العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

في ذكرى أستاذ المحققين د. محمد أبو الأجفان يرحمه الله

محمد المالكي

:: عضو مؤسس ::
إنضم
28 ديسمبر 2007
المشاركات
299
التخصص
الفقه
المدينة
مكة
المذهب الفقهي
000
في ذكرى أستاذ المحققين د. محمد أبو الأجفان التميمي رحمهم الله 1-2
http://www.al-madina.com/node/380167/risala
د. قيس المبارك
الجمعة 25/05/2012


استحييتُ أنْ أستدعي الدكتور للنظر فيما حلَّ بي من مصاب، ولم يكن أمامي إلا البقاء حبيس غرفة انتظارا للفرج بطلوع الفجر وما كاد أن يطلع
في ضحى يوم الأربعاء التاسع والعشرين من شهر رجب سنة 1406هـ وفي زاوية صغيرة من صحن مبنى المجمع الثقافي في أبوظبي كان اللقاء الأول مع أستاذ من أساتذة العصر وعلم من أعلام المحققين وهو الأستاذ الدكتور محمد بن الهادي أبو الأجفان التميمي القيرواني رحمه الله وجمعنا به في مستقر رحمته . كان لقاءً قصيراً لم يتجاوز نصف ساعة، لكنه كان أشبه باجتماع عملٍ أُعدَّ له من قبل، فقد رسمنا فيه خطةً لمسيرة علمية نافت على عشر سنوات، لقيتُ منه خلالها خير ما يلقى تلميذٌ مِن أستاذه .
وبعد هذا اللقاء بشهور رأيتني في مطار قرطاج بتونس، وكان أستاذي في استقبالي في ليلةٍ مِن ليالي القُرِّ شَاتيةٍ، وكان برفقته طالب بحريني، وهو الصديق العزيز الدكتور عبداللطيف الشيخ محمد صالح، فانتقلنا إلى داره العامرة بحي الوردية جنوب العاصمة، وكان الحديث علمياً جاداً لا يشوبه شيء من فضول الكلام، وكانت المفاجأة حين انتهينا من العشاء وهممنا بالانصراف، أنْ أجد حقيبتي في البيت، وأجده يرغب إليَّ أنْ أبيت في داره، ولم أتردَّد في إجابته لِمَا رأيتُ من كريم شمائله، فإجابة الكريم مِن إكرامه، وعقدتُ العزم أنْ يأذن لي بالانتقال بعد ثلاثة أيام ففي الحديث: (الضيافةُ ثلاثة أيام) .
وكانت ليلة من أصعب الليالي، بل هي من شدائد عمري لا أنساها، فقد كان البردُ شديداً، ورغم وجود التدفئة والأغطية، فلم أستطع المبيت من شدة البرد، واستحييتُ أنْ أستدعي الدكتور للنظر فيما حلَّ بي من مصاب، ولم يكن أمامي إلا البقاء حبيس غرفة بل ثلاجة، انتظارا للفرج بطلوع الفجر وما كاد أن يطلع .
وفي الصباح أفطرنا ثم خرجنا لشؤوننا، وبعد انقضاء الأيام الثلاثة استأذنته أنْ أنتقل للسكنى في فندق بوسط البلد لأكون قريباً من مواضع حاجتي لإنهاء إجراءات تسجيلي للدراسة بجامعة الزيتونة وزيارة الدور والمؤسسات التعليمية كدار الكتب الوطنية وغيرها .
ومن نعم الله عليَّ أنْ أكرمني بالتلمذة على أساتذة كبار كالشيخ محمد الشاذلي النَّيفر والشيخ محمد الطَّيب بسيِّس والدكتور محمد أبو الأجفان رحمهم الله والشيخ الطاهر الرحموني حفظه الله وغيرهم، وكان أرفقهم بنا هو الشيخ محمد الشاذلي النَّيفر وأشدُّهم علينا أبو الأجفان، ففيه شيء من حدَّة قومه تميم، رحم الله الجميع .
وخلال فترة إقامتي في تونس كنت أتلقَّى منه اتصالا كل يومين أو ثلاثة، يدعوني إلى داره العامرة، رغم أنه ليس من أهل المال، لكنه كرم النفس، فلا أذكر يوماً أتيته إلا وقد أعدَّ لي اثنان أو أكثر من أجاويد الطلبة والباحثين، ينتقيهم كما ينتقي أحدُنا أطايب الطعام، من شتى بقاع العالم الإسلامي، فيكون لقاءً علميا معرفيا لا يشوبه هزل، وكان خلال ذلك حفيَّاً بهم يتبسَّط معهم في الحديث ويرعاهم رعايته بأولاده، وربما دفع لبعضهم مساعدة إن كانوا من المحتاجين، ولا أنسى زوجته المصونة الأستاذة القديرة وحيدة المنيف، فقد كانت خير معين له في إكرام ضيوفه، بل كانت خير رفيق له في دربه العلمي لما جبِلَت عليه مِن صلاح واستقامة وكريم طباع .
فكانت رعاها الله تتحمَّل عبء الضيافة لضيوفه، وبنفسٍ طيِّبة سخيَّة، فلا يكاد يمضي عليه يومان أو ثلاثة إلا وعنده عشاء أو غداء، فكان دارُهُ ملتقى علمياً ثقافياً لطلابه الذين يجمعهم محبته والوفاء له، مثل الدكتور محمد عبدالرحمن طوالبة والدكتور
عبدالناصر أبو البصل والدكتور ناجي العربي والدكتور إبراهيم المريخي والدكتور عامر الحافي والدكتور نعيم الكثيري والدكتور دعيج المطيري والدكتور حمزة أبو فارس والدكتور أحمد
عبدالكريم هارون التيجاني والدكتور عز الدين بن زغيبة والدكتور ضياء الحق والدكتور المفضَّل المومني وغيرهم الكثير .
 
