العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

المصادر المرفوضة عند أهل الظاهر

إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
1,762
الإقامة
ألمانيا
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
ألمانيا
المدينة
مونستر
المذهب الفقهي
لا مذهب بعينه
قال أبو عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري:

مصادر التشريع ( الصحيحة والمرفوضة ) التي تباحث فيها الأصوليين من علماء الملة، سبعة مصادر لا ثامن لها ( في قسمة العقل ) البتة:
1- شرع الله الذي جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
2- شرع الذي جاء به أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم قبل محمد صلى الله عليه وسلم.
3- قول دون الله ورسله، كقول الإمام المعصوم عند الروافض، قبحهم الله.
4- رأي لا يستند إلى منطوق الشرع.
5- رغبة مجردة ( هوى ).
6- الإجماع، ومنه وجوه لم تشرع، وإنما كان مصدراً؛ لأن المستدل به لا يفتقر إلى مستنده.
7- الدليل.
وسنتحدث في هذا البحث عن المرفوض من هذه المصادر:
2- شرع الله المنسوخ ( ):
ما كان من شرائع الأنبياء عليهم السلام موجوداً نصه في القرآن، أو عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز العمل بشيء منها إلا أن نكلف به بخطاب من ملتنا، وشريعة إبراهيم عليه السلام شريعة محمد صلى الله عليه وسلم.
وبرهان أن شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا، قوله صلى الله عليه وسلم: ( أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى كل أحمر وأسود ) ( ).
3- قول دون الله ورسوله: ولهذا القول باعتبار صاحبه أنواع، كالتالي:
أ- الإمام المعصوم: عند الروافض، وأما أهل السنة والجماعة فعندهم أن الإمام المعصوم في شرعه هو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وهو الواجبة طاعته بالبراهين من النصوص، والمعجزة الظاهرة، ومن عداه فالأمر بطاعته مجرد دعوى، وحاشا لله أن نطيع من لم نُؤمر بطاعته.
ب- قول الصحابي عند من يرى قول الصحابي حجة: وعند أبي محمد أن قول الصحابي إذا كان رواية يسندها إلى الله ورسوله؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم عدول الأمة، واجب قبول روايتهم، توسلاً إلى طاعة الله.
فإن كان رأياً واجتهاداً منه ( ): فلا يلزم، وكل كتب أبي محمد مشحونة بقوله: ( لا حجة في أحد دون الله ورسوله ).
ج- قول أي عالم مجتهد عند من يقلده: والبرهان على أن هذا القول ليس حجة: استصحاب النصوص الكثيرة التي حرمت علينا أن نتبع أحداً دون الله ورسوله.
ومن يخالف ذلك يقول: إننا نطيع المجتهدين في التبليغ عن الله، والله أمرنا أن نسأل أهل الذكر، والعلماء المجتهدون هم أهل الذكر، وهم أولو الأمر.
ويجيب أبو محمد: بأن المطاع حينئذ البرهان الذي بلغوه، وهذا البرهان ليس سوى النصوص، وما انبثق منها من إجماع أو دليل.
قال أبو عبد الرحمن: يرد على أبي محمد: إن العامي في حكمه لا يستطيع أن يجتهد، فلا بد له من ( ) سؤال أهل العلم، وطاعتهم، وليس أهلاً لاعتقاد البرهان مجرداً عن اجتهاد العلماء، وإنما يأخذ اجتهادهم تقليداً لا مفر من هذا ( ).
ويبدو أن أبا محمد لم يستطع الحيصة عن هذا الإلزام، فقال: ( يلزم العامي إذا سأل الفقه فأفتاه أن يقول له: من أين قلت هذا ؟ فيتعلم من ذلك مقدار ما انتهت إليه طاقته، وبلغه فهمه ).
قال أبو عبد الرحمن: ليس هذا بشيء؛ لأن العامي ليس له فهم يوجه به مثل هذا السؤال، هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى: إنه لن يجد مجتهداً يقول له الذي قلته حكم الله ؟ سيقول مهما كان يقينه من صحة فتواه: هذا من اجتهادي.
