د.محمود محمود النجيري
:: مشرف سابق ::
- انضم
- 19 مارس 2008
- المشاركات
- 1,064
- الكنية
- أبو مازن
- التخصص
- الفقه الإسلامي
- المدينة
- مصر
- المذهب الفقهي
- الحنبلي
هل تثبت حرمة المصاهرة
بسبب الزنا؟
بسبب الزنا؟
تثبت حرمة المصاهرة بسبب النكاح، فيحرُم على المرء زوجة أبيه، وزوجة ابنه، وأم زوجته وابنتها. فهل تنتشر الحرمة بسب الزنا، كما تنتشر بسبب النكاح، فيحرم على المرء من زنا بها أبوه، ومن زنا بها ابنه، وإن زنا بامرأة يحرم عليه أمها وابنتها؟
هذه المسألة فيها قولان للفقهاء، يتجاذبهما الأدلة، كالتالي:
القول الأول: إن الزنا ينشر الحرمة بين الزاني، وأصول وفروع المزني بها.
وهو قول الحنفية، والحنابلة، والثوري، والأوزاعي. وحجتهم:
1. قول الله تعالى: وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاء سَبِيلاً [النساء: 22]. والوطء يُسمَّى نكاحًا، وفي الآية قرينة تصرفها إلى الوطء، وهو قوله: إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاء سَبِيلاً [النساء: 22]. وهذا التغليظ إنما يكون في الوطء.
2. رُوي عن النبي أنه قال: "لا ينظر الله إلى رجلٍ، نَظَرَ إلى فرْج امرأة وابنتها" .
3. أن ما تعلق من التحريم بالوطء المباح تعلق بالمحظور، كوطء الحائض .
القول الثاني: إنَّ حرْمة المصاهرة لا تثبت بالزنا، فمن زنا بامرأة، لا يحرم عليه نكاح أمها ولا ابنتها، ولا نكاح أبي الزاني لها، ولا ابنه.
وبه قال الشافعية، والمالكية، وابن حزم من الظاهرية ، ورواية عن أحمد.
وحجة ذلك:
1. أن الله فصَّل لنا ما حرَّم علينا من المناكح إلى أن أتمَّ، ثم قال : وأُحِلَ لكمْ ما وراءَ ذلكم [النساء: 24]. فمن حرَّم شيئًا من غير ما فُصَّل تحريمه في القرآن، فقد خالفَ القرآن، وحرَّم ما أحلَّ الله تعالى.
2. أن الله تعالى امتنَّ على عباده بالنسب والصهر، فلا يثبت بالزنا كالنسب. قال : وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً [الفرقان: 54].
3. روي أن النبي قال: "لا يُحرِّم الحرام الحلال" .
4. أنه وطء لا تصير به الموطوءة فراشًا، فلا يحرم كوطء الصغيرة .
الترجيح:
سبب الخلاف هو اختلاف الفقهاء في المقصود من النكاح في قول الله تعالى: وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاء سَبِيلاً [النساء: 22]: هل هو الوطء، أم العقد؟
والنكاح من الألفاظ المشتركة، فأصحاب المذهب الأول قالوا: إن المراد منه الوطء، وهو المعنى اللغوي، فذهبوا إلى أن موطوءة الأب حرام على ابنه بنص الكتاب.
وأمَّا أصحاب المذهب الثاني، فقالوا بأن المراد بالنكاح في الآية: العقد، وبأنها لا تدل بذلك على حُرْمة من زنا بها الأب على ابنه، فهي حلال، له أن يتزوجها.
وواضح أن أدلة كل فريق لا تسلم من الاعتراض عليها، ولكن يظهر قوة أدلة أصحاب القول الثاني: أن الزنا لا يوجب تحريم المصاهرة، لموافقتها لظاهر الكتاب والسنة، والقياس الصحيح. فلا يمكن التسوية بين النكاح الشرعي والزنا، ولا يجوز إثبات حكم إلا بدليل ، ولا دليلَ صريحًا في إثبات حرمة المصاهرة بالزنا. وتفصيل ذلك:
1. أن قياس السفاح على النكاح في إثبات حرمة المصاهرة لا يصح؛ لما بينهما من الفروق، والله تعالى جعل الصِّهر قَسِيم النسب، وجعل ذلك من نعمه التي امتنَّ بها على عباده ، فكلاهما من نعمه وإحسانه، كما قال سبحانه: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً [الفرقان: 54]. فلا يكون الصهر من آثار الحرام وموجباته، كما لا يكون النسب من آثاره.
