العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

أثر تغير الواقع في الحكم تغييرا واستحداثا لـ جمال الدين عطية

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
أثر تغير الواقع في الحكم تغييرا واستحداثا

لـ

جمال الدين عطية


قضايا إسلامية معاصرة، العدد 7، 1999، ص154-167.



تغير الواقع سنة من سنن الله تعالي في كونه.
وحكم الله فيه ثوابت تتعلق بالقيم التي لا تتغير ولا تتبدل وفيه متغيرات تسمح بتغيير الحكم وفقا لتغير الواقع بما يحفظ الثوابت ويحقق معناها.
وقد جاءت نصوص الشريعة بما يتفق مع هذا الوضع فوجدت منذ البداية ترتيبات شرعية لعلاج هذا الموضوع :
1- وأولها هو ورود نصوص محدودة بينما الوقائع المتجددة غير محدودة بما يترك مساحة واسعة من الواقع لا تنطبق فيها النصوص انطباقا مباشرا وتترك بذلك مجالا للاجتهاد وهذا يسمي بالفراغ التشريعي وخير مثال علي تأكيد هذه الآلية الأساسية هو حادثة " معاذ " حين بعثه النبي " صلي الله عليه وسلم " إلي اليمن وسؤال النبي له فإن لم تجد في كتاب الله وإن لم تجد في سنة رسول الله تصريح بأن الكتاب والسنة لا يغطيان كامل مساحة النشاط البشري.
2- وثانيها وجد منذ بداية التشريع وهو التفرقة بين ما هو قطعي الورود والدلالة وما هو ظني في احدهما أو كليهما، وفي المساحة التي ينطبق عليها هذا الجزء الظني من نصوص الكتاب والسنة مجال كذلك للاجتهاد الذي يأخذ في الاعتبار إلي جانب عناصر أخري مراعاة مصالح الناس أي واقعهم.
3- وقد نشأ علي مدي القرون وتأكدت قاعدة أولية هي أنه لا ينكر تغير الأحكام

المبينة علي العرف والمصلحة بتغير الأزمنة والأماكن والظروف.
4- بل إن الفقهاء قد ذهبوا إلي أن لولي أمر المسلمين أن يغير الأحكام من الإباحة إلي كل من التحريم والوجوب بتغير المصالح وكذلك تعكس ووجدت في هذا المجال تطبيقات كثيرة منذ عهد عمر بن الخطاب وحتى يومنا هذا.
5- ثم هناك آلية خاصة للتغير الوقتي الذي يطرأ علي الواقع بصورة مؤقتة وهذا هو حكم الرخص الشرعية في مقابلة العزائم فالرخصة ليسن إلا حكما مؤقتا يعفي من الحكم الدائم وهو العزيمة لا يحقق مقصود الشارع من التيسير علي الناس ورفع الحرج عنهم.
6- ومع تطور الفقه وإجالة الفقهاء النظر في أحكامه نشأ علم مقاصد الشريعة وميز فيه بين الأحكام التي تعتبر مقاصد والحكام التي تعتبر وسائل لتحقيق تلك المقاصد ووضعت قاعدة تبعية الوسائل للمقاصد بل صنفت المقاصد إلي مراتب الضروريات والحاجيات والتحسينات كما ميزت مصالح الناس إلي حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال ورتبت الأولويات بين هذه المصالح بحيث يراعي الأهم علي حساب الأقل أهمية إذا تعارضا في واقع الحياة عند التطبيق.
7- ومع تطور واقع الناس في معاملاتهم واتجاه البعض إلي التماسك بالشكليات ومباني العقود والأقوال رغم إهدارها للمقاصد والمعاني وضع الفقهاء قاعدة أساسية هي أن العبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني، وإن كان البعض قد تمسك بالشكلية فأباح ما يسمي بالحيل الفقهية التي تستكمل أركان الشريعة في الحقيقة مرجئين الحكم علي المقاصد والنوايا إلي رب الناس المطلع علي سرائرهم.
8- ومع التطور الكبير الذي حدث في بعض جوانب المعاملات بما يخرج بالواقع الجديد عن صورة الواقع القديم الذي جاء الحكم له، ورغبة في سحب الحكم القديم علي الواقع الجديد لجأ الفقهاء إلي تعبير " التسليم الحقيقي " و " التنضيض الحقيقي " إلي آخر هذه العبارات التي هي في الحقيقة تعبير عن مخالفة الواقع الجديد للواقع القديم الذي جاء الحكم لتنظيمه.
والذي يستقرئ هذه الظواهر والملابسات يجد أن الشريعة منذ بداية أمرها والفقهاء علي مر العصور كانوا يولون أهمية خاصة لتغير الواقع وأثره علي تغير الحكم.
ويمكننا أن نشير في صدد تغير الواقع إلي بعض الاعتبارات :
1- هناك تغير وقتي يؤدي إلي حكم وقتي يرتفع بارتفاع هذا التغير ومثال ذلك الرخص (في مقابلة العزائم) ، وحكم الضرورات والحاجات التي تبيح المحظورات وتقدر بقدرها وترتفع بارتفاعها كما هو معلوم في القواعد الأصولية، وهناك إلي جانب هذا التغيير الوقتي تغير دائم هو بمثابة التغير في واقع الحياة والذي يحتاج إلي اجتهاد جديد لتطوير الحكم القديم.
2- وهناك تغير في الواقع له جوانبه السلبية أي تغير في اتجاه الانحراف عن شريعة الله والخروج علي أحكامها القطعية والمعلومة منها بالضرورة وهذا التغير ليس مما يستوجب تغيرا في الحكم لأن الواقع السيئ لا يكون حاكما علي الشريعة بل الشريعة مهما أصابنا من عنت ومشقة وفي هذا المجال يكون القابض علي دينه كالقابض علي الجمر، إلا أن يصل الفساد إلي السلطة الحاكمة فتقننه وتفرضه علي الناس، وفي هذا المجال تجري أحكام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتغيير المنكر بالقلب واللسان واليد في مواجهة المحكومين والحاكمين بالشروط وعلي التفصيل الذي جاء في أحكام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومع وجوب السعي الدائم إلي تغيير هذا الواقع السييء وإعادته إلي الصراط المستقيم.
وهناك إلي جانب هذا التغير السلبي تغير إيجابي يحدث باستمرار نتيجة اكتشافات العلوم وتقدم الحضارة والتراكم المعرفي في اتجاه تنظيم وصلاح الفرد والمجتمع وتيسير سبل الحياة وهذا التغير الإيجابي لا يعتبر بدعة تحارب بل هو إبداع وحضارة وتقدم، ويكون موقف الفقيه من هذا التغير هو استمرار ملاحظة مدي توافر شروط انطباق الحكم علي الواقع الجديد الناتج عن هذا التغير بحيث إذا وجد ان الشروط لم تعد متوافرة لجأ الفقيه إلي حكم جديد ينزل أحكام الشريعة علي الواقع الجديد.
3- وهناك تغير تطوري يتم بشكل بطئ أو سريع وفقا لنبض الحياة وتقدمها، كما أن هناك تغير ثوري في نظم الحضارة وأوضاع الحياة.
وإذا كان من السهل علي الفقيه أمام التغير التطوري أن يطور الحكم طالما ظل الإطار العام للواقع الجديد قريبا من الإطار العام للواقع القديم، فإن موقف الفقيه أما التغير الثوري لا يمكن إلا أن يكون استحداثا كاملا لأحكام جديدة تناسب هذا الواقع الذي تغير بصورة جذرية.
ونضرب فيما يلي أمثلة علي كل من هذين النوعين :
أمثلة للتغير التطوري

