العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

(وماذا عن فقه الأقليات المسلمة؟!)؛ لمعالي الشيخ: عبدالله بن بيه

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,134
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
وماذا عن فقه الأقليات المسلمة؟!
لمعالي الشيخ
عبـــدالله بــن الشيـــخ المحفــوظ بــن بيـــه

وزير العدل بجمهورية موريتانيا سابقًا
وعضو مجمع الفقه الإسلامي

حضرت في هذا الأسبوع في العاصمة البريطانية لندن مؤتمر الوسطية الذي دعت إليه وزارة الأوقاف الكويتية والمركز العالمي للوسطية بالكويت، وهو مؤتمر تميز بتنوع المشاركين فيه جغرافياً وفكرياً حيث وفدوا من مختلف مناطق أوروبا الشرقية والغربية من مختلف المراكز
والجمعيات، وكان الهدف تدارس أوضاع المسلمين الثقافية على ضوء مبدأ الوسطية الذي يجب أن يحكم حياة المسلم بعيدا عن الغلو والانحلال والإفراط والتفريط.
ومن بين المحاور التي عرضت للبحث تأصيل فقه الأقليات، وهو فقه ينكره البعض ويتجاوز به البعض حدوده، فهو إذن مجال للوسطية ولهذا احتاج إلى تأصيل، فتأصيل فقه الأقليات ينقسم إلى مقاصد وقواعد.
أما المقاصد فهي:
أولاً: مقصد عام وهو المحافظة على الحياة الدينية للأقلية المسلمة على مستوى الفرد أو الجماعة.
ثانياً: التطلع إلى نشر دعوة الإسلام في صفوف الأكثرية مع ما يستتبع ذلك من تمكين تدريجي للإسلام في الأرض.
ثالثاً: التأصيل لفقه العلاقة مع الغير في الواقع الحضاري والعالمي، وهو أمر قد لا يختص بالأقلية لتداخل الأوضاع العالمية لإيجاد حالة من الثقة المتبادلة والقبول.
رابعاً: التأصيل لفقه الجماعة في حياة الأقلية بمعنى الانتقال من الحالة الفردية إلى الحالة الجماعية.
أما القواعد فإنها لا تعني إحداث قواعد أصولية أو فقهية بقدر ما تعني التركيز في الاتجاه البحثي على قواعد موجودة في الموروث الأصولي والفقهي أكثر التصاقاً وأقرب وشيجة بواقع الأقليات لتمحيصه من جديد واستكشاف إمكاناتها في التعامل مع أوضاع الأقليات.
فقه الأقليات كسائر فروع الفقه يرجع إلى مصدري الشريعة: الكتاب والسنة إلا أنه عند التفصيل يرجع أولا: إلى كليات الشريعة القاضية برفع الحرج وتنزيل أحكام الحاجات على أحكام الضرورات، واعتبار عموم البلوى في العبادات والمعاملات وتنزيل حكم تغير المكان على حكم تغير الزمان ودرء المفاسد وارتكاب أخف الضررين وأضعف الشرين مما يسميه البعض فقه الموازنات والمصالح المعتبرة والمرسلة دون الملغاة.
«فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد». كما يقول ابن القيم في إعلام الموقعين.
وهي كليات شهدت الشريعة باعتبار جنسها فيما لا يحصر ولا يحصى من النصوص.
ثانياً: يرجع فقه الأقليات إلى نصوص جزئية تنطبق على قضايا وموضوعات ماثلة في ديار الأقليات وتشاركهم في حكمها الأكثريات المسلمة.
ثالثاً: يرجع فقه الأقليات إلى أصل خاص ببعض العلماء يعتبر حالة المسلمين في أرض غير المسلمين سبباً لسقوط بعض الأحكام الشرعية مما عرف بمسألة الدار التي نعبر عنها بحكم المكان وهو منقول عن عمرو بن العاص من الصحابة وعن أئمة كالنخعي والثوري وأبي حنيفة ومحمد ورواية عن أحمد وعبد الملك بن حبيب من المالكية.
وهو مؤصل من أحاديث كالنهي عن إقامة الحدود في أرض غير المسلمين أصله حديث أبي داود والترمذي وأحمد بإسناد قوي: «لا تقطع الأيدي في السفر».