قال أبو عبد الرحمن: والصواب عندي أن المسلم لا يخلو من أحد أمرين لا ثالث لهما:
أحدهما: أن يكون لديه من الأداة وفهم النصوص ما يمكنه من الاجتهاد في مسألة ما، بحيث يستطيع أن يفهم الخلاف بين أهل العلم في المسألة، ويوجه، ويستدل، فهذا لا يسعه إلا الاجتهاد، وهو معذور إن أخطأ، مأجور مرتين إن أصاب، واجتهاده خير له من اجتهاد غيره له، وإن كان غيره أعلم منه، وهذه دعوى دليلها: أن الله أمرنا بالنفور في طلب العلم لنفقه، أي نعلم، فنعمل، ثم نعلّم، فكل من علم مسألة فهو أهل للاجتهاد فيها، لا يحل له تقليد غيره، وليس من المحذور أن يأخذ أصول مجتهد بعينه عن حجة واقتناع.
وثانيهما: أن يكون عامياً، أو في حكم العامي، ففرض عليه سؤال أهل العلم كما أمر الله، ولا يتقيد بعالم بعينه ( ) ؛ لأن الحق ليس في جهة واحدة، بل يسأل من نصبه الإمام للقضاء والفتوى ( )، أو من رأى المسلمين يعولون عليه في الإفتاء ( )، فإن علم عن هذا العالم رقة في دينه، فليبحث عن غيره، فيجتهد في اختياره من يقلده أمر دينه أمانة، وصدقاً، وعلماً، لا يهمه أن يكون حنفياً ( )، أو ظاهرياً.
ولا يحل له أن يستفتي جماعة من العلماء، ويتخير من أقوالهم ما شاء، لأنه لا سند له في اختياره إلا الهوى، أو البخت.
فإن اختار فتوى من غلب في ظنه أنه أصلحهم، وأورعهم، وأعلمهم ( ) بحكم ما استفاض عند الناس: فلا بأس؛ لأنه اجتهد في اختيار الأمثل.
وهذه بدائه لا نفيض فيها بأكثر من ذلك، وبناء على كل ما سبق: فلسنا نعتبر قول من دون الله حجة، ولكننا نمتثل قول الله، إما باجتهادنا إن كنا من أهل الاجتهاد، وإما باتباع أهل العلم إن كنا لا نعلم، ونيتنا ألا نمتثل باجتهادنا إلا ما غلب في ظننا أنه مراد الله.
وأننا لا نمتثل لاجتهاد أهل العلم لنا إلا إذا غلب في ظننا أنهم أهل العلم المعنيون بقوله تعالى: { فاسألوا أهل الذكر } وإذن فسؤالهم اتباع لقول ربنا، فلم نتبع قولاً غيره.
والمجتهد هو من قام البرهان عنده على صحة قوله قياماً صحيحاً، والعامي يحسن إقامة البرهان.
4- إجماع لم يشرع:
وجوه الإجماع غير المشروعة كالتالي:
أ- اتفاق الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم: فإن اختلفوا: فليس أحدهم أولى بالاتباع من الآخر، ولا سبيل إلى أخذ ما اختلفوا فيه، واتفاقهم ليس إجماعاً، فلا حجة إلا فيما اتفقوا فيه مع سائر الصحابة.
قال أبو عبد الرحمن: قوله صلى الله عليه وسلم: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين ) صريح في أن سنة الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم حجة، ولو لم يوافقهم سائر الصحابة، وسنتهم هي ما يمضونه من أحكام في خلافتهم، لم يعارضها نص صحيح غاب عنهم.
فإن اختلفوا: فيسعنا الاجتهاد، وإن مضت سنة أحدهم، ولم ينقضها الآخر: فالانقياد لهذه السنة: واجب.
وأبو محمد يقول: إنهم لن يسنوا خلاف سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ونحن نقول: قد لا تنقل إليهم سنة فيجتهدون، كالعول، سنة ماضية باجتهاد عمر رضي الله عنه، وقلت سنة ماضية لقوله صلى الله عليه وسلم: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين ) فإن بان لنا نص صحيح غاب عنهم: صرنا إليه ( ).