1- من أمثلة التغير التطوري ما حدث في موضوع مجلس العقد :
حيث وضعت أحكام العقد لتنظيم واقع الناس حينما كانوا يتعاقدون في مجلس يضمهم وجها لوجه ثم بدأ الناس يستخدمون الرسل والخطابات لتبليغ الأطراف الأخري إيجابهم أو قبولهم للعقد موضوع النظر.
ثم استحدثت وسائل للاتصال كالبرق والهاتف والتلكس والفاكس ودخلت هذه الوسائل في دنيا المعاملات وتأثرت بذلك ظروف إبرام العقد وتلاقي الإيجاب والقبول.
بل وجدت حالات يزداد عددها كل يتم فيها العقد بصور لا يظهر فيها الإيجاب والقبول بصورة واضحة كحالة بيع بعض المأكولات والمشروبات والأدوات والصحف من صناديق اتوماتيكية، وحالات سحب النقود وتبديلها من اجهزة اتوماتيكية وحالات استخدام الهاتف العمومي بصورة آلية بواسطة النقود أو بواسطة بطاقات الائتمان وبيع الوقود في المحطات ببطاقات الائتمان وغير ذلك من الصور التي يتزايد عددها.
وقد لجأ الفقهاء في بداية هذا التطور عند استخدام الرسل والبريد إلي محاولة ضبط عملية الإيجاب والقبول واختلفوا في ذلك إلي عدة آراء وأمام التسارع في التطور الذي حدث مؤخرا خلال نصف القرن الأخير أصبح الأمر يحتاج إلي اجتهاد ينظم المسألة تنظيما لا ينطلق من صورة مجلس العقد التي جاءت بها الأحكام الأصلية وإنما ينطلق من مقصد هذه الأحكام وهو ضبط الإيجاب الصادر عن أحد الطرفين وتحديد المدة التي يبقي فيها هذا الإيجاب ملزما وصالحا لملاقاة القبول عليه من الطرف الآخر مع تحديد صورة القبول وضبط وسائل الإثبات وكل ذلك بما ينفي الجهالة والنزاع.
ومن الضروري الاطلاع علي الوسائل التي لجأت إليها القوانين الوضعية لمقابلة هذه التطورات للاستفادة منها وإن كان المسلم به أن تطور القانون يأتي دائما أبطا من تطور الواقع ومتخلفا عنه، إلا أن القوانين الوضعية في مجملها خاصة في الدول الصناعية تعتبر أقرب إلي معالجة هذا التغير السريع في الواقع مما يحدث في البلاد الأقل تقدما، كما أن الوسائل العلمية والآلية تبتكر كل يوم من أساليب ضبط النصوص والتأكد من صدورها عمن يملك حق إصدارها ما ينبغي كذلك أخذه في الاعتبار، ومن أمثلة ذلك، نظام الشفرة السرية وشفرة الأرقام والرمز المرتد) Answer Back (ونقل النصوص والتوقيعات بالفاكس، والهاتف المرئي وغير
ذلك.
2- اشتراط التسليم يدا بيد
وذلك بصريح النص في عقد الصرف ووصل التشديد في منع تأجيل دفع أحد البدلين إلي عدم جواز استمهال أحدهما الآخر للدخول إلي منزلة وإحضار البدل المقابل.
ولكن تطور المعاملات واختلاف مكان تسليم كل من البدلين أظهر إلي بؤرو النشاط المالي عقود السفتجة وحوالة النقود من بلد إلي بلد وبعد ظهور البنوك الحديثة أصبحت عملية الصرف من عملة إلي أخري أو حوالة العملة الواحدة من مكان إلي آخر يستلزم فترة زمنية بين دفع أحد البدلين في مكان ما واستلام البدل الآخر في مكان أخر.
بل إن العمل في بورصة الذهب في لندن يجري علي إرجاء التسليم 36 ساعة نظرا لأن العقد يتم داخل مكان البورصة بينما عين الذهب تكون مودوعة في خزائن البائعين أو بنوكهم المتناثرة في أنحاء العالم.
وأمام هذا التطور نشأ اصطلاح التسليم الحكمي وأعطي حكم لتسليم الحقيقي مع إنه في الحقيقة لا تتوافر فيه شروط التسليم وفقا للفقه التقليدي.
وهنا يلزمنا عند تطوير هذا الحكم أن نعود إلي الحكمة من اشتراط التسليم بيد وهي تحاشي أن يكون تأجيل دفع البدل الآخر قد أعتبر عند تحديد سعر المبادلة وبذلك يكون قد دخلها عنصر ربوي هو الزيادة مقابل الأجل.
أمثلة للتغير الثوري أو الجذري :
إلي جانب التغير التطوري الذي ضربنا بعض أمثلة له هناك تغير يشتمل علي إنشاء عقد جديد أو معاملة جديدة تقوم بوظيفة جديدة لم تكن موجودة من قبل وبالتالي فإن التغير في هذا الواقع ليس من قبيل التغير التطوري ولذلك نسميه التغير الثوري أو الجذري.
ومن أمثلة ذلك :
1- النقود :
كانت النقود في عصر التشريع الأول هي الذهب والفضة وهما معدنان لهما قيمتهما الذاتية وكانا بذلك يؤديان وظائف النقود بشكل كامل سواء في ذلك كونهما أداة للتبادل أو مقياسا للقيمة أو مخزنا للقيمة وكان الاستثناءان الوحيدان علي ذلك هو وجود نقود تبعية مصنوعة من النحاس والبرونز وغير ذلك ليس لها قيمة ذاتية وإنما قيمتها حكمية وكانت الوظيفة التبعية التي تقوم بها هذه النقود في التعامل تافه القيمة مبررا لوجودها وإعطائها قيمة حكمية لا ترتبط بقيمتها المعدنية.