التعديل الأخير:

محمد المالكي

:: عضو مؤسس ::
إنضم
28 ديسمبر 2007
المشاركات
299
التخصص
الفقه
المدينة
مكة
المذهب الفقهي
000
رد: في ذكرى أستاذ المحققين د. محمد أبو الأجفان يرحمه الله

http://www.al-madina.com/node/381626/risala
في ذكرى أستاذ المحققين الدكتور محمد أبوالأجفان التميمي رحمهم الله 2-2
د. قيس المبارك
الجمعة 01/06/2012

* وفي يوم المناقشة أبدى رأيه وحجَّته، وطلب مني أنْ أبدي حجتي، ولم يكن مرادُه رحمه الله أنْ يُحرجني، بل كان يريد أن أُفصِح عن نفسي أمام لجنة المناقشة
وهكذا استمر التواصل مع أبي رافع، صاحبته خلال سنوات دراستي في الكثير من زياراته العلمية لرجالات تونس ولمؤسساتها التعليمية، وسافرت معه للقيروان، وجرت بيني وبينه مراسلات، فكنت أجمع رسائله في ملف خاص، لما تحويه من مشاعر نبيلة وتوجيهات ونصائح، حتى أني ذُهلتُ حين أحصيتُها فكانت ثمانين رسالة! أغلبها من صحيفتين أو أكثر.
ففي بعض رسائله يعبر عن شوقه للقاء ويستنجد بابنه أنيس فيقول: (إن أنيسًا يسألني متى تعود إلينا بتونس، فماذا أقول له؟).
وأحيانًا بل غالبًا يعتب عليَّ قلة المراسلة وقلَّة التعبير، فيقول مثلاً: (وأما كتاب فتاوى ابن سراج الذي عند سالم فقد فاجأْتني بأمره، ولكنك كنت شحيحًا جدًا في التعبير، موجِزًا إلى درجة الإخلال سامحك الله، ولئن كان اللبيب بالإشارة يفهم، إلا أنه يحتاج إلى فهم أكثر فلا تكفيه الإشارة (فله العُتبى رحمه الله فرسائله ملأى بالأخبار، ورسائلي ليست كذلك).
ومن رسائله رسالةً بعث بها إليَّ مع تقديمه لكتابي -المسؤولية الطبية- ولأنَّه بالغ في الثناء، فقد خشيَ أن أحذف بعض ثنائه فقال: (وبعد عودتي من مصر، انعزلت في قُرْبُص لـلتداوي الطبيعي، وهناك تمكنت من كتابة التقديم الذي طلبته مني، وكنت قبل ذلك مُتهيِّباً من كتابة هذا التقديم حائرًا وخائفًا ألا أحسن التعبير عما يجول بـنفسي، وكانت الإعانة الإلهية لـلخروج من نطاق الحيرة والخوف، وكتبت معبرًا عما في نفسي نحو بحثك، ورضيتُ عما كتبت، بحيث أرجو ألا تُغَيِّر إلا بالزيادة إن أردت، أما بالنَّقص فلا)
لقد استفدتُ الكثير من علمه، ونهلت الكثير من شمائله وأخلاقه، فكان لصحبتي له ورفقتي به أكبر الأثر عليّ، فقد كان كتابًا ناطقًا، فمن حين نخرج من داره ونمضي في طريقنا ونحن في سياحة علمية وإجالة فكرية، فما أجمل الساعات الطوال التي قضيناها في تطوافنا في أزقة البلدة العتيقة بتونس، وكنا نلتقي صفوة العلماء والباحثين كالفقيه الجليل الشيخ عبدالرحمن خليف، والباحثة القديرة الدكتورة هند شلبي، والشيخ الدكتور محي الدين قادي، وأستاذي الكبير الدكتور أبولبابة حسين وغيرهم الكثير، وكان يحدثني عن الجيل الذي مضى كالشيخ الحبيب المستاوي والد صديقنا العزيز الشيخ صلاح الدين المستاوي، وكشيخه الشيخ الفاضل بن عاشور وغيرهم.