فانطلاقا من هذه الأسس ومن الأدلة الإجمالية والأدلة التفصيلية وآراء أهل العلم يكون اجتهاد العلماء ترجيحاً انتقائياً أو إبداعياً إنشائياً، وإن كنت شخصياً أميل إلى النوع الأول ولا أجسر على النوع الثاني إلا بشاهد أي بنوع من التخريج لأن النوع الأول اختيار من أقوال العلماء لمصلحة اقتضت هذا الاختيار أو لدرء مفسدة قد يؤدي إليها تطبيق القول المتروك وبصفة أكثر دقة فسيكون الاجتهاد هنا على ثلاثة أضرب: اجتهاد جديد لإحداث قول في قضية جديدة قياسا على المنصوص في الأصلين؛ الكتاب والسنة. واجتهاد في تحقيق المناط، وهو اجتهاد لا ينقطع أبدا كما يقول الشاطبي لأنه تطبيق القاعدة المتفق عليها على واقع جديد تنطبق عليه هذه القاعدة وليس كالاجتهاد الأول الذي يختص به المجتهدون بل يستوي فيه المجتهد والمقلد.
أما النوع الثالث، فهو اجتهاد ترجيحي، وهو اختيار قول قد يكون مرجوحاً في وقت من الأوقات، إما لضعف المستند ـ وليس لانعدامه ـ فيختاره العلماء لمصلحة اقتضت ذلك، وهذا ما يسمى عند المالكية جريان العمل.
ولهذا فتسليط الأنواع الثلاثة للاجتهاد يكون في ضوء العناصر الثلاثة التي تحكم الفتوى، وهي واقع الأقلية والأدلة الإجمالية والأدلة التفصيلية.
من كل ذلك، تنشأ الفتوى في جدلية وتداخل وتكامل وتفاعل ينتج منه توازن بين الدليل والواقع يضبط به الفقيه طبيعة الفتوى ويرى به الحكم من خلال مرتبة الحاجة ومرتبة الدليل ومرتبة الحكم وكذلك من خلال التعامل بين الكلي والجزئي وهو تعامل دقيق لا يجوز فيه إهمال أي منهما بل يعطى كلا منهما قدر ما يستحق من الحكم، ولذا أصل المالكية لما سموه بالقاعدة البينية وهي إعطاء قضية واحدة ذات وجهين حكمين مختلفين باعتبار وجود دليلين.
وسترى هذه الأنواع من الاجتهاد من خلال مطالعة مشهد أوضاع الأقليات فيما يتعلق بأنكحتهم ومعاملتهم المالية وعوائدهم في الأكل واللباس والتعامل مع الناس في تهاني الأفراح والتعازي في الأحزان والأتراح والانخراط في الأحزاب والترشح والانتخاب إلى آخر القائمة.
فالأقليات تواجه تحديات عنيدة على مستوى الفرد الذي يعيش وسط بيئة لها فلسفتها المادية التي لا مجال فيها للوازع الديني وعلى المستوى الأسرة التي تحاول التماسك في خضم مجتمع تفككت فيه الروابط الأسرية واستحالت فيه العلاقة الزوجية بين الزوجين والأبوية بين الأبناء والأبوين علاقة غير قائمة على أسس من القوامة الإيجابية.
أما على مستوى المجتمع المسلم الصغير الذي يساكن هذه المجتمعات فهو مبعثر لا ينتظمه ناظم ولا يجمع شتاته جامع فالتحديات تطال العقيدة التي نعني بها أن يكون المرء مسلماً مؤمناً بالله وملائكته وكتبه ورسله وليس بالضرورة أشعرياً ولا سلفياً ولا معتزلياً وغير ذلك من التفسيرات التي تشوش على العامي.
ولعل العقيدة التي كتبها محمد بن أبي زيد القيرواني في صدر الرسالة والتي ترجع إلى نصوص الكتاب والسنة لا تختلف عليها طوائف أهل السنة هي أفضل شيء يتعلمه المسلمون في المهاجر لبساطتها وسلامتها من الجدل والتشويش.
كما تطال ممارسة العبادة مع ما يتطلبه من تكوين الجماعة المسلمة والمؤسسات الإسلامية من مساجد ومدارس ومراكز.
كما تطال العلاقة بالآخر وإيجاد وسائل التعايش التي تجنب المسلم الذوبان الثقافي. وكذلك تحرسه من التقوقع والعزلة ليصبح في النهاية عضواً فعالاً في المجتمع، أسوة بنبي الله يوسف عليه السلام عندما خاطب ملك مصر بقوله ? اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم?.
كل ذلك، يحتاج إلى فقه نفس يوازن بين الدليل والواقع مع ورع لا تشوبه وسوسة وجسارة لا ينغصها تهتك ولا جرأة.
 