أما الاستثناء الثاني فكان في اختلال النسبة بين قيمة كل من الذهب والفضة أحدهما بالنسبة للآخر بسبب زيادة أو قلة إنتاج كل منهما وكانت القاعدة المبكرة هي
اعتبار الذهب أصلا في مقابلة الفضة حرصا علي استقلال النقود كمقياس للقيمة.
ثم ظهرت النقود الورقية المغطاة بالذهب والفضة كليا أو جزئيا مع إمكان صرف النقد الورقي بقيمته من الذهب ثم امتنع هذا الصرف وصار للنقود الورقية قيمة إلزامية في ذاتها دون إمكان صرفها بالذهب، ثم نقص احتياطي الذهب كرصيد للعملات وحل محله العملات القوية الدولية وفي مقدمتها الدولار الأمريكي وسندات الخزينة الأمريكية، ثم ألغي اشتراط احتفاظ الخزانة الأمريكية بغطاء ذهبي فزال بذلك آخر علاقة بين النقود الورقية ومعدن الذهب.
ولم يقف التطور عند هذا الحد بل أصبحت الشيكات التي يسحبها أصحاب الحسابات علي بنوكهم عملة تتداول حتى لو لم يكن حساب العميل مغطي في بنكه طالما أن الطرف الآخر يقبل الشيكات مما شجع البنوك علي أن توسع من دائرة الإئتمان بالسماح لعملائها بسحب شيكات دون وجود رصيد لهم (مقابل استيفاء البنك فائدة من عملية باعتبار ذلك نوعا من القرض) وهكذا ازداد النقد المتداول بزيادة حجم هذا الائتمان المصرفي في البنوك.
ثم حدث تطور آخر هو دخول النقود البلاستيكية أي بطاقات الائتمان إلي ساحة التداول حيث أصبح معظم المدفوعات الصغيرة في البلاد المتقدمة تتم بواسطة هذه البطاقات ثم يكون تحصيل العملاء – بواسطة البنوك – لقيمة معاملاتهم أمرا لاحقا كنوع من التسوية الحسابية، بحيث يمكن القول إن النسبة الكبرى من التداول لا تتم لا بالنقود الذهبية ولا بالنقود الورقية وإنما بوسائل الحديثة من شيكات وبطاقات ائتمان.
وهذه الزيادة في عرض النقود بصورها المختلفة أدت بطبيعة الحال إلي ظاهرة التضخم نتيجة عدم التناسب بين الزيادة في النقود المتداولة وبين حجم السلع والخدمات مما أدي إلي زيادة أسعار هذه السلع والخدمات.
وأدي هذا الاختلال في العلاقة بين النقود من ناحية والسلع والخدمات من ناحية أخرى إلي فقدان النقود وظيفة أساسية من وظائفها وهو كونها مقياسا للقيمة إذ بعد أن كانت هي المرجع الثابت الذي تقاس به قيمة الأشياء الأخرى أصبحت هذه الأشياء في صورة سلعة السلع(1) هي المقياس الذي تقاس به القوة الشرائية للنقود وصدرت في العديد من الدول قوانين تنظم هذه السلة القياسية وتعلن نتائجها شهريا وتعدل أجور العاملين وإيجارات الأماكن بما يتفق مع ارتفاع وانخفاض القوة الشرائية
للنقود محسوبة علي هذا الأساس.
وبطبيعة الحال فإن اختلال القوة الشرائية للنقود أثر كذلك علي الوظيفة الثالثة وهي كونها مخزنا للقيمة إذ لم يعد الناس يطمئنون إلي الاحتفاظ بمدخراتهم في صورة نقود قابلة لتدهور قيمتها خاصة وأن الفوائد التي تدفعها البنوك عن الودائع لا تعوض إلا جانبا يسيرا من هذا التدهور في القيمة مما فتح الباب إلي اتجاه المدخرين إلي سلع أكثر ثباتا مثل العقارات وإلي عودة بعضهم إلي اكتناز الذهب والفضة عند الأزمات.
كما ينبغي الإشارة هنا:
إلي أن النقود حينما كانت من الذهب والفضة لم يكن هناك مشكلة تذبذب العلاقة عملات البلاد المختلفة، إذ كان المرجع في تحديد هذه العلاقة هو كمية أو وزن المعدن في القطعة الذهبية او الفضية، اما النقود الورقية الآن فليس لها قيمة ذاتية ولذلك كان من الطبيعي أن تثور مشكلة العلاقة بين عملات البلاد المختلفة، وأن يصبح المرجع في تحديد هذه العلاقة اعتبارات أخري أهمها القوة الاقتصادية للدولة مصدرة النقود وما يعتري هذه القوة من طوارئ بعضها حقيقي وبعضها مبني علي احتمالات وتوقعات مستقبلية نتيجة أحداث سياسية أحيانا ونتيجة خطب أو تصريحات صحفية إشاعات أحيانا أخرى.
هذا من ناحية ومن ناحية أخري فإن حرية تداول العملة في غير بلد إصدارها يرد عليه كثير من القيود مما يترتب عليه نشوء سوق سوداء للعملة الأجنبية إلي جانب السوق الرسمية حينما لا يراعي السعر للعملة الأجنبية حقيقة وضعها بالنسبة للعملة المحلية، وظروف العرض والطلب بين العملات، مما يعني صراحة أن النقود الأجنبية أصبحت سلعة في خارج بلد إصدارها، ويترتب علي ذلك جواز التعامل الآجل فيها.
وقد لجأ الفقهاء إلي نقل أحكام النقود الذهبية والفضية إلي النقود الورقية دون مراعاة هذه النتائج كما انهم أبقوا للذهب والفضة أحكامهما رغم فقدانهما لوظيفة النقود دون مراعاة لقاعدة أن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما، مما أدي إلي اضطراب في الأحكام يحتاج الموضوع معه إلي أحكام جديدة تناسب هذا الواقع الجديد.
- ومنذ عصر مبكر تجاوز الفقهاء شرط التماثل في بيع المصوغات الذهبية بالنقود الذهبية آخذين في الاعتبار أن عنصر الصياغة ينبغي أن يكون لها مقابل في الثمن.
- كما إنه بعد ظهور النقود الورقية أخذ الفقهاء في تقدير نصاب زكاة المال وفي تقدير صدقة الفطر، وكذلك في تقدير نصاب المال المسروق، أخذوا في ذلك كله بما يقابل السلعية والذهبية القديمة من العملات الورقية سنة بعد سنة سنة وفقا لسعر الذهب كمعدن من ناحية ووفقا لتغير القيمة الشرائية للنقود من ناحية أخري.
ووما هو جدير بالاعتبار عند إعادة النظر في أحكام النقود هو ان أيا من الصور الحديثة للنقود لا يقوم بكامل الوظائف التي كانت تقوم بها النقود الذهبية والفضية التي كانت تقوم بها النقود الذهبية والفضية بل إن بعضها لا يؤدي إلا وظيفة واحدة وبصورة منقوصة غير كاملة.
فالنقود الورقية تقوم بوظيفة التبادل ولكن قيامها بوظيفتي القياس والمخزن للقيم يشوبه كثير من الاضطراب بسبب تذبذب قوتها الشرائية وتدهورها علي المدي المتوسط والطويل.
والشيكات لا تستخدم مقياسا للقيمة لأنها تستخدم العملة الورقية كوحدات حسابية لها، فهي تابعة لها من هذه الناحية، ولا تستخدم مخزنا للقيمة إذ تقيد صلاحيتها الزمنية بمدد معينة، ولا يوثق بوجود رصيد لها إلا في حالات معينة كالشيكات المقبولة الدفع والشيكات المصرفية والشيكات السياحية، ولذلك لا تستخدم للادخار، أما استخدامها أداة للتبادل فيتوقف علي مدي الثقة في وجود غطاء لها كما في الحالات المشار إليها.
أما بطاقات الائتمان فلا تستخدم مخزنا للقيمة لأنها أداة ائتمان ليس إلا كما أنها ليست مقياسا للقيمة فهي تستخدم العملات الورقية أساس للحساب سواء عند استخدامها للشراء أو عند تسوية حساباتها، ويبقي استخدامها وسيلة للتبادل متوقفا علي قبول المحل التجاري لها، وعلي السقف الذي يحدد لحاملها ولا يجوز له أن يتعداه.
كما أنه مما يحتاج إلي النظر هو تحليل الأحكام التقليدية للنقود وربطها بوظائفها المختلفة حتي يتيسر نقل الحكم القديم مرتبطا بوظيفة النقود إلي الصورة الجديدة بما تؤديه من وظيفة كلية او جزئية.
فإذا أخذنا كمثال وجوب التقابض في عقد الصرف، ووضعنا في اعتبارنا أن علة هذا الحكم هي تحاشي القرض الربوي أي تحاشي أن يكون سعر الصرف قد روعي في الأجل، فإن استمرار تطبيق هذا الحكم علي بيع الذهب كسبيكة أو مصاغ بعد أن لم يعد الذهب يؤدي وظيفة النقود، ينافي قاعدة إن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما، ويكون من حسن الفقه بالأحكام إباحة بيع الذهب بالأجل في الوقت الحاضر.
وإذا أخذنا مثالا ثانيا الديون الطويلة الأجل، ومؤخر صداق الزوجة علي سبيل
المثال فإن استحقاقه في أقرب الأجلين (الطلاق أو الوفاة) قد يتأخر إلي أربعين أو خمسين سنة بعد تاريخ الزواج وتصبح حينئذ قوته الشرائية تكاد لا تكفي وجبة غذاء بعد أن كانت تكفي لشراء عقار، وذلك بسبب الانخفاض المستمر في القوة الشرائية سنة بعد سنة، ناهيك عن التدهور الذي يحدث في مدي زمني قصير لبعض العملات كما حدث لليرة التركية والليرة اللبنانية والدينار الكويتي.
أفلا يدعونا ذلك إلي ربط هذه الديون الطويلة الأجل مرة أخرى بما له قيمة ذاتية كالذهب أو الفضة أو العقار أو غير ذلك.
2- الوساطة المالية
لم تكن هناك قبل ظهور نظام البنوك والشركات المالية مؤسسات تقوم بوظيفة الوساطة المالية بين من لديهم فائض من الأموال ومن هم بحاجة إليها إذ كان الطرفان يتصل أحدهما بالآخر مباشرة ويتم التعاون بينهما إما علي أساس المشاركة أو المضاربة أو القرض بصورتيه الحسن والربوي وكانت العلاقة الشخصية والمعرفة والثقة أساس هذا التعامل هذا فضلا عن إمكان قيام من لديه فائض أموال باستثمارها مباشرة إذا كان لديه خبرة في الموضوع.
وبعد تعقد الحياة التجارية وفقدان الثقة بين الناس فضلا عن ضرورة وجود خبرة متقدمة للقيام بالاستثمار المباشر فإن الصور القديمة للتعاون تقلصت وبرزت وظيفة جديدة هي وظيفة الوسيط المالي الذي يقوم بتجميع المدخرات صغيرها وكبيرها ويقدمها للمشروعات المحتاجة إلي تمويل.
ونظرا لأن هذا النظام – نظام الوساطة المالية – قد تبلور في عصر النهضة الأوربية وغياب المشروع الإسلامي المتطور فقد استخدم النظام صيغة القرض الربوي الذي كان وما زال مسيطرا في العلاقات المالية في الغرب وذلك في علاقة الوسيط المالي بكل من صاحب المال والمحتاج إليه ويحقق الوسيط ربحه من الفرق بين سعر الفائدتين.
