العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

قال لامرأته كلما ولدت ولداً فأنت طالق!

بشرى عمر الغوراني

:: فريق طالبات العلم ::
إنضم
29 مارس 2010
المشاركات
2,121
الإقامة
لبنان
الجنس
أنثى
الكنية
أم أنس
التخصص
الفقه المقارن
الدولة
لبنان
المدينة
طرابلس
المذهب الفقهي
حنبلي
من لطيف ما قرأتُ في كتاب المبسوط للسرخسي، هذه المسألة:
"رجل قال لامرأته: كلما ولدت ولداً فأنت طالق؛ فولدت ولدين في بطن واحد: كانت طالقاً بالولد الأول؛ لوجود شرط الطلاق، وهو ولادة الولد، ثم تصير معتدة، فلما وضعت الولد الثاني، حكمنا بانقضاء عدتها؛ لأنها معتدة وضعت جميع ما في بطنها، والولد الذي تنقضي به العدة لا يقع به طلاق؛ لأن أوان وقوع الطلاق ما بعد وجود الشر،ط وبعد وضع الولد الثاني هي ليست في نكاحه، ولا في عدته. ولو ولدت ثلاثة أولاد في بطن واحد؛ وقعت عليها تطليقتان؛ لأن كلمة كلما تقتضي تكرر نزول الجزء بتكرر الشرط، وبولادة الولد الثاني تكرر الشرط، ولا تنقضي به العدة؛ لأن في بطنها ولداً آخر، فيقع عليها تطليقة أخرى، ثم بوضع الولد الثالث تنقضي عدتها ولا يقع شيء".
لله درهم من فقهاء!
 

زياد العراقي

:: مشرف ::
إنضم
21 نوفمبر 2011
المشاركات
3,614
الجنس
ذكر
التخصص
...
الدولة
العراق
المدينة
؟
المذهب الفقهي
المذهب الشافعي
رد: قال لامرأته كلما ولدت ولداً فأنت طالق!

بارك الله فيكم وجزاكم خير الجزاء على هذه الروائع النافعة
 

زياد العراقي

:: مشرف ::
إنضم
21 نوفمبر 2011
المشاركات
3,614
الجنس
ذكر
التخصص
...
الدولة
العراق
المدينة
؟
المذهب الفقهي
المذهب الشافعي
رد: قال لامرأته كلما ولدت ولداً فأنت طالق!

وأستميحكم عذرا في إضافة هذه الفائدة عن التعريف بالمبسوط ومؤلفه منقول بالكامل :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

.
.
.



لئن كان الفقه الشافعي يفخر بكتاب المجموع للإمام النووي في مقابلة افتخار الفقه الحنبلي بكتاب المغني للإمام ابن قدامة، فإن الفقه الحنفي يفخر ويفاخر بكتاب المبسوط للإمام السرخسي، والذي يبلغ ثلاثين مجلداً ضخماً بالتمام والكمال، حتى لكأنه مكتبة مستقلة أو كتاب عملاق.

هذا الكتاب الكبير (المبسوط) ذو قصة عحيبة لرجل من أئمة المسلمين ذي شأن أعجب.


أما قصة الكتاب: فلنعلم أن مؤلفه القاضي شمس الأئمة أبابكر محمد بن أحمد بن أبي سهل قد كتبه، لا بل أملاه إملاء كله من خاطره وذهنه، دونما رجوع إلى كتاب أو دفتر، وإنما كان يملي من ذاكرته وطلابه يستمعون ويكتبون، حتى أتى عليه كله... ولم ولن يكون العجب في ضخامته فقط، بل العجب كل العجب هو في أن الكتاب جاء شرحاً لكتاب الحاكم الشهيد الذي كان يحفظه السرخسي عن ظهر قلب، دون زيادة أو نقصان، إضافة إلى العدد الهائل من الأحاديث والنصوص والأخبار التي يزخر بها الكتاب (المبسوط) والتي كانت مستقرة كلها في هذا الذهن المتوقد العجيب.

وقد امتدح بعضهم كتاب الحاكم الشهيد الذي جمع الكتب الستة، التي هي أصول الفقه الحنفي،
كما امتدح المبسوط فقال:



ويجمع الست كتاب الكافـي ----------------- للحاكم الشهيد فهـو الكـافي

أقوى شروحه الذي كالشمس
------------------ مبسوط شمس الأئمة السرخسي



وليت السرخسي ألّف كتابه هذا وهو جالس على أريكة أو مستند إلى حشية... بل ألّفه وهو مطروح في جب مظلم دون جريمة ارتكبها أو عقوبة استحقها... فكان في أسفل الجب يصيح وتلاميذه الذين كانوا أعجز من أن يفرجوا عنه أو يدفعوا بطش السلطان به يستملون ويكتبون حتى أتمه ثلاثون مجلداً كبيراً، فما أعجب هذا الكتاب وما أعجب شأنه.

أما قصة السرخسي فهي من غرائب القصص.

