رد: رؤية شرعية في تحديد جنس الجنين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق الزوجين الذكر والأنثى، من نطفة إذا تمنى. خلق كل شيء فقدره تقديرًا، ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾(
[1]). له الحمد فكل شيء في خلقه موزون، ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴾ (
[2]). له الحكمة البالغة والقدرة النافذة، تبارك الله أحسن الخالقين. وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق ذو القوة المتين. وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله الأمين. صلى الله عليه وعلى آله الطيبين وأصحابه الغر الميامين وعلى من اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الله تبارك وتعالى فطر قلوب الناس على حب الولد. وقد قيل في تصوير حب الأولاد ومنزلتهم: الأولاد ثمار القلوب وعماد الظهور. وقد قال الشاعر(
[3]):
[TABLE="width: 416, align: center"]
[TR]
[TD="colspan: 2"]يا حبذا ريحُ الولد
[/TD]
[TD][/TD]
[/TR]
[TR]
[TD][/TD]
[TD="colspan: 2"]ريحُ الخُزامى في البلد
[/TD]
[/TR]
[TR]
[TD="colspan: 2"]أهكذا كلُّ ولد
[/TD]
[TD][/TD]
[/TR]
[TR]
[TD][/TD]
[TD="colspan: 2"]أم لم يلدْ قبلي أحد
[/TD]
[/TR]
[TR]
[TD][/TD]
[TD][/TD]
[TD][/TD]
[/TR]
[/TABLE]
فالأولاد ذكورًا وإناثًا هبة من الله تعالى لبني آدم، قال جل في علاه: ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ
* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾ (
[4]).
والأولاد من زينة الحياة الدنيا وبهجتها بهم تسر النفوس وتقر العيون قال الله تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ ﴾(
[5])، وقال تعالى: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾(
[6]).
وقد امتن الله تعالى على الناس بنعمة الولد في مواضع عديدة من كتابه الحكيم وذكَّرهم بها، فقال عز وجل: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ ﴾ (
[7])، وقال أيضًا:
﴿ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً﴾(
[8])، وقال تعالى مذكِّرًا من جحد به واستكبر:
﴿وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً ﴾ (
[9]) . وقد ذكَّرت بها الأنبياء أقوامهم، فهذا نوح عليه الصلاة والسلام يقول لقومه:
﴿وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً﴾(
[10]). وهذا هود عليه الصلاة والسلام يقول لقومه:
﴿وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ﴾(
[11]).
وقد جبلت القلوب على طلب الأولاد، والسعي في تحصيلهم. فهذا خليل الرحمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام يسأل الله الولد، فيقول كما قص الله تعالى عنه في القرآن:
﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ﴾(
[12]). وهذا نبي الله زكريا عليه الصلاة والسلام يدعو ربه أن يهبه غلامًا زكيا قال الله تعالى:
﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾(
[13]).
ومن رحمة الله وعظيم حكمته أن نوّع الخلق، فجعل الخلق كما قال تعالى:
﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ﴾(
[14])، وقال تعالى:
﴿وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً﴾(
[15]). وله جل في علاه في هذا التزويج من الحكم والأسرار ما يبهر العقول والألباب.
ولا ريب أن رغبة الوالد في أن يكون الولد من جنس معين، وتفضيل أحد الجنسين على الآخر في الذرية أمر قائم منذ القدم. فما زال الناس يفضلون ويميلون إلى كون الولد من أحد الجنسين ذكرًا كان أو أنثى؛ لاعتبارات مختلفة متنوعة؛ إما بسبب الحاجة إلى أحد الجنسين، أو لأجل اعتقاد سائد في فضل أحدهما وعيب الآخر ونقصه، أو لما قد يخشى من الضرر بأحدهما، أو ما قد يؤمل من النفع من أحدهما. كل ذلك وغيره من المسوغات يُبَرَّر به ذلك التفضيل وتلك الرغبة. وقد سلك الناس لتحقيق تلك الرغبة في تحديد جنس المولود مسالك عديدة وطرائق متنوعة قديمة وحديثة. وقد كتب جملة من الباحثين المتخصصين في الفقه والطب عدة بحوث فقهية وطبية تناولوا فيها الموضوع بالبحث في جانبه الطبي وكذا في جانبه الفقهي. ومن أبرز ما كتب في الجانب الطبي مما تيسر لي الوقوف عليه ما كتبه الدكتور عبدالرشيد بن قاسم في كتابه اختيار جنس الجنين دراسة فقهية طبية. وكذا ما كتبه الدكتور محمد النتشة في كتاب المسائل الطبية المستجدة.
وأملي في هذا البحث أن أشارك إخواني الباحثين في تجلية حكم تحديد جنس الجنين تأصيلاً وتفصيلاً. وذلك من خلال بيان الأصل الشرعي في حكم تحديد جنس الجنين على وجه الإجمال. ثم العطف على الطرق المتبعة في ذلك بإضاءات شرعية تساعد في تمييز الجائز منها من الممنوع.
خطة البحث
يمكن إجمال خطة بحث موضوع تحديد جنس الجنين فيما يأتي:
المبحث الأول: الأصل في تحديد جنس الجنين.
وفيه مطلبان.
المطلب الأول: حكم تحديد جنس الجنين.
المطلب الثاني: ضوابط في تحديد جنس الجنين.
المبحث الثاني: نظرة شرعية في طرق تحديد جنس الجنين.
وفيه مطلبان.
المطلب الأول: الطرق والوسائل العامة غير الطبية لتحديد جنس الجنين.
وفيه أربعة فروع.
الفرع الأول: النظام الغذائي.
الفرع الثاني: استعمال الغسول الكيميائي المناسب.
الفرع الثالث: توقيت الجماع.
الفرع الرابع: الجدول الصيني والطريقة الحسابية.
المطلب الثاني: الطرق الطبية لتحديد جنس الجنين.
الخاتمة. وفيها قيدٌ لأهم النتائج التي خلصت إليها.
هذا، والله أسال أن يعينني على الإفادة في هذا البحث، وأن يسددني في القول والعمل. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
([1]) القمر:49.
([2]) الحِجر: 21.
([3]) الدراري في ذكر الذراري ص 23.
([4]) الشورى:49-50.
([5]) آل عمران:14.
([6]) الكهف:46.
([7]) النحل:72.
([8]) الإسراء:6.
([9]) المدَّثر:12-13.
([10]) نوح:12.
([11]) الشعراء:132.
([12]) الصافات:100-101.
([13]) آل عمران:38.
([14]) الذاريات:49.
([15]) النبأ:8.