وقد حاولت البنوك الإسلامية أن تقوم بهذه الوظيفة لتجنيب المسلمين ضرورة التعامل مع البنوك الربوية ووجد لتكييف علاقة البنك الإسلامي بكل من الطرفين (المودعين وأصحاب المشروعات) عدة اقتراحات كالمضاربة والمشاركة والوكالة، وما زال الوضع قلقا يحتاج إلي اجتهاد ويضع في الاعتبار الأول أن هذا التغير في المعاملات المالية تغير جذري يحتاج إلي اجتهاد جديد.
ومن أمثلة هذا الاجتهاد الجديد قضية سلة الودائع لدي البنوك وكيفية معاملة المودعين الذي تصب فيها ودائعهم يوميا ولمدد متفاوتة وتخرج منها مبالغ لاستثمارها في مشروعات مختلفة دون ربط كل وديعة بمشروع معين، فعلي أس أساس تعامل هذه الودائع وكأنها مشاركة في المشروعات رغم عدم الربط بينها وقد اقترحت لحل هذه المسألة انشاء نوع جديد من المشاركة اسميته المشاركة المتتالية تمييزا لها عن المشاركة المتوازية المعروفة في الفقه والقانون. (نشر البحث بمجلة بحوث الاقتصاد الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز بجدة وهو مرفق كملحق لهذا البحث) .
3- التأمين :
كانت علاقة التكافل الإسلامي بصورة المختلفة خاصة نظام بيت المال والأوقاف هي الملجأ لمن أصابته مصيبة في النفس أو المال. وكان هذا النظام كافيا لسد هذه الحاجة بالنظر إلي مسئولية الدولة عن رعاية أبناها سواء منهم المسلمون وغير المسلمين من يعيشون في ظلها.
ولم تكن بذلك بحاجة إلي التفكير في نظم للتأمين علي الحياة أو البطالة أو الشيخوخة او الحوادث أو المرض أو غير ذلك من انواع التأمين التي نعرفها الآن.
ومع تدهور الدولة الإسلامية وتراخيها في القيام بوظائفها أصبحت هذه الحاجات مكشوفة لا يوجد ما يغطيها في نظم المجتمع الإسلامي الواقعية.
وفي نفس الوقت ومع ازدهار النظام الرأسمالي في الغرب ونشوء نفس الحاجات في المجتمعات اتجه التفكير ابتداء إلي إنشاء نظام للتكافل بين أصحاب المهنة الواحدة وبدأ ذلك بالتحديد بين أصحاب السفن التي كانت تنقل البضائع عبر البحار والمحيطات إلي بلاد نائية ونشأ بذلك التأمين التعاوني حيث يدفع كل صاحب سفينة قسطا إلي جمعية التأمين أو شركة التأمين، ومن مجموع هذه الأقساط يدفع لمن تصيبه كارثة ما يعوضه عما فقده.
ثم نقل النظام الرأسمالي هذه الفكرة إلي مجال النشاط التجاري (أي الذي يبغي الربح) ونشأ بذلك نظام شركات التأمين التي تسمي بالتجارية حيث يتجمع رأس مال الشركة الأصلي من مساهمين يبغون الربح ثم تجمع الشركة أقساطا من المؤمنين الذين يريدون تغطية مخاطرهم وتقوم الشركة بالدفع إلي من تصيبه مصيبة علي نفس النحو الذي تقوم به جمعيات وشركات التأمين التعاوني وتحتسب الأقساط والتعويضات في كلا النوعين من التأمين بنفس الطريقة.
غاية ما في الأمر من الخلاف بينهما هو ان الفائض من الأقساط بعد دفع التعويضات يضاف في النظام التعاوني إلي رأسمال الشركة أو الجمعية لتدعيهما، بينما في نظام الشركة التجارية فإن هذا الفاض – بعد تجنيب الاحتياطات اللازمة – يوزع علي المساهمين في الشركة.
والمهم أن نلفت النظر إلي أن شركات التأمين التعاوني لا تعوض من تصيبه مصيبة إلا إذا كان مشتركا في الشركة.
وقد اختلف الرأي بين علماء الإسلام المعاصرين حول الموقف من هذه الشركات بنوعيها وإن كان هناك شبه إجماع علي حل التعامل مع الشركات التعاونية وظلت الشركات التجارية محل نقاش حتى يومنا هذا، ولعل في تصور البعض أن الشركات التعاونية بحكم هذا الاسم التعاوني تكون مقبولة إسلاميا مع ان الحقيقة كما أوضحنا أنها لا تعاون إلا من كان مشتركا فيها بينما التعاون الإسلامي يكون موجهها إلي المحتاج بصرف النظر عن انتمائه أو عدم انتمائه كما أنه لا يفيد غير المحتاج وهو ما لا تفعله الشركات التعاونية إذ يأخذ المشترك فقط دون غيره تعويضا يتفق مع حجم القسط الذي دفعه وبصرف النظر عما إذا كان محتاجا أو غير محتاج.
هذا فضلا عما أشرنا إليه من أن تقنيات العملية واحدة في كل من النظام التعاوني والنظام التجاري.
ولا شك أنه في ظل نظام إسلامي تقوم فيه الدولة بواجبها في رعاية أبنائها لا تكون مسألة التأمين مثارة بمثل هذه الحدة إذ تبقي نشاطا إضافيا يحتمل القبول أو الرفض.
ولكن حتي تقوم مثل هذه الدولة فإن المسلمين يبقون في حرج شديد نتيجة تعرضهم لمخاطر دون وجود من يكفلهم عند وقوعها ومن هنا كان بحث هذا الموضوع كنظام مستجد تدعو إليه الحاجة في المرحلة الانتقالية التي لا يعلم مداها إلا الله حتى يقوم النظام الإسلامي الكامل.

