليوم حتى يكون لعلم المقاصد اليوم تعريفاً واضحاً جلياً متفق عليه أو على مضمونه عند المعاصرين ، وهذا في الحقيقة لا وجود له ، ولو فرضنا أن هناك ثلاثة تعاريف تختلف مفاهيمها ، فلا شك أن الصواب فيها حينئذٍ واحد ، فإن لم نتفق عليه فقد يأتي تعريف المتقدم موافق لواحد من هذه الثلاثة ، فيختلف المعاصرين في مطابقة تعريف المتقدمين وبعده وقربه وتعلقه بحسب اختلافهم في تحديد التعريف الصحيح لعلم (مقاصد الشرعية).
ولننظر إلى مفهوم المقاصد الشرعية عند المعاصرين من خلال كتاب (مقاصد الشرعية الإسلامية) للدكتور زياد احميدان ، وقد ذكر هناك أحد عشر تعريفاً لم يسلم أكثرها من النقد ، وإذا حقق القارئ النظر وجدها جميعاً لا تخلوا من نظر ، وهاك هي : 1. قال حفظه الله : (التعريف الأول : لولي الله الدهلوي : علم أسرار الدين ، الباحث عن حكم الأحكام ، ولمياتها ، وأسرار خواص الأعمال ونكاتها)
وهذا التعريف ليس معاصراً ، فولي الله الدهلوي توفي في 1176هـ على ما ذكره الدكتور في حاشيته ، كما أنه غامض ، إذ لم يضعه على منوال الحدود والتعاريف ، فأسرار الدين لا تفيد بوضعها اللغوي معنى المقاصد أو ما يتعلق بها ، ولم يبين لها معنى اصطلاحي نعتمده في معرفتها ثم معرفة المعرَّف بها.
ولكن فيه إشارة إلى البواعث على التشريع . والله أعلم.
وننبه على أن الدكتور احميدان فسر قوله (ولمياتها) بحقيقتها ، وهذا خطأ ، فإن اللميات ما يسأل عنها بـ(ـلـِمَ) كما أن الماهيات ما يسأل عنها بـ (ما هي) فكل ما كان جواباً لسؤال (لِمَ ؟) فهو لميات المسؤول عنه ، أي أسباب الشيء وعلله الباعثة وحكمته وما شاكل.
وعلى كلٍّ الكلام في حكم الأحكام وأسبابها مما أسهب المتقدمون في الكلام عليه كما سيأتي.
2. ثم قال : (التعريف الثاني : الشيخ الطاهر بن عاشور : "مقاصد التشريع العامة : هي المعاني والحكم الملحوظة في جميع أحوال التشريع أو معظمها ، بحيث لا تختص ملاحظتها بالكون في نوع خاص من أحكام الشريعة" ويعرض للمقاصد الخاصة في القسم الثالث من كتابه ـ مقاصد التشريع الخاصة ـ فيقول : "معرفة المقاصد الشرعية الخاصة في أبواب المعاملات ، وهي الكيفيات المقصودة للشارع لتحقيق مقاصد الناس النافعة ، أو لحفظ مصالحهم العامة في تصرفاتهم الخاصة كيلا يعود سعيهم في مصالحهم الخاصة بإبطال ما أسس لهم من تحصيل مصالحهم العامة إبطالاً عن غفلة أو عن استزلال هوى ، وباطل شهوة)
ثم نقل الدكتور احميدان عن الدكتور حمادي العبيدي قوله : (إن هذا في الواقع ليس تعريفاً للمقاصد ، لأن التعريفات لا تكون بهذا الأسلوب ، وإنما هو بيان للمواطن التي تلتمس فيها المقاصد من الشريعة)
ونقل عن الدكتور اليوبي نقده للتعريف باعتبار شقيه ، وذلك أن أولهما يعطي تعريف المقاصد العامة خصوصاً ، فلا يصح بذلك أن يكون تفسيراً لعموم علم المقاصد الشامل لخاصها وعامها ، والثاني قسمه أيضاً إلى شطرين ، الأول يصلح لتعريف المقاصد العامة ، والثاني أدخل فيه لفظ (الكيفيات) ولا يعطي معنى دقيقاً للمقاصد.
