العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

العلاقة بين الاجتهاد والقياس عند الإمام الشافعي على شكل "وورد"

د. نعمان مبارك جغيم

:: أستاذ أصول الفقه المشارك ::
إنضم
4 سبتمبر 2010
المشاركات
197
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
الجزائر
المدينة
-
المذهب الفقهي
من بلد يتبع عادة المذهب المالكي
العلاقة بين الاجتهاد والقياس عند الإمام الشافعي
د. نعمان جغيم

مفهوم القياس عند الشافعي

يقول الشافعي في بيان معنى القياس: "والقياس ما طُلبَ بالدلائل على موافَقَةِ الخبر المتقدِّم من الكتاب أو السنَّة، لأنهما عَلَمُ الحقّ المفترض طلَبُه، كطلب ما وصفتُ قبله من القبلة والعَدْل والمِثْل."[1] (الرسالة: 40)
وأساس القياس عند الشافعي هو أن "كلّ حكمٍ لله أو لرسوله وُجِدَت عليه دلالةٌ فيه أو في غيره من أحكام الله أو رسوله بأنه حُكِمَ به لمعنى من المعاني، فنزلت نازلةٌ ليس فيها نصُّ حكمٍ، حُكِمَ فيها حُكْم النازلة المحكوم فيها، إذا كانت في معناها." (الرسالة: 512)
وما يسميه الشافعي القياس يمكن حصره في أربعة أنواع:
1ـ أن يكون الشيء في معنى الأصل، ويجمع ذلك ما يأتي:
ــــ "أن يحرِّم الله في كتابه أو يحرِّم رسول الله القليلَ من الشيء، فيُعلم أن قليله إذا حُرِّم كان كثيرُهُ مثل قليله في التحريم أو أكثر، بفضل الكثرة على القلة." ومثال ذلك ما جاء في الحديث: "إن الله حرَّم من المؤمن دمَه ومالَه، وأن يُظنَّ به إلا خيرا." فإذا كان إظهار الظنِّ السيِّء بالمؤمن حراما، كان التصريح للمؤمن بقول السوء أولى أن يُحرّم، لأن قول السوء أقوى من ظنّ السوء.
وقال تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)) "فكان ما هو أكثر من مثقال ذرة من الخير أحْمَد، وما هو أكثر من مثقال ذرة من الشر أعظم في المأثم.
ـــــ "وكذلك إذا حُمِدَ على يسير من الطاعة كان ما هو أكثر منها أولى أن يُحْمَد عليه."
ــــــ إذا أباح اللهُ أو رسولُه كثيرَ الشيء، كان الأقلَُّ منه أولى أن يكون مباحا. (الرسالة: 513)
وقد أشار الشافعي إلى أن بعض أهل العلم لا يُسمِّي هذا قياسا، وإنما يقول: "هذا معنى ما أحلّ الله وحرّم، وحمد وذمّ، لأنه داخل في جملته، فهو بعينه، لا قياس على غيره". ولكن الشافعي يعدُّه من القياس، ويرى أن ما عدا النصّ من الكتاب أو السنَّة، مما يكون في معناهما، هو قياس. (الرسالة: 516)
2ـ قياس المعنى: وهو "أن يكون اللهُ أو رسولُه حرّم الشيءَ منصوصا أو أحلَّه لمعنىً، فإذا وجدنا ما في مثل ذلك المعنى فيما لم يَنُصَّ فيه بعينه كتابٌ ولا سنّةٌ: أحللناه أو حرمناه، لأنه في معنى الحلال أوا لحرام." (الرسالة: 40)
فالأحكام التي تعبَّدَ اللهُ تبارك وتعالى عبادَهُ بها ودلّت نصوص القرآن أو السنَّة على المعنى (العلة) الذي لأجله كان ذلك التعبُّد (وهو ما يعبِّر عنه الأصوليون بالعلة المنصوصة)، أو يجد المسلمون ذلك المعنى في الخبر عنه صلى الله عليه وسلم (العلة المستنبطة)، يُلْحَقُ بها ما هو مُسْتجَدّ من الحوادث إذا توفر فيه ذلك المعنى (العلة).
ومثال هذا قياسُ الوالد المحتاج غير المحترف في وجوب النفقة عليه على الولد. فقد أوجب الله تعالى ورسوله على الوالد النفقة على أولاده الصغار، وعلة ذلك أن "الولد من الوالد، فجُبِرَ على صلاحه في الحال التي لا يغني الولد فيها نفسه"، فكما أن الولد لا يجوز له أن يضيِّع شيئا من أولاده الذين هم منه، لا يجوز له أن يضيِّع شيئا من الوالدين الذين هو منهم. وقياسا على ذلك "إذا بلغ الأبُ ألا يُغني نفسَه بكسب ولا مال فعلى ولده صلاحُه في نفقته وكسوته". ويمتدُّ هذا القياس إلى الأحفاذ والأجداد الذين تتوفر فيهم شروط النفقة. يقول الشافعي: "وكذلك الوالدون وإن بعدوا، والولد وإن سفلوا، في هذا المعنى، والله أعلم، فقلتُ يُنفِقُ على كلّ محتاج منهم غير محترف، وله النفقةُ على الغنيِّ المحترف." (الرسالة: 518)
3ـ قياس الشَّبه: وهو أن "نجد الشيءَ يُشبهُ الشيءَ منهُ والشيءَ من غيره، ولا نجد شيئا أقرب به شَبَها من أحدهما: فنُلْحِقُهُ بأوْلى الأشياء شَبَها به." كما هو الحال في تحديد المِثْلِ في كفارة الصيد في الإحرام. (الرسالة: 40)، حيث "يُنْظَرُ إلى المقتول من الصيد فيُجزَى بأقرب الأشياء به شبها منهُ في البَدَنِ، فإذا فات منها شيئا رفع إلى أقرب الأشياء به شبها، كما فاتت الضبع العنز فرفعت إلى الكبش، وصغر اليربوع عن العناق فخفض إلى الجفرة." (الرسالة: 491-492)
4ـ قياس الأصول: أن يكون أحلَّ الله ورسوله شيئا جُمْلَة، وحرّم منه شيئا بعينه، فيُحِلُّون الحلال بالجُملة، ويحرمون الشيء بعينه، ولا يقيسون على ذلك الأقل (المستثنى)، لأن الأكثر منه حلال، والقياس على الأكثر أولى من القياس على الأقل. وكذلك إذا حرَّم جُمْلَة وأحَلّ بعضها، فإن التحريم يبقى على عمومه، ولا يقاس على ذلك المستثنى. وكذلك إن فرض شيئا وخصّ رسولُ الله التخفيف في بعضه، فإن الفرض يبقى عامًّا، وهو الذي يُقاس عليه، ولا يُقاس على ذلك التخفيف المُستثنى (عدم القياس على الرُّخَص).
ومثاله أن رسول الله قضى في رجل باع عبدا ودلَّس فيه بعيب على المبتاع، ثم ظهر العيب بعد أن استغلّه المشتري، أن للمشتري رده بالعيب وليس عليه تعويض الغلة التي استغلها لأنها تعدُّ مقابلا لضمانه له. وقد استخلص الشافعي من ذلك أن الغلة التي لم يقع عليها صفقة البيع، وكانت في ملك المشتري في الوقت الذي لو مات فيه العبد مات من مال المشتري، أنه إنما جعلها له لأنها حادثة في ملكه وضمانه، فقلنا كذلك في ثمر النخل، ولبن الماشية وصوفها وأولادها، وكل ما حدث في ملك المشتري وضمانه.
فالقاعدة العامة "الخراج بالضمان" فما حدث في ملك المشتري في الوقت الذي يكون فيه ضامنا للمبيع بحيث لو تلف كان ضامنا له، ولم يكن له حصة من الثمن، فهو من الخراج الذي يحق للمشتري أخذه مقابل ضمانه للسلعة المبيعة، ولكن السنَّة قضت في لبن التصرية بأن يعوِّضَه المشتري بصاع من تمر. قال الشافعي: "فقلنا بالقياس على حديث "الخراج بالضمان" فقلنا: كلّ ما خرج من ثمر حائط اشتريته، أو ولد ماشية أو جارية اشتريتها، فهو مثل الخراج لأنه حدث في ملك مشتريه، لا في ملك بائعه. وقلنا في المصراة اتباعا لأمر رسول الله، ولم نقس عليه، وذلك أن الصفقة وقعت على شاة بعينها، فيها لبن محبوس مغيب المعنى والقيمة، ونحن نحيط أن لبن الإبل والغنم يختلف، وألبان كل واحد منهما يختلف، فلما قضى فيه رسول الله بشيء مؤقت، وهو صاع من تمر ـ قلنا به اتباعا لأمر رسول الله"، أما اللبن الحادث بعد التصرية وقبل ردّ الشاة فإنه بمنزلة الخراج الذي يحق للمشتري أخذُه دون تعويض "فنكون قد قلنا في لبن التصرية خبرا، وفي اللبن بعد التصرية قياسا على "الخراج بالضمان"، ولبن التصرية مفارق للبن الحادث بعد، لأنه وقعت عليه صفقة البيع، واللبن بعده حادث في ملك المشتري، لم تقع عليه صفقة البيع." (الرسالة: 557-558)

العلاقة بين الاجتهاد والقياس


لا يفرِّق الإمام الشافعي بين الاجتهاد والقياس، وطريق الاجتهاد عنده هو القياس. جاء في الرسالة: "قال: فما القياس؟ أهو الاجتهاد؟ أم هما مفترقان. قلت: هما اسمان لمعنى واحد." (الرسالة: 477). وقال: "كل ما نزل بمسلم ففيه حكمٌ لازمٌ، أو على سبيل الحق فيه دلالةٌ موجودةٌ، وعليه إذا كان فيه بعينه حُكْمٌ اتباعُه، وإذا لم يكن فيه بعينه طُلِبَ الدلالةُ على سبيلِ الحقِّ فيه بالاجتهاد. والاجتهاد هو القياس." (الرسالة: 477)
وقد أنكر البعض على الشافعي تسويته بين الاجتهاد والقياس، أو بعبارة أخرى حصره الاجتهاد في القياس، ومن ذلك قول الغزالي: "وقال بعض الفقهاء: القياس هو الاجتهاد، وهو خطأ، لأن الاجتهاد أعم من القياس، لأنه قد يكون بالنظر في العمومات ودقائق الألفاظ وسائر طرق الأدلة سوى القياس." (المستصفى: 2/96).
وهنا مسألة ينبغي التنبيه عليها، وهي تطوُّر الاصطلاح وتغيُّره من عصر إلى عصر. فالذين أنكروا على الشافعي تسويته بين الاجتهاد والقياس حاكموه إلى اصطلاحات المتأخرين عليه، حيث توسَّعوا في تعريف الاجتهاد، بسبب ضعف العلم بلسان العرب وأساليبها في البيان، حتى صار فهمُ الآيات والأحاديث اجتهادا في عُرفهم، وحصروا مفهوم القياس في نطاق معيّن. والقاعدة عند الفقهاء أن "لا مشاحّة في الاصطلاح" ما لم يكن ذلك مؤديا إلى لبس وخلط في المعاني. ولكن من الخطأ محاكمة عبارات شخص إلى اصطلاحات ظهرت بعده بزمن طويل، هو لا يتقيَّدُ بها في عباراته، بل له اصطلاحاته الخاصة. ومثل هذا الخلط نجده في الحديث عن النسخ وأسباب النزول، حيث يوجد فرق بين اصطلاحات المتقدمين والمتأخرين، ويقع الخلط عندما يحاكم المتأخرون عبارات المتقدمين إلى اصطلاحاتهم المتأخرة.
لقد توسع المتأخرون في تعريف الاجتهاد، فصار عندهم يعمّ كل ما تصحّ عليه عبارة "بذل المجتهد وسعه في درك الحكم الشرعي". ولكن مفهوم الاجتهاد عند المتقدمين كان محصورا في الحكم الذي لم يرد فيه خبر (قرآن أو سنَّة)، كما أن مفهوم القياس عند الشافعي كان واسعا يشمل كل الطرق التي يُتوَصَّل بها إلى الحكم الشرعي فيما لم يرد فيه نص.
ولما كان الشافعي لم يكن مهتما ـ كما هو الشأن عند علماء الصدر الأول ـ بوضع تعريفات نظرية جامعة مانعة للمصطلحات، فإننا لا نجد عنده تعريفا من هذا النوع للاجتهاد أو القياس، ولكن ذلك مفهوم من كلامه. وحتى يتبين الاختلاف بين اصطلاحات المتقدمين والمتأخرين، أنقل هنا تعريف الجصاص الحنفي للاجتهاد، بحكم أن تعريفه أقرب تعريفات الأصوليين ـ التي وصلتنا مكتوبة ـ إلى عهد الشافعي.
يقول الجصاص: "وأما الاجتهاد: فهو بذل المجهود فيما يقصده المجتهد ويتحراه، إلا أنه قد اختص في العرف بأحكام الحوادث التي ليس لله تعالى عليها دليل قائم يوصل إلى العلم بالمطلوب منها، لأن ما كان لله عز وجل عليه دليل قائم لا يسمى الاستدلال في طلبه اجتهادا." (أصول الجصاص: 4/11)
ثم يقول الجصاص: "واسم الاجتهاد في الشرع ينتظم ثلاثة معان: أحدها: القياس الشرعي على علة مستنبطة، أو منصوص عليها، فيردُّ بها الفرع إلى أصله، وتُحْكَم له بحكمه بالمعنى الجامع بينهما ... والضرب الآخر من الاجتهاد: هو ما يغلب في الظنّ من غير علة يجب بها قياس الفرع على الأصل، كالاجتهاد في تحرّي جهة الكعبة لمن كان غائبا عنها، وكتقويم المستهلكات، وجزاء الصيد، والحكم بمهر المثل ... والضرب الثالث: الاستدلال بالأصول." (أصول الجصاص: 4/11-12)
ففهم النصوص الشرعية والاستنباط منها لم يكن عند المتقدمين ـ ومنهم الشافعي ـ ضربا من الاجتهاد، لأنه يُفهَم بالتمكُّن من اللغة، ومعرفة أساليب العرب في كلامها، ومعرفة مقاصد الشريعة وهديها في التشريع. فما يتعلق بمباحث العموم والخصوص، والتقييد والإطلاق، والنسخ، ودلالات الأمر والنهي، ودلالات الألفاظ، والجمع والترجيح بين النصوص المختلفة، كلها لا تُعدُّ من مجال الاجتهاد عند الشافعي، لأنها جزء من الأخبار (القرآن والسنَّة)، وإنما الاجتهاد عنده ما كان قياسا على تلك النصوص، أي مبنيا على فهم المعنى (العلة) في تلك النصوص، لا داخلا في ألفاظها ومستنبطا منها.
وسبب ذلك أن الشافعي عربي اللسان، متمرس على أساليب العرب في البيان، ومُلِمٌّ بنصوص الشرع وقواعد التعامل معها، ومن كان هذا شأنُه كانت له القدرة على فهم النصوص والاستنباط منها، ولا يُعدُّ ذلك في ذاته اجتهادا، وإنما الاجتهاد البحث عن الحكم الشرعي للحوادث التي لا تشملها ألفاظ تلك النصوص ولا تستنبط منها، وسبيل ذلك القياس، وفاعله هو المجتهد. ولذلك لم يتحدث الشافعي عن شروط المجتهد، وإنما تحدث عن شروط من يجوز له القياس على الأخبار، وهو طبعا المجتهد. فكأنه يرى أن المجتهد هو الذي له القدرة على القياس على الأخبار، أما فهم القرآن والسنَّة والاستنباط من ألفاظهما فيتمكن منه العلماء. ولذلك ـ والله أعلم ـ فرَّق بين شروط من يحقُّ له القياس، وهو المجتهد، وشروط من يتصدى لفهم القرآن. فاشترط في من يتصدى لفهم القرآن الكريم: المعرفة بناسخ الكتاب ومنسوخه. ومعرفة مراتب أحكام القرآن: الفرض، والأدب، والإرشاد، والإباحة. ومعرفة أن السنَّة النبوية مبيِّنَة للكتاب العزيز. ومعرفة ما أراد الله بجميع فرائضه؟ ومن أراد: أَكُلَّ خَلْقِه أم بعضهم دون بعض؟ وما افترض على الناس من طاعته والانتهاء إلى أمره. ومعرفة ما ضرب الله في القرآن من الأمثال الدوال على طاعته، المبيِّنة لاجتناب معصيته. (الرسالة: 40-41). أما شروط المجتهد (القائس) فسيأتي ذكرها.
ويفهم من كلام الشافعي أنه يقسِّم الناس إلى ثلاثة أقسام: (1) العامة: ويستوون مع الخاصة في معرفة الفرائض المنصوصة في القرآن والسنَّة، (2) والخاصة: وهم الذين يدركون تفاصيل الأحكام، ويعرفون الدقيق منها، استنباطا من القرآن والسنَّة، ويعرفون أخبار الآحاد وشروط قبولها، والتعامل مع مختلفها، (3) وخاصة الخاصة: وهم الذين لهم القدرة على الاجتهاد، أي فهم علل الأحكام والقياس عليها.
يقول: "ما كان نصَّ حكمٍ لله أو سنَّةٍ لرسول الله نقَلَها العامة عن العامة. فهذان السبيلان اللذان يشهد بهما فيما أُحِلَّ أنه حلال، وفيما حُرِّمَ أنه حرام. وهذا الذي لا يسع أحدا عندنا جهله، ولا الشك فيه. وعلم الخاصة سنَّةً من خبَرِ الخاصّة يعرفُها العلماء، ولم يُكَلَّفْها غيرُهُم، وهي موجودة فيهم أو في بعضهم، بصدق الخاصِّ المخبر عن رسول الله بها." (الرسالة: 478-479)
ويقول في من استجمع شرائط النظر في كتاب الله، ولكنه كان مقصِّر العقل، أو مقصِّرا عن علم لسان العرب: "... ومن كان عالما بما وصفنا بالحفظ لا بحقيقة المعرفة فليس له أن يقول أيضا بقياس، لأنه قد يذهب عليه عقل المعاني. وكذلك لو كان حافظا مقصِّرَ العقل، أو مقصِّرا عن عِلْمِ لسان العرب، لم يكن له أن يقيس، من قِبَلِ نقص عقله عن الآلة التي يجوز بها القياس." (الرسالة:511)
والنوع الثاني من الاجتهاد الوارد عند الجصاص هو من صميم القياس عند الشافعي، لأن تحديد قِيَمِ المستهلَكَات لا يكون إلا بالقياس على ما يُشبهُهَا في السوق، وتحديد مَهْر المثْلِ يكون بالقياس على مثيلاتها من النساء، وجزاء الصيد يكون بتحديد المِثْلِ قياسا، وتحديد القبلة يكون بالقياس على العلامات التي تُتحَرَّى بها القبلة.
وكذلك الضرب الثالث من الاجتهاد عند الجصاص هو عين القياس عند الشافعي، وقد أشرنا إليه من قبل باسم قياس الأصول.
ومن هنا استوى عند الشافعي الاجتهاد مع القياس. ولكن الجصاص أخرج الضربين الثاني والثالث من القياس، وهذا في ذاته يبيِّن لنا التطور التاريخي لمصطلحي "القياس" و"الاجتهاد".


[1] يشير بالعدل إلى قوله تعالى: "وأشهدوا ذوي عدل منكم" (الطلاق: 2)، ويشير بالمِثْل إلى قوله تعالى: "لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم، ومن قتله منكم متعمدا فجزاءٌ مثل ما قتل من النعم" (المائدة: 95)
 
إنضم
21 نوفمبر 2010
المشاركات
298
التخصص
الفقه المالكي وأصوله
المدينة
وهران
المذهب الفقهي
المالكي
رد: العلاقة بين الاجتهاد والقياس عند الإمام الشافعي على شكل "وورد"

حياكم الله شيخنا على ما أفدتم به وجدتم وجعله الله في ميزان حسناتكم.

ولكن لي أمران:

أولا قولكم:
قياس الشَّبه: وهو أن "نجد الشيءَ يُشبهُ الشيءَ منهُ والشيءَ من غيره، ولا نجد شيئا أقرب به شَبَها من أحدهما: فنُلْحِقُهُ بأوْلى الأشياء شَبَها به." كما هو الحال في تحديد المِثْلِ في كفارة الصيد في الإحرام. (الرسالة: 40)

تقصدون شيخنا:
ـ قياس الأشباه: وهو أن يتردد فرع بين أصلين, ويكون شبهه بأحدهما أكثر فيلحق بأكثرهما شبها به.
ـ أما قياس الشبه: فهو الوصف الذي لم تظهر فيه المناسبة بعد البحث التام عنها ممن هو أهله, ولكن ألف من الشارع الالتفات إليه في بعض الأحكام, وهذا الرتبة تتردد بين الوصف المناسب والوصف الطردي.

٭ وهذا التشابه والغموض قد خلط على بعض العلماء حتى قال بعضهم:"لست أدري في مسائل الأصول مسألة أغمض من هذه". (المهذب في أصول الفقه المقارن, ص: 2105, ج5).

الأمر ثاني: في مسألة القياس على الرخص الذي أعلمه أنه قول للإمام الشافعي فهل له قول آخر؟؟؟
لأن الجمهور يقولون بجواز القياس على الرخص إن عرفت العلة, فهل لكم في هذا مزيد إيضاح.

جزاكم الله عنا كل خير, ونفع الله بكم.
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: العلاقة بين الاجتهاد والقياس عند الإمام الشافعي على شكل "وورد"

تنظر مناقشات للبحث على هذا الرابط:
https://feqhweb.com/vb/threads/.11775
 

د. نعمان مبارك جغيم

:: أستاذ أصول الفقه المشارك ::
إنضم
4 سبتمبر 2010
المشاركات
197
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
الجزائر
المدينة
-
المذهب الفقهي
من بلد يتبع عادة المذهب المالكي
رد: العلاقة بين الاجتهاد والقياس عند الإمام الشافعي على شكل "وورد"

أخي الفاضل أمير فوزي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحسن الله إليك في الدنيا والآخرة، وشكرا على التنبيه.
فيما يخص (قياس الشبه) و(قياس الأشباه) فإن الأمر كما تفضلتم بالتنبيه عليه فإن الاصطلاح استقر عند الأصوليين على إعطاء (قياس الشبه) معنى خاصا كما ذكرتم، ولكني جريت في الحديث عن القياس عند الإمام الشافعي على طريقته في عدم وضع اصطلاحات خاصة لأنواع القياس، وذاك النوع من القياس هو القائم على الشبه أو المشابهة، فمن هذا الباب لم ألتزم باصطلاحات المتأخرين، ولكن كان ينبغي التنبيه على ذلك وقد تفضلتم به.
أما فيما يخص القياس على الرخص، فالمنصوص عليه في الرسالة عدم القياس على الرخص المستثناة من القواعد العامة.
يقول الشافعي: "ما كان لله فيه حكمٌ منصوص ثم كانت لرسول الله سنَّةٌ بتخفيفٍ في بعض الفرض دون بعض، عُمِلَ بالرخصة فيما رخَّص فيه رسول الله، دون ما سواها، ولم يُقَسْ ما سواها عليها، وهكذا ما كان لرسول الله من حكمٍ عامٍّ بشيء ثم سَنَّ فيه سنَّةً تفارق حُكمَ العامِّ." (الرسالة تحقيق شاكر: 545)
ومثال ذلك أن الله فرض في الوضوء غسل أعضاء مخصوصة منها الرجلين، "فلما مَسَحَ رسولُ الله على الخفين لم يكن لنا ـ والله أعلم ـ أن نمسح على عمامة ولا برقع ولا قفازين قياسا عليهما (أي على الخفين)، وأثبتنا الفرض في أعضاء الوضوء كلِّها، وأرخصنا بمسح النبيّ في المسح على الخفين دون ما سواهما." (الرسالة: 546)
ولا أعلم إذا كانت هناك روايات عنه تخالف هذا الذي صرح به في الرسالة.
 
إنضم
21 نوفمبر 2010
المشاركات
298
التخصص
الفقه المالكي وأصوله
المدينة
وهران
المذهب الفقهي
المالكي
رد: العلاقة بين الاجتهاد والقياس عند الإمام الشافعي على شكل "وورد"

حياك الله شيخنا ونفع بكم
جزاك الله على التفاتتك الطيبة وجعلها في ميزان حسناتكم.
 
أعلى