4- الاعتمادات المستندية :
نشأ نظام الاعتمادات المستندية كترتيب بين البنوك (بنك المشتري ومراسليه في بلد البائع وبنك البائع) وذلك حتى يطمئن المشتري إلي شحن البضاعة المطلوبة له ويطمئن البائع إلي دفع الثمن له.
وحيث يعرف كل من المشتري والبائع أحدهما الآخر ويثق فيه فلا يكون ثمة حاجة إلي هذا النظام إذ يستطيع المشتري ان يطلب من البائع هاتفيا أو بالبريد أن يشحن له البضاعة المطلوبة ويقوم بتحويل الثمن له بالطرق المعتادة.
وتتلخص عملية الاعتماد المستندي في أن المشتري يطلب من بنكه فتح اعتماد للبائع مقابل تسليم البنك المستندات المثبتة لعملية الشحن مع فاتورة البيع ومع بوليصة التأمين إن اشتراط ذلك وغير ذلك مما قد يرغب في اشتراطه (كشهادة لمنشأ البضاعة من السلطات المختصة وكشهادة فحص للبضاعة علي أرصفة الميناء قبل الشحن بواسطة مكاتب متخصصة للتثبت من حقيقة البضاعة المشحونة ومطابقتها
للمواصفات) .
والأصل أن يودع المشتري الثمن لدي بنكه ولكن في غالب الحالات يكتفي البنك بأن يطلب إيداع 10 إلي 20% فقط عند فتح الاعتماد.
ويقوم البنك بعد ذلك بإبلاغ مراسله في بلد البائع أن ثمة اعتماد مفتوح لديه وبشروط هذا الاعتماد، فيقوم البنك المراسل بإبلاغ ذلك البائع الذي يقوم حينئذ بتجهيز البضاعة وشحنها، ويسلم إلي البنك المراسل أو إلي بنكه الخاص إن كان ذلك أيسر له المستندات المطلوبة، فيقوم البنك بالدفع فورا إليه، ويرسل المستندات إلي بنك المشتري الذي يقوم بسداد باقي القيمة إلي البنك ويتسلم منه المستندات التي بموجبها يتسلم البضاعة عند وصولها.
وهذا النظام كما يتضح مرتبطة أجزاؤه بعضها ببعض ويدخل عليه أحيانا بعض الإضافات أو التعديلات كأن يكون قابلا للإلغاء من طرف المشتري وهذا نادر إذا الغالب أن يكون غير قابل للإلغاء، وأن يكون قابلا للتحويل من البائع إي بائع آخر مما يسهل قيام الوسطاء بتنفيذ الاعتمادات بواسطة المنتج الأصلي وذلك بتحويل الاعتماد لصالحهم (وبطبيعة الحال بسعر أقل) ، ويكون الاعتماد في كل الأحوال له مدة صلاحية محددة يسقط إذا لم ينفذ البائع العملية خلال المدة إلا إذا اقتنع المشتري بعذر البائع وقام بتمديد مدة صلاحية الاعتماد، إلي غير ذلك من التفاصيل والشروط.
ونظرا لأن التعامل بالاعتمادات المستندية يتم غالبا بين بنوك في دول مختلفة فقد دعت الحاجة إلي بلورة أحكامه التي استقر عليها عرف التعامل بين البنوك في نماذج وضعتها غرفة التجارة الدولية وشملنا اتفاقات دولية لإلزام الأطراف بأحكامها.
وتقوم فكرة الاعتماد المستندي في هذا التنظيم علي أساس أن البنوك لا تتعامل في البضاعة وإنما تتعامل في المستندات التي يطلب منها استيفاؤها فهي لا تجوز البضاعة ولا تتملكها إلا إذا امتنع المشتري عن سداد باقي القيمة فيقوم بنكه حينئذ ببيع البضاعة لاستيفاء حقه (ولاحتمال أن يكون البيع بأقل من حق البنك فإنه يراعي ذلك عند تحديد الجزء الذي يطلب من عميله دفعه عند فتح الاعتماد) .
ومن هذا يتبين أننا بصدد نظام ليس بالبيع ولا بالوكالة ولا بالجوالة ولا بالإجارة ولكنه مزيج من ذلك كله وفقا لشروط معينة تحكمه كمعاملة واحدة لا تقبل التفكيك والانفصال.
ومن هنا يتضح عدم إمكانية تأسيس حكم هذه المعاملة شرعا علي أساس تفكيكها إلي أجزاء كما يحاول بعض المفتين