وهكذا نقل نقد الدكتور الكيلاني للتعريف لكونه (يغلب عليه صفة البيان والتوضيح أكثر من صفة التعريف الذي يكون عادة جامعاً مانعاً ، ومحدداً بألفاظ محددة تصور حقيقة المعرف)
وفي الحقيقة هذا عندي شديد العماية ، وذلك أنه أدخل في تعريفه ألفاظ كـ (المعاني ، الحكم، ملحوظ، أحوال التشريع ، نوع خاص) وفي التعريف الثاني أدخل لفظ (الكيفيات) وهو غير واضح الدلالة لكونه أعم من المحدود و(المقاصد) فأعاد المحدود في حده، ثم ذكر كلاماً إنشائياً لا تعلق له بماهية المقصد ودلالته على غايته ليست من جهة الوضع البسيط المفهوم ، كقوله (كيلا يعود سعيهم في مصالح الخاصة بإبطال ما أسس لهم من تحصيل مصالحهم العامة إبطالاً عن غفلة أو عن استزلال هوى وباطل شهوة)!!
3. قال : (التعريف الثالث : علال الفاسي : المراد بمقاصد الشريعة : الغاية منها ، والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها)
ولم يعقب عليه بشيء ، وهو أحسنها أو من أحسنها ، سوى أنه ذكر الأسرار ، ويرد عليه ما قدمناه في تعريف الدهلوي ، وسنعود إليه.
4. قال : (التعريف الرابع : الدكتور يوسف العالم : المراد بأهداف الشرعية : مقاصدها التي شرعت الأحكام لتحقيقها ، ومقاصد الشارع هي المصالح التي تعود إلى العباد في دنياهم وأخراهم ، سواءً أكان تحصيلها عن طريق جلب المنافع أو عن طريق دفع المضار)
وقد عقبه الدكتور احميدان بقوله : (نلاحظ أن طريقة التعريف ذاتها التي استعملها المتقدمون مثل الغزالي والعز ابن عبد السلام والآمدي)
فأفادنا الدكتور احميدان أن للمتقدمين تعريفاً للمقاصد الشرعية لا كما يزعم من ينفي ذلك ، وسيأتي. ونقل انتقاد الدكتور الكيلاني للعتريف بأنه : (لم يتعرض للمقاصد الجزئية التي يراعيها الشارع ويقصدها ، والتي من شأنها أن تفضي إلى الغاية الكبرى)
وفي هذا النقد نظر ، وذلك أن الإفضاء إلى الغاية الكبرى جعله الشارع عبر أحكام هي مصالح في ذاتها أو وسيلة إلى مصلحة ومفاسد في ذاتها أو وسيلة إلى مفسدة ، والجميع داخل في قوله : " سواءً أكان تحصيلها عن طريق جلب المنافع أو عن طريق دفع المضار " أو يجعل الغاية الكبرى مقصداً ملحوظاً في وسيلته ، فيطلق على الوسيلة أنها مصلحة أو مفسدة باعتبار تأديتها إلى تلك الغاية الكبرى أو تأديتها إلى حرف الناس عن الوصول إليها. والله أعلم.
ومع ذلك فمن يزعم أن المتقدمين لم يتكلموا عن شرع الأحكام لمصالح العباد فهذا إما لا يستحي من الكذب أو بلغ من الجهل مبلغاً عظيماً.
5. قال : (التعريف الخامس : الدكتور وهبة الزحيلي : مقاصد الشرعية هي المعاني والأهداف الملحوظة للشرع في جميع أحكامه أو معظمها ، أو هي الغاية من الشريعة والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها)
ولم ينتقد بشيء سوى أنه لم ينبه على أنه أخذه من تعريفي ابن عاشور والفاسي ، وفي هذا نظر.
لكن علته عندي أنه عرف بالمعاني والأهداف ، وهي أغمض من قولنا : المقصد ، فكان التعريف أغمض من المعرف فلا يفيد كبير فائدة ، كما أنه أدخل في التعريف ألفاظ غير واضحة كـ (الملحوظة) و(الأسرار) وتقدم الكلام عليها.
ونقل عبارة الفاسي والباعث لها عندهما ـ في ظني ـ عَقَدي ، وهو قوله : (التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها) فلم يجعل تلك المعاني والأسرار نتيجة للأحكام الموضوعة كما يقوله من يثبت تعليل الأفعال ، بل قال وضعها الله سبحانه عند تلك الأحكام ، وفاقاً منه لمن قصر العلل على أن تكون علامات للأحكام لجريان العادة على أن الله سبحانه يخلق تلك الأسرار عند وجود تلك الأحكام كما هو مذهب الأشاعرة.
والعيب في هذا أنه لا يستفيد منه من لا إلمام له بكلام الأشاعرة في أصول الدين في مسألة تعليل الأفعال ، فهو تعريف بمجهول. ومن يخالفهم يمنع من التعريف بهذه العبارة.
6. قال : (التعريف السادس : الدكتور أحمد الريسوني : إن مقاصد الشريعة هي الغايات التي وضعت لأجل تحقيقها لمصلحة العباد) وهذا التعريف حسن أيضاً كتعريف الفاسي ، وسيأتي.
7. قال : (التعريف السابع : الدكتور حمادي العبيدي : المقاصد الشرعية هي الحكم المقصودة للشارع في جميع أحوال التشريع).
ولا عيب في هذا التعريف سوى إدخاله لفظ (أحوال) بحيث يحتاج إلى تعريف الأحوال حتى يتم التعريف به.
8. قال : (التعريف الثامن : الدكتور نور الدين بن مختار الخادمي : (المقاصد هي المعاني الملحوظة في الأحكام الشرعية والمترتبة عليها ، سواء أكانت تلك المعاني حكماً جزئية أم مصالح كلية ، أم سمات إجمالية ، وهي تتجمع ضمن هدف واحد ، وهو تقرير عبودية الله تعالى ومصلحة الإنسان في الدارين)
ولم ينتقده بشيء ، وفيه أنه استخدم ألفاظ معماة كـ (المعاني ، الملحوظة ، سمات ) وأدخل كلاماً إنشائياً في الحد لا دلالة له على الماهية ولا على نتيجتها بالوضع البسيط ، وهو قوله (وهي تتجمع ضمن هدف واحد ، هو تقرير عبودية الله تعالى ومصلحة الإنسان في الدارين)
أكتفي بهذا، وأقول :
لا أدري لما لا يقنع المعرفين باللفظ البسيط الدال بوضعه اللغوي على ماهية المحدود والغرض منه.
ثم إن المعرفين لم أراهم نبهوا على أن المقاصد قد يراد معرفة دلالتها وقد يراد معرفة مدلولها.
أما الأول فأن تقول : معنى المقصود أوالمقصد هنا خاصة المراد ، فمقصود الشارع مراده.
أما الثاني : فمراد الشارع من التشريع نفع العباد ، وذلك بتشريع ما يجلب لهم المصالح ويدفع عنهم المفاسد ، فالمقصود هو جلب تلك المنافع ودفع تلك المفاسد.
فالمقاصد الشريعة : هي جلب المصالح ودفع المفاسد المترتبة على التشريع .
وكل ما أفاد هذا المعنى فقد أعطى معنى المقاصد الشرعية ، ودعوى اختصاص هذا التعريف بالمقاصد العامة أو خروج الوسائل إلى المقاصد الشرعية عنه دعوى من لم يتصور معنى الحد حق تصوره.
ثم الحكمة : إما نفس تلك المصالح والمفاسد ، أو العلم بها على ما سيأتي.
ثم المصالح : المنافع وما يجلبها. والمفاسد : المضار وما يجلبها.
كل هذا بالتفصيل الممل موجود في كلام المتقدمين ، لكن كل في بابه كما كنت قدمته في (علم المقاصد الشرعية ما له وما عليه) وسيأتي.
... يتبع ...