وكان رحمه الله أسخى الناس بالفائدة العلمية، يتتبَّعها فيقتنصها ثم يوزِّعها على طلابها، وهو أمرٌ يشهد له به طلابُه في جامعة أم القرى. لقد كنتُ أوَّلَ طالبٍ أشرف عليه، ومن طريف ما وقع منه أنْ قال لي: ملاحظاتي تنقسم إلى ثلاثة أقسام فالأول أنت ملزم بتعديله لأني أراه خطأً محضًا، والثاني أنت مخيَّر فيه، لكن لو اعترض عليك أحد المناقشين فدافع عن نفسك، والثالث ما أطلب تعديله لقناعتي بضرورة التعديل ولا أفرضه عليك، ولك أن تخالفني لكن عليك أن تذُبَّ عن نفسك وتحتجَّ لرأيك إنْ اعترَضْتُ عليك أثناء المناقشة.
وهذا ما حدث فقد خالفته في العديد من المسائل، وفي يوم المناقشة أبدى رأيه وحجَّته، وطلب مني أنْ أبدي حجتي، ولم يكن مرادُه رحمه الله أنْ يُحرجني، بل كان يريد أن أُفصِح عن نفسي أمام لجنة المناقشة.
لقد كان رجلاً عظمته في أعماله الجليلة مع بساطته، فقد كان سمحًا سهل المأخذ، بعيدًا عن المراء والجدل، ينصت لجلسائه، فلا يتحدث إلا إذا فرغوا واستشرفوا لحديثه، فإذا تكلم حكى ما عنده من علمٍ أوخبر يسنده لقائله كما علِمه، ومما استفدته منه أنه إذا ذكر واقعة أوحدثًا فإنَّه يحرص على الأمانة العلمية في النقل، فيحكي الواقعة كما يعلمها بتفاصيلها، ويترك للمستمع التحليل والتفسير.
كان رحمه الله تقيَّاً نقيَّاً عزيز النفس أبيًَّا، وقد باح لي ببعض ما عرض عليه من مناصب، فلم يرض أن يبيع آخرته بدنياه فضلاً عن دنيا غيره. فعاش عيشة الكفاف، اشترى رضا مولاه فأعتق نفسه فلم يكن أسير مالٍ ولا جاهٍ ولا منصب، فتنفَّس رائحة الحريَّة وعاش السعادة في الدنيا وهو الآن يعيش سعادة العالم الآخر إن شاء الله تعالى.
إن الكتابة مني عن أستاذي لا يصح أن أختزل منها هذه الأسطر التي كتبتها غير راضٍ عنها، كتبتها عفو الخاطر، لكن ما لا يُدرك كله لا يترك جلُّه.
رحم الله الفقيد وجمعنا به في مستقر رحمته.
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,140
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
رد: في ذكرى أستاذ المحققين د. محمد أبو الأجفان يرحمه الله

لقد كان رجلاً عظمته في أعماله الجليلة مع بساطته، فقد كان سمحًا سهل المأخذ، بعيدًا عن المراء والجدل، ينصت لجلسائه، فلا يتحدث إلا إذا فرغوا واستشرفوا لحديثه، فإذا تكلم حكى ما عنده من علمٍ أوخبر يسنده لقائله كما علِمه، ومما استفدته منه أنه إذا ذكر واقعة أوحدثًا فإنَّه يحرص على الأمانة العلمية في النقل، فيحكي الواقعة كما يعلمها بتفاصيلها، ويترك للمستمع التحليل والتفسير.
صدق والله!
 

محمد المالكي

:: عضو مؤسس ::
إنضم
28 ديسمبر 2007
المشاركات
299
التخصص
الفقه
المدينة
مكة
المذهب الفقهي
000
رد: في ذكرى أستاذ المحققين د. محمد أبو الأجفان يرحمه الله

شكرا لتنسيق الموضوع بهذه الطريقة
فقد عجزت عن ذلك, ولم استطع إلا ارفاق الروابط.
 

محمد المالكي

:: عضو مؤسس ::
إنضم
28 ديسمبر 2007
المشاركات
299
التخصص
الفقه
المدينة
مكة
المذهب الفقهي
000
رد: في ذكرى أستاذ المحققين د. محمد أبو الأجفان يرحمه الله

وليت الدكتور قيس أطال الكلام, وزاد عدد الحلقات.
وعلى كل حال جزاه الله خيرا, ورحم الله شيخنا الدكتور محمد أبو الأجفان.
 
أعلى