للمواصفات) .
والأصل أن يودع المشتري الثمن لدي بنكه ولكن في غالب الحالات يكتفي البنك بأن يطلب إيداع 10 إلي 20% فقط عند فتح الاعتماد.
ويقوم البنك بعد ذلك بإبلاغ مراسله في بلد البائع أن ثمة اعتماد مفتوح لديه وبشروط هذا الاعتماد، فيقوم البنك المراسل بإبلاغ ذلك البائع الذي يقوم حينئذ بتجهيز البضاعة وشحنها، ويسلم إلي البنك المراسل أو إلي بنكه الخاص إن كان ذلك أيسر له المستندات المطلوبة، فيقوم البنك بالدفع فورا إليه، ويرسل المستندات إلي بنك المشتري الذي يقوم بسداد باقي القيمة إلي البنك ويتسلم منه المستندات التي بموجبها يتسلم البضاعة عند وصولها.
وهذا النظام كما يتضح مرتبطة أجزاؤه بعضها ببعض ويدخل عليه أحيانا بعض الإضافات أو التعديلات كأن يكون قابلا للإلغاء من طرف المشتري وهذا نادر إذا الغالب أن يكون غير قابل للإلغاء، وأن يكون قابلا للتحويل من البائع إي بائع آخر مما يسهل قيام الوسطاء بتنفيذ الاعتمادات بواسطة المنتج الأصلي وذلك بتحويل الاعتماد لصالحهم (وبطبيعة الحال بسعر أقل) ، ويكون الاعتماد في كل الأحوال له مدة صلاحية محددة يسقط إذا لم ينفذ البائع العملية خلال المدة إلا إذا اقتنع المشتري بعذر البائع وقام بتمديد مدة صلاحية الاعتماد، إلي غير ذلك من التفاصيل والشروط.
ونظرا لأن التعامل بالاعتمادات المستندية يتم غالبا بين بنوك في دول مختلفة فقد دعت الحاجة إلي بلورة أحكامه التي استقر عليها عرف التعامل بين البنوك في نماذج وضعتها غرفة التجارة الدولية وشملنا اتفاقات دولية لإلزام الأطراف بأحكامها.
وتقوم فكرة الاعتماد المستندي في هذا التنظيم علي أساس أن البنوك لا تتعامل في البضاعة وإنما تتعامل في المستندات التي يطلب منها استيفاؤها فهي لا تجوز البضاعة ولا تتملكها إلا إذا امتنع المشتري عن سداد باقي القيمة فيقوم بنكه حينئذ ببيع البضاعة لاستيفاء حقه (ولاحتمال أن يكون البيع بأقل من حق البنك فإنه يراعي ذلك عند تحديد الجزء الذي يطلب من عميله دفعه عند فتح الاعتماد) .
ومن هذا يتبين أننا بصدد نظام ليس بالبيع ولا بالوكالة ولا بالجوالة ولا بالإجارة ولكنه مزيج من ذلك كله وفقا لشروط معينة تحكمه كمعاملة واحدة لا تقبل التفكيك والانفصال.
ومن هنا يتضح عدم إمكانية تأسيس حكم هذه المعاملة شرعا علي أساس تفكيكها إلي أجزاء كما يحاول بعض المفتين
ذلك.
كما يتضح أن قيام البنوك الإسلامية بالدخول مشتريا وبائعا من خلال عملية الاعتماد المستندي تنفيذا لعقد المرابحة المعقود بينها وبين عملائها أمر مخالف لنظم الاعتمادات المستندية كما نظمتها غرفة التجارة الدولية، وبطبيعة الحال تنتفي هذه المخالفة إذا تمت عملية المرابحة مع شركة تابعة للبنك الإسلامي ويقتصر دور البنك حينئذ علي تنفيذ الناحية الفنية شأن البنوك الأخري.
والموضوع برمته يحتاج إلي نظرة جديدة لأن هذا النظام كما تبين يقوم بوظيفة محددة لم تكن موجودة من قبل.
ومن هذه الأمثلة للتغير الثوري أو الجذري وما سبقها من أمثلة للتغير التطوري يتضح حاجة الفقيه إلي دراسة واقع الحياة التجارية والاقتصادية دراسة مفصلة حتى يكون رأيه في إنزال الشريعة علي الواقع مبينا علي أساس سليم.
****