ولست أسمي هذا إجماعاً؛ لأنهم رضي الله عنهم ليسوا كل المؤمنين، ولكنني أسميه دليلاً؛ لأن طاعة سنتهم معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ( عليكم بسنتي ) الحديث ( ).
ب- اتفاق الأئمة الأربعة:
لا سند لهذه الدعوى إلا أن هؤلاء الأئمة الأربعة أبا حنيفة، ومالكاً، والشافعي، وأحمد، أكثر أتباعاً، وهذا يأتي بيانه في قول الأكثرين، وأنه ليس بحجة.
ج- إجماع أهل المدينة ( ):
من يرى أنه حجة يستدل بأخبار صحيحة في فضل المدينة، وأن أهلها شهدوا آخر العمل من الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد أفاض أبو محمد في الاستدلال الجيد على إبطال هذا المصدر، وأمتع ما في استدلاله – وكله قوي – أن العلم بآخر عمله صلى الله عليه وسلم مشترك بينهم وبين الأمصار، وبأن أهل المدينة يتلقون علم الشرع بواسطة الصحابة في أي مكان كان، وبأنه يخفى عليهم آخر العلم، ويختلفون فيه، ولا فرق.
وخير أنموذج لذلك: اختلافهم في الأذان الذي ينادي به خمس مرات في اليوم والليلة، وبأنه يتعذر معرفة إجماع أهل المدينة، وبأنهم ليسوا كل المؤمنين.
قال أبو عبد الرحمن: لست أعتبر إجماع أهل المدينة على فرض إمكان معرفته حجة، ولا دليلاً، إلا أن ما ذكره المحتجون بهذا الإجماع مما يجب أن يستأنس به المجتهد في الترجيح بين الأدلة.
د- إجماع أهل الكوفة:
هذه دعوى مجردة من البرهان، نستدل على صاحبها بقول الله تعالى: { قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين }.
هـ- عمل أهل قرطبة:
قال أبو عبد الرحمن: هذه آبدة من الأوابد !
و- عرف الناس ( ):
عرف الناس لا يكون مصدراً للشرع؛ لأن الناس يتعارفون على الظلم والجور، ولكنه حجة في معرفة مقاصد الناس، وتطبيق الأحكام التي تنفذ وفق مقاصدهم، كالأيمان، تحمل على لغة الحالف.
ز- ما لا يعرف فيه خلاف:
يدخل في ذلك الإجماع السكوتي، وقولة الصحابي إذا لم يعرف له مخالف، واتفاقهم على ترك قولة ما، وحجة أبي محمد في إنكارهم كلها حول تقرير أن عدم العلم بالخلاف لا يعني العلم بعدم الخلاف، إذن فلا يصدق عليه اسم الإجماع.
قال أبو عبد الرحمن: لست أعتبر هذا الأصل إجماعاً، ولكنني استصحب فيه حكم الإجماع دليلاً إجماعياً؛ لأن تفرق علماء الأمصار ورحلاتهم، وعنايتهم بجمع مسائل الشريعة، وتلقيهم أقوال العلماء المجتهدين، وانتشار كتبهم، واشتهار علماء الأمة بأسمائهم، وأنسابهم، يعطي الظن الراجح بحكم ضرورة العقل بأنه لم يند عن علمهم خلاف من عالم معتبر بعد كل هذا التقصي الذي أفنوا فيه أعمارهم وجهودهم.
ونحن مستصحبون هذا الأصل، وبهذا يكون الحكم: أن عدم معرفة الخلاف يعني عدم وجوده اعتباراً.
فإن عارض هذا الأصل نص: فالحكم للنص، ولا سبيل إلى معرفة اتفاق العلماء إلا بألا نعرف عن أحدهم خلافاً، وجعلناه دليلاً إجماعياً؛ لأن ارتفاع الخلاف معنى الإجماع.
