رد: على هامش كتاب الرسالة للإمام الشافعي
إن الله عز و جل كرّم هذه الأمة برسالة الإسلام ، فأرسل الرسول عليه الصلاة و السلام ليعلم المسلمين أحكام هذا الدين و كان أول من تلقى هذه الرسالة الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين فكان خطاب الشارع بلغة العرب التي شرب الصحابة من بلاغتها فكان فهم مقصود الشارع عندهم بالسليقة و ذلك لأنهم أول العلماء و الفقهاء ففهموا هذه الشريعة حق فهمها و أدركوا مقاصدها.
إن فهم الخطاب العربي أمر لابد منه لمن أراد أن يفهم خطاب الشارع و العرب الأوائل بفطرتهم يدركون خبايا هذا الخطاب.
يحكى أن الأصمعي قال: كنت أقرأ: السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله غفور رحيم، وبجنبي أعرابي، فقال: كلام من هذا؟ فقلت: كلام الله، قال: أعد، فأعدت، فقال: ليس هذا كلام الله، فتنبهت، فقرأت: ؟ واللهُ عَزِيْزٌ حَكِيْمٌ ؟ [المائدة: 38]، فقال: أصبت، هذا كلام الله. فقلت: أتقرأ القرآن؟ قال: لا، فقلت: فمن أين علمت أني أخطأت ؟ فقال: يا هذا، عز فحكم فقطع، ولو غفر ورحم لما قطع(زاد المسير، لابن الجوزي: 382) اهــ فأنظر رحمك الله كيف أن هذا الأعرابي فهم بسليقته أن كلام القارئ لا يستقيم.
لذلك كان الصحابة و هم العرب الأوائل أوعى الناس لخطاب الشارع ثم سار على نهجهم التابعون ثم من بعدهم إلى أن استعجم لسان العرب فكان لزاما على العلماء أن يحفظوا هذه العلوم.
قام الإمام الشافعي رحمه الله بكتابة أول كتاب في هذا العلم ، كتاب الرسالة ، فوضع فيه طريقة الفقهاء في استنباط الأحكام الشرعية فبنى كتابه على منهجية فريدة سنحاول دراستها إن شاء الله في هذا الموضوع المتواضع وسنقوم من خلال هذه الدراسة إن شاء الله بتحديد أسس بناء علم الأصول و سنقسمها إلى ثلاث أنواع :
1- أسس جمع القواعد الأصولية.
2- أسس استمداد معاني القواعد الأصولية.
3- أسس إثبات القواعد الأصولية.
بدأ الإمام الشافعي الرسالة بحمد الله ثم الصلاة على نبيه ثم ذكر مناقبه و مناقب هذا الدين ثم قال:
القاعدة الأولى للإمام الشافعي: مصدر الأدلة الشرعية كتاب الله عز و جل
قال :
فليست تنزل في أحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها (49) قال الله تبارك وتعالى * (كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد) * (50) وقال * (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) * (51) وقال * (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) * (52) وقال * (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم اهــ
لقد أصل الإمام الشافعي قاعدة عظيمة عند أهل السنة أن كل الأدلة الشرعية ترجع إلى كتاب الله فهو المرشد في كيفية استنباط الأحكام فما شرعه الله عز و جل من أدلة أخدنا به و ما لم يشرعه تركناه.
ثم بدأ الإمام الشافعي كتابه بباب "كيف البيان" أي كيف بين الله عز و جل لخلقه في كتابه الأحكام الشرعية.
و كأنه يقول أول ما يلزم أن يعرفه الفقيه ، كيف بين الله عز و جل لعباده ما تعبدهم به إذ العلم بخطاب الشارع هو أول مرحلة في استنباط أحكام الشريعة.
ثم قسم الإمام الشافعي رحمه الله هذا البيان إلى أربعة أقسام و حصر هذه الأقسام لابد له من استقراء لنصوص الشريعة و كأن الإمام الشافعي يقول جمع القواعد الأصولية لابد له من استقراء لنصوص الشريعة و على هذا نقول :
الأساس الأول في بناء القواعد الأصولية : المرحلة الأولى في علم الأصول هي جمع قواعد هذا العلم و يتم ذلك باستقراء نصوص الشريعة و دليل ذلك قوله تعالى {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين}.
أقسام البيان عند الشافعي
القسم الأول: ما بينه في القرآن نصا واضحا كتحريم الخمر.