---------------------------------------------------------------

1- هي مجموعة من السلع يحددها القانون بمقادير خاصة ويرصد ثمنها في السوق عند صدور القانون ثم في فترات دورية (شهرية غالبا) وينسب الثمن دائما إلي الثمن عند صدور القانون ويرمز له ب 100 كثمن أساسي لمعرفة الزيادة في قيمة السلة (أو النقصان) ونادرا ما يحدث، وبه تحدد نسبة التضخم.
 
التعديل الأخير:
إنضم
22 يونيو 2008
المشاركات
1,566
التخصص
الحديث وعلومه
المدينة
أبوظبي
المذهب الفقهي
الحنبلي ابتداءا
في هذا المقال فوائد جيدة وأخرى يلزمها المراجعة ... منها:
ما ذكره بشأن تغيير خليفة المسلمين للحكم المباح إلى الوجوب أو التحريم، والعكس كذلك ...
وهذا لا يستقيم أبدا لأن التغيير إن لم يكن مؤقتا، كان كالتحليل والتحريم نيابة عن المشرع، وهذا يذكرنا بحال أهل الكتاب في قوله تعالى "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله" فلما سئل النبي عن ذلك قال ... الحديث.
وقد نبه الدكتور يوسف القرضاوي على مثل هذا في بعض كتبه مرارا ..
ثم إن العكس ( وهو إباحة ما حرم الله أو تجويز ترك ما أوجب الله) أخطر بكثير من العكس .. فالثاني سيقحم الناس في بوابة المعاصي ....

كذلك مسألة إخراج النقود خارج بلد إصدارها وتسليعها (أي جعلها سلعة) في سوق سوداء .. الواقع يقول أن جميع العملات أصبحت معتمدة بمقدار ما تملكه دولها من أرصدة في حسابات البنك المركزي الدولي .. وبالتالي أينما تكون على وجه الأرض، بأي عملة معك، لك أن تشتري وتبيع بها دون تأثر بخروجك عن بلدك ...

من الفوائد اللطيفة والدقيقة:

تنبيهه على الحكمة من اشتراط التقابض يدا بيد، وهي سد باب ذريعة ربا النسيئة (ربا الديون)، وإبانته أن هذه الذريعة منتفية في عصرنا ...

ومن الفوائد المستغربة: أن بيع الذهب بالنقود آجلا جائز !

ومن الفوائد اللطيفة: ربط الديون طويلة الأجل بالذهب، وهذا أدعى لحفظ الحقوق ...

ومن المهمات الكبيرة: التفريق بين العملات الورقية والذهب والفضة، باعتبار القيمة الذاتية أو الحكمية لكل منهما ...

جزاك الله خيرا أبا فراس ...
 

زناب

:: متابع ::
إنضم
2 مارس 2014
المشاركات
37
الكنية
أم أيمن
التخصص
أصول فقه
المدينة
تلمسان
المذهب الفقهي
مالكي
رد: أثر تغير الواقع في الحكم تغييرا واستحداثا لـ جمال الدين عطية

جزاكم الله خيرا.
 
إنضم
14 يونيو 2013
المشاركات
10
التخصص
دعوة وخطابة
المدينة
الموصل
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: أثر تغير الواقع في الحكم تغييرا واستحداثا لـ جمال الدين عطية

جزاكم الله خيرا وبارك فيكم
 
أعلى