ح- اتفاق من أيدهم النص على أحد فروع المسألة:
مثل ذلك الحكم بالعاقلة اختلف فيه الناس، فقال به الجمهور، وخالف قوم منهم عثمان البتي؛ لأنهم لم يعرفوا ما العاقلة ؟
ثم تفرع عن الحكم بالعاقلة خلاف في معرفة من يعتبر من العاقلة، فيكون اتفاق الحاكمين بالعاقلة على أن فلاناً من العاقلة إجماعاً، ولا يضره أن البتي ومن ( ) معه لم يتفقوا معهم على أن فلاناً من العاقلة؛ لأنهم في الأصل لا يعرفون ما هي العاقلة، فلم يضر خلافهم.
وهو حجة عند أبي محمد لو أمكن معرفته، ولكن لا سبيل إلى معرفته، فلم يكن مصدراً للمعرفة.
قال أبو عبد الرحمن: هذا داخل فيما لا يعرف فيه خلاف؛ لأن حكم عثمان في فرع المسألة حكم من لا قول له في المسألة.
ط- إجماع الأكثرية:
أفاض أبو محمد في نقض هذا المصدر، وأدلته تدور حول تقرير مسألتين:
إحداهما: إنه قد يخطئ الأكثر، ويصيب الأقل، ويستدل بقوله تعالى: { وما أكثر الناس لو حرصت بمؤمنين } .
قال أبو عبد الرحمن: هذا صحيح، ولا يرد هذا على مسألتنا؛ لأن حديثنا في الأكثر من المؤمنين، ولم يقل سبحانه: ( وما أكثر المؤمنين لو حرصت بمحقين ) حتى يقوم الدليل.
والصواب عندي: أن قول الأكثر ليس إجماعاً؛ لأن الخلاف واقع من الأقلين، وليس دليلاً على المجتهد؛ لأنه متعبد باجتهاده إذا قام له البرهان بنى عليه.
وأخراهما: أنه يتعذر معرفة الأكثر.
ك- إجماع أهل العصر:
وحجة بطلانه استحالة معرفته.
ل- الإجماع على أن حكم المسلمين سواء ( ):
قال أبو عبد الرحمن: المثال لأي مسألة: إما أن يكون حقيقياً، وإما أن يكون اعتبارياً، أي باعتبار تصحيح المحتج له، وإما أن يكون فرضياً، غير صحيح حقيقة، ولا اعتبار.
وسأمثل لهذه المسألة بمثال فرضي، فأقول: لنفرض أن العلماء أجمعوا على ( ) أن حكم السكر كحكم البر في حرمة الربا، أو حله، فصح النص على أن البر بالبر حرام، فالإجماع على أن السكر بالسكر حرام.
قال أبو عبد الرحمن: إذا صح هذا ولو بعدم معرفة الخلاف فهو حجة، يعتبر دليلاً إجماعياً.
5- معقول لم يشرع:
الرأي الذي يجعلونه مصدراً للتشريع على قسمين:
1- فهم العقل.
2- حكم العقل.
أما فهمه: فهو إدراك الموجود كما هو موجود، وإدراك الشرع كما ورد.
وأما حكمه: فهو معرفته الاستدلالية، فضرورة الفهم عن الله بالعقل لا بالتقليد مطلب شرعي؛ لأن الله أمرنا باستعمال عقولنا، وما أوجبته ضرورة العقل وترتب على تركه محال شرعي بمنطوق الشرع، فهو حكم شرعي.
خذ مثال ذلك: قولنا: تستجلب المصلحة الكبرى بالمفسدة الصغرى ) فهذا دليل عقلي؛ لأن الشرع لم يأت نصاً بهذه البديهة، ولكنها حكم شرعي؛ لأن مقتضاها مقتضى الشرع على حسب فهم العقل، والدليل على ذلك أنه لا بد من أحد أمرين لا ثالث لهما:
1- أن نترك المصلحة الكبرى لأدنى ضرر: وهذا يخالف الشرع؛ لأنه كلفنا واجبات ليس فيها ما هو متمحض للمصلحة الخالصة، بريء من أدنى ضرر، فلو لم تستجلب المصلحة الكبرى بالضرر الأدنى لتعطل الشرع، وهذا محال.
2- أن نستجلب المصلحة الكبرى بالضرر الأدنى: وهذا هو المتعين، وهكذا كل ضرورات العقل التي يجر تركها إلى محال تعتبر دليلاً شرعياً إذا تعلقت بمسائل الشرع؛ لأن المحال قسمان:
1- محال في شرع الله كما بينته في المثال السابق ( ).
2- محال في تكوين الله: كأن يكون الشيء موجوداً، أو غير موجود في زمان، ومكان واحد.
والشرع لا يأتي بمحال بدليل آيات رفع الحرج، والمحال أحرج الحرج، وما عدا ذلك من العقليات بغير الشرع فنعتبره من المصادر المرفوضة، كالشبهية، والمثل، جعلوها مصدراً للحكم، فإذا وجدوا في مكانين لم ينص على حكم أحدهما: استمدوا منها حكم المنصوص عليه، وذلك بالقياس.
قال أبو عبد الرحمن: كل موجود في ترتيب الله الذي أدركناه بقسمة العقل لا يخلو من أمرين لا ثالث لهما:
1- أن يكون هذا الموجود غير الموجود ولا يشبهه، ولا يماثله، بوجه من الوجوه.
2- أن يكون هذا الموجود غير ذلك الموجود ولكنه يشبهه من وجه، أو أكثر.
وقد تقول: بل هناك قسم ثالث، وهو:
3- أن يكون هذا الموجود غير ذلك الموجود، ولكنه يشبهه من كل وجه.
قال أبو عبد الرحمن: لو أشبهه من جميع الوجوه لكان هو، إلا أن قانون الذاتية ( الهو هو ) يأبى ذلك.
وإذا اتضح هذا: فما كان غيرياً من كل الوجوه، فلا مدخل للشبهية فيه.
وما كان غيرياً من بعض الوجوه فلا يجوز أن تساويه بغيره لمشابهته له من بعض الوجوه؛ لأن هذه التسوية تذيب الغيرية.
فلا محيص من القول بأنهما مثلان فيما اشتبها فيه، وأنهما غيران فيما اختلفا فيه.
هذه بديهة، وإذا تجلت هذه البديهة فلا بد أن ننظر في هذه الشبهية التي اقتضت الحكم الشرعي عندهم، وعلاقتها بالنص، فلا تخلو الحال من أحد أمرين لا ثالث لهما:
1- أن يكون النص ورد في الشبهية ذاتها، كقوله تعالى: { فمن اعتدى ( ) عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } وقوله: { فجزاء مثل ما قتل من النعم } ففرض أن نطبق حكم هذا الوصف في أي محل وجد.
فالشاة مثل الظبي، والنعامة مثل الناقة، وتحقيق المثلية موكول إلى اجتهاد ذوي العدل منا، وإذ قررنا أن كل موجودين تماثلاً لا بد أن يتغايرا بوجه.
فقد يكون هذا الغير مانعاً من حكم الوصف الذي اشتبها فيه، كالاعتداء يتماثل فيه القتل بالسيف، والقتل بالنكاح المحرم، فنقول: القتل بالسيف مثل القتل بالنكاح في وجوب الاقتصاص؛ لأنهما اعتداء، والنص ورد بالوصف الذي اشتبها فيه، ولم يرد بالمحل، إلا أنه يمنع من تطبيق الحكم الذي اشتبها فيه الغير الذي اختلفا فيه، وهو النكاح المحرم، ولهذا لا أقول كما قال أبو محمد: يستدبر بوتد حتى يموت.
وإنما أقول: وجد المقتضى وهو الاعتداء الذي تماثلا فيه، ووجد المانع، وهو النكاح المحرم، وهذا داخل في قانون التعارض، والصرف عن الظاهر.
2- أن يكون النص ورد بالمحل: كوجوب الغسل من ولوغ الكلب سبع مرات.
وإذن: فتعدية الحكم إلى الخنزير بأي وجه اشتبها فيه افتيات على الله؛ لأن النص ورد في الكلب، ولم يرد في صفة معينة توجد في الكلب، إذ لم يقل النص: إذا ولغ الحرام أكله، أو إذا ولغ النجس، أو إذا ولغ ذو الناس، أو إذا ولغ ذو الذنب الطويل المعكوف ... الخ، وهذه الاستدلالات البديهية لم يذكرها أبو محمد.
وبهذا تعلم أنني رضيت دعوى أبي محمد، والتمست غير أدلته ما يتفق ومنهجي في عصمة الدعوى ببرهان يقيني لا يغلب.
ومن مذاهبهم في الشبهية: أن ينظروا في المحل، فإذا كان فيه خمسة أوصاف من التحليل، وأربعة من التحريم: غبوا الذي فيه خمسة أوصاف.
قال أبو عبد الرحمن: ننظر أولا: هل هذه الأوصاف معتبرة بمنطوق الشرع أم لا ؟ فإذا صح اعتبارها: فلا مانع من ترجيح الأكثر وصفاً؛ لأن ضرورة العقل قضت بأن نأخذ بالأرجح، ولأن ترجيح المرجوح سفه، والضرورة العقلية حجة شرعية ( ).
وهكذا نقول عن بقية المعاني العقلية التي شرعوا بموجبها، فنقصر الأسباب والعلل على أماكنها، إلا إذا ورد نص باعتبارها في التسوية في الحكم، وكذلك اطراد وصف ما، أو شبه ما، أو على ما، أو أي معنى ما، لا نجعله حجة إلا يطرد الشرع له.
ومن معانيهم العقلية: الاحتياط بأكثر ما قيل، وسد الذرائع، والخروج من عهدة الخلاف، وأيدوا ذلك بحديث: ( فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ).
ومذهب أبي محمد وهو الحق الذي لا يحل خلافه: أن الاحتياط في التوقف عن القول على الله بغير علم في متشابه القرآن، والتوقف عن محذور تيقنا وجوده، كالوضوء بماءين نعلم يقيناً أن أحدهما نجس، ولا نعلم أيهما النجس، فمن توضأ بهما، أو بأحدهما: فلم يحتط.
أما أن نشرع شيئاً من عندنا احتياطاً: فلا، كإسقاط شهادة العدول إذا كانوا أبناء احتياطاً عن المحاباة.
والصواب أن يقال: هل ورد بنص شرعي أن تهمة القرابة تمنع من الشهادة احتياطاً ؟
وحينئذ فالحكم للنص، وإلا فالأصل قبول شهادة العدول، وعلى هذا: فمن قوى في الظن أنه يحابي: تركنا شهادته، لا بالاحتياط، وإنما للخل في عدالته.
قال أبو عبد الرحمن: تقبل شهادة أحمد بن حنبل لابنه على أجل الأمر خطراً، فلا ترد شهادة إمام السلف احتياطاً من تهمة الأبوة، ولا تقبل شهادة أبي نواس في حبة خردل؛ لأنه غير عدل، لا لأنه أب.
6- الرغبة المجردة والتحكم:
كل رأي مرسل لم يصحبه قائله ببرهان أو شبهة: فلا بد أن يكون لرغبة في النفس، فهذا هو اتباع الهوى، أو بلا رغبة ولا برهان، وهذا هو التحكم، والترجيح بلا مرجح، والأخذ بالبخت، ويدخل في هذا الباب: الاستحسان، إذا لم يقم عليه دليل.
أما من اصطلح على أن الاستحسان ترجيح قياس على قياس، أو دليل على دليل، فالعبرة بوجه الترجيح، هل هو معتبر شرعاً، أو غير معتبر.

هذا المقال فصل من كتاب تحرير مسائل على مذهب الإصحاب لابن عقيل نسخه الشيخ ابن تميم الظاهري بارك الله فيه وفي كل المسلمين
 

سليم المصمودي

:: مخالف لميثاق التسجيل ::
إنضم
26 يونيو 2008
المشاركات
41
بارك الله فيك اخي الحبيب عبد الرحمان الظاهري...
وبارك الله في شيخنا العلامة ابن عقيل ...
 
إنضم
27 مارس 2008
المشاركات
365
التخصص
أصول الفقه
المدينة
قسنطينة
المذهب الفقهي
حنبلي
أعلى