القسم الثاني: ما احكم فرضه في القرآن و بين كيفيته في السنة أي ما جاء في القرآن جملة ثم فسرته السنة كعدد الصلوات.
القسم الثالث: ما جاءت به السنة دون أن يكون في القرآن نص على ذلك و قد فرض الله عز و جل طاعة رسوله عليه الصلاة و السلام فبين القرآن أن ما جاء به الرسول عليه الصلاة و السلام من الشرائع لابد من إتباعه لأنه شرع الله و مثال ذلك صلاة العيدين.
القسم الرابع: ما فرض الشرع فيه الاجتهاد و مثال ذلك التوجه شطر القبلة في الصلاة و تحديد جزاء الصيد في الحج لقوله تعالى : ( لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم).
و هنا أصل الشافعي قواعد فرعية نذكرها:
طرق إيجاد الأحكام أربعة:
- من كتاب الله
- من كتاب الله و سنة نبيه عليه الصلاة و السلام
- من سنة نبيه عليه الصلاة و السلام
- من الطرق التي فرضها الله في كتابه و سنة نبيه عليه الصلاة و السلام و من هذه الطرق الإجماع و القياس.
إذن إن جمعنا القواعد التي أصلها الإمام الشافعي رحمه الله و التي سيبني عليها كتابه:
القاعدة الكبرى: أن كل الأدلة ترجع لكتاب الله وعلى هذا يكون :
1- أساس جمع القواعد الأصولية هو النصوص الشرعية
2- إثبات هذه القواعد يكون كذلك بالنصوص الشرعية بطريقة مناشرة أو غير مباشرة و سنفصل ذلك لاحقا.
كيفية تطبيق القاعدة الكبرى بقواعد فرعية:
- إما بالرجوع لما هو محكم في كتاب الله و لا يحتاج تفسيرا.
- أو الرجوع لما هو مذكور في كتاب الله و مشروح في السنة.
- أو الرجوع لما هو موجود في السنة.
و هذه القواعد الثلاثة تقابل النص و المجمل في الكتب الأصولية الحديثة.
- أو استعمال الطرق التي فرضها الله على عباده في الكتاب و السنة و من هذه الطرق الإجماع و القياس فالقياس و إن كان من الأدلة العقلية إلا أن الشارع بين طريقة استعماله في كتابه فرجع إلى الأصل و هو الكتاب و السنة.
بعد ذلك شرع الشافعي في تفصيل كل نوع من البيان إلا أنه قسم ذلك في خمسة أبواب و الباب الذي أضافه هو قسم بين الأول و الثاني أي هو ما أحكم بعضه و فصل في القرآن و شرح بعضه الآخر في السنة و ذكر القاعدة الكبرى الثانية و هي "أن جميع كتاب الله إنما نزل بلسان العرب" التي شرحها الشافعي بقوله:
وإنما بدأت بما وصفت من أن القرآن نزل بلسان العرب دون غيره لأنه لا يعلم من إيضاح جمل علم الكتاب أحد جهل سعة لسان العرب وكثرة وجوهه وجماع معانيه وتفرقها ومن علمه انتفت عنه الشبه التي دخلت على من جهل لسانها (170) فكان تنبيه العامة على أن القرآن نزل بلسان العرب خاصة نصيحة للمسلمين والنصيحة لهم فرض لا ينبغي تركه وإدراك نافلة خير لا يدعها إلا من سفه نفسه وترك موضع حظه وكان يجمع مع النصيحة لهم قياما بإيضاح حق وكان القيام بالحق ونصيحة المسلمين من طاعة الله وطاعة الله جامعة للخير اهــ
و الخلاصة من هذه المقدمة أن علم الأصول يبنى على قاعدتين و هما :
1- أن كل الأدلة ترجع لكتاب الله عز و جل و سنة نبيه عليه الصلاة و السلام
2- و لفهم هذه الأدلة لابد من فهمها بأساليب العرب
وتفصيل ذلك : لبناء علم الأصول نحتاج ثلاث أسس بالاستقراء :
1- أسس جمع القواعد الأصولية وذلك يكون باستقراء الكتاب و السنة
2- أسس استمداد معاني القواعد الأصولية وذلك يكون من الكتاب و السنة و لغة العرب لأن القرآن عربي و ما شرع لنا الشارع استعماله.
3- أسس إثبات القواعد الأصولية و ذلك انطلاقا من الكتاب و السنة.
و الله أعلم.