2. أنَّ الله تعالى قال في المحرمات: وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ [النساء: 23]. ومَن زنا بها الابن لا تسمى حليلة لغةً، ولا شرعًا، ولا عُرفًا. وكذلك قوله سبحانه: وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاء سَبِيلاً [النساء: 22]. إنما المراد به النكاح الذي هو غير السفاح. ولم يأتِ في القرآن النكاح المراد به الزنا قط، ولا الوطء المجرد عن العقد.
3. أن أحكام النكاح التي رتَّبها الله تعالى عليه، من: العِدَّة، والإحداد، والميراث، والحِلِّ والحرمة، ولحوق النسب، ووجوب النفقة والمهر، وصحة الخلع والطلاق والظهار والإيلاء، والقصر على أربع، ووجوب القسْم والعدل بين الزوجات، وملك الرجعة، وثبوت الإحصان، والإحلال للزوج الأول، وغير ذلك من الأحكام، لا يتعلق شيء منها بالزنا. فكيف يثبت تحريم المصاهرة من بين هذه الأحكام؟!
وقد وافق هذا الاجتهاد القانون الكويتي، فقال في المادة الخامسة عشرة منه:
"يحرم على الشخص فرعه من الزنا وإن نزل، ولا يحرم سواه بسبب الزنا" .
كما وافق هذا الاجتهاد أيضًا، مشروع القانون المصري السوري الموحد . وبه أخذ الشيخ جاد الحق علي جاد الحق في فتاويه .
والخلاصة: أنه لا تثبت حرمة المصاهرة بالزنا، فلا يحرم على المرء نكاح أمِّ من زنا بها، ولا ابنتها، ولا يحرم عليه نكاح من زنا بها أبوه، ولا من زنا بها ابنه.
_____________________________________
- الحديث ضعفه ابن حزم في المحلى 11/80.
- المغني: ابن قدامة 6/576- 577. الإنصاف: المرداوي 8/113. المبسوط: السرخسي 5/132.
- أطال ابن حزم- رحمه الله- في نصرة القول بأن الزنا لا ينشر التحريم في المحلى 11/79-81. واستثنى حالة واحدة، وهي: "أن يزني الرجل بامرأة، فلا يحل نكاحها لأحد ممن تناسل منه أبدا"... والغريب أن د.شكري حسين راميتش في كتابه: ’تعارض ما يخل بالفهم، وأثره في الأحكام الفقهية‘ (ص112-120)، يجعل ابن حزم فيمن يقول بانتشار الحرمة بالزنا.
- أخرجه ابن ماجه، كتاب النكاح، باب لا يحرم الحرام الحلال (2015).
- المغني 6/576. الإنصاف 8/113. مغني المحتاج: الخطيب الشربيني 3/237. شرح النووي على صحيح مسلم 10/40. المحلى 11/79-81. حاشية الدسوقي 2/396، 398. بداية المجتهد: ابن رشد، مج3، ص1307. وهو قول مالك في الموطأ، دار الحديث، القاهرة، 1421هـ، ص 387. وقال العدوي في حاشيته (2/49): "فأكثر الشيوخ رجَّح ما في الموطأ، وهو المعتمد؛ لأن كل أصحاب مالك عليه- خلا ابن القاسم .. وأفتى بالتحريم إلى أن مات، فإن قلت: كيف يكون الراجح ما في الموطأ، وهو عدم التحريم بالزنا مع رجوع الإمام عنه، مع أن المرجوع عنه لا ينسب إلى قائله، فضلا عن كونه راجحا؟ فالجواب:أن أصحابه أخذوا من قواعده أن المعتمد عدم التحريم، فصار عدم التحريم مذهبًا لمالك، وإن كان قوله مخالفًا له. ولا شك أن ما يستنبطه أصحاب الإمام من قواعده من المسائل- ينسب إليه، وإن لم يقله، ولا تكلَّم به".
- قانون الأحوال الشخصية الكويتي، ص8.
- المادة (12)، ص56-57.
- الفتاوى الإسلامية من دار الإفتاء المصرية: جاد الحق علي جاد الحق، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 1418هـ/1997م، مج9، ص3266.
التعديل الأخير: