العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

فضائل الصيام

إنضم
5 مايو 2012
المشاركات
20
الكنية
مارديني
التخصص
الفقه المقارن
المدينة
دمشق
المذهب الفقهي
الشافعي
بسم الله الرحمن الرحيم
فضائل الصيام
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال قلت: يا رسول الله مُرنِي بعمل يدخلني الجنة، فقال صلى الله عليه وسلم: «عَلَيكَ بِالصَّومِ فإنَّهُ لا عِدلَ لَهُ» ثم أتيته الثانية فقال: «عَلَيكَ بِالصَّومِ فإنَّهُ لا عِدلَ لَهُ». أخرجه النسائي (2222) وأحمد (22203) وابن خزيمة (1393) وابن حبان (3426) وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.
إن الصوم يعتبر أعظم مربٍّ للإرادة، وهو كابح لجماح أهوائها، وإن أعظم آثار الصوم شأناً، وأنصعها برهاناً، وأعلاها خطراً، ما يتركه في نفس العبد من مراقبة لله عز وجل، وهو مدرسة يتعلم فيها العبد الإخلاص فلا أحد يعلم ما بداخله هل هو مفطر أم صائم إلا الرب سبحانه، يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: «كُلُّ عَمَلِ ابنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيامَ هو لِي وأنا أجزي بهِ». أخرجه البخاري (1805) ومسلم (1151). وذلك لما فيه من دلائل الإخلاص والعمل الذي يُبتَغى به وجهه عز وجل.
وفضائل الصوم كثيرة ومما يذكر منها:
1- الصوم يرفع درجات الصائمين ويعلي مراتبهم: لما فيه من الصبر على ترك الأمور التي نهى الله سبحانه عنها في أوقات محددة؛ لذلك كان أجر الصائمين فيه كبيراً، قال تعالى: }إنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجرَهُم بِغَيرِ حِسَابٍ{ [الزمر 10].
2- الصوم عبادة خاصة بين العبد وخالقه: وقد جاء في الحديث القدسي: «الصَّومُ لي وأنا أجزِي بِهِ». أخرجه البخاري (7100) وأحمد (10561).
3- الصوم كفارة للخطيئات: قال عمر رضي الله عنه من يحفظ حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ فقال حذيفة رضي الله عنه: أنا سمعته صلى الله عليه وسلم يقول: «فِتنَةُ الرَّجُلِ فِي أهلِهِ وَمالِهِ وَنَفسِهِ وَوَلَدِهِ وَجارِهِ يُكَفِّرُها الصِّيامُ والصَّلاةُ والصَّدَقَةُ والأمرُ بِالمَعروفِ والنَّهيُ عَنِ المُنكَرِ». أخرجه البخاري (502) ومسلم (144).
4- الصائم يحظى بالرحمة تَنْزِل عليه من رب العزة سبحانه وملائكته: يقول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلَى المُتَسَحِّرِينَ». أخرجه أحمد (11101) وابن حبان في صحيحه (3467) والطبراني (6434). وقال شعيب الأرناؤوط: حديث صحيح.
والصلاة من الله رحمة، ومن الملائكة استغفار، فما أكرم هذه العبادة التي يحصل بها المسلم على رحمة الله تعالى، واستغفار ودعاء الملائكة له، فإذا نزلت الرحمة والبركة على الصائم وهو يتسحر فإنه سيحظى بها بقية يومه، بل بقية عمره.
5- الصوم يقي الإنسان من النار: يقول صلى الله عليه وسلم: « مَنْ صامَ يوماً في سبيلِ اللهِ باعدَ اللهُ وجهَهُ عن النَّارِ سبعينَ خريفاً». أخرجه البخاري (2685) ومسلم (1153).
6- الصوم يفتح للصائم باب الريان: وهذا الباب لا يدخله إلا الصائمون، فإذا دخل آخرهم أُغلِقَ لا يدخل منه أحد غيرهم، من دخل شَرِبَ، ومن شرب لا يظمأ أبداً، فعن سهل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إنَّ في الجنَّةِ باباً يقالُ له الرَّيّان يدخلُ منه الصّائمون يومَ القيامةِ لا يدخلُ منه أحدٌ غيرُهم يقالُ: أينَ الصّائمونَ؟ فيقومونَ لا يدخلُ منهُ أحدٌ غيرُهم، فإذا دخلوا أُغلقَ فلن يَدخلَ منهُ أحدٌ». أخرجه البخاري (1797) ومسلم (1152). والرَّيّان: صيغة مبالغة من الري وهو نقيض العطش.
7- الصوم طريق للدخول إلى الجنات: يقول تعالى: }كُلُوا وَاشرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسلَفتُم فِي الأَيَّامِ الخَالِيَةِ{ [الحاقة 24]. قال مجاهد وغيره: نزلت في الصائمين.
ويقول صلى الله عليه وسلم: «مَن خُتِمَ لَهُ بِصِيامِ يومٍ دَخَلَ الجَنَّةَ». أخرجه البزار (2854).
8- الصوم يشفع لصاحبه يوم القيامة: يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الطويل الذي رواه عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إني رأيتُ البارِحة عجباً... ورأيتُ رجلاً مِن أُمتي يلهثُ عَطَشاً فجاءَهُ صيامُ رمضانَ فسقاهُ ...». ذكره صاحب كنز العمال (43592) وقال: أخرجه الحكيم الترمذي. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (11746).
9- الصوم سبب لفرح المسلم: يقول صلى الله عليه وسلم: «لِلصّائِمِ فَرحَتانِ فَرحَةٌ عِندَ فطرِهِ، وفَرحَةٌ عِندَ لِقاءِ رَبِّهِ». أخرجه مسلم (1151) والنسائي (2215) وابن ماجه (1638) وأحمد (7596).
10- للصائم دعوة لا ترد: يقول سبحانه وتعالى بعد ذكر آيات الصيام: }وَإِذَا سَاَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَليَستَجِيبُوا لِي وَليُؤمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرشُدُون{ [البقرة 186]. قال المفسرون: المعنى: إذا سألوك عن المعبود فأخبرهم أنه قريب يثيب على الطاعة، ويجيب الداعي، ويعلم ما يفعله العبد من صوم وصلاة وغير ذلك، مما يدل على قرب الاستجابة منه سبحانه بعد أداء العبادة وهي هنا الصوم.
ويقول صلى الله عليه وسلم: «ثَلاثٌ حَقٌ على اللهِ أن لا يَرُدَّ لَهُم دَعوَة: الصائمُ حتى يُفطِرَ، والمظلومُ حتى يَنتَصِرَ، والمسافرُ حتى يَرجِعَ». أخرجه البزار (8148).
11- الصوم فيه شكر المنعم: فعندما يشعر الإنسان أنه مبعد عن الطعام والشراب وما يحل له لوقت قليل محدد من النهار، فإنه يشكر الله تعالى على أنه لم يحرمه إياه دائماً، وهذا يجعله يندفع نحو المثوبات، ويكثر الصدقات والإحسان.
12- الصوم فيه رقة للقلب، وصيانة للجوارح: يقول صلى الله عليه وسلم: «قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: كُلُّ عملِ ابن آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيامَ فإنَّهُ لي وأنا أجزي بهِ، والصِّيامُ جُنَّةٌ، فإذا كان يومُ صَومِ أحدكُم فلا يرفُث يومئذٍ ولا يصخب فإن سابَّهُ أحدٌ أو قاتلهُ فليقُل إنِّي امرُؤٌ صائمٌ، والَّذي نَفسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلوفُ فَمِ الصّائِمِ أطيَبُ عندَ اللهِ يومَ القِيامَةِ مِن رِيحِ المِسكِ». أخرجه البخاري (1805) ومسلم (1151).
- بالإضافة إلى ما ذكر هناك الفوائد الصحية الجسدية:
13- فالصوم يريح الجسد من عناء الطعام والشراب: يقول صلى الله عليه وسلم: «ما ملأَ آدَمِيٌّ وِعاءً شَرّاً مِن بَطنٍ، حَسبُ الآدَمِيِّ لُقَيماتٌ يُقِمنَ صُلبَهُ، فإن غَلبَت الآدَمِيَّ نَفسُهُ، فَثُلُثٌ لِلطَّعامِ، وَثُلُثٌ لِلشَّرابِ، وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ». أخرجه النسائي في سننه الكبرى (6768) وابن ماجه (3349) وابن حبان (5236) وقال شعيب الأرناؤوط: حديث صحيح، والحاكم (7945) وقال الذهبي: صحيح.
وقد أثبتت الدراسات العلمية أن الصوم وحده كافٍ في تطهير الجسد من جميع السموم والرسوبيات المضرة، يقول الدكتور "إدوارد بوي" الأمريكي: ما من داء أو مرض إلا وخارت قواه أمام الصوم، ولقد مضى عليَّ زهاء ست وعشرين سنة أعالج فيها المرضى بالإمساك عن الطعام إلى أن ترجع شهيتهم الصادقة، وصحتهم الكاملة.
ويقول الدكتور الأمريكي الشهير "كارلو" عن صيام رمضان وفوائده: إن الانقطاع عن الطعام مدة كل عام، واجب صحي وفريضة طبية سواء كان الصائم غنياً أو فقيراً؛ لأن الجراثيم ما دامت تجد الطعام متوفراً في جسد الإنسان فإنها تنمو وتتكاثر، ولكنها بالصوم تضعف وتذبل.
وقد امتدح الدكتور "كارلو" دين الإسلام فقال: إنه يعتبر أحكم الأديان، حيث فرض الصيام وفرض الصحة، ثم قال: إن محمداً الذي جاء بهذا الدين كان خير طبيب وفق في إرشاده وعمله، حيث كان يأمر بالوقاية من المرض، وقد ظهر ذلك في صيام شهر رمضان، وفي صلاة التراويح في كل يوم من رمضان، حيث إن لهذه العملية الرياضية فائدة كبرى في هضم الطعام.
ثم يقول: إنه مرض مرضاً طال أمده، وعجز عن علاجه، وكان يلازمه طبيب مسلم في أمريكا فحرضه على الصيام، فصام معه شهر رمضان لا عن تدين، ولكن على أمل الصحة، ولا عن عبادة، ولكن رغبة في أن يشفى، فوجد أن صحته تحسنت كثيراً أثناء رمضان، ولذلك فإنه إلى الآن يصوم كل سنة شهراً كما يصوم المسلمون شهر رمضان كل عام.
نعم إن رمضان يريح الجسد من عناء الطعام والشراب؛ لأن الانقطاع عنهما من الفجر إلى الغروب تحترق بواسطته الفضلات المتولدة عن الطعام، وتجف السوائل الزائدة والمتراكمة في الجسم، وبالصوم يجد الجهاز الهضمي راحة له، وتنشط الغدد الهاضمة، وتقوى فيها خاصية الإفراز مع الزيادة في مقدارها.
كما أن الصوم يتلف الأنسجة الميتة التي لا نفع لها.
يقول الدكتور "إدوارد بوي" الأمريكي: إن القلب يجد في الصوم نفعاً كبيراً؛ لأنه لا ينفق من قوته خلال عملية الصوم إلا خمسين بالمائة، بسبب أن الخلايا الضعيفة تندثر وتنقص ولا يبقى منها إلا ما كان قوياً سالماً، وأن الدم يتناقص تدريجياً ويخفف من عمل القلب، أما مرور الدم وخلوه من المواد الغذائية ففيه راحة للقلب كبيرة.اهـ
ولكن إخوتي الأكارم:
ليتنا لا نصوم من أجل فوائد الصوم بل إخلاصاً لله عز وجل، وأنه هو الذي أمر به سبحانه فلا بدّ من الإتيان به سواء كانت له فوائد أم لم تكن؛ لأن الإخلاص مطلوب في كل عمل حتى يكون مقبولاً عنده سبحانه، علماً أن الفوائد الصحية الجسدية تأتي لوحدها فهي تحصيلٌ حاصلٌ دون قصد منّا بإذن الله تعالى.
وليتنا نفطر الإفطار الصحيح، حتى لا نتعب هذا القلب والجسد بعد استراحته الطويلة؛ لنستفيد من صومنا في الدنيا والآخرة.
والله من وراء القصد والحمد لله رب العالمين.
تقبل الله منا ومنكم وجمعنا بحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة وجعلنا نشرب من يده الشريفة شربة لا نظمأ بعدها أبداً آمين يارب العالمين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
أعلى