السرخسي

:: مخالف لميثاق التسجيل ::
إنضم
21 سبتمبر 2008
المشاركات
170
التخصص
عام
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
مالكي
مقال رائع للشيخ العلامه عبدالله بن بيه حفظه الله وأطال في عمره .. وكم نحن في أمس الحاجة إلى علماء من أمثاله حفظه الله .
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
كتب الله أجركم جميعا
 
إنضم
12 نوفمبر 2011
المشاركات
54
الكنية
أبو هاجر
التخصص
فقه الأقليات المسلمة
المدينة
مراكش
المذهب الفقهي
سني مالكي
رد: (وماذا عن فقه الأقليات المسلمة؟!)؛ لمعالي الشيخ: عبدالله بن بيه

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبراكاته
جزاك الله كل خير أخي الفاضل على تطرقك لهذا الموضوع الجديد في موضوعات الفقه الإسلامي العام ،حيث أن الموروث الفقهي الإسلامي العام لم يتضمن سوابق كثيرة لتجليات و تداعيات قضايا الأقليات المسلمة في البلاد غير الإسلامية ، وأن المدونة الفقهية و الأصولية للفقه الإسلامية العام لم يكن لها هي الأخرى بيان ثري يتناول بشكل شامل أحكام العلاقات الاجتماعية ، و تصرفاتهم الاقتصادية وسائر أحوال شؤونهم العامة فيما له صلة بالمجتمع غير المسلم الذي يعيشون فيه ، فلازالت مجهودات علمائنا الأماجد تبحث في بطون أمهات كتب تراثنا الإسلامي عن مدونة فقهية أصولية جديدة ، هي جزء من الفقه الإسلامي العام ، لكنها خاصة بقفه منشود سمي فقه الأقليات بقواعد و أصول فقهية مستقاة من الهوامش الواسعة للاستثناءات و الخصوصيات التي تحفل بها الشرعة الإسلامية ، وهنا لا زال السؤال مطروحا ما هي هذه القواعد و الأصول التي يمكن أن يرتكز عليها فقيه الأقليات في استنباط أحكام الأقليات المسلمة من أدلتها التفصيلية ، و تمكينه الاجتهاد في هذه الصناعة الجديدة ؟
حياك الله و رعاك
 
إنضم
14 ديسمبر 2015
المشاركات
14
التخصص
أصول الفقه
المدينة
صنعاء
المذهب الفقهي
مستقل
رد: (وماذا عن فقه الأقليات المسلمة؟!)؛ لمعالي الشيخ: عبدالله بن بيه

كلام جميل
أحسن الله إليكم
 
أعلى