عالم ذو أنفة

نعم... إن شمس الأئمة أبابكر محمد بن أحمد بن أبي سهل رجل عالم من (سرخس) وهي بلد في خراسان، كان إماماً علامة حجة متكلماً مناظراً أصولياً مجتهداً، صحب الإمام عبدالعزيز الحلواني الملقب بشمس الأئمة، وأخذ عنه حتى تخرج به وصار فريد دهره... هذا الرجل لم يكن كغيره من العلماء يطلبون الدنيا بعلمهم، ويجعلونه مطية للجاه والمال، بل كان كما وصف الجرجاني:
يقولون لي فيك انقباض، وإنما
--------------- رأوا رجلاً عن موقف الذل أحجماً
إذا قيل: هذا منهل، قلت: قد أرى
-------------- ولكن نفس الحر تحتمل الظما
ولم أقض حق العلم إن كان كلما
------------- بدا مطمع صيرته لي سلما
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم
-------------- ولو عظموه في النفوس لعظما

أجل!.. سجن السرخسي بسبب صدعه بالحق وجهره به، غير هياب ولا وجل... لقد علم أن "الخاقان" ـ وهو لقب ملك الترك ببلاد ما وراء النهر ـ عزم أن يتزوج جارية كانت ملكاً له فأعتقها، ولم ينتظر حتى تنقضي بعد عدتها... فلم ير السرخسي أن يسكت ويغمض عينه إزاء هذا العمل غير الجائز، فبين للخاقان بحزم وجرأة أن هذا لا يحل ولا يجوز وأن عليه أن ينتظر انتهاء المدة الشرعية، ولم يقم أي اعتبار لبطش الملك وظلمه، كما لم يخف من تهديده بسفك دمه، بل أصر على زجره له وجرأته عليه، فكان أن أمر فيه الرجل، ويؤتي إليه بما يمسك عليه الحياة فيه، دون أن يمكن من الخروج.

ولم يذهب السرخسي إلى سجنه في "أوزجند" ذليلاً مكتئباً حزيناً، بل ذهب إليه صابراً محتسباً دون مبالاة أو اهتمام، يؤمن ويوقن ان السجن للعالم خلوة، والنفي له سياحة، والقتل شهادة.

صدري... خزانة علمي

ولئن كان الخاقان الظالم قد منع عنه الكتب والأقلام والدفات والمحابر، فإن لم يستطع أن يسلبه علمه الغزير الذي يموج به صدره، كما لم يستطع أن يسلبه حب تلاميذه له، وشغفهم بطلب العلم على يديه... فكان لسانه قلمه، ودفاتر تلاميذه كتبه، وهكذا أقبل على التأليف، ودأب على إملاء الكتب... نقول: دأب على إملاء الكتب وليس الكتاب... لأنه في سجنه هذا أنتج ما لم يستطع العلماء الطليقون الكثيرون إنتاج مثله... لم يكن المبسوط مؤلفه الوحيد، على ما هو عليه من الضخامة، بل إنه ألف كذلك كتابه المهم في أصول الفقه والمسمى بـ "الأصول"، كما ألف في سجنه أيضاً كتاب "زيادة الزيادات" شرح به كتاب "الزيادات" للإمام محمد صاحب الإمام أبي حنيفة النعمان رحمهما الله... كما شرع في شرح كتاب السير الكبير للإمام محمد، حتى إذا وصل في الإملاء إلى باب الشروط جاءة الفرج بإطلاق سراحه وإخلاء سبيله.

وكان وهو يملي على تلاميذه كلما أكمل باباً من الفقه ختمه بما يعبر عن حاله وسجنه، يقول في آخر الكتاب:

هذا أخر شرح العبادات، بأوضح المعاني وأوجز العبارات أملاه المحبوس عن الجمع والجماعات، مصلياً على سيد السادات، محمد المبعوث بالرسالات، وعلى آله من المؤمنين المؤمنات... كما يقول في آخر كتاب الإقرار:

ـ انتهى شرح الإقرار، المشتمل من المعاني على ما هو من الأسرار، أملاه المحبوس في مجلس الأشرار.

ونستطيع أن نلم بطرف علم الرجل وسعة بحره، إذا علمنا أنه ألف كتباً أخرى غير تلك التي ألفها في سجنه، فقد ترك للأمة الإسلامية كتاب "المحيط" وهو في الفقه الحنفي يبلغ عشرة مجلدات، كما ألف كتاب "الأمالي" وكتاب "شرح أدب القاضي" وكتاب "شرح مختصر الطحاوي" وكتاب "النوادر" وكتاب "الكسب" وغير ذلك كثير.

ما يحفظه... وما يحفظه غيره

وإن من طرائف ما يذكر عن حفظه العجيب وذاكرته الفذة، أنه ذكر له مرة أن أحد العلماء الأماجد حفظ ثلاثمائة كُراس، فقال متحدثاً بنعمة الله:
حفظ زكاة ما أحفظ!.. فحُسِبَ ما حفظه، فكان اثني عشر ألف كُراس... ولولا ما ترك لنا من كتب ضخمة أملى معظمها من ذاكرته لترددنا في قبول هذه العجيبة من سيرته.

وكان السرخسي رحمه الله قد ذاع صيته وطبق الآفاق، وعلت منزلته عند القاصي والداني، فما كاد الخاقان يفرج عنه ويخرجه من سجنه، حتى استقدمه إلى "فرغانه" الأمير حسن، فأحسن استقباله وأنزله في بيته وبالغ في إكرامه.

وإذا كان تلاميذه قد لازموا مجلس شيخهم ليستفيدوا منه، ولو كان سجيناً، فإنهم من باب أولى لحقوا به بعد إطلاق سراحه... لحقوا به إلى "فرغانه"، ثم لما غادرها إلى "ميرغينان" وهي بلد من نواحي فرغانه لحقوا به إلى هناك، فأخذ يملي عليهم تتمة شرح السير الكبير حتى أكمله لهم قبل موته بثلاث سنين.

نعم... هذه قصة الإمام الفذ محمد بن محمد بن أبي سهل السرخسي، وقصة كتابه الشهير (المبسوط) الذي حوى المذهب الحنفي وفصّله.

رحم الله السرخسي ورفع مقامه.


منقول من هذا الرابط

[h=1]الموضوع: مفخرة... فريدة الإمام السرخسي
[/